وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ

وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ

إن الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلِ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أن محمدًا عبده ورسوله ،  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.، أما بعدُ :

أيها المسلمون : أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى في السر والعلن ، قال تعالى : { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } ، أيها المسلمون : العلاقة الزوجية ، رباط وميثاق إلهي ، قال تعالى : {  وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا } بالعقد والقيام بالحقوق ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قوله وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً قال: إِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ

العلاقة الزوجية  علاقة سكن تقوم على المحبة والمودة والرحمة وهي آية من آيات الله ، قال تعالى : { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ }...  فلا تجد بين أحد في الغالب مثل ما بين الزوجين من المودة والرحمة .

أيها المسلمون : هذه العلاقة بين الزوجين ، وترتيب الحقوق والواجبات بين الزوجين ، جاء بيان ذلك في كتاب الله جل وعلا وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم .

ولكنّ هناك أمور تُعينُ على دوام الصحبة واستمرار المحبة والمودة بين الزوجين ، ومنها  الإحسان والتعامل بالمعروف والتركيز على المحاسن والايجابيات لكل من الزوجين في نظر الآخر ، والتغافل وغض الطرف عن السلبيات ، وأن لا ينسوا بينهم من فضل وإحسان ومعروف .

قال تعالى : { وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } ، تأملوا يا رعاكم الله ‘ { وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ } ، وهنا رغب في العفو، وأن من عفا، كان أقرب لتقواه، لكونه إحسانا موجبا لشرح الصدر، ولكون الإنسان لا ينبغي أن يهمل نفسه من الإحسان والمعروف، وينسى الفضل الذي هو أعلى درجات المعاملة، لأن معاملة الناس فيما بينهم على درجتين: إما عدل وإنصاف واجب، وهو: أخذ الواجب، وإعطاء الواجب. وإما فضل وإحسان، وهو إعطاء ما ليس بواجب والتسامح في الحقوق، والغض مما في النفس، فلا ينبغي للإنسان أن ينسى هذه الدرجة، ولو في بعض الأوقات، وخصوصا لمن بينك وبينه معاملة، أو مخالطة، فإن الله مجاز المحسنين بالفضل والكرم، ولهذا قال: { إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ }

وهذه الآية الكريمة : { وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ } ، قاعدة عظيمة في حفظ الجميل واستحضار الفضل ، فعلى الزوجين ألا يستقصيا كل شيء بل يجعلا للفضل والاحسان محلا ، إن على الزوج المسلم أن لا ينسيه الخلاف الطارئ المودة السابقة ، ونسيان المعروف والاحسان بين الزوجين سبب للجحود والنكران ، وأما ذكر المحاسن والايجابيات فهو أدوم للعلاقات وأبعد عن الخلافات . عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ» أَوْ قَالَ: «غَيْرَهُ»، لَا يَفْرَكْ  : أي لايبغض

أيها المسلمون : إن العفو والتسامح والكرم بين الزوجين من صفات المتقين ، قال ابن عاشور رحمه الله تعالى في تفسيره : { وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ } فَإِنَّ اللَّهَ دَعَانَا إِلَى خُلُقٍ حُمَيْدٍ، وَهُوَ الْعَفْوُ عَنِ الْحُقُوقِ، وَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ الْخُلُقُ قَدْ يَعْسُرُ عَلَى النَّفْسِ، لِمَا فِيهِ مِنْ تَرْكِ مَا تُحِبُّهُ مِنَ الْمَلَائِمِ، مِنْ مَالٍ وَغَيْرِهِ كَالِانْتِقَامِ مِنَ الظَّالِمِ، وَكَانَ فِي طِبَاعِ الْأَنْفُسِ الشُّحُّ، عَلَّمَنَا اللَّهُ تَعَالَى دَوَاءَ هَذَا الدَّاءِ بِدَوَاءَيْنِ، أَحَدُهُمَا دُنْيَوِيٌّ عَقْلِيٌّ، وَهُوَ قَوْلُهُ: وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ، الْمُذَكِّرُ بِأَنَّ الْعَفْوَ يُقَرِّبُ إِلَيْكَ الْبَعِيدَ، وَيُصَيِّرُ الْعَدُوَّ صَدِيقًا وَإِنَّكَ إِنْ عَفَوْتَ فَيُوشِكُ أَنْ تَقْتَرِفَ ذَنْبًا فَيُعْفَى عَنْكَ، إِذَا تَعَارَفَ النَّاسُ الْفَضْلَ بَيْنَهُمْ، بِخِلَافِ مَا إِذَا أَصْبحُوا لَا يتنازلون عَنِ الْحَقِّ.

الدَّوَاءُ الثَّانِي أُخْرَوِيٌّ رُوحَانِيٌّ: وَهُوَ الصَّلَاةُ الَّتِي وَصَفَهَا اللَّهُ تَعَالَى فِي آيَةٍ أُخْرَى بِأَنَّهَا تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ، فَلَمَّا كَانَتْ مُعِينَةً عَلَى التَّقْوَى وَمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ، حَثَّ اللَّهُ عَلَى الْمُحَافَظَةِ عَلَيْهَا ، قال تعالى { حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ }

أيها المسلمون : إن أقرب الزوجين للتقوى هو الذي يعفو ويحسن ويكرم ويتنازل ويتساهل ويرفق ،ويغض الطرف ، ويعاشر بالمعروف .

ونسيان الفضل والاحسان شؤم في حق الزوجين وهو سبب لعقوبة الله تعالى ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَضْحَى أَوْ فِطْرٍ إِلَى المُصَلَّى، فَمَرَّ عَلَى النِّسَاءِ، فَقَالَ: «يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ تَصَدَّقْنَ فَإِنِّي أُرِيتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ» فَقُلْنَ: وَبِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ، وَتَكْفُرْنَ العَشِيرَ ... ) (تكفرن العشير) تجحدن نعمة الزوج وتنكرن إحسانه .

والتغافل عن العيوب والنقائص وذكر الفضائل من مكارم الاخلاق، قَالَ سُفْيَانُ: مَا زَالَ التَّغَافُلُ مِنْ فِعْلِ الْكِرَامِ، وَقَالَ الْحَسَنُ: مَا اسْتَقْصَى كَرِيمٌ قَطُّ .

أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم

الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وأشهد ألا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له تعظيما لشأنه ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى أله وصحبه وسلَّم تسليما ،

أيها المسلمون : الحياة الزوجية الهانئة ، تتحقق في بيوتنا ، بتوحيد الله تعالى ، وبالأعمال الصالحات ، فاحرصوا عليها في بيوتكم ، قال تعالى : { مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } ، فلتكن بيوتنا وحياتنا الزوجية مليئة بالطاعات والصالحات ، قال تعالى : { فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ } {فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ} أي: مطيعات لله تعالى {حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ} أي: مطيعات لأزواجهن حتى في الغيب تحفظ بعلها بنفسها وماله، وذلك بحفظ الله لهن وتوفيقه لهن .

أيها المسلمون : التعامل بالعدل وبذل الفضل والدفع بالتي هي أحسن تكسب به القلوب فكنوا كذلك مع أزواجكم ، قال تعالى { وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ }

هذا وصلوا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه ، قال تعالى :{ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا  }