( ولا تتبع أهواءهم )
عبدالله محمد الطوالة
1441/05/05 - 2019/12/31 15:37PM
الحمدُ للهِ كما يُـحِبُّ ربُنَا أن يُحمدَ، والحمدُ للهِ كما يـَجِبُ لربِنُا أن يُحمدَ، والحمدُ للهِ كأفضلِ وأكملِ وأجملِ ما يكونُ الحمدُ، وسبحانهُ وبحمده، نِعمُهُ لا تُعدُّ، وإحسانُهُ لا يُحدُّ، وآلائهُ لا تبيدُ ولا تنفدُ، إليهِ المقصِدُ ومنه العون وعليهِ الـمُعتمَدُ ..
وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدهُ لا شريك لهُ، ولا ربَّ سواهُ .. واحدٌ لا من عَدَدٍ، دائمٌ لا بأمَدٍ، قائمٌ لا بعَمَدٍ، فردٌ وترٌ صمدٌ، {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ}..
وأشهدُ أن محمداً عبدُ اللهِ ورسولهُ، وصفيهُ وخليلهُ، أجملُ النَّاسِ خَلقَاً، وأحسنُهم خُلُقاً، وأفصحُهم نطقاً، وهو الأخشَى لربِّه والأتقَى، والأطهرُ سريرةً والأنقى، والأكرمُ منزلةً والأرقى، والأكثرُ أتباعاً والأبقى، صلَّى الله وسلَّم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه أجمعين، والتابعين وتابعيهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وسلَّم تسليماً كثيراً ..
أمَّا بعدُ: فأوصيكم أيُّها النَّاسُ ونفسي بتقوى اللهِ، فاتقوا اللهَ وأطيعوهُ، فلا عزَّ أرفعُ من التقوى، ولا كنزَ أنفعُ من العلم، ولا زينةَ أجملُ من العقل، ولا قرِينَ شرُّ من الجهلِ، ولا حسبَ أبلغُ من الأدب، ولا خَصلَةَ أوضعُ من الغضب، ولا عيبةَ أسوءُ منَ الكَذِب، ولا حافظَ أصينُ من الصمتِ، ولا غـائبَ أقـربُ من الـمـوت .. من يستعفف يُعِفُــهُ اللهُ، ومن يستغنِ يُغنِهِ اللهُ، ومن يصبِر يُصبِرهُ اللهُ .. {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيم} ..
معاشر المؤمنين الكرام: قضت سنة الله عز وجل في هذه الدنيا أن يتصارع الحق والباطل، وأن يتدافع الهدى والضلال، وأن يتنازع الصلاح والفساد، وفي محكم التنزيل: {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ}، ويقول سبحانه: {الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ}، فالتدافع في هذه الدنيا قائمٌ بلا انقطاع، والتنازع سرٌ من أسرار هذه الحياة، وناموس من نواميس الله في خلقه، يجري على قدر، وينتهي إلى غاية، تدبيرٌ من حكيمٍ عليم .. ولقد كان من مقتضى ذلك أن تتعدد المجتمعات في صفاتها، وأن تتنوع في سماتها، فتلتقي كل جماعة على صفات عامة تؤلف بينها، وتشدُّ بنيانها، وتوّثق تماسكها، وتوّحد صفوفها، لتبدو كالجسد الواحد, وفي ذات الوقت تتميز كل جماعة عن غيرها، فلكلٍّ خصائصَ وعواملَ تجعلها ذات استقلال وانفراد, يحفظها من التشتت والتفكك، ويحميها من الذوبان والاضمحلال .. قال تعالى: {لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ فَلَا يُنَازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُسْتَقِيمٍ} .. ولقد حبانا الله تعالى ديناً عظيماً، وهدانا صراطا مستقيماً، فيه الغُنيةُ والكفاية، وبه السعادة والهداية .. من أقبل عليه وأخذ به أعزَّه الله وأسعده بقدر ما يستمسَّك به، ومن أعرض عنه وتركه، أذلَّه الله وأشقاه بقدر ما يترك منه .. جزاءً وفاقاً .. عطاءً حساباً ..
ومن الأصول العظيمة في ديننا، المحبة والولاء للإسلام وأهله، والبغض والبراءة من الكفر وأهله، ومن لوازم ذلك وضرورياته تميز المسلم عن غيره من ملل وأهل الكفر، واعتزازه بدينه، وفخره بإسلامه، مهما كانت أحوال الكفار قوة وتقدماً وحضارة، ومهما كانت أحوال المسلمين ضعفاً وتخلفاً وتفرقاً، جاء في الحديث: "ليس منا من تشبه بغيرنا " ..
وقد جاءت النصوص كثيرةٌ متنوعة، من الكتاب والسنة، تنهى المسلم عن التشبه باليهود والنصارى، وتبين أنهم في ضلال مبين، فمن قلَّدهم فقد ضل مثلهم، أو أشد منهم قال الله تعالى: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} .. وقال سبحانه: {وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَمَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا وَاقٍ}، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} ..
ومعلومٌ يا عباد الله أن الله قد أكمل لنا الدين، وأتمّ علينا النعمة، ورضي لنا الإسلام دينا .. فهو دينٌ شاملٌ كاملٌ .. جمع بين مصالح الأولى والأخرى؛ خدم الروح ولم يغفل الجسد، وسعى للآخرة، ولم يهمل الدنيا، {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} .. دينٌ وسط؛ لا إفراط ولا تفريط، ولا إسرافَ ولا تقتير، لا غواية ولا رهبانية، ولا غلوَّ ولا تقصير، {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا}، {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}.. ما هي ميزتكم من بين الأمم: تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر ..
فيا أيها المسلم: يا من تتبوأُ أعلى مقام، وتتوشح بأسمى وسام، كفاك فخراً أنك على دين الإسلام .. يا من أكرمك الله وأعزك .. {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ} .. وأيُّ تكريم لك أيها المسلم أعظم من أن ينزِّل الله لك كتاباً يخاطبك فيه ويناديك، {لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَاباً فِيهِ ذِكْرُكُم} .. وأيُّ تكريم أجل من أن يرسل الله لك أعظم خلقه وأكرمهم عليه، يزكيك ويهديك إلى صراط الله المستقيم: {لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ} ..
لقد كرَّمك الله أيها المسلم: يوم أن جعلك من خير أمّةٍ أخرجت للناس .. ولقد كرَّمك الله أيها المسلم: يوم أن جعلك شهيداً على الناس يوم القيامة، {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً} ..
فكم أنت عظيم وعزيزٌ أيها المسلم، لو عرفت قدرك وقيمتك وتميزك .. {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} ..
نعم يا عباد الله: نحن قوم أعزنا الله بالإسلام ومهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله .. فكيف بالله عليكم، كيف يرضى مسلمٌ لنفسه أن يضيِّعَ هذه المكانة العالية التي رفعه الله إليها، كيف يرضى مسلمٌ لنفسه السامية بالهون والدون، ويعرض عن هديِّ الكتاب والسنة ؟! .. كيف يرضى مسلمٌ لنفسه الأبيّة أن يكون مقودًا بعدما كان قائدًا، وأن ينقلب مُقلِّدًا بعدما كان مرشدًا؟ كيف يرضى لنفسه أن يصبح ضالاً بعدما كان دالاً، وأن يصبح تابعاً بعد أن كان متبوعاً؟ .. أليس هذا مصداق قول من لا ينطق عن الهوى: صلى الله عليه وسلم: "لتتبعُنّ سَنَنَ من كان قبلكم، شبرًا بشر، وذراعًا بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضبّ تبعتموهم"، قالوا: يا رسول الله، اليهود والنصارى؟ قال: "فمن؟!" .. {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}، {أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} .. {أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} ..
النَّبِيّ الكريم صلى الله عليه وسلم، رسم للمسلم شخصية مستقلة متميزة، ينفرد بها عن غيره، ولا يكون تابعًا لأحد، حتى في صغائر الأمور .. فهذه من أعلى مقامات التربية؛ وبناء الشخصية المستقلة، وتميز الهوية المسلمة، {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} .. {فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ} .. وقال تعالى: {وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} .. وقال تعالى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ} .. قال تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ} ..
ثم اعلموا أيها المسلمون: أن الأعياد من شعائر الأديان، فمن دان بدينٍ احتفل بأعياده، واعلموا أن للانحراف طرقاً وللضلال سبلاً، أقصرها موالاة الكفار والتشبه بهم، فإن كان للموالاة دليلٌ، فدليله تقليدهم والتشبه بهم، وإن كان للتقليد عنوانٌ، فعنوانه الاحتفال بأعيادهم .. ولقد نهى صلوات الله وسلامه عليه عن كل ما يفضي إلى مشابهة الكفار، وأصبح ذلك منهجاً معلوماً، وطريقاً مرسوماً، وسنةً متبعة، "خالفوا اليهود والنصارى" .. «مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ» .. «الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ»، وحتى أصبح ذلك معلوماً من الدين بالضرورة، بل إن اليهود أنفسهم قالوا عن ذلك: "ما يريد هذا الرجل أن يدع من أمرنا شيئاً إلا خالفنا فيه" والخبر في مسلم ..
وإنه يا عباد الله لو كان هذا العيد من ابتداع المسلمين لكان الاحتفال به حرامًا .. كيف وهو من خواص المغضوب عليهم والضالين ؟! .. ألا فليعلم كل مسلم أن الاحتفال بأعياد الكفار من أعظم البدع الكفرية، وأنه محرّمٌ بالإجماع بين علماء المسلمين .. وقد نقل ابن القيم الاجماع على حرمة تهنئة أهل الكتاب بأعيادهم وقال ما نصه: (وأما التهنئة بشعائر الكفر المختصة به فحرام الاتفاق، مثل أن ينئهم بأعيادهم وصومهم فيقول: عيد مبارك عليك أو تهنأبهذا العيد ونحوه، فهذا إن سلم قائله من الكفر فهو من المحرمات وهو بمنزلة أن يهنئه بسجوده للصليب، وهو أعظم إثماً عند الله واشدُّ مقتاً من التهنئة بشرب الخمر وقتل النفس الحرام وارتكاب الفرج الحرام ..
فاحذروا يا عباد الله هذه الأعياد الكفرية، واعتزَّوا بدينكم، واستقلوا بشخصيتكم، وتميَّزوا بمنهجكم .. ولا يستخفنَّكم الذين لا يوقنون، ولا يضلنكم الذين لا يؤمنون، ولا تتبعوا سبيل المفسدين، الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون، ولا تكونوا من المشركين {مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} ...
بارك الله لي ولكم ...
الحمد لله كما ينبغي لجلاله وجماله وكماله وعظيم سلطانه، وأشهد أن لا إله إلا الله تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمد عبد الله ورسوله، ومصطفاه وخليه، الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه .....
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله وكونوا مع الصادقين، وكونوا ممن يستمع القول فيتبع أحسنه، أولئك الذين هداهم الله، وأولئك هم أولو الألباب ..
معاشر المؤمنين الكرام: لقد أخبر النبي الكريم صلى الله عليه وسلم: أن أوثقَ عُرَى الإيمانِ الحبُّ في الله والبغض في الله، أي أن تحبَّ من يحبهُ اللهُ تعالى، وتكرهَ من يكرهُهُ اللهُ تعالى، وأن تحبَّ ما يحبهُ اللهُ جلّ وعلا، وأن تكرهَ ما يكرهُهُ اللهُ عزّ وجلّ .. وكل من أحبَّ الكافرين أو عظَّمهُم أو تشبهَ بهم، أو رضيَ بشيءٍ من شعائرهم وطقوسهم، أو أحبَّ شيئاً من عاداتهم وتقاليدهم، أو مما هو من خصائِصهم .. فقد أحبَّ ما لا يحبهُ الله .. ومن كان حريصاً على سلامة دينه، راغبًا في خلاص نفسه، فليتق الله وليلزم هَديَ دينه، وليتبع سبيل المؤمنين، وليحذر طريق المشركين والمغضوب عليهم والضالين .. قال تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ * مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} ..
أمرٌ آخر يا عباد الله: فقد مرَّت بنا بالأمس آيةٌ ربانيةٌ عظيمة .. يُرسلها المدبر الحكيم جلَّ جلاله، لتنبيه الناس وتذكيرهم، ولتحذير العصاة وإنذارهم .. فيأتي من يُفسِّر هذه الآية العظيمة تفسيراً مادياً جائراً، ويقصِرها على أنها ظاهرةٌ طبيعية، لها مسبباتٌ ماديةٌ فلكيّة .. وهذا وإن كلاماً صحيح الظاهر، لكنه ناقصٌ نقصاً مخلاً يجب إتمامه .. لأن عدم إكماله يغير المعنيى ويقلب الحقيقة، فهو بهذه الصورة المبتورة، أشبهَ ما يكون بكلام الدهريين المنكرين لوجود الله تعالى، الذين قال الله عنهم: {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ} .. فكلام الدهريين صحيحُ الظاهر، لكنه لوحده لا يكفي، لأنه لو كان كذلك .. فمن يسيُّر الدهر ويدبِّره .. وإذا كان الكسوف ظاهرةً طبيعةً وفقط .. فمن الذي طبعها وسببَّها، من الذي خلقها ودبَّرها، ومن الذي أمرها وسيرها ..
وإذا كان الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: يقول عن الكسوف والخسوف: إنهما آيتان يخوِّف الله بهما عباده .. فلم يتجاوز هؤلاء القولَ بأنها ظاهرة طبيعية، إلى أن اقاموا لها فعالِّيةً احتفالية، لا إله إلا الله: {وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيَانًا كَبِيرًا} ..
أَلا فَاتَّقُوا اللهَ أَيُّهَا المُسلِمُونَ وَاستَعِيذُوا بالله مِنَ الفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنهَا وَمَا بَطَنَ، واسمعوا بقلوبكم وصية نبيكم صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كما في الحديث الصحيح: "إن بين يدي الساعة فتنا كقطع الليل المظلم, يصبح الرجل فيها مؤمناً ويمسي كافراً, ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً, القاعد فيها خير من القائم, والقائم فيها خير من الماشي, والماشي فيها خير من الساعي ..
ويا ابن آدم عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، البر لا يبلى والذنب لا ينسى، والديان لا يموت، وكما تدين تدان ..
اللهم صل ..