( وَلَا يَسْرِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ ... )

مبارك العشوان
1436/06/20 - 2015/04/09 15:21PM
إن الحمد لله ... أما بعد فاتقوا الله... مسلمون.
عباد الله: آفة طالما أخافت الآمنين، وأذية لعباد الله المؤمنين وظلم أفسد على الناس عيشهم، وجلب لهم القلق ليلهم ونهارهم.
مرض يعاني منه مجتمعنا، ويعظم خطره ويزداد يوما بعد يوم في بلدنا؛ كم تسمعون من قضايا السرقة، والغصب، والنهب والسطو على الآمنين، وقهرهم، وأخذ أموالهم؟! كم تسمعون من الاعتداءات على الأشخاص، والبيوت، والمزارع والمحلات التجارية، والصرافات الآلية؟! كم تسمعون من قضايا سرقة السيارات والمواشي، والأسلاك الكهربائية وغيرها ؟!
جريمة عظمى، تلطخت بها أيدٍ آثمة، وقلوبٍ قاسية، ونفوسٍ خبيثة، لا تراعي لله تعالى ولا لعباده حقا، شياطين إنسٍ طغى عليهم حب المال والدنيا، حتى عموا عن الآخرة، وحتى عبدوا الدرهم والدينار، يجمعون المال لا يبالون بحلٍ ولا حرمة.
عباد الله: روى البخاري ومسلم من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( لَعَنَ اللَّهُ السَّارِقَ يَسْرِقُ الْبَيْضَةَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ وَيَسْرِقُ الْحَبْلَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ ).
السارق أيها الناس؛ ملعونٌ على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ مُبْعَدٌ مطرودٌ من رحمة الله جل وعلا، بعيدٌ عن كل خير قريبٌ من كل شر.
السارق عاصٍ لرب العالمين، مرتكب لكبيرة من كبائر الذنوب قُرنت في كتاب الله تعالى وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم بالشرك والزنا، ففي البخاري: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَحَوْلَهُ عِصَابَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ: ( تَعَالَوْا بَايِعُونِي عَلَى أَنْ لَا تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا تَسْرِقُوا وَلَا تَزْنُوا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ وَلَا تَأْتُوا بِبُهْتَانٍ تَفْتَرُونَهُ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ وَلَا تَعْصُونِي فِي مَعْرُوفٍ...) الخ. وقال صلى الله عليه وسلم: ( لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ ، وَلَا يَسْرِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَنْتَهِبُ نُهْبَةً يَرْفَعُ النَّاسُ إِلَيْهِ فِيهَا أَبْصَارَهُمْ حِينَ يَنْتَهِبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ ). رواه البخاري. ذنوبٌ عظيمة، وجرائمُ كبيرة، حذر الشرع من الوقوع فيها خطرُها على الإيمان شديد، وشرُها وضررُها على المجتمع والأمة مستطير.
مالُ السارق وكسبُه خبيث، وهو شرٌ عليه ووبال؛ إنْ أكَلَهُ أكل سُحتا، وإن أنفقه على عياله أطعمهم سُحتا؛ فكان غاشا لهم، وإن تصدق به لم يُقبل؛ فالله تعالى: ( طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا ) رواه مسلم.
السارق محروم من إجابة الدعاء ففي الحديث: ( ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ يَا رَبِّ يَا رَبِّ وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ ) رواه مسلم.
السارق: ظالمٌ لنفسه بالمعصية، ظالمٌ لنفـسه بتعريضها للقطع للعقوبة، وهو ظالمٌ معتدٍ مؤذٍ للمؤمنين، واقع في الإثمِ المبين متعرض لدعوة المظلومين؛ ففي الحديث: ( وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللهِ حِجَابٌ ) رواه البخاري ومسلم.
وهو متعرض لغضبِ رب العالمين، قال تعالى: { وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً } الأحزاب 58 قال المفسرون: بأيِّ نوعٍ من أنواع الأذى قول أو فعل، وقال قتادة رضي الله عنه: إياكم وأذى المؤمن فإن الله يَحُوطُهُ ويغضبُ له.
ولقد نهى الإسلام عن إخافة المسلم في ماله حتى على سبيل المزاح، ففي الحديث: ( لَا يَأْخُذَنَّ أَحَدُكُمْ مَتَاعَ أَخِيهِ لَاعِبًا وَلَا جَادًّا، وَمَنْ أَخَذَ عَصَا أَخِيهِ فَلْيَرُدَّهَا ) رواه أبو داود في سننه و حسنه الألباني. وكان الصحابة رضي الله عنهم يَسِيرُونَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَامَ رَجُلٌ مِنْهُمْ، فَانْطَلَقَ بَعْضُهُمْ إِلَى حَبْلٍ مَعَهُ فَأَخَذَهُ، فَفَزِعَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُرَوِّعَ مُسْلِمًا ) رواه أبو داود وصححه الألباني.
السارق أيها الناس مفلسٌ، متوعدٌ بالعذاب؛ مهما كان عنده من الصالحات؛ ففي الحديث: ( أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ قَالُوا الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ فَقَالَ إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا وَأَكَلَ مَالَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ) رواه مسلم. وخطب النبي صلى الله عليه وسلم الناس يوم النحر وقال: ( إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَــهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا ... ) رواه البخاري. وقال صلى الله عليه وسلم: ( كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ ) رواه مسلم.
السرقة هلاكٌ وفسادٌ للمجتمع، فلا يَهْنأُ بعيشٍ مجتمعٌ تكثر فيه السرقة، ولهذا لما كثرت في المجتمعات أرهقتهم طُرُقُ حفظ أموالهم؛ حتى وضعوا كاميرات للمراقبة تحسبا للسرقة واستأجروا الحراس تحسبا للسرقة، وجلبوا الكلاب تحسبا للسرقة، ووضعوا الأقفال تحسبا للسرقة، وأوصدوا الأبواب تلو الأبواب تحسبا للسرقة، وصُنِّعَتْ أجهزةٌ لكشفِ السرقة تحسبا للسرقة؛ حتى أصبح كل شيء يُخشى عليه من السرقة؛ قَلَّ ثمنه أو كَثُر!، ولشناعة هذه الفَعْلَةِ، وقُبحِها، وضررها، وعِظَمِ جُرْمِ فاعِلِها؛ عَظُم عقابها الدنيوي والأخروي، قال تعالى: { وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } المائدة 38 وسَرَقتِ امرأةٌ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأمر بقطع يدها، وغضب وتَلَوَّنَ وَجْههُ لما شَفَعَ أسامةُ رضي الله عنه في أمرِها، وقال: ( أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ ) ثم خطَبَ الناس و قَالَ: ( إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ، وَإِنِّي وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا ) الحديث رواه مسلم وفيه أنها كانت تَسْتَعِيرُ الْمَتَاعَ وَتَجْحَدُهُ.
ألا فاتقوا الله تعالى أيها الناس، وإياكم وما حرم عليكم واعلموا أنه قد جاء الحديث بأنه: ( لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أربع ومنها: عَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ ) فبماذا يجيب السارق إذا سئل يوم القيامة عما سرق.
ليعلم السارق أنه إن اختفى عن أنظار الخلق، فالخالق جل وعلا يراه، وأنه تعالى يملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته.
عباد الله: تواصوا بالحق، وتآمروا بالمعروف، وتناهوا عن المنكر، ربوا أولادكم ومن تحت أيديكم على تعظيم حرمات الله وحقوقه وحقوق عباده: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ }التحريم 6
بارك الله ....


الخطبة الثانية:
الحمد لله... أما بعد: فاتقوا الله تعالى عباد الله ولا تستهينوا بحقوق الناس؛ مهما كانت طريقة أخذها، ومهما صغرت في أعينكم؛ فقد روى مسلم في صحيحه من حديث أَبِي أُمَامَةَ رضــي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( مَنْ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ فَقَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ لَهُ النَّارَ وَحَرَّمَ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ وَإِنْ كَانَ شَيْئًا يَسِيرًا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ وَإِنْ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ ). واعتبروا رحمكم الله بقصة ذلك الرجل؛ في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى خَيْبَرَ فَفَتَحَ اللَّهُ عَلَيْنَا فَلَمْ نَغْنَمْ ذَهَبًا وَلَا وَرِقًا غَنِمْنَا الْمَتَاعَ وَالطَّعَامَ وَالثِّيَابَ ثُمَّ انْطَلَقْنَا إِلَى الْوَادِي وَمَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدٌ لَهُ وَهَبَهُ لَهُ رَجُلٌ مِنْ جُذَامَ يُدْعَى رِفَاعَةَ بْنَ زَيْدٍ مِنْ بَنِي الضُّبَيْبِ فَلَمَّا نَزَلْنَا الْوَادِي قَامَ عَبْدُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحُلُّ رَحْلَهُ فَرُمِيَ بِسَهْمٍ فَكَانَ فِيهِ حَتْفُهُ فَقُلْنَا هَنِيئًا لَهُ الشَّهَادَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( كَلَّا وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ إِنَّ الشَّمْلَةَ لَتَلْتَهِبُ عَلَيْهِ نَارًا أَخَذَهَا مِنْ الْغَنَائِمِ يَوْمَ خَيْبَرَ لَمْ تُصِبْهَا الْمَقَاسِمُ قَالَ فَفَزِعَ النَّاسُ فَجَاءَ رَجُلٌ بِشِرَاكٍ أَوْ شِرَاكَيْنِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَصَبْتُ يَوْمَ خَيْبَرَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شِرَاكٌ مِنْ نَارٍ أَوْ شِرَاكَانِ مِنْ نَارٍ ) رواه مسلم. والشملة كساء صغير يؤتزر به والشراك سير يكون في النعل. وبه نعلم أن السرقة تشمل الأموال الخاصة والأموال العامة.
اللهم إنا نعوذ بك من نارك وغضبك، اللهم أصلح أحوال المسلمين وردهم إليك ردا جميلا، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك وأغننا بفضلك عن من سواك... اللهم صل على محمد ...
المشاهدات 2509 | التعليقات 0