{وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ} 22 / 4 / 1446هـ

د عبدالعزيز التويجري
1446/04/21 - 2024/10/24 17:27PM

الخطبة الاولى: {وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ}   22 / 4 /1446ه

الحمدُ لله الذي أعزَّنا بالدين، وجعلنا خيرَ أمةٍ أخرجت للعالمين، وأشهد ألا إله إلاَّ الله وحدهُ لا شريك له ولي المؤمنين، وأشهدُ أنَّ محمداً عبدهُ ورسوله سيدُ الأولين والآخرين-  صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم باحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

 فاتقوا الله معشر المؤمنين ، وثقوا بوعد الله ونصره.. {وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} أتدرون أيها المؤمنون متى نزلت هذه الآية؟

نزلت بعد أن شُج وجه النبي r وكسرت رباعيته في أحد .. نزلت بعد أن قتل سبعون من خيار الصحابه ..

بعد الهزيمة نزلت {وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} لِيُعلِم الله المؤمنين أنّ العزة والعلو لا يتأثران بهزيمة مرحلية، ولا يرتبطان بنصر مرئي، ولا يعتمدان على تمكين مشاهد..

أنتم الأعلون .. لأن إلهكم الله الذي لا إله إلا هو سبحانه، {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا}..

أنتم الأعلون .. لأن الطمأنينة في قلوبكم، واليقين يملأ صدوركم { وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ إِلاّ بُشْرَىَ وَلِتَطْمَئِنّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النّصْرُ إِلاّ مِنْ عِندِ اللّهِ إِنّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} ..

الطريق طويل، وحمل الإسلام عظيم .. تعب فيه آدم، وناح فيه نوح، وألقي في النار إبراهيم، واضطجع للذبح إسماعيل، وشق بالمنشار زكريا، وذبح السيد الحصور يحيى، وعاش في الفلاة عيسى، وقاسى الضّر أيوب ..

 عاش محمد r ثلاثا وستين سنة  فلم يتم له النصر الأكبر والأكمل إلا قبل وفاته بعامين {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا}

   لا تيأسنَّ إذا الكروبُ ترادفت     **    فلعلَهــــا ولعلَهــــا ولعلَهــــــا

     واصبر فإن الصبرَ يُبلغك المُنى    **   حتى ترى قهرَ العدوِ أقلَها

     والزم تُقى اللهِ العظيمِ ففي التُقى  **   عزُّ النفوسِ فلا يجامع ذلَها

 {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ }.

تمر الأيامُ والرسلُ يَدْعون ويستغيثون، وتكرُ الأعوامُ والباطلُ والطغيانُ يُهيمن في الفضاء، والرسل تنتظرُ سُحبَ النصرِ فلا يغشاها إلا ضُلَل البطشِ والقهر، ضيق وكرب ما يطيقه بشر .

يأتي الجوابُ لأبي الأنبياء بعد ما دعوة دامت ألف سنةٍ إلا خمسين عاما{ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ}..

 يُسَاوم الأنبياء على دينهم ومبادئهم {لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا}

قالت الصديقةُ رضي الله عنها يَا رَسُولَ اللهِ، هَلْ أَتَى عَلَيْكَ يَوْمٌ كَانَ أَشَدَّ مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ؟ فَقَالَ: " لَقَدْ لَقِيتُ مِنْ قَوْمِكِ وَكَانَ أَشَدَّ مَا لَقِيتُ مِنْهُمْ يَوْمَ الْعَقَبَةِ، إِذْ عَرَضْتُ نَفْسِي عَلَى ابْنِ عَبْدِ يَالِيلَ بْنِ عَبْدِ كُلَالٍ فَلَمْ يُجِبْنِي إِلَى مَا أَرَدْتُ، فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا مَهْمُومٌ عَلَى وَجْهِي، فَلَمْ أَسْتَفِقْ إِلَّا بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ" فيدخُلُ بعدها مكةَ مهمومًا مكروبًا، فيتوسد بظل الكعبةِ، ويلتف حوله المستضعفون ويشكون له الظلم والطغيان.. ألا تستَنْصِر لنا، ألا تدعُو اللهَ لنا؟ في هذه اللحظةِ التي يستحكُم فيها الكرب، ويأخذُ الضيقُ بمخانقِ الرسل ، ولا تبقى ذرةُ من الطاقة المدخرة .. في هذه اللحظة يجيئُ النصرُ كاملًا حاسمًا فاصلًا {جَاءَهُمْ نَصْرُنَا } جائهم بعد مناشدةٍ وابتهال {فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ}، ونَبِيُّ اللهِ r يَهْتِفُ بِرَبِّهِ: «اللهُمَّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي، اللهُمَّ آتِ مَا وَعَدْتَنِي» فيتكلم الله سبحانه من فوق سمواته ويستجيب لنبيه {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ} فيَفيقُ رسول الله ويقول: «هَذَا جِبْرِيلُ آخِذٌ بِرَأْسِ فَرَسِهِ ، كَأَنَّي أَنْظُرُ إِلَى مَصَارِعِ الْقَوْمِ عَشِيَّةً». {فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ } {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إن أخذه أليم شديد}. {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَ}.

فلا يقفُ أمامَ دعوةِ الحقِ وشريعةِ ربِ العالمين أحدُ إلا أذله اللهُ وقصمه، فقد أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى،وللظالمين أمثالُها.لقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَه، عِبْرَةٌ لمن يعقل ويتفكر، عِبْرَةٌ لمن يصبر ويدّكر.

وَلَيَنصُرَنَّ اللهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ... استغفر الله لي ولكم وللمسلمين والمسلمات، فاستغفروا ربكم وتوبوا إليه، إنه كان للاوابين غفورا.

 

 

 

 

الخطبة الثانية ... الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.

أخرج الترمذي بسند صحيح َعَنْ أَنَسٍ t قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ :r «لَقَدْ أُخِفْتُ فِي اللَّهِ وَمَا يُخَافُ أَحَدٌ، وَلَقَدْ أُوذِيتُ فِي اللَّهِ وَمَا يُؤْذَى أَحَدٌ، وَلَقَدْ أَتَتْ عَلَيَّ ثَلَاثُونَ مِنْ بَيْنِ لَيْلَةٍ وَيَوْمٍ، وَمَا لِي وَلِبِلَالٍ طَعَامٌ يَأْكُلُهُ ذُو كَبِدٍ، إِلَّا شَيْءٌ يُوَارِيهِ إِبْطُ بِلَالٍ»

هذه  حِكَايَةُ حَالٍ لَا شِكَايَةُ بَالٍ، بَلْ تَحَدُّثٌ بِالنِّعْمَةِ، وَتَوْفِيقٍ بِالصَّبْرِ عَلَى الْمِحْنَةِ، وَتَسْلِيَةٌ لِلْأَمَةِ  لِإِزَالَةِ مَا قَدْ يُصِيبُهُمْ مِنَ الْغُمَّةِ .

 لن تهتدي أمةُ في غير منهجه   **    مهما ارتضت من بديع الرأي والنُظمِ

حينما يؤمن الإنسان إيماناً صادقا ، بأن وعد الله حق ، فإن جواذب الإيمان ترفعه عن الالتفات إلى موطن الذلةِ والخنوع ، وتدفعه إلى العمل لنصرة الحق وإعلاء شريعة الله ، والصبرِ على الشدائد ، فما يولد المولود إلا بعد شدائد وآلام ، وما يطلع الفجر إلا بعد الظلام ..

فما يسبح الإنسان في لُج غَمرةٍ   **   من العز إلا بعد خوض الشدائدِ

 وما يصيب المؤمنين في أرض المقدس إنما هي سَحابةُ صَيفٍ عن قليل تقشع، وعروقُ باطلٍ لا تمهل أن تَقطَعَ، لا يهولنكَم عدتهم، ولا تخشوا عددهم{تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى}  .

فاستيقنوا مع الدعاء والصبرِ بوعد الله ، فإن النصر لا يأتي إلا بيقين.. يقين لا يساوره شك.. ولا تخالطه ريب {مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ} المستقبل للدين.. والعاقبة للمتقين

{وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ}

اللهم اهدنا للحق ورزقنا الثبات عليه وأعذنا من مضلات الفتن.. اللهم أنجِ المسلمين المستضعفين في كل مكان من فراعنة هذا الزمان، يا قوي ياجبار .. اللهم آمنا في دورنا واصلح ولاة أمورنا ..

المرفقات

1729780118_{وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ}.docx

1729780119_{وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ}.pdf

المشاهدات 2496 | التعليقات 0