((وماذا بعد الحج))
algehani algehani
1440/12/13 - 2019/08/14 17:45PM
((وماذا بعد الحج))
الخطبه الأولى
الحمدُ لله أتمَّ علينا النِّعمَةَ وأكملَ لنا الدِّين، ونشهد ألا إله إلا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ رَبُّ العالَمِينَ، ونَشهَدُ أنَّ مُحمَّدَا عبدُ الله ورسولُه المُصطفى الأمينُ، صلَّى الله وسلَّم وبارك عليه وعلى آلِهِ وأَصحَابِهِ وأَتبَاعِهِ بِإحسانٍ وإيمانٍ إلى يوم الدِّين وسلم تسليماً كثيرا.
أمَّا بعدُ: فاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ وَعَظِّمُوهُ وتَزَوَّدُوا مِنَ الْبِرِّ وَالتَّقْوَى، وَجَانِبُوا الْإِثْمَ وَالْهَوَى
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ )
ثم إعلموا رحمكم الله أن في مرور الأيام قرب للآجال ، وبسرعة مرور الزمان نذير خطر عند أهل العرفان.
وها قد إنقضى (عباد الله) موسم من أشرف مواسم أهل الإسلام، مرّت الأيام المعلومات ثم الأيام المعدودات،
أيامٌ كانت محملةً بالخيرات والمسرات والفضائل والبركات،
ذهب الحجيج وعاشوا رحلة الحج الأكبر، وتنقلوا بين المشاعر، وتعرضوا للنفحات؛ طمعاً في رضا رب الأرض والسماوات،
وبقي أقوام في الديار، وأدركوا عرفة والعيد في الأمصار، وفي المشاعر والأمصارتجلت دروس وضُربت صُور لا يمكن حصرها.
ففي الحج (عباد الله) رأى الحُجاج أن لا فوارق بين المسلمين، وأن الجميع في ذات الله إخوةٌ مادام الدين يجمعهم.
علم الحجيج بأن المرء بقدر ما يذل لربه
بقدر ما يقرب منه،
فمواطن الحج لا افتخار فيها ولا تعالي، الجميع فيها سواء، ومن ينازع الله الكبرياء يعذبه.
علم الحجاج أن الدنيا عابرة، وأن المرء يقدر على العيش منها باليسير.
رأى الحجاج عظمة الدين يوم أن رأوا طوفاناً من البشر من كل بلد، يأتون لقبلة المسلمين، مجيبين نداء رب العالمين.
ولن ينسى الحجاج الموقف العظيم بعرفات، حين كانت العيونُ دامعةً، والأكفُ مرفوعةً، والقلوبُ مخبتة، الجميع عرف هناك فقره لربه وذله لعزة خالقه، فيا له من مشهد عظيم حلت فيه مغفرة الله على كثير من أهل ذلك المشعر.
ومن دلائل عظمة الله في تلك المشاعر، أن ترى ألواناً من الناس كلٌ يدعو ربه بلغة، كلٌ يطلب ربه حاجة، كلٌ يناجيه بخفي الصوت، حاجاتٌ مختلفة، ولغاتٌ مختلفة، واللهُ لا تختلف عليه حاجةٌ، ولا يشغله طلبٌ عن طلب، بل يسمع ذلك كله، فيجيب سؤالاً، ويغفر ذنباً، ويكشف كرباً، ويشفي مريضاَ، ويغني فقيراً، وهو على كل شيء قدير.
وكل تلك المشاهد والصور والأحوال تذكر الحجاج وغيرهم بموقف القيامة واجتماعه،
أما في الأمصار فبشائر الخير لم تنقطع، فيوم عرفة صار كأنه يوم من أيام شهر رمضان، لكثرة صائميه من الصغار والكبار، والمسلمون في كل مكان تراهم مقبلون على شراء الأضاحي حتى سالت الطرقات بدماء القربة لله، وامتلأت مصليات الأعياد، وصور الخير أكثر من ذلك، والخير في الأمة باق!
فهنيأً لمن وفق لتلك الطاعات والقربات
فيا من عشتم الحج بمشقته وجهاده
أليس التعب قد ولّى؟
يا من صمتم أيام العشرالمباركات
أليس الجوع والعطش قد إنقضى؟
كذلك هي الدنيا تمضي بنا، بمن أطاع وبمن عصى، ولن تستقر بنا إلا على شفير القبر،
فطوبى لمن ربح! وويل لمن أساء!.
ألا فليعلم كل أحدٍ أن الله غني عنا وعن طاعاتنا، ولكنه رحيم بنا يوم أن وفقنا للخير، وشرح صدورنا له،
وأعمالُنا -مهما كثرت- فلن ندخل الجنة إلا برحمة الله، وإن رباً وفقنا للطاعة وهدانا للإسلام لحقيق أن تتوجه القلوب له بالحمد والثناء ، فالحمد لله على تيسيره وإعانته وهدايته
ونسأله سبحانه الثبات على الدين وأن لا يحرمنا من فضله .
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم
ونفعني وإياكم بمافيه من الآيات والذكر الحكيم أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم
ولسائر المسلمين من كل ذنب فأستغفروه وتوبوا إليه
إنه هو الغفور الرحيم
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمداً كثيراً كما أمر وأشكره سبحانه وقد تأذن بالزيادة لمن شكر وأصلي وأسلم على نبي الهدى الشافع المشفع بالمحشر صلى الله عليه وعلى آله وصحابته خير معشر . أمابعد ...
عباد الله!
إن كان الحج قد انقضى فإن دروس الحج لا بد أن تبقى،
فيا من شهدتم الحج لقد علمنا الحج الامتثال لأمر الله وإن خالف أهواءنا
وأن نسلّمُ الأمر لله وإن غابت حكمته عنا
ونسلّم أنه ما أمر الله بشيء إلا والحكمة فيه.
لقد علَّمكم الحج (عباد الله) قدر العلماء،فالحجاج في كل حركاتهم في نسكهم يرجعون إلى العلماء ولا يخالفونهم، فهل يدوم الأمر، ونعرف للعلماء قدرهم، ونقف عند فتاويهم ؟.
لقد كان الحجاج في حجهم يتحرون ويتورعون من أشياء يسيرة من المحظورات
خشية أن تؤثر على حجهم،
ألا فلنتورع عن المحرمات من الأعمال والأقوال والأموال؛ لئلا تؤثر على قلوبنا وإيماننا.
يا من شهدتم الحج: لقد علمكم الحج أن السعادة هي سعادة الطاعة، وأنها ليست بالمظاهر الجوفاء، ولا ببهارج الدنيا،
يا من شهدتم الحج: لقد أراكم الله حين لبستم ثياب الإحرام كيف زالت المظاهر، وتساوت الرؤوس، فإن كان هذا في دار الدنيا فإن الأعظم من ذلك يوم أن يقوم الناس لرب العالمين، تساوت رؤوسهم، وعريت أبدانهم، ولم يبق لهم إلا أعمالهم، فهناك تذهب المناصب وتزول المظاهر ولا يبقى للمرء إلا ما قدم من عمل.
يا من شهدت المشاعر: أحسِن الظن بالله، وأعلم أن من علامة القبول أن تعود وقد تبدلت حال السوء منك إلى صلاح، وأتبعت حسنات الحج بالحسنات، فإن من علامة قبول الحسنة الحسنة بعدها.
عباد الله / إن كانت رحلة الحج قد انتهت، وعاد الحجيج إلى ديارهم ، فثمة رحلةٌ من إرتحلها ولبس البياض فيها فلن يعود إلى دنياه أبداً فماذا أعددنا لتلك الرحلة القريبة الطويلة؟.
اللهم أحسن خاتمتنا وإجعل خير أيامنا يوم أن نلقاك وأنت راضٍ عنا
هذا وصلوا رحمكم الله على إمام المتقين، وسيد الأولين والآخرين فقد أمركم الله بذلك فقال عز من قائل (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً)
اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وآله الطيبين الطاهرين، .
اللهم أعزّ الإسلام والمسلمين، وأذلّ الشرك والمشركين، ودمّر أعداء الدين،
اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا وإجعل ولايتنا فيمن خافك وإتقاك وإتبع رضاك
(ربنا آتنا في الدنيا حسنةً وفي الآخرة حسنةً وقنا عذاب النار)
)عباد الله) إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي
يعظكم لعلكم تذكرون
فأذكروا الله العظيم الجليل يذكركم
وأشكروه على نعمه يزدكم
ولذكر الله أكبر والله يعلم ماتصنعون