ولا تؤمنوا حتى تحابوا

ولا تؤمنوا حتى تحابوا
أيها المسلمون:
يقول الله تعالى-: ﴿إِنَّمَا المُؤمِنونَ إِخوَةٌ﴾ [الحجرات: ١٠].
ويقول رسول الهدى ﷺ: (المسلم أخو المسلم) رواه مسلم، الإسلام دين يقوم على الترابط والتواصل والأخوّة.
لقد كانت عناية نبي الله ﷺ بالرابطة الأخوية عناية عظيمة؛ حيث أقام الجسور، وعقد الروابط بين المهاجرين والأنصار، فكانوا إخوة متحابين، وكانت مؤاخاتهم مؤاخاة لا مثيل لها، ساهمت مساهمة فعالة في نجاح الدولة الإسلامية، واستقرارها وسلامتها من الاضطراب.
وبعد ذلك قام هؤلاء المتآخون بنشر الدعوة، وإشاعة العدل وبسط الرحمة في أرجاء واسعة من أرض الله عز وجل، فأسعدوا البشرية وخلصوها من الظلم والفساد.
وفي وقتنا الحاضر ضعفت الأخوة بين المسلمين حيث وجد في مجتمعاتهم التسلط، والاستغلال، والبغي والظلم، والغل والحسد، والكراهية والعداء، إلى غير ذلك من الأمراض المعنوية التي أصيب بها المسلمون، وستظل هذه الأمراض سارية المفعول ما لم يتدارك المسلمون أنفسهم، ويشعروا برابطة الأخوة فيما بينهم.
إن البعض من الناس يتصور أن الأخوّة محصورة في النسب، أو اللغة، أو الوطن، حتی لو اختلفت المعتقدات، وهذا تصور خاطئ، وفهم مغلوط، قال الله -تعالی-: ﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا لا تَتَّخِذوا آباءَكُم وَإِخوانَكُم أَولِياءَ إِنِ استَحَبُّوا الكُفرَ عَلَى الإيمانِ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِنكُم فَأُولئِكَ هُمُ الظّالِمونَ﴾ [التوبة: ٢٣].
إن كتاب الله عزوجل يحذر من وجود علاقات محبة ومودة وموالاة بين المسلم وغير المسلم، حتى ولو كان هذا الغير أقرب قريب طالما أن الإيمان بالله غير موجود، قال الله تعالى -: ﴿لا تَجِدُ قَومًا يُؤمِنونَ بِاللَّهِ وَاليَومِ الآخِرِ يُوادّونَ مَن حادَّ اللَّهَ وَرَسولَهُ وَلَو كانوا آباءَهُم أَو أَبناءَهُم أَو إِخوانَهُم أَو عَشيرَتَهُم﴾ [المجادلة: ٢٢].
وإذا كان اتخاذ الأقربين غير المسلمين أولياء منهيًّا عنه، فكيف بمن يتخذون الأبعدين من كفرة وملحدين، وزنادقة ومنافقين إخوانا لهم؟ على أن هنالك فرقًا بين التعامل والموالاة، فالتعامل جائز ولا شك، والموالاة محرمة، ومنها المحبة.
وإذا كانت موالاة غير المسلمین محرمة، فإن ذلك لا يعني ظلمهم والإساءة إليهم کلا!! فالإحسان في القول والفعل مأمور به يقول الله تعالى -: ﴿وَقولوا لِلنّاسِ حُسنًا﴾ [البقرة: ٨٣].
ويقول: ﴿وَقُل لِعِبادي يَقولُوا الَّتي هِيَ أَحسَنُ إِنَّ الشَّيطانَ يَنزَغُ بَينَهُم إِنَّ الشَّيطانَ كانَ لِلإِنسانِ عَدُوًّا مُبينًا﴾ [الإسراء: ٥٣].
 
وقد امتدح الله عباده الذين يحسنون على الكافرين، فقال تعالى: ﴿إِنَّ الأَبرارَ يَشرَبونَ مِن كَأسٍ كانَ مِزاجُها كافورًا ۝ عَينًا يَشرَبُ بِها عِبادُ اللَّهِ يُفَجِّرونَها تَفجيرًا ۝ يوفونَ بِالنَّذرِ وَيَخافونَ يَومًا كانَ شَرُّهُ مُستَطيرًا ۝ وَيُطعِمونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسكينًا وَيَتيمًا وَأَسيرًا﴾ [الإنسان: ٥-٨]. والأسير لابد أن يكون كافرًا فالكفار هم الذين يؤسرون.
أيها المسلمون:
إن الأخوّة الإسلامية، مظهرٌ عظيم، من مظاهر قوة المسلمين، وسمةٌ من سمات، وحدتهم، وتعبيرٌ صادق لمودتهم، بها تستجلب محبة الله، كما قال الله - تعالى - في الحديث القدسي:
(وجبت محبتي للمتحابين فيّ، والمتجالسين فيّ، والمتزاورين فيّ، والمتباذلين فيّ) رواه الإمام أحمد.
بالأخوّة يظل المتآخون المتحابون تحت ظل الرحمن ۵ يوم لا ظل إلا ظلّه، يقول النبي ﷺ: (سبعة يظلّهم الله في لا ظلّه يوم لا ظلّ إلا ظلُّه... - وذكر منهم - ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه) رواه البخاري.
والأخوة طريق إلى الجنة، كما ورد في الحديث الصحيح:
(من عاد مريضًا، أو زار أخًا له في الله ناداه مناد: أن طبت وطاب ممشاك، وتبوأت من الجنة منزلًا) رواه ابن ماجه.
والأخوّة سبب لتساقط الخطايا عن الإنسان، وكم يحتاج الإنسان أن يعفو الله عنه، ويغفر له ذنوبه، يقول نبينا - صلوات الله وسلامه عليه -:
(ما من مسلمَيِن يلتقيان فيتصافحان إلا غفر لهما قبل أن يتفرقا) رواه أبو داود والترمذي.
إن مقاصد الأخوّة الإسلامية، تتجاوز الأفراد إلى الأمة المسلمة عامة، يقول النبي ﷺ:( مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) رواه البخاري.
وحين ينصر المسلمون إخوانهم بما يستطيعون ويشعرون بآلامهم، يقوى الضعيف من المسلمين، ويغتاظ العدو، وبهذه النصرة يستجيب المسلمون لأمر نبيهم، ﷺ حيث يقول: (انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا) رواه البخاري.
إن للأخوّة الإسلامية حقوقًا لابد أن يقوم بها المسلمون، ويعتنوا بأدائها، فليفتش كل مسلم نفسه، هل قام بهذه الحقوق، أو قام بمعظمها، أو فرط في هذه الحقوق، أو فرط في معظمها؟ فمن هذه الحقوق:
إفشاء السلام، فكم في إفشاء السلام من أثر عظيم على مجتمع المسلمين يقول النبي ﷺ: (أفشوا السلام) رواه الترمذي، ويقول - عليه الصلاة والسلام -: (إن خير المتهاجرين من بدأ صاحبه بالسلام، وأبخل الناس من يبخل بالسلام) رواه ابن حبان في صحيحه.
ويقول الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه : إن مما يصفي لك ودّ أخيك: أن تبدأه بالسلام إذا لقيته، وأن تدعوه بأحب الأسماء إليه، وأن توسع له في المجلس).
ومن حقوق الأخوّة: عيادة المريض واتباع جنازة المسلم، وكذا تشميته إذا عطس وحمد الله، وإجابة دعوته، إلى غير ذلك من حقوق تشيع المحبة، وتنشر التكافل، وتعمم الخير، وتوسّع دائرة النصيحة.
ألا ما أروع أخلاق المسلمين، حيث يشارك بعضهم بعضًا في أفراحهم، وفي أحزانهم وإذا كان الإسلام يعتبر الابتسامة في وجه المسلم صدقة من الصدقات، فكيف إذا فرج عن أخيه كربة، أو شاركه في نازلة، أو نصره في مظلمة ظلمها، إنه لا ينبغي أن يحقر المسلم من المعروف شيئًا، ولا ينبغي أن يقصره على القريب، أو الحبيب، فالحرص على نشر الخير، قدر الإمكان مطلوب، والإحسان حتى على البهائم مأمور به، وإذا عجز المسلم عن تقديم ماله لإخوانه فليقدم جاهه، فإن لم يستطع فليحسن خطابه واستقباله ودعاءه لإخوانه، فالدعاء لا يكلفه شيئًا، والداعي مستفيد أيضًا، فإن ملكًا يجيبه إذا دعا لأخيه يقول: (ولك بمثل) رواه مسلم، فلا تحرم أيها المسلم الكريم نفسك، وإخوانك من فضل الله تعالى.
 
***
 
المرفقات

1726061636_ولا تؤمنوا حتى تحابوا.docx

المشاهدات 277 | التعليقات 0