{ ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين}

...



أمَّا بعد:
فأوصيكم ونفسي بوصية الله لنا وللأمم السابقة؛ ﴿
وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ ﴾ [النساء: 131].
خَابَ الَّذِي سَارَ عَنْ دُنْيَاهُ مُرْتَحِلاً space.gif
وَلَيْسَ فِي كَفِّهِ مِنْ دِينِهِ طَرَفُ space.gif

لاَ خَيْرَ لِلْمَرْءِ إِلاَّ خَيْرُ آخِرَةٍ space.gif
يَبْقَى عَلَيْهِ فَذَاكَ الْعِزُّ وَالشَّرَفُ space.gif



معاشر الكرام:
إنَّ الأصول التَّشريعية، والقواعد القرآنية، والمبادئ النبوية، أصلُ التوسُّط والاعتدال في جميع الأمور وفي كلِّ الأحوال؛ ﴿
وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا ﴾ [البقرة: 143]، ومن أصول الشَّريعة: حفظ الأمور الضرورية للنَّاس، وهي: الدِّين، والنَّفس، والمال، والعِرْض، والعقل، وحول موضوع المال جاءت نُصوص شرعية تحذِّر من الإسراف والتَّبذير، وتنْهى عن البخل والتَّقتير.

إخوة الإسلام:
الإسراف فعلٌ يبغضه الرَّب - جلَّ وعلا - وتصرُّفٌ يذمُّه المولى - سبحانه - يقول - جلَّ وعلا -: ﴿
وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ﴾ [الأعراف: 31]، ويقول - سبحانه وتعالى - في وصف عباده الأتقياء:﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا ﴾ [الفرقان: 67]، ورسولُنا - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: ((كلوا واشربوا وتصدقوا والبَسوا ما لم يُخالطه إسراف أو مخيلة))؛ أخرجه أحمد وابن ماجه وحسنه الألباني، ويقول - عليه الصلاة والسلام -: ((إنَّ الله كره لكم ثلاثًا: قيل وقال، وإضاعة المال، وكثرة السؤال))؛ أخرجه الشيخان.

أيها المؤمنون:
الإسراف:
هو الزِّيادة في صرف الأموال على مقدار الحاجة، والتَّبذير: صرف الأموال في غير وجهها، وقيل: هو النفقة في معصية الله.
ومن الأمور المُحزنة: الإسرافُ في المآكل والمشارب، فترى من الناس مَن يَجتمع على مائدته من ألوان الطَّعام وصنوف الشراب ما يكفي أضعافَ عدد الحاضرين أحيانًا، والمصيبة العُظمى إذا أُلقيت في الحاويات والنفايات، وهذا كفرٌ بالنِّعم، وسببٌ في تحوُّلها وزوَالها؛ ﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ﴾ [النحل: 112]، فليت شعري! أنَسِيَ هؤلاء المسرفون أم تناسَوا أنَّ من الناس أُمَمًا يَموتون جوعًا، لا يَجدون ما يسدُّون به حرارة جوعهم، ولظى عطشهم؟!

يحدثني أحد الإخوة كان يعمل في جمعية برٍّ في شمال الرياض، يقول: في أحد الأيام جاءنا رجلٌ بعد العصر، يسأل هل عندكم طعام؟ فقالوا له: الآن لا يوجد إلاَّ طعام بارد في الثلاجة، قال: أعطوني إيَّاه، فمعي أطفالٌ مسَّهم الجوع، فأخذه، يقول الراوي: فرأيت الأطفالَ يأكلون الطعامَ خلف السيارة يلتهمونه التهامًا وهو بارد.

والواجب على المسلم الحرص - قدرَ الإمكان - إذا زاد عنده شيء أنْ يَتَّصِلَ بالجمعيات الخيرية التي تتولاه، وتوزعه على المحتاجين، لا سيما ونَحن في وقت تكثُر المناسبات فيه، أو يأخذ نظيف الطعام، ويعطيه مَن يَحتاجه، أو يسخنه مرة أخرى ويأكله، وأقل الأحوال أن يلقى للطيور والحيوانات.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿
ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ ﴾ [التكاثر: 8]، قال ابن القيم - رحمه الله -: "والنعيم المسؤول عنه نوعان: نوع أخذ من حله، وصرف في حقه، فيسأله عن شكره، ونوع أخذ بغير حله، وصرف في غير حقه، فيسأل عن مستخرجه ومصرفه"؛ اهـ.

ومن صور الإسراف: الإسراف في الماء، والماء نعمةٌ عُظمى، وهبةٌ ومنحةٌ كبرى، ورسولنا - صلَّى الله عليه وسلَّم - ضرب للأمة أروعَ الأمثلة في المحافظة على هذه النعمة، فعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: "كان النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - يتوضأ بالمُد، ويغتسل بالصَّاع، إلى خمسة أمداد"؛ رواه مسلم.

و نهى - صلَّى الله عليه وسلَّم - عن الإسراف في الوضوء؛ فعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: "جاء أعرابِيٌّ إلى النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - يسأله عن الوضوء؟ فأراه الوضوء ثلاثًا، ثم قال: هكذا الوضوء، فمن زاد على هذا، فقد أساء، وتعدَّى، وظلم"؛ أخرجه أحمد والنسائي، وقال الألباني: حسن صحيح، وإذا كان هذا في شأن عبادة، فما ظنك بما دون العبادة.

نفعني الله وإياكم بالكتاب والسنة، وبما صرف فيهما من الآيات والحكمة، واستغفروا الله إنَّه كان غفارًا.


الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، وصلى الله وسلَّم على صاحب الحوض المورود، والمقام المحمود، وعلى آله وصحبه أجمعين.


أمَّا بعد:
أيها الفضلاء:
فإن من صور الإسراف المنتشرة الإسراف في الكهرباء، وكثيرًا ما تنادي شركةُ الكهرباء بالتعاوُن معها في وقت الصيف، وخصوصًا وقت الذِّروة، من الساعة الثانية عشْرة ظهرًا وحتى الساعة الخامسة عصرًا، والإسراف في استخدام الطاقة ينعكس على مجتمعنا بالأثر السلبي؛ إذ يترتب على ذلك زيادة تكاليف الفواتير لعموم مشتركي القطاع السكني؛ بسبب زيادةِ الاستهلاك، ويترتب أيضًا تدني مَوثوقية الخدمة؛ لاحتمال انقطاعها؛ بسبب كثرة الجهد على المنظومة الكهربائية، وزيادة الأحمال، خاصَّة وقت الذِّروة، ويترتب على ذلك - أحيانًا - صعوبة إيصال الخدمة لمشتركين جُدد هم في أمسِّ الحاجة إليها.

وأجهزة التَّكْيِيف هي الأكثر في استهلاك الكهرباء كيفًا وكمًّا، ولو أنَّ كل مُشتركٍ أغلق مكيفًا واحدًا، لزال عن المولدات أحمالَ ما يزيد على خمسة ملايين مكيف، وبعض الناس إذا كان سداد الفاتورة على الدولة لا يُبالي، فربَّما ترك الأنوار مضاءة بلا حاجة، وليس عندها أحد، وقُلْ مثلَ هذا في التكييف.

أيها الكرام، إليكم إشارات، ربَّما يُغفل عنها، أنقلها لكم من موقع وزارة المياه والكهرباء، فمن ذلك ما يلي:
في التكييف: صيانة وتنظيف المكيف مرة واحدة في العام على الأقل تخفض 7% من استهلاك المكيف للكهرباء، والحرص على تنظيف مرشح الهواء شهريًّا يخفض حتى 6% من استهلاك المكيف للكهرباء، وإغلاق النوافذ دائمًا عند تشغيل المكيف يخفض حتى 15% من استهلاك المكيف للكهرباء، وإطفاء المكيف عند مُغادرة المكان يخفض حتى 30% من استهلاك المكيف للكهرباء، وضبط درجة حرارة المكيف عند الدرجة المتوسطة يخفض حتى 10% من استهلاك المكيف للكهرباء.

وفي الإنارة:الاستفادة من الضوء الطبيعي قَدْرَ الإمكان يخفض حتى 25% من استهلاك الإنارة للكهرباء، وإطفاء الإنارة عند عدم الحاجة أو عند مغادرة المكان يخفض حتى 15% من استهلاك الإنارة للكهرباء.

وفي الثلاجات:
تقليل فتح باب الثلاجة يخفض حتى نسبة 15% من استهلاك الثلاجة للكهرباء، ووضع الثلاجة على بعد 15سم تقريبًا من الجدار الخلفي من أجل التهوية يُخفض حتى نسبة 8% من استهلاك الثلاجة، وتَجنب وضع الأغذية الساخنة مباشرة في الثلاجة يُسْهِم في تخفيض استهلاك الكهرباء، وختامًا استخدام العزل الحراري في المباني القائمة والجديدة يوفر حتى 40% من استهلاك التكييف للكهرباء.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {﴿
وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا ﴾[الإسراء: 26 - 27].

وبعد عبادَ الله صلوا وسلموا.
المشاهدات 2784 | التعليقات 0