{وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ ..} 9/11/ 1445ه

د عبدالعزيز التويجري
1445/11/08 - 2024/05/16 11:40AM

الخطبة الأولى:{وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً}    9/11/ 1445ه

الحمد لله، كتب العزة للمسلمين بالإسلام، أحمده سبحانه وتعالى وأشكره على جزيل الفضل والإنعام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله ، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه والتابعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين. أما بعد:

 فاتقوا الله أيها المؤمنون {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى}،{وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ}.

بيتُ اللهِ المعظم هو ملتقى جموع المسلمين، وقبلةُ أهل الإسلام، تتوجه إليه القلوب والأبدان، ويفد إليه الحجاجُ والعمار رجالاً ونساءً: {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ}

 وفي أم القرى قرتْ عيونٌ  **  عشيةَ لاحَ زمزمُ والحطيمُ

أي قلب لايتقطع اشتياق لتلك الربوع، وأي فؤاد لايطمئن بذاك الرضاب، وفضائله تقرع الآذان، وتشق الأسماع من كلام سيد الأنام عليه الصلاة والسلام: «تَابِعُوا بَيْنَ الحَجِّ وَالعُمْرَةِ، فَإِنَّهُمَا يَنْفِيَانِ الفَقْرَ وَالذُّنُوبَ كَمَا يَنْفِي الكِيرُ خَبَثَ الحَدِيدِ»، «الْعُمْرَةُ إِلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا، وَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الْجَنَّةُ» متفق عليه.

فوا شوقنا نحو الطوافِ وطِيِبه  **   فذلك شوقٌ لا يُعَبرُ معناه

               فكم لذةٍ ، كم فرحةٍ لطوافـــهِ  **  فللهِ ما أحلى الطواف وأهناه

 عُمَرُ النبيِّ r كلها في ذي القعدة، قَالَ أَنَسٌ بْنُ مَالِكٍ رضي الله عنه: " اعْتَمَرَ النَّبِيُّ r أَرْبَعَ عُمَرٍ كُلُّهُنَّ فِي ذِي الْقَعْدَةِ" أخرجه مسلم.

وذي القعدة من أشهر الحج، الحجُ الذي هو موكبُ الإسلامِ ومظهره، ولُبابُ حسهِ وجوهره..مشهده العظيم، ونديه الكريم.. الحجُ ركنُ الإسلام، وأحد مبانيه العظام، {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} ، «مَنْ حَجَّ لِلَّهِ فَلَمْ يَرْفُثْ، وَلَمْ يَفْسُقْ، رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ» متفق عليه.

         هنيئاً لمن حجَ بيت الهدى ... وحطَّ عن النفسِ أوزارها

الحج أمنيةُ كلِ مسلم ، وأنسُ كلِ مؤمن، وبُلغةُ كلِ منقطع لربه.. تتقطعُ القلوبُ  اشتياقً إليه، وتحتفي الأقدامُ مشيا إلى عرصاته ، وتبح الحناجر تلبية لدعوته {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ}

لا تلامُ النفوسُ وهي تتلهفُ أخباره ، وتلهث لبلوغه، وتدفع الغالي والنفيس من أجل الحصول للوصول إليه .. ياحبذا الحج وأيامُ مِنَى ... ومُصلّانا وتقبيلُ الحجر

الحجُ مع مشقتهِ مرغوب، ومع نصبه محبوب ..

الحج جماله ببساطته، وبهائه بقلة الكلفة فيه. كانت أَسْمَاءَ بنت أبي بكر رضي الله عنهما  كُلَّمَا مَرَّتْ بِالحَجُونِ تَقُولُ: صَلَّى اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مُحَمَّدٍ لَقَدْ نَزَلْنَا مَعَهُ هَا هُنَا، وَنَحْنُ يَوْمَئِذٍ خِفَافٌ، قَلِيلٌ ظَهْرُنَا، قَلِيلَةٌ أَزْوَادُنَا، فَاعْتَمَرْتُ أَنَا وَأُخْتِي عَائِشَةُ، وَالزُّبَيْرُ، فَلَمَّا مَسَحْنَا البَيْتَ أَحْلَلْنَا ثُمَّ أَهْلَلْنَا مِنَ العَشِيِّ بِالحَجِّ» متفق عليه.

هناك بين الحطيمِ وزمزمِ، وعلى ثرى مزدلفةَ وعرفات، تعود الذكريات، حين مشى عليها أطهرُ نفسٍ أحرمت، وأزكى روحٍ هتفت يُعلن التوحيد ويكسر الوثن والإلحاد.

        كأنني برسول الله مرتدياً          ملابس الطهر بين الناس كالقمرِ

        ملبياً رافعاً كفيه في وجلٍ          للـــــهِ في ثوبِ أوّابٍ ومفتقــــــــــــــــــر

ومن تمنى بصدقٍ بلوغَ تلك المشاعرِ العظام، وترقرقت محاجره متلهفاً لأداء هذا النسك العظيم ، ولم يستطع لذلك سبيلاً لمرض ألم وبه وأقعده عن المسير، أو لقلةِ ذاتِ اليد ولم يقدر لغلاء أسعاره ، أو لم يجد تصريحاً لبلوغه، فإن الله يعذره {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً}، ويحتسب بجلوسه توسعةً لإخوانه، وطاعةً لولي أمره، وأخذاً بفتوى هيئة كبار العلماء بإثم من حج بلا إذنٍ ولاتصريح، والله جل وعلا يُبَلغه بكرمه أجرَ نيته «إِنَّ بِالْمَدِينَةِ أَقْوَامًا، مَا سِرْتُمْ مَسِيرًا، وَلاَ قَطَعْتُمْ وَادِيًا إِلَّا كَانُوا مَعَكُمْ، حَبَسَهُمُ العُذْرُ» شاركوكم الأجر . متفق عليه.

 وفي مسند الإمام أحمد قال عليه الصلاة والسلام " مَثَلُ هَذِهِ الْأُمَّةِ مَثَلُ أَرْبَعَةِ نَفَرٍ: رَجُلٌ آتَاهُ اللهُ مَالًا وَعِلْمًا، فَهُوَ يَعْمَلُ بِهِ فِي مَالِهِ يُنْفِقُهُ  فِي حَقِّهِ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللهُ عِلْمًا وَلَمْ يُؤْتِهِ مَالًا، فَهُوَ يَقُولُ: لَوْ كَانَ لِي مِثْلُ مَالِ هَذَا، عَمِلْتُ فِيهِ مِثْلَ الَّذِي يَعْمَلُ " قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ r: " فَهُمَا فِي الْأَجْرِ سَوَاءٌ " الحديث ..

ولكن الخسران والحرمان أن يُهدر الإنسانُ الأموالَ في تنزهٍ وسياحةٍ وتوسعٍ، ثم يُحجمُ عن الحجِ ويرى نفسَه مع غيرِ المستطيعين.. وفي سنن الترمذي عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ r فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا يُوجِبُ الحَجَّ؟ قَالَ: الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ.

قال الترمذي هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَعَلَيْهِ العَمَلُ عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ: أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا مَلَكَ زَادًا وَرَاحِلَةً وَجَبَ عَلَيْهِ الحَجُّ.

الحج أشهر معلومات، وأيام معدودات، يُعلن فيه أنه لا يُدْعى مع الله احدا  {وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا} ، {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}.

 

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم وبعدي سيد المرسلين ، وأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي ولَكُمْ وللمسلمين والمسلمات فاستغفروه إن ربنا لغفور شكور.

الخطبة الثانية :الحمد لله أمر أن لا تعبدوا إلا إياه ، مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ، وصلى الله وسلم على خير خلق الله أما بعد ..

  الحج فرصة لمن ناله ووصل لتلك الرحاب الطاهرة الآمنة الوادعة، لاكتمال ركن الإسلام، ومحط لمحي الأوزار ، وبلغة لهدم جاهلية الإنسان وتجديد الإيمان.. وفي صحيح مسلم قال النبي r لعَمْرٍو بْنَ الْعَاصِ t «أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْحَجَّ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ؟» وتحقيق ذلك في قوله سبحانه {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} من فرض الحج فاليتعلم مناسكه، واليحج كما حج المصطفى r ، شعاره " لعل خفاً يقع على خف"، وليحفظ بصره، وليمسك لسانه إلا من ذكر الله وما والاه .

الحج إخلاصٌ وطاعةٌ وإنابة، لا مباهاة ورياءً وتصوير.. قال أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ t: حَجَّ النَّبِيُّ r عَلَى رَحْلٍ، رَثٍّ، وَقَطِيفَةٍ لَا تُسَاوِي أَرْبَعَةَ دَرَاهِمَ، ثُمَّ قَالَ: «اللَّهُمَّ حَجَّةٌ لَا رِيَاءَ فِيهَا، وَلَا سُمْعَةَ».

الحجُ دعاءٌ وإخباتٌ، ورجاء، مع حسن اتباع، ثم ليبشر بعدها بكرم الله وعطائه وقبوله فالله لا يضيع أجر من أحسن عملا ..

اللهم يسر على الحجاج حجهم وتقبل منهم يارب العالمين ، اللهم من اراد بنا أو بالحجاج والمسلمين سوءً أو إيذاءً ، فأشغله في نفسه ورد كيده في نحره وارح المسلمين من شره .. احفظ علينا أمننا وإيماننا وعقيدتنا وبلادنا ..

اللهم أصلح ولاة أمورنا .....

اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد .......

المرفقات

1715848942_{وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً}.pdf

1715848994_{وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً}.docx

المشاهدات 1417 | التعليقات 0