ولايحقره !

محمد ابراهيم السبر
1444/05/11 - 2022/12/05 22:31PM

" ولا يحقره"

الحمد لله رب العالمين، قيوم السماوات والأرضين، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لاشريك له، ولي الصالحين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، الصادق الأمين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين، وسلم تسليما مزيداً إلى يوم الدين.

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ﴾. 

عباد الله: خلق الله تعالى الإنسان وكرمة: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ﴾، وأنعم عليه بالعديد من النعم الجليلة التي لا تحصى: ﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ﴾. وتذكر تلك النعم يستوجب شكر موهبها والثناء على معطيها، خاصة عند رؤية من فقدها، وسؤال الله العافية.

وحقيقة الكرامة إنما هي بلزوم الاستقامة، والتمايز بين الخلق إنما يكون بتحقيق التقوى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾.

والتباهي بالملبس والصورة، والتفاخر بالجاه والمال لا يغني عند الله شيئاً، قال ﷺ:» إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم. «رواه مسلم. كل هذا ليس بشيء عند الله، فليس بين الله وبين خلقه صلة إلا بالتقوى، فمن كان لله أتقى كان من الله أقرب وكان عند الله أكرم.

وقد بين النبي ﷺ أخلاق المسلمين مع بعضهم البعض فقال: (الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ وَلَا يَحْقِرُهُ التَّقْوَى هَاهُنَا وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنْ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ). رواه مسلم.

فالمسلم لا يحتقر أخاه المسلم فلا يستصغر شأنه ولا يضع من قدره؛ ويراه بعين النقص والازدراء.

احتقار الآخرين صفة لا تنبعث إلا من نفس ملوَّثة بجراثيم العُجْبِ والكبر، مدفوعة بشعور الفوقية والاستعلاء، كما استهان إبليس الرجيم بآدم عليه السلام وسخر منه قائلاً: ﴿أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ﴾. وهكذا ينظر المتكبر الذي خصه الله بنعمه فظن نفسه أفضل من غيره، وأنه استحق ذلك لأجل ذواته، فاحتقر غيره كبراً وعلواً.

والكبر من أعظم خصال الشر، ففي الحديث: «الكبر بطر الحق وغمط الناس»، «لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة من كبر». رواهما مسلم.

إن صفة الكبر تجر إلى سلوك السخرية واحتقار الآخرين وهو خلق ذميم والساخر المعير لمن حوله قد يصيبه ذلك العيب، فقد قال الله تعالى: ﴿وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾.

واحتقار الآخرين لقلة ذات يدهم أو جاههم أو صورتهم ضعف في العقل، وقلة في الإيمان، فالحياة وزينتها وزخرفها دول بين الخلق، فكم من فقير اغتنى، وكم من وضيع شرف.

والذين يغترون بأنفسهم ويحتقرون الآخرين هم في الحقيقة لا يعودون بالاحتقار إلا على أنفسهم وما يشعرون​، وكم من إنسان نال بهذا الاحتقار مدحاً ومكانة. قال ﷺ:» ألا أخبركم بأهل الجنة كل ضعيف مُتضعِّف لو أقسم على الله لأبره، ألا أخبركم بأهل النار كل عتل جوَّاظ مستكبر«. متفق عليه. وقال ﷺ: «رُبَّ أَشْعَثَ، مَدْفُوعٍ بِالْأَبْوَابِ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللهِ لَأَبَرَّهُ«. رواه مسلم.

والتواضع للخلق آية على صحة الإيمان، وكمال في العقل، ورأفة في القلب، وفي التواضع رفعة الدنيا والآخرة، قال ﷺ «ما تواضع أحد لله إلا رفعه«.رواه مسلم، والمتواضع من إذا رأى أحداً قال: هذا أفضل مني، يقول الشافعي: أرفع الناس قدراً من لا يرى قدره وأكبر الناس فضلاً من لا يرى فضله.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله وكفى، وسمع الله لمن دعا، وبعد؛ فاتقوا الله عباد الله حق التقوى، وتواضعوا لإخوانكم المؤمنين، وخذوا بوصية رب العالمين في كتابه المبين: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾.

واعلموا أن الله أمركم بالصلاة والسلام على نبيه فقال: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾؛ اللهم صَلِّ وسَلِّم على النبي المصطفى المختار، وصَلِّ على الآل الأطهار، والمهاجرين والأنصار وجميع الصحب الأخيار.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين يا رب العالمين.

اللهم وَفِّق ولي أمرنا وولي عهده لما تحب وترضى، وخذ بناصيتهما للبر والتقوى.

اللهم انصر جنودنا المرابطين، وردهم سالمين ظافرين.

عباد الله: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون؛ فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

 

المشاهدات 706 | التعليقات 0