وماذا بعدَ أن أدركتَ رمضان ؟ *قصيرة* .
عبدالرحمن المهيدب
أما بعد ..
فيا عبد الله .. ماذا بعد أن بلغتَ رمضان ؟ كم اشتاقت قلوبنا لهذا الشهر العظيم ؟ وكم تقطعت لبلوغ هذا الموسم الكريم ؟ بل كم تحسّرت نفسٌ حُرِمَت عطاياه, وقصُرت عن بلوغ لياليه. نعم ! ماذا بعد أن بلغتَ رمضان؟ هل استشعرتَ –عبدَ الله- هذه النعمة التي تعيشُها ؟ وهل تصوّرت هذه المنة التي بُلِّغتَهَا ؟ واللهِ إنها نعمةٌ عظيمة, لن تعرِف قدرَها إلا بعد أن ترى أثَرَها يوم القيامة, فاسمَع بقلبك يا عبدَ الله إلى حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال ".. أتاكم شهرُ رمضانَ ، شهرٌ مبارَكٌ ، فرض اللهُ عليكم صيامَه ، تُفَتّحُ فيه أبوابُ الجنَّةِ، و تُغلَق فيه أبوابُ الجحيم ، وتُغَلُّ فيه مَرَدَةُ الشياطينِ ، وفيه ليلةٌ هي خيرٌ من ألف شهرٍ ، من حُرِمَ خيرَها فقد حُرِمْ " رواه النسائي وصححه الألباني.
" وتأمل إلى هذا العطاء الكريم: يقول النبي عليه السلام " إذا كانَت أوَّلُ ليلةٍ من رمَضانَ صُفِّدتِ الشَّياطينُ ومَردةُ الجِنِّ وغلِّقت أبَوابُ النَّارِ فلم يُفتَحْ منها بابٌ, وفُتِحت أبوابُ الجنَّةِ فلم يُغلَقْ منها بابٌ, ونادى منادٍ يا باغيَ الخيرِ أقبِلْ, ويا باغيَ الشَّرِّ أقصِر, وللَّهِ عتقاءُ منَ النَّارِ وذلِك في كلِّ ليلةٍ " رواه الترمذي وابن ماجه وصححه الألباني.
عبدَ الله؛ هل سألتَ نفسك ما الذي فطر القلوب على الاشتياق لرمضان ولأي شيء اشتاقت ؟ إن القلوب السليمة تشتاق إلى روحانيّة رمضان, وترتاح لسكينته , تطمئن لذكر الله ومناجاته.. ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ .. فما أسعدَ قلب المؤمن بقراءة القرآن, وما أسعد روحه بالصلاة والقيام, وما أسعد بدنه بصوم رمضان.
ما أسعد من تعرضّ لنفحات الرحمن, ففاز بعظيم الأجر والغفران: " ورَغِمَ أنفُ رجلٍ دخلَ علَيهِ رمضانُ ثمَّ انسلخَ قبلَ أن يُغفَرَ لَهُ "
اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا, وتولَّ أمرنا يا رب العالمين ..
-------------------
الحمد لله كما ينبغي لجلاله وجماله وكماله وعظيم سلطانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه ...
أما بعد .. وصف الله شهر رمضان فقال ﴿أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾, صدَقَ الله أيام معدودات! إن هذا الشهر ما هو إلا أيام معدودات, فسُرعان ما تتصرَّم أيامه وتنقضي لياليه, ويا فَوز من استغلّ دقائقه قبل ساعاته وأيامه, فيا عبدالله قدِّم لنفسك, وسابق وبادِر, وتذكّر: قولك عند فِطرِك: "ذهب الظمأ وابتلّت العروق وثبت الأجر عن شاء الله " , فمهما بلغَت مشقة الطاعة, إلا أن حلاوتها تطغى عليها, وستعلم حين ترى أجرها أن مشقتها زالت, وحان موعد الحصاد, فبادروا عِبادَ الله إلى فعل الطاعات في هذا الشهر العظيم, فعملُ الصالحات لا يقتصر على الصيام والقيام وقراءة القرآن -مع عظم هذه الأعمال-, فأبواب الخير متنوعة وأساليبه متعددة, فمن وُفِّق للقيام على الأرامل والمساكين, فلا يُقصِر, ومن فتح الله عليه في نفع الآخرين فلا يُحجِم ,فأبواب الجنة ثمانية .. أسأل الله أن يجعلنا ممن يُدعى من أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء. اللهم وفقنا لفعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين, وأن تغفر لنا وترحمنا, اللهم أعنا على استغلال هذا الشهر الكريم بما فيه نفع لنا ورفعة في درجاتنا, اللهم واجعله شهر عز وتمكين للإسلام والمسلمين.
اللهم إنا نعوذ بك من الوباء والبلاء, والزنا والزلال والمحن, ما ظهر منها وما بطن. اللهم كن لإخواننا المستضعفين في كل مكان, اللهم اجبر كسرهم, واشف مريضهم, واكسُ عاريهم وأطعم جائعهم, اللهم وانصرهم على من بغى عليهم.
اللهم وفق ولاة أمور المسلمين لما فيه نصر للإسلام وتوفيقٌ للمسلمين, اللهم وفق ولي أمرنا لما تحب وترضى, وخذ بناصيته للبر والتقوى, وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.