وَلَا تُسْرِفُوا

سالم بن محمد الغيلي
1442/01/18 - 2020/09/06 00:51AM

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ

إن الحمد لله نحمده و نستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فهو المهتدي ومن يضلل فلن تجد له وليًا مرشدًا, أشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له خلق فسوى وقدّر فهدى, واشهد أن محمداً عبده ورسوله سيد المرسلين وخير خلق الله أجمعين عليه الصلاة والسلام ماتعاقبت الليالي والأيام.

  • {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} [سورة آل عمران: 102]
  • {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [سورة النساء:1]
  • {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا} [سورة الأحزاب:70]

عباد الله:

احذروا مما حذر الله منه إن الله عز وجل إذا حذّر من شيء ونهى عنه فإن في مخالفته العطب  والزلل والشر والخسارة وسوء العاقبة, وإن الله تعالى حذّرنا ونهانا عن الإسراف الإسراف وما أدراك ما الإسراف وكلنا مسرفون إلا من عصم الله, لا أحد يُبريء نفسه, الإسراف خلق يبغضه...الله لا يحبه ولا يحب صاحبه.

الإسراف في المعاصي اسراف في المعاصي والذنوب والآثام وكسب السيئات إسراف إلى حد الكفر عند كثير من المسلمين ناهيك عن الكفار فإنه لا شأن لنا بهم , إسراف إلى حد النفاق إلى حد الشرك, واسراف إلى حدٍ تستوي فيه الطاعة والمعصية عند كثير من المسلمين, وكل يتأمل حاله ويراجع أعماله يجد العجب.

إسراف في النظر إلى ماحرم الله في كل ساعة وربما أقل إسراف بالسمع إلى ماحرم الله إسراف بالكلام فيما حرم الله اسراف في الكسب مما حرم الله, اسراف في البعد عن طاعة الله, جوارح خلقها الله للطاعة سمع وبصر ويد ورجل وقلب خلقها الله فسخرها في المعصية حتى انعكس فعلها على القلب فقسى القلب ثم ضعف الإيمان والله تعالى يقول: {..أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ}[سورة الأنفال: 24], {يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ , إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [سورة الشعراء: 88,89], {...فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ..} [سورة الزمر:22],  ويقول صلى الله عليه وسلم: (إنَّ قُلُوبَ بَنِي آدَمَ كُلَّهَا بيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِن أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ، كَقَلْبٍ وَاحِدٍ، يُصَرِّفُهُ حَيْثُ يَشَاءُ، ثُمَّ قالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: اللَّهُمَّ مُصَرِّفَ القُلُوبِ صَرِّفْ قُلُوبَنَا علَى طَاعَتِكَ.) صحيح مسلم.

والمسرف في المعاصي: لا يتقن العبادة فذهنه شارد ويتكاسل عن الطاعة وتفوته مواسم الخير فعزمه خائر ولا يتأثر بآيات القرآن فقلبه منكوس وطبعه مطموس وصدره ضيق ومزاجه متغير وطبعه محبوس يحتقر المعروف وتسهل عليه المعصية ولا يعتبر بنزول المصيبة , وكل ذلك أيها الأحبة بسبب الإسراف وتجاوز الحد في المعصية مسرف على نفسه مايستحي من الله حق الحياء مسرف حتى بلغ الإسراف إلى الإستهانة بالمعصية والتعود عليها وكأنها حلال, وقد يأتي الموت غفلة فلا تنفع الحسرات ولا تفيد الزفرات, ومن مات وهو مسرف فلا تسأل عن حاله ومآله قال الله عن المسرفين : { ... وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ} [سورة غافر:43] , وقوله تعالى: { ..إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ} [سورة غافر:28], {...رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} [سورة آل عمران: 147], {وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّنَ الْعَالَمِينَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاءِ ۚ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ} [سورة الأعراف: 80,81     ].

قال صلى الله عليه وسلم: (كان رجلٌ يُسرِفُ على نفسِه ، لمَّا حضره الموتُ قال لبنيه : إذا أنا متُّ فأحرِقوني ثمَّ اطحَنوني ، ثمَّ ذروني في الرِّيحِ ، فواللهِ لئن قدَر اللهُ عليَّ ليُعذِّبُني عذابًا ما عذَّبه أحدًا ، فلمَّا مات فُعِل به ذلك ، فأمر اللهُ الأرضَ فقال : اجمعي ما فيك ففعلتْ ، فإذا هو قائمٌ فقال : ما حملك على ما صنعتَ ؟ قال : خشيْتُك يا ربِّ ، أو قال : مخافتُك ، فغفَر له) اخرجه البخاري ومسلم بإختلاف يسير, ولا يقال لمسرف في المعاصي احرق نفسك لكن نقول ارجع إلى الله وتب إلى الله واتق الله في نفسك واستغفر لذنبك قبل أن تموت واستجب لأمر الله تعالى الذي يقول : {رُ الرَّحِيمُ ,وَأَنِيبُوا إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ , وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ , أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَىٰ مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ,أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ , أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [سورة الزمر:53,58].

الإسراف من تزيين الشيطان للمعصية وتهوينها ومن تزيين النفس الأمارة بالسوء ومن تزيين رفقاء الشر يزينون المعصية حتى يقع فيها المسرف ثم تنفلت نفسه وتهوي به في دركات الشقاء والذنب والكدر والتعاسة {...كَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [سورة يونس:12].

اللهم اغفر لنا ذنوبنا واسرافنا في امرنا وثبت اقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين.

اقول ماتسمعون...

الخطبة الثانية:

الحمدلله رب العالمين عدد ماخلق وذرأ وبرأ وصلى الله وسلم على المبعوث رحمة للعالمين وقدوة للناس أجمعين.

عباد الله: الإسرف في المباحات الاسراف في امور الدنيا تجاوزنا الحد أسرفنا ترفهنا بذرنا أكثر عبثنا بالنعم , اسراف في الولائم في العزائم في المناسبات والزواجات آكل بلا حدود ترمى بقيته في الزبائل , وغيرنا في بلاد المسلمين يأكلون القمائم ما وجدوا ما يأكلون, أين العقول أليس فينا رجل رشيد يغير ويبدل مما يفعله الناس من الاسراف ويحذرهم من عقوبة القوي المتين, نصف ما يطبخ في البيوت يُرمى به.

الفرد منا يأكل ويأكل إلى حد الإسراف حتى انتشرت الأمراض بين الناس من كثرة ما يأكلون, أُناس يموتون من كثرة الأكل والله تعالى يقول لنا: {...وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [سورة الأعراف:31], ويقول تعالى عن عباده الاتقياء: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَٰلِكَ قَوَامًا} [سورة الفرقان:67], والنبي صلى الله عليه وسلم يحثنا ويعلمنا أن ابن آدم ماملأ وعاءً شر من بطنه وأرشدنا صلى الله عليه وسلم فقال: (ما ملأَ آدميٌّ وعاءً شرًّا مِن بطنٍ ، بحسبِ ابنِ آدمَ أُكُلاتٌ يُقمنَ صُلبَهُ ، فإن كانَ لا محالةَ فثُلثٌ لطعامِهِ وثُلثٌ لشرابِهِ وثُلثٌ لنفَسِهِ) صحيح الترمذي للالباني.

طريقتنا في الأكل غير صحية كثير يسرفون في العشاء ثم ينامون وهم مُتْخمون مُثْقلون ولا يأتي عليهم الصباح إلا وقد أصيبوا بالأمراض... الضغط والسكر والصداع والكسل والهم وقد حذر الحكماء والاطباء والعلماء عن الإسراف في الطعام خاصة في الليل... كثرة أكل وقلة حركة , والنبي صلى الله عليه وسلم قبل ذلك: (ما ملأَ آدميٌّ وعاءً شرًّا مِن بطنٍ....الحديث).

اسراف في ضياع الوقت, البيوت تسهر طوال الليل الأبناء والبنات والنساء ثم تضع صلاة الفجر وصلاة الظهر وصلاة العصر.

اسراف في فضح البيوت واخراج اسرارها عبر وسائل التواصل تصوير لما يدور في المنزل من طعام وشراب وزوار وسفر ومطاعم ومطابخ ... نقل مباشر .

مقارنات من الزوجات والأزواج فسدت بيوت كثيرة وتبعثرت أسر كثيرة من أجل تلك البرامج.

اسراف في ماء الوضوء اسراف بل تبذير بالماء في كل مكان وزوروا محطات التحلية ترون ما يذهل, أين تذهب تلك المياة؟ أين تُصب ؟ في البيوت اسراف بالماء عجيب ولا حسيب ولا رقيب, والله لو تقف تلك المحطات شهرًا واحدًا أن يصاب الناس بمصيبة كبرى في بيوتهم, قال صلى الله عليه وسلم: ( كُلوا واشرَبوا وتَصدَّقوا والْبَسوا ما لم يخالِطْهُ إسرافٌ أو مَخيَلةٌ) حسّنه الالباني, وقال الله قبل ذلك: {وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا} [سورة الإسراء:29], {وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَٰلِكَ قَوَامًا} [سورة الفرقان: 67] , {إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ...} [سورة لإسراء:27], ومن يرضى أن يكون من اخوان الشياطن إنهم المسرفون.

أثبتت الأيام وخاصة مع الوباء اننا نستطيع الإقتصاد والتغيير والتعديل في أمور حياتنا, اقتصدنا في زواجاتنا وفي مناسباتنا وتيسرت كثير من الأمور, الزواجات الآن في البيوت وفي الاستراحات الصغيرة, وفرنا كثيرًا من الأموال فهل عابنا ذلك؟ هل نقص ذلك من قدرنا وكرامتنا؟ هل عيرنا الناس؟ فلماذا لا نغير دائماً إلى الأفضل ؟ لماذا لا نترك الاسراف ونرضي الله عنا؟ هل ننتظر إلى أن ينزل وباء أو مصيبة ثم نفيق!

الآ فلنتقي الله أيها الناس نتق الله فلا نكن من المسرفين, لا نسرف على أنفسنا بالمعاصي {…وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا…} [سورة لقمان:34], ولا نسرف على أنفسنا في امور دنيانا فإن ذلك ما يبغضه الله ويعاقب عليه بالجوع والقحط والزلالزل والبراكين والحروب وقلة البركة والأوبئة والأمراض {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ} [سورة إبراهيم:28].

اللهم انا نعوذ بك من شر انفسنا وشر الشيطان وشركه ربِّ اوزعنا شكر نعمك والوقوف عند حدودك , اللهم جنبنا سخطك ومقتك برحمتك وكرمك يا أرحم الراحمين.

وصلوا وسلموا...

والله اعلم

جامع النور 1442/12/24هـ

المشاهدات 649 | التعليقات 0