ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا
عبدالرحمن اللهيبي
الحمد لله الكريم المنان, أحمده على ما مَنَّ به علينا من النعم والإحسان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له.. (يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) ، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ما تعاقب الجديدان وسلَّم تسليماً كثيراً.
أما بعد: فيا أيها المسلمون اتقوا الله؛ فإن تقواه أفضل مُكتَسب وطاعتَه أعلى نسب.. ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ )
أيها المسلمون: مضى رمضان ، وانقضى بلياليه الزاهرة ، وأيامه العامرة ، وأجوائه العاطرة، فاستيقظت القلوب بعد غفوة ، ولانت النفوس بعد قسوة، أما القبول فعلاماته لائحة ، وأماراته واضحة.. حسنة تتبعها حسنة، وطاعة تؤكدها طاعة، وذاك دأب العارفين بالله ،
الراجين لثوابه وجنته ، فأخبتت نفوسهم لله وسكنت، وسارت على الطريق فما تقاعست ولا فترت (.. أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ )
وأما من انحلت طاعاته ، ووهنت قرباته، وانعكس سيره بعد رمضان، فأبطل ما قدم ، ونقض ما أحكم، وحار بعد ما كان، وأرخى لنفسه العِنان، وعاد إلى التقصير والعصيان فذاك الخاسر المغبون ..
فبالله عليك يا من أمسكَت عن المُفطِّرات في رمضان وأطعت ربك المعبودَا .. يا من أمضيت ليلك تسبيحًا وذكرا وخشوعا .. يا من تقلبك لربك تلاوة وقياما وسجودًا .. يا من بذلت المال تعبُّدًا وجُودًا .. لا تكُن ممن عَمِلَ صالحًا ثم انقطع .. لا تكُن ممن أعطَى قليلاً ثم امتنَع ..لا تكُن ممن اقترب من ربه ثم رجَع
ويا لها والله من مصيبة وخذلان .. فيما سيناله العبد من خسارة وحرمان .. إذا ابتعد عن ربه الكريم المنان
فاتقوا الله عباد الله، ولا تهدِموا ما بنيتم ، ولا تنقضوا ما احكمتم، اتقوا الله .. فربُّ الشهور واحد، وهو على أعمالكم رقيب مشاهد، إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً .
أقول قولي هذا ..
أما بعد:
أيها المسلمون: اتقوا الله وتقربوا إليه بطاعته وعبادته، وأداء مفترضاته ونوافله؛ فإنكم كلما تقربتم إليه قَرُبْتُم من داره وجواره ، وفزتم بجنته ونجوتم من ناره..
فيا عبد الله! الثباتَ الثبات على الطاعات ، والعزيمةَ العزيمةَ على ترك المحرمات ؛ فالحياة قصيرة.. وسلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة ..
"يَا قَومِ إِنَّمَا هَذِهِ الحَيَاةُ الدُّنيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الآخِرَةَ هِيَ دَارُ القَرَارِ"
وتذكر يا عبدالله ساعة قريبة ستقف فيها بين يدي الله.. فبأي قول ستجيبه؟
قال - صلى الله عليه وسلم -: «ما منكم من أحدٍ إلا سيُكلِّمُه ربُّه ليس بينه وبينه ترجُمان، فينظُر أيمنَ منه فلا يرَى إلا ما قدَّم، وينظُر أشأمَ منه فلا يرى إلا ما قدَّم، وينظُر بين يدَيه فلا يرى إلا النارَ تلقاءَ وجهه، فاتَّقوا النارَ ولو بشقِّ تمرةٍ، فمن لم يجِد فبكلمةٍ طيبةٍ».
اللهم ارزُقنا الاستِقامةَ على الطاعات، والمُسارعةَ إلى الخيرات، والثباتَ على الحقِّ حتى الممات، يا سميعُ يا رحيمُ يا كريمُ يا مُجيبَ الدعوات.
واعلموا ـ رحمكم الله ـ أنَّ رسولَكم قد ندبكم لصيام ستةِ أيامٍ من شوال، فقد قال ﷺ: ((من صام رمضان وأتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر).
ثم اعلموا أن الله أمركم بأمرٍ بدأ فيه بنفسه، وثنّى بملائكته المسبحة بقدسه، وأيَّه بكم أيها المؤمنون من جنه وأنسه، فقال قولًا كريما: ( إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً)