ولا تنسوا الفضل بينكم

تركي بن عبدالله الميمان
1445/03/26 - 2023/10/11 05:59AM


 
 

 

 

 

خطبة الأسبوع
 
 

 

وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ
 
 

 

 

 

 

 

 


إعداد: قناة الخطب الوجيزة

https://t.me/alkhutab
 
 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الخُطْبَةُ الأُوْلَى

إِنَّ الحَمْدَ لِلهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ ونَتُوبُ إِلَيه، مَنْ يَهْدِ اللهُ فَلَا مُضِـــلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

أَمَّا بَعْدُ: فَأُوْصِيْكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ في السِرِّ والعَلَنِ، فَالتَّقْوَى: هِيَ طَــوْقُ النَّجَاةِ مِنَ المِحَنِ، وَالعَاصِمَةُ مِنَ الفِــــتَنِ! ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيم﴾.

عِبَادَ الله: بِالتَّأَمُّلِ في المَحَاسِنِ، وَالتَّغَافُلِ عَنِالمَسَاوِئِ؛ تدَوَمُ الصُّحْبَةُ، وَتَسْتَمِرُّ المَحَبَّةُ!

قال U: ﴿وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ﴾. قال ﷺ: (لَا يَفْرَكْ -أَيْ لا يَبْغَض- مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا؛ رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ)().

وَإِذَا وَقَعَ الخِلافُ بَينَ طَرَفَيْن: فَيَنْبَغِي أَنْ يَتَذَكَّرَكُلٌّ مِنْهُمَا مَحَاسِنَ الآخَرَ؛ وَيَتَغَافَلَ عَنْمَسَاوِئِهِ؛ وَلِذَا قَالَ U - في حَقِّ الزَّوْجِين-: ﴿وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ﴾. قال بَعضُ المُفَسِّرِيْنَ: (هُوَ تَنْبِــــــيهٌ صَرِيحٌ: أَنْ تَكُونَ المُفَاهَمَةُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ؛ مَبْنَاهَا عَلَى المَعْرُوفِ وَالتَّسَامُحِ وَالإِحْسَانِ؛ وَفَاءً لِحَقِّ العِشْرَةِ السَّابِقَةِ!)().

وَهَذِهِ الآيَةُ: قَاعِدَةٌ رَائِعَةٌ، في حِفْظِ الجَمِيلِ،وَاسْتِحْضَارِ الفَضْلِ، فَإِنَّ المُؤْمِنَ التَّقِيَّ، لا يُنْسِيْهِ الخَلَافُ الطَارِئُ، المَوَدَّةَ السَّـــابِقَةَ!قال السِّعْدِي: (﴿وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ﴾:وَهَذَا إِرْشَادٌ عَظِيمٌ نَافِعٌ في جَمِيعِالمُعَامَلاتِ: أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلْعَبْدِ فِيْهَا،أَلَّا يَسْتَقْصِيَ في كُلِّ شَيء، بَلْيَجْعَلُ لِلْفَضْلِ مَحَلًّا؛ فَكَمْ حَصَلَ بِهَذَا الفَضْلِ خَيْرٌ كَثِيرٌ، وَأَجْرٌ كَبِير، وَرَاحَةُفِكْرٍ، وَطُمَأْنِيْنَةُ قَلْبٍ)().

وَنِسْيَانُ المَعْرُوفِ وَالإِحْسَانِ، سَبَبٌ لِلْجُحُودِ والنُّكْرَانِ! وَأَمَّا اسْتِحْضَارُ المَحَاسِن؛ فَهُوَ أَدْوَمُلِلْعَلَاقَاتِ، وأَبْعَدُ عَنِ الخِلَافَاتِ! قَالَ U: ﴿وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ﴾.

قـــال يحيى بنُ مُعَاذ: (اِصْحَبُوا النَّاسَبِالفَضْلِ لا بِالعَدْلِ، فَمَعَ العَدْلِالاِسْتِقْصَاء، وَمَعَ الفَضْلِالاِسْتِبْقَاء!)().

وَمَرْتَبَةُ الفَضْلِ: أَعْظَمُ مِنَ العَدْلِ؛ فَالإِنْسَانُ إِنَّمَا يَكُونُ مُحْسِـــنًا مُتَفَضِّلاً، بَعْدَ أَنْ يَكُونَعَادِلاً مُنْصِفًا!() قالَ السِّعْدِي: (وَاللُه يُوْجِبُ عَلَى عِبَادِهِ العَدْل، وَيَنْدُبُهُمْ إلى زِيَادَةِ الفَضْلِ؛ قال تعالى: ﴿وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ﴾: أَي اِجْعَلُوا لِلْفَضْلِوَالإِحْسَانِ مَوْضِعًا مِنْ مُعَامَلَاتِكُمْ، وَلَا تَسْتَقْصُوا في جَمِيعِ الحُقُوقِ، بَلْيَسِّرُوا وَلَا تُعَسِّرُوا، وَتَسَامَحُوا في البَيعِ وَالشِّرَاءِ، وَمَنْ أَلْزَمَ نَفْسَهُ هَذَا المَعْرُوفِ، نَالَ خَيرًا كَثِيرٌا، وَإِحْسَانًاكَبِيرًا)().

قال ﷻ: ﴿لِّلَّذِينَ أَحْسَنُوا الحُسْنَى وَزِيَادَةٌ﴾.

وَالتَّسَامُحُ وَالعَفْو، مِنْ صِفَاتِ المُتَّقِينَ! وَبَذْلُ الفَضْلِ وَالمَعْرُوفِ، يَسِيرٌ على مَنْ يُرَاقِبُ اللهَ! قال U: ﴿وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾.

قال ابنُ عَاشُوْر: (وَالْعَفْوُ عَنِ الحُقُوقِ، يَعْسُرُ عَلَى النَّفْسِ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ تَرْكِ مَا تُحِبُّهُ مِنْ مَالٍ وَغَيْرِهِ -كَالِانْتِقَامِ مِنَ الظَّالِمِ-، وَلمَّا كَانَ فِي طِبَاعِ الأَنْفُسِ الشُّحُّ؛ عَلَّمَنَا اللهُ عِلَاجَ هَذَا الدَّاءِ بِدَوَاءَيْنِ:

الأَوَّل: دُنْيَوِيٌّ عقليٌّ: وَهُوَ قَوْلُهُ: ﴿وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ﴾.

الدَّوَاءُ الثَّانِي: أُخْرَوِيٌّ رُوحَانِيٌّ: وَهُيالصَّلَاةُ؛ لِأَنَّهَا مُعِينَةٌ عَلَى التَّقْوَى وَمَكَارِمِ الأَخْلَاقِ!)(). وَلِهَذَا قَالَ اللهُ - في الآيَةِ الَّتِي بَعْدَهَا-: ﴿حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلهِ قَانِتِينَ﴾.

وَمِنْ بَرَكَةِ الرِّزْقِ: أَلَّا يَنْسَى العَبْدُ الفَضْلَفي المَعَامَلَةِ المَالِيَّةِ: وَذَلِكَ بِالتَّيْسِيرِ عَلَى المُوْسِرِيْنَ، وَإِنْظَارِ المُعْسِرِيْنَ، وَالسَّمَاحَةِفي البَيْعِ وَالشِّرَاءِ(). قالَ ابْنُ عُثَيْمِين -في قوله تعالى:﴿وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ﴾-: (أَيْ لَا تَتْرُكُوا الفَضْلَ بَيْنَكُمْ: بِالتَّسَامُحِوَالعَفْوِ، فَيَنْبَغِي لِلْإِنْسَانِ أَلَّا يَنْسَى الفَضْلَ مَعَ إِخْوَانِهِ في مُعَامَلَتِهِ؛ قال ﷺ: «رَحِمَ اللهُ رَجُلاً سَمْحًا إِذَا بَاعَ، وَإِذَا اشْتَرَى، وَإِذَا اقْتَضَى»())().

قال ابْنُ حَجَر: (فِيهِ الحَضُّ عَلَى السَّمَاحَةِفي المُعَامَلَةِ، وَاسْتِعْمَالِ مَعَالِي الأَخْلَاقِ، وَتَرْكِ المُشَاحَّةِ)().

وَأَقْرَبُ الزَّوْجِيْنِ لِلْتَّقْوَى: هُوَ الَّذِي يَعْفُووَيُحْسِنُ، ولا يَنْسَى مَوَدَّةَ أَهْلِ البَيْتِ الَّذِيْنَتَزَوَّجَ مِنْهُمْ، ثُمَّ فَارَقَهُمْ؛ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ تَكُوْنَ رَابِطَةُ المُصَاهَرَةِ (بَعْدَ انْفِصَالِهَا)؛مَرْتَعًا لِلْمُخَاصَمَاتِ وَالمُنَازَعَاتِ، وَالمَكَايِدِ وَالمُهَاتَرَاتِ! فَإِنَّ هَذَا مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِ U: ﴿وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ﴾().

وَنِسْيَانُ الفَضْلِ وَالإِحْسَانِ؛ سَبَبٌ لِعُقُوْبَةِ الرَّحْمَنِ!

قال ﷺ: (يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ، تَصَدَّقْنَ، فَإِنِّي أُرِيتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ)، فَقُلْنَ: (وَبِمَ يَا رَسُولَ اللهِ؟!)، قَالَ: (تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ، وَتَكْفُرْنَ الْعَشِير) ().

وَالتَّغَافُلُ عَنِ العُيُوبِ، وَذِكْرُ الفَضَائِلِ: مِنْ فِعْلِ الكِرَامِ! قال بَعْضُهُم: (مَا اسْتَقْصَى كَرِيمٌ قَطُّ)(). وقال الأَعْمَشُ: (التَّغَافُلُ يُطْفِئُ شَرًّا كثيرًا)().

أَقُوْلُ قَوْلِي هَذَا، وَاسْتَغْفِرُ اللهَ لِيْ وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَاسْتَغْفِرُوْهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيم.

 

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

 

الحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِه، والشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيْقِهِ وَامْتِنَانِه، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا الله، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُوْلُه.

عِبَادَ الله: التَّعَامُلُ بِالعَدْلِ، وَبَذْلُ الفَضْلِ: هُوَ تَاجُ الآدَابِ الشَّرْعِيَّة، وَلَا يَقْوَى عَلَيهِ إِلَّا مُلُوكُ الأَخْلَاقِ! قالَ شَيْخُ الإِسْلَامِ ابنُ تَيْمِيَّة: (أَفْضِلْ عَلَى مَنْ شِئْتَ: تَكُنْ أَمِيرَهُ!)(). وَصَدَقَ اللهُ: ﴿اِدْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ* وَما يُلَقَّاها إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَما يُلَقَّاها إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيم﴾.

* * * *

* ​اللَّهُـــمَّ أَعِزَّ الإِسْـلامَ والمُسْـلِمِينَ، وأَذِلَّ الشِّرْكَ والمُشْرِكِيْن.

* ​اللَّهُمَّ فَـــرِّجْ هَمَّ المَهْمُوْمِيْنَ، وَنَفِّسْ كَرْبَ المَكْرُوْبِين.

* ​اللَّهُمَّ آمِنَّا في أَوْطَـــانِنَا، وأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُــوْرِنَا، وَوَفّـِقْ وَلِيَّ أَمْـــرِنَا وَوَلِيَّ عَهْــــدِهِ لما تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَخُـــذْ بِنَاصِيَـــتِهِمَا لِلْـــبِرِّ والتَّقْــــــوَى.

* ​عِبَادَ الله: ﴿إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾.

* ​فَاذْكُرُوا اللهَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوْهُ على نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ ﴿وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ﴾.

* * * *

إعداد: قناة الخطب الوجيزة

https://t.me/alkhutab
 
8
 

المرفقات

1696993138_﴿وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ﴾ مترجمة للانجليزي English.docx

1696993145_ولَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ (للطباعة).pdf

1696993146_ ولَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ (للقراءة من الهاتف) .pdf

المشاهدات 1744 | التعليقات 1

لله درك ياشيخ خطبة مفيدة ومسددة