ولاية الله تعالى (1) من ينالها؟ ومن يحرم منها؟

ولاية الله تعالى (1)
من ينالها؟ ومن يحرم منها؟
10/7/1438 هـ
الْحَمْدُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْأَعْلَى ﴿الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى * وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى * وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى * فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى﴾ [الْأَعْلَى: 2 - 5] نَحْمَدُهُ عَلَى مَا هَدَانَا وَاجْتَبَانَا، وَنَشْكُرُهُ عَلَى مَا أَعْطَانَا وَأَوْلَانَا، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ وَمُعِزُّهُمْ، وَعَدُوُّ الْكَافِرِينَ وَمُذِلُّهُمْ ﴿مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ﴾ [الْبَقَرَةِ: 98] وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ بَلَّغَ الرِّسَالَةَ، وَأَدَّى الْأَمَانَةَ، وَنَصَحَ الْأُمَّةَ، وَجَاهَدَ فِي اللَّهِ تَعَالَى حَقَّ جِهَادِهِ حَتَّى أَتَاهُ الْيَقِينُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَوَالُوا أَوْلِيَاءَهُ، وَعَادُوا أَعْدَاءَهُ، وَأَحِبُّوا فِيهِ، وَأَبْغِضُوا فِيهِ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدِ اسْتَكْمَلَ الْإِيمَانَ وَوَجَدَ طَعْمَهُ وَلَذَّتَهُ، وَنَالَ وِلَايَةَ اللَّهِ تَعَالَى، كَمَا جَاءَ فِي الْأَحَادِيثِ.
أَيُّهَا النَّاسُ: مِنْ طَبِيعَةِ الْإِنْسَانِ الضَّعْفُ، وَحَاجَتُهُ لِلْغَيْرِ، وَلَا يُوجَدُ إِنْسَانٌ يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ مَخْلُوقٌ، وَكُلُّ مَخْلُوقٍ ضَعِيفٌ مُفْتَقِرٌ إِلَى غَيْرِهِ؛ وَلِذَا كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْبَشَرِ أُسْرَةٌ وَقَرَابَةٌ وَأَصْدِقَاءُ وَأَعْوَانٌ وَأَنْصَارٌ، وَيُوَالِيهِمْ بِحَسْبِ قُرْبِهِمْ مِنْهُ، وَعَوْنِهِمْ لَهُ. وَأَعْظَمُ وِلَايَةٍ وَعَوْنٍ وَنُصْرَةٍ، وَأَشَدُّهَا وَثَاقًا، وَأَكْثَرُهَا نَفْعًا، وَأَقْوَاهَا وَأَمْتَنُهَا وَأَبْقَاهَا وِلَايَةُ اللَّهِ تَعَالَى لِلْعَبْدِ؛ لِأَنَّهَا وِلَايَةٌ مِنَ الْخَالِقِ الْمُحِيطِ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا، الْقَدِيرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، الَّذِي لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَلَا يُعْجِزُهُ شَيْءٌ، فَكَانَتْ وِلَايَتُهُ لِلْعَبْدِ أَنْفَعَ لِلْعَبْدِ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ، فَتُغْنِي وِلَايَتُهُ سُبْحَانَهُ عَنْ كُلِّ وِلَايَةٍ وَلَا يُغْنِي عَنْ وِلَايَتِهِ عَزَّ وَجَلَّ وِلَايَةٌ ﴿وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا﴾ [النِّسَاءِ: 45] ﴿قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ﴾ [الْأَنْعَامِ: 14].
وَوِلَايَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَامَّةٌ وَخَاصَّةٌ، فَالْوِلَايَةُ الْعَامَّةُ تَعُمُّ جَمِيعَ الْخَلْقِ؛ فَهُوَ سُبْحَانُهُ وَلِيُّهُمْ: خَلَقَهُمْ وَرَزَقَهُمْ، وَهَدَاهُمْ لِعَيْشِهِمْ وَحِفْظِ حَيَاتِهِمْ، فَهِيَ وِلَايَةٌ لِلْخَلْقِ بِمَا يُصْلِحُهُمْ فِي حَيَاتِهِمُ الدُّنْيَا. وَفِي مُحَاجَّةِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ لِفِرْعَوْنَ فِي تَعْرِيفِهِ بِاللَّهِ تَعَالَى قَالَ مُوسَى: ﴿رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى﴾ [طه: 50]. وَفِي إِثْبَاتِ وِلَايَةِ اللَّهِ تَعَالَى لِكُلِّ الْخَلْقِ مُؤْمِنِهِمْ وَكَافِرِهِمْ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ﴾ [الْأَنْعَامِ: 62] وَقَالَ سُبْحَانَهُ فِي خُصُوصِ الْكُفَّارِ: ﴿وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ﴾ [يُونُسَ: 30].
وَأَمَّا الْوِلَايَةُ الْخَاصَّةُ بِأَهْلِ الْإِيمَانِ فَقَطْ فَهِيَ وِلَايَةُ اللَّهِ تَعَالَى لِمَنْ رَضِيَ بِهِ سُبْحَانَهُ رَبًّا، وَبِرَسُولِهِ نَبِيًّا، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا؛ فَأَقَرَّ بِأُلُوهِيَّةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَشَرُفَ بِعُبُودِيَّتِهِ، وَاتَّبَعَ رُسُلَهُ، وَلَزِمَ دِينَهُ، فَهِيَ وِلَايَةٌ يَنَالُهَا الْعَبْدُ بِالْإِيمَانِ، وَتَقْوَى وِلَايَةُ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ بِقُوَّةِ إِيمَانِهِ، وَكَثْرَةِ أَعْمَالِهِ الصَّالِحَةِ. وَهِيَ وِلَايَةٌ يَحْصُلُ بِهَا الْأَمْنُ وَالطُّمَأْنِينَةُ فِي الدُّنْيَا، وَالْفَوْزُ الْعَظِيمُ فِي الْآخِرَةِ، وَفِي هَذِهِ الْوِلَايَةِ الْخَاصَّةِ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾ [الْبَقَرَةِ: 257] وَفِي آيَةٍ أُخْرَى: ﴿وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 68] وَفِي ثَالِثَةٍ: ﴿وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ﴾ [الْجَاثِيَةِ: 19].
فَهَذِهِ الْوِلَايَةُ يَنَالُهَا الْمُؤْمِنُ بِإِيمَانِهِ، وَيُحْرَمُ مِنْهَا الْكَافِرُ بِكُفْرِهِ، وَالْمُنَافِقُ بِنِفَاقِهِ ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ﴾ [مُحَمَّدٍ: 11]. فَإِذَا نَقَصَ إِيمَانُ الْمُؤْمِنِ وَضَعُفَ كَانَ حَظُّهُ مِنْ وِلَايَةِ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ الْخَاصَّةِ بِقَدْرِ حَظِّهِ مِنَ الْإِيمَانِ؛ وَلِذَا كَانَتِ الطَّاعَاتُ تَقُودُ إِلَى مَزِيدٍ مِنَ الطَّاعَاتِ، كَمَا كَانَتِ الْمَعَاصِي تَقُودُ إِلَى مَزِيدٍ مِنَ الْمَعَاصِي؛ لِأَنَّ الطَّائِعَ لَمَّا زَادَ إِيمَانُهُ بِالطَّاعَةِ ازْدَادَ اسْتِحْقَاقُهُ لِوِلَايَةِ اللَّهِ تَعَالَى بِطَاعَتِهِ فَسَدَّدَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَوَفَّقَهُ فَتَرَقَّى فِي الطَّاعَاتِ. وَالْعَاصِي لَمَّا نَقَصَ إِيمَانُهُ بِمَعْصِيَتِهِ نَقَصَتْ وِلَايَةُ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ، فَسَهُلَ عَلَى الشَّيْطَانِ أَنْ يَجُرَّهُ إِلَى مَعَاصٍ أُخْرَى؛ وَلِذَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنِ الشَّيْطَانِ: ﴿إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ﴾ [النَّحْلِ: 98 - 100] فَجَعَلَ سُبْحَانَهُ سُلْطَانَ الشَّيْطَانِ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ، كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ فِي آيَةٍ أُخْرَى: ﴿إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ [الْأَعْرَافِ: 27]، وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ سُلْطَانًا عَلَى مَنْ يَتَوَلَّوْنَ اللَّهَ تَعَالَى، فَهُمْ قَدْ عُصِمُوا مِنْهُ بِوِلَايَةِ اللَّهِ تَعَالَى لَهُمْ ﴿إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ﴾ [الْأَعْرَافِ: 196]، وَفِي كِتَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى نَصَارَى نَجْرَانَ قَالَ لَهُمْ: «أَمَّا بَعْدُ: فَإِنِّي أَدْعُوكُمْ إِلَى عِبَادَةِ اللَّهِ مِنْ عِبَادَةِ الْعِبَادِ، وَأَدْعُوكُمْ إِلَى وِلَايَةِ اللَّهِ مِنْ وِلَايَةِ الْعِبَادِ» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ.
وَمِنْ أَعْجَبِ الضَّلَالِ وَالْخِذْلَانِ أَنَّ الَّذِينَ سُلِبُوا وِلَايَةَ اللَّهِ تَعَالَى، وَاسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَتَوَلَّاهُمْ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ عَلَى هُدًى وَهُمْ فِي الضَّلَالِ مُنْتَكِسُونَ، وَفِي الْإِثْمِ غَارِقُونَ ﴿فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ﴾ [الْأَعْرَافِ: 30]. وَفِي آيَةٍ أُخْرَى: ﴿وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ﴾ [الزُّخْرُفِ: 36، 37].
وَلَا تَزَالُ وِلَايَةُ الشَّيْطَانِ مُحِيطَةً بِالْمُعْرِضِينَ عَنْ أَنْوَارِ الشَّرِيعَةِ حَتَّى يَبْلُغُوا مَبْلَغًا يُحَارِبُونَ فِيهِ أَحْكَامَ اللَّهِ تَعَالَى، وَيَتَمَرَّدُونَ عَلَى شَرَائِعِهِ، وَيَكْرَهُونَ كَلَامَهُ، وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِهِ، وَيَدْعُونَ النَّاسَ إِلَى بَاطِلِهِمْ وَأَهْوَائِهِمْ تَحْتَ شِعَارَاتِ الْحُرِّيَّةِ وَالتَّقَدُّمِ وَالتَّطَوُّرِ؛ وَلِذَا فَإِنَّ كُلَّ مَنْ أَبْغَضَ شَيْئًا مِنْ نُصُوصِ الْوَحْيِ فَفِيهِ مِنْ عَدَاوَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ بِحَسْبِ ذَلِكَ، وَمَنْ أَحَبَّ نُصُوصَ الْوَحْيِ فَفِيهِ مِنْ وِلَايَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ بِحَسْبِ ذَلِكَ. وَأَصْلُ الْعَدَاوَةِ الْبُغْضُ كَمَا أَنَّ أَصْلَ الْوِلَايَةِ الْحُبُّ، قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «لَا يَسْأَلْ أَحَدُكُمْ عَنْ نَفْسِهِ غَيْرَ الْقُرْآنِ؛ فَإِنْ كَانَ يُحِبُّ الْقُرْآنَ فَهُوَ يُحِبُّ اللَّهَ تَعَالَى، وَإِنْ كَانَ يُبْغِضُ الْقُرْآنَ فَهُوَ يُبْغِضُ اللَّهَ تَعَالَى».
فَمَنْ قَامَ بِحُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَتَكَفَّلُ لَهُ بِالْقِيَامِ بِجَمِيعِ مَصَالِحِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَتَوَلَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى وَيَتَوَلَّى حِفْظَهُ وَرِعَايَتَهُ فِي أُمُورِهِ كُلِّهَا فَلْيُرَاعِ حُقُوقَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ، وَمَنْ أَرَادَ أَلَّا يُصِيبَهُ مَا يَكْرَهُ فَلَا يَأْتِ شَيْئًا مِمَّا يَكْرَهُهُ اللَّهُ تَعَالَى. وَكَانَ بَعْضُ السَّلَفِ يَدُورُ عَلَى الْمَجَالِسِ وَيَقُولُ: «مَنْ أَحَبَّ أَنْ تَدُومَ لَهُ الْعَافِيَةُ فَلْيَتَّقِ اللَّهَ تَعَالَى». وَقَالَ بَعْضُ الزُّهَّادِ لِمَنْ طَلَبَ مِنْهُ الْوَصِيَّةَ: «كَمَا تُحِبُّ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ لَكَ فَهَكَذَا كُنْ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ». وَقَالَ مَسْرُوقٌ: «مَنْ رَاقَبَ اللَّهَ تَعَالَى فِي خَطَرَاتِ قَلْبِهِ عَصَمَهُ اللَّهَ تَعَالَى فِي حَرَكَاتِ جَوَارِحِهِ».
فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ عَلَى قَدْرِ اهْتِمَامِ الْعَبْدِ بِحُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى وَمُرَاعَاةِ حُدُودِهِ، وَاعْتِنَائِهِ بِذَلِكَ، وَحِفْظِهِ لَهُ؛ يَكُونُ اعْتِنَاءُ اللَّهِ تَعَالَى بِهِ وَحِفْظُهُ لَهُ، وَيَكُونُ وَلِيًّا لَهُ، فَمَنْ كَانَ غَايَةُ هَمِّهِ رِضَا اللَّهِ تَعَالَى عَنْهُ وَطَلَبَ قُرْبِهِ وَمَعْرِفَتِهِ وَمَحَبَّتِهِ وَخِدْمَتِهِ؛ فَإِنَّ اللَّهَ يَكُونُ لَهُ عَلَى حَسَبِ ذَلِكَ؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى : ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ﴾ [الْبَقَرَةِ: 152] ﴿وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ﴾ [الْبَقَرَةِ: 40] بَلْ هُوَ سُبْحَانَهُ أَكْرَمُ الْأَكْرَمِينَ.
نَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يَجْعَلَنَا مِنْ أَوْلِيَائِهِ وَأَصْفِيَائِهِ وَأَحْبَابِهِ، وَأَنْ يُجَنِّبَنَا سُبُلَ أَعْدَائِهِ، وَيَحْفَظَنَا مِنْ نَزَغَاتِ الشَّيْطَانِ وَشِرْكِهِ، إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ.
وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ...

الخطبة الثانية
الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَوَالُوا أَوْلِيَاءَهُ، وَعَادُوا أَعْدَاءَهُ، وَأَحِبُّوا فِيهِ، وَأَبْغِضُوا فِيهِ؛ فَذَلِكَ تَمَامُ الْإِيمَانِ ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ﴾ [الْمَائِدَةِ: 55 56].
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: فِي هَذَا الزَّمَنِ كَثُرَتِ الْأَهْوَاءُ، وَقُصِفَتِ الْعُقُولُ بِالشُّبُهَاتِ، وَأُعْجِبَ كُلُّ ذِي رَأْيٍ بِرَأْيِهِ، وَتَكَالَبَتْ أُمَمُ الْكَفْرِ وَكَتَائِبُ النِّفَاقِ عَلَى شَرِيعَةِ اللَّهِ تَعَالَى يَرُومُونَ تَحْرِيفَهَا وَتَبْدِيلَهَا، وَصَدَّ النَّاسِ عَنْهَا، وَإِخْرَاجَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهَا، وَبَاعَ أُنَاسٌ دِينَهُمْ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا قَلِيلٍ. وَهَذَا الْحَالُ الْبَائِسُ الْمَخُوفُ يَجْعَلُ أَهْلَ الْإِيمَانِ يَخَافُونَ عَلَى إِيمَانِهِمْ، وَيَحْتَاطُونَ لِدِينِهِمْ، وَيَخْشَوْنَ تَقَلُّبَ الْقُلُوبِ، وَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ لَا غِنَى لَهُمْ عَنْ وِلَايَةِ اللَّهِ تَعَالَى لَهُمْ، حَتَّى يَحْفَظَ عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ، فَيَخْرُجُونَ مِنْ أَمْوَاجِ الْفِتَنِ الْمُتَلَاطِمَةِ سَالِمِينَ، وَلَا يَزْدَادُونَ بِالْمِحَنِ إِلَّا قُوَّةً وَصَلَابَةً فِي الْحَقِّ؛ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى هُوَ مَنْ يَحْفَظُ عَلَى الْعَبْدِ دِينَهُ «احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ» وَإِذَا تَوَلَّاهُ حَفِظَهُ مِنَ الْفِتَنِ، وَثَبَّتَهُ فِي الْمِحَنِ «فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ: كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ» وَهُوَ سُبْحَانُهُ مَنْ يُجِيبُ الدُّعَاءَ، وَيُنْجِي مِنَ الْكُرَبِ ﴿أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ﴾ [النَّمْلِ: 62].
فَمَا أَحْوَجَ أَهْلَ الْإِيمَانِ إِلَى وِلَايَتِهِ وَعَوْنِهِ وَمَدَدِهِ وَحِفْظِهِ حَتَّى يَسْعَدُوا فِي دُنْيَاهُمْ، وَيَسْلَمَ لَهُمْ دِينُهُمْ، وَيَفُوزُوا فِي آخِرَتِهِمْ ﴿أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ [يُونُسَ: 62 - 64].
وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ ...
المرفقات

ولاية الله تعالى 1 مشكولة.doc

ولاية الله تعالى 1 مشكولة.doc

ولاية الله تعالى 1.doc

ولاية الله تعالى 1.doc

المشاهدات 1707 | التعليقات 3

بارك الله في علمك وعملك


جزاك الله خيرا


جزاكما الله تعالى خيرا ونفع بكما