وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَّهِينٍ

عايد القزلان التميمي
1445/03/20 - 2023/10/05 13:33PM
الحمد لله الذي أمر المؤمنين بحفظ الأيمان، وتوعد الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلاً بأليم العذاب والخسران، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، هو الملك القاهر المطلع على السرائر، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، الذي جاء بكل ما فيه صلاح القلوب وتزكية النفوس، وزجر عن اليمين الفاجرة الغموس، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه الذين كانوا يعظمون شأن اليمين، ويخشون من عواقب مخالفة المشروع فيها في الدنيا ويوم الدين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا .
أما بعد فيا أيها المؤمنون أوصيكم ونفسي بتقوى الله في السر والعلن .
عباد الله : انتشرت في أوساط المسلمين، وفي مجتمعاتهم المختلفة كثرة الأيمان وهو الحَلِف ، بحاجة وبدون حاجة، وبحق وبغير حق، سواء في دعوى صادقة أو كاذبة ،
وهل تعلمون يا عباد الله أن كثرةَ الحَلِف من صِفات الكفَّار والمنافقين  ،لأن كثرةَ الحَلِف يدل على الاستخفاف بالمحلوف به ،وهو الله عز وجل ،وعدم تعظيمه ،قال الله تعالى: (( وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَّهِينٍ  (( ففي هذه الآية ،نهى الله عز وجل نبيه عن أن يُطِيع الكفار ،وذكر من صِفاتهم ،أنهم يُكثِرُون الحَلِف.
وقال عن المنافقين: (( وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ  ((   وقال عنهم أيضاً (( اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً))  أي جعلوا الأيمان وقاية يتوقون بها ما يكرهون ،ويَخْدَعُونَ بِها المؤمنين .
عباد الله فمن الصُّوَر التي يَكثر فيها الحَلِف بالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الحَلِف به جَلَّ وَعَلاَ عند البيع والشراء، وقد قال أهل العلم: إن الحَلِف عند البيع والشراء مَكْرُوه إذا كان البائع والمشتري صادِقَين، أما إذا كانا كاذِبَين فإنه مُحَرَّمٌ تحريمًا شديدًا، يقول عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ فِيهِ: ((إيَّاكُمْ وكَثْرَةَ الحَلِفِ في البَيْعِ، فإنَّه يُنَفِّقُ، ثُمَّ يَمْحَقُ))أخرجه مسلم.
 وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الْحَلِفُ مَنْفَقَةٌ لِلسِّلْعَةِ مَمْحَقَةٌ لِلْبَرَكَةِ)) وإذا نُزِعَت البركة من المال فلا خير فيه وإن كَثُر.
فعلى المسلم أن يتقي الله جَلَّ وَعَلاَ، وأن يتحاشا الحَلِف في البيع والشراء، فإن اضطر إليها فعليه أن يتحرى الصدق والأمانة، في البيع والشراء وجميع أموره .
عباد الله ومن الصور أيضًا التي كثر فيها الحَلِف عند الناس تلك الأيمان التي تكون عند التقاضي والخصومات في المحاكم؛ فإن الخصم يحلف بالله جَلَّ وَعَلاَ كاذبًا؛ وقد ورد الوعيد الشديد على من فعل ذلك وتجرأ عليه؛ ففي الصحيحين
عن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (("مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ يَقْتَطِعُ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ هُوَ عَلَيْهَا فَاجِرٌ، لَقِيَ اللّه وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ"، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى (( إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ  )) .
 وثبت في صحيح مسلم أنه عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ قال: ((مَنِ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بَيِمِينِهِ أَوْجَبَ اللَّهُ لَهُ النَّارَ وَحَرَّمَ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ))، فقال رجل: يا رسول الله، وإن كان شيئًا قليلاً؟! قال: ((وَإِنْ كَانَ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ)).
واليمين التي يتلفظ بها المسلم كاذبًا ليقتطع بها حق امرئ مسلم هي الْيَمِينُ الْغَمُوسُ التي تَغْمِسُ صاحبها في النار، والتي قرنها النبي صلى الله عليه وسلم بالكبائر العظام فقد أخرج البخاري في صحيحه من حديث عبد الله بن عمرو ابن العاص، أن أعرابيًا جَاءَ إِلَى النَّبيِ صلى الله عليه وسلم ، فَقَالَ: يَا رَسولَ الله: مَا الْكَبَائِرُ؟ قَالَ: (( الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ"، قَالَ: ثُمَّ مَاذَا ؟ قَالَ: "ثُم عُقُوق الوَالِدين"، قَالَ: ثُمَّ مَاذَا ؟ قَالَ: "الْيَمِينُ الْغَمُوسُ )) ، قُلْتُ: وَمَا الْيَمِينُ الْغَمُوسُ؟ قَالَ: (( الَّذِي يَقْتَطِعُ مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ، هُوَ فِيهَا كَاذِبٌ)) يعني: بيمينٍ كاذبة.
فاتقوا الله جَلَّ وَعَلاَ عباد الله وراقبوه،  وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ  ،  وَلاَ تَجْعَلُواْ اللَّهَ عُرْضَةً لِّأَيْمَانِكُمْ
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما سمعتم، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم، ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي أمر أهل الإيمان بِحِفْظِ الْأَيْمَان . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له عظيمُ الشان ،وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله ، المبعوث بالرحمة والقرآن .صلى الله [وسلم] عليه ، وعلى آله وأصحابه ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
 أمّا بعد: فيا عباد الله واعلموا أن الأيمان في كتاب الله على أقسام: فهناك لغوُ اليمين، وهو اليمينُ الذي يجري على اللسان من غير قصد الحَلِف، كأن يقول: لا والله، بلى والله، أو يحلف يظنّ أنه صادقٌ فيتبيّن أن الأمرَ خلاف ما يقول، واليمينٌ الآخر هو الحلف كّذبًا وزورًا، بأن يحلفَ على أمر ماضٍ كذبًا وزورًا، فهذه كبيرةٌ من كبائر الذنوب،
والقسم الثالث فهي اليمين التي تجري فيها الكفّارة، بأن يحلفَ المسلم على أمر مستقبلٍ، يقول: والله لا أفعل كذا، أو والله
لأفعلنّ كذا، ثم يتبيَّن له المصلحةُ في الفعل أو الترك،
والكفارةُ هي إمّا إطعام عشرة مساكين، يُعطَى كلُّ مسكين كيلو ونصف من الأرز أو الحبّ، وإما كِسْوَةَ عَشرةَ مساكين، وإما إعتاقُ رقبة، فإن تعذّرتِ الأشياء الثلاثة فالله يقول:  فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَـٰثَةِ أَيَّامٍ ذٰلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَـٰنِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ  ، هذه كفارة اليمين.
عباد الله يجب على المسلم أن يتقي الله في الأيمان وأن يحفظها، فلا يستخفّ بها، ولا يتهاون بها .
واعلموا ـ رحمكم الله ـ أنَّ أحسنَ الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمّد  ، وشرّ الأمور محدثاتها، وكلّ بدعة ضلالة، وعليكم بجماعة المسلمين، فإنّ يد الله على الجماعة، ومن شذّ شذّ في النار.
وصلّوا ـ رحمكم الله ـ على محمّد   امتثالاً لأمر ربكم، قال تعالى:  إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيمًا  .
المرفقات

1696501995_وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَّهِينٍ.docx

المشاهدات 1238 | التعليقات 0