وِلَايَةُ الرَّجُلِ عَلَى الْـمَرْأَةِ وَقَوَامَتُهُ

د صالح بن مقبل العصيمي
1438/01/03 - 2016/10/04 15:51PM
وِلَايَةُ الرَّجُلِ عَلَى الْـمَرْأَةِ وَقَوَامَتُهُ
الْخُطْبَةُ الْأُولَى
إنَّ الحمدَ للهِ، نَحْمَدُهُ، ونستعينُهُ، ونستغفِرُهُ، ونعوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أنفسِنَا وسيئاتِ أعمالِنَا، مَنْ يهدِ اللهُ فلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ، تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وأشهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عبدُهُ ورسُولُهُ، وَخَلِيلُهُ - صَلَّى اللهُ عليهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كثيرًا . أمَّا بَعْدُ ... فَاتَّقُوا اللهَ- عِبَادَ اللهِ- حقَّ التَّقْوَى؛ واعلَمُوا أنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى. وَاِعْلَمُوا بِأَنَّ خَيْرَ الْهَدْيِّ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَّ شَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا ، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ .
عِبادَ اللهِ، إِنَّ مِـمَّا يُثِيـرُهُ أَعْدَاءُ اللهِ، وَأَصْحَابُ الشُّبَهِ وَالشَّهَوَاتِ، وَدُعَاةُ تَـخْرِيبِ الْـمَرْأَةِ وَإِفْسَادِهَا؛ الَّذِينَ كَانُوا، وَمَا زَالُوا يَعْتَرِضُونَ عَلَى أَحْكَامِهِ وَيُشَاقُّونَهُ؛ كَأَنَّهُمْ أَعْلَمُ مِنهُ بِخَلْقِهِ، وَأَرْأَفُ مِنْهُ بِعِبَادِهِ، قَولُـهُمْ: لِمَاذَا الْوِلَايَةُ وَالْقَوَامَةُ لِلْرَّجُلِ عَلَى الْمَرْأَةِ؟ مُعْتَرِضِينَ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى :(الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ)، فَيُقَالُ لَـهُمْ: إِنَّ هَذَا حُكْمُ اللهِ، عَزَّ وَجَلَّ، وَشَرْعُهُ، نَقُولُ إِزَائِهِ: (سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا)، وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَـجْهَلُونَ (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ). وَالْقَوَامَةُ عِبْءٌ عَلَى الرَّجُلِ، حَـمَّلَهُ إِيَّاهَا الشَّرْعُ الْـحَكِيمُ، لَيْسَ بِطِلَبٍ مِنْهُ، وَلَا اِخْتِيَارٍ، فَلَيْسَ لَهُ حَقُّ التَّهَرُّبِ مِنْهَا؛ فَيَجِبُ عَلَى الرِّجَالِ أَنْ يَلْتَزِمُوا بِـمَا فَرَضَهُ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ الْقَوَامَةِ، وَأَلَّا يَتَسَاهَلُوا، وَلَا يُفَرِّطُوا فِيهَا، وَلَا يَتَخَلَّوا عَنْهَا، مَهْمَا بَلَغَتْ حَـمَلَاتُ الْمُشَاقِّيـنَ للهِ وَرَسُولِهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْمُعَارِضِيـنَ لِـحُكْمِهِ، فَهَذِهِ الدَّعَوَاتُ الْفَجَّةُ لَيْسَتْ وَلِيدَةَ الْيَوْمِ، بَلْ هِيَ دَعَوَاتٌ قَدِيـمَةٌ جَدِيدَةٌ، فِي كُلِّ جِيلٍ تُلْبَسُ ثوبًا جَدِيدًا، إِنَّـهَا دَعَوَاتٌ هَدَفُهَا الرَّئِيسُ تَفْرِيقُ شَـمْلِ الأُسْرَةِ الْمُسْلِمَةِ، وَتَشْتِيتُ جَـمْعِهَا، فَدَعَوَاتٌ تَدْعُو لِتَمَرُّدِ الْمَرْأَةِ عَلَى الرَّجُلِ، وَأُخْرَى لِلْمُسَاوَاةِ بَيْـنَ الْـجِنْسَيْـنِ، وَأُخْرَى لِفَرْضِ سُلْطَةِ الْمَرْأَةِ عَلَى الرَّجُلِ، وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمُ امْرَأَةً» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ؛ فَالوِلَايَةُ لَا تَنْسَجِمُ مَعَ طَبِيعَةِ الْمَرْأَةِ، وَجِبِلَّتِهَا الَّتِـي جُبِلَتْ عَلَيْهَا؛ فَالأَصْلُ أَنَّ الْمَرْأَةَ بِفَطْرَتِـهَا السَّوِيَّةِ تَعِيشُ فِي كَنَفِ الرَّجُلِ، لأَنَّهُ الرُّكْنُ الْقَوِيُّ الَّذِي تَأْوِي إِلَيْهِ.
وَالْمَقْصُودُ بِالْقَوَامَةِ: الْقِيَادَةُ، وَالرِّعَايَةُ لِأَهْلِ الْبَيْتِ، وِفْقَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، لَا بِالتَّجَبُّرِ وَالاِسْتِبْدَادِ. وَعِنْدَمَا نُنَاقِشُ الْقَوَامَةَ بِالْعَقْلِ؛ نَجِدُ أَنَّهُ لَاَبُدَّ لَكُلِّ مُجْتَمَعٍ مِنْ قَائِدٍ يُنَظِّمُهُ، وَهُوَ الْمَرْجِعُ؛ فَالْبَلَدُ لاَبُدَّ لَهَا مِنْ حَاكِمٍ، وَالْمَنَاطِقُ لاَبُدَّ لَهَا مِنْ أَمِيرٍ، وَالْقُرَى وَالْمُدُنُ، لَابُدَّ لَهَا مِنْ قَائِدٍ؛ وَالْمَسَاجِدُ وَالْمَدَارِسُ، وَالْعَمَلُ كَذَلِكَ؛ بَلْ حَتَّى الرِّفْقَةُ فِي السَّفَرِ؛ لاَبُدَّ لَهُمْ مِنْ أَمِيرٍ يَرْجِعُونَ إِلَيهِ؛ حَتَّى تَنْضَبِطَ الْأُمُورُ، فَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِهَا، فَشُؤُونُ الْبَيْتِ، وَالتُّرْبِيَةُ وَمَسْؤُولِيَاتُهُمَا؛ أَنِيطَتْ بِهَا، وَأُنِيطَتْ مَسْؤُولِيَّةُ النَّفَقَةِ وَإِعْطَاءِ الْإِذْنِ بِالْخُرُوجِ وَالسَّفَرِ لِلرَّجُلِ؛ حَتَّى لِا تَكُونَ الْأُمُورُ فَوْضَى. وَكَوْنُ الْإِذْنِ بِالْخُرُوجِ وَالسَّفَرِ بَيْدِ الرَّجُلِ؛ لَا غَضَاضَةَ فِيهِ، وَلَا اِنْتِقاصَ لِلْمَرْأَةِ، فَهَلْ يَجِدُ الْإِنْسَانُ غَضَاضَةً فِي الْاِسْتِئْذَانِ مِنْ رَئِيسِهِ فِي الْعَمَلِ؟ فَالْاِسْتِئْذَانُ لِلْتَنْظِيمِ وَالتَّرْتِيبِ، حَتَّى تَنْضَبِطَ الْأُمُورُ، وَيَنْتَظِمَ الْعَمَلُ، وَتَزُولَ الْفَوْضَى، فَلاَبُدَّ لِلْبَيْتِ مِنْ قَائِدٍ: إِمَّا الرَّجُلُ، وَإِمَّا الْمَرْأَةُ، فَلَوْ كَانَتِ الْقَوَامَةُ لِلْمَرْأَةِ؛ لَقَالُوا: ظُلِمُ الرَّجُلِ، فَلَنْ يُرْضِيَ أَعْدَاءَ اللهِ شَيْءٌ أَمَرَ اللهُ بِهِ. وَقَدْ فَرَضَ الإِسْلَامُ وِلَايَةَ الرَّجُلِ عَلَى الْمَرْأَةِ؛ وِلَايَةً عَامَّةً بِاستِثْنَاءِ مَالِـهَا؛ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهَا فِيهِ؛ فَهُوَ وَلِيُّهَا عِنْدَ زَوَاجِهَا، وَوَلِيُّهَا عِنْدَ خُرُوجِهَا مِنْ بِيْتِهَا، وَوَلِيُّهَا عِنْدَ سَفَرِهَا، لَابُدَّ مِنْ إِذْنِهِ وَمَشُورَتِهِ وَرَأْيِهِ؛ حَتَّـى يَـحْفَظَهَا، فَهِيَ جَوْهَرَةٌ مَكْنُونَةٌ، وَدُرَّةٌ مَصُونَةٌ؛ فَالرَّجُلُ هُوَ الْمَسْؤُولُ الأَوَّلُ عَنْهَا، وَعَنْ رِعَايَةِ شُؤُونِ الْبَيْتِ؛ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (والرجلُ راعٍ في أهلِهِ، وهو مسؤُولٌ عن رعيَّتِهِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. فَهُوَ الْمَسْؤُولُ أَمَامَ اللهِ، عَزَّ وَجَلَّ، عَنْ أَيِّ تَفْرِيطٍ أَوْ تَقْصِيـرٍ يَقَعُ مِنْهُ نَـحْوَ أَهْلِ بَيْتِهِ، سَوَاءَ أَكَانَ: عَمْدًا، أَمْ تَسَاهُلًا، أَمْ تَكَاسُلًا، أَمْ هُرُوبًا مِنْ تَـحَمُّلِ الْمَسْؤُولِيَّةِ؛ بَلْ وَانظُرْ إِلَى عِنَايَةِ الإِسْلَامِ بِقَوَامَةِ الرَّجُلِ عَلَى الْمَرأَةِ؛ حِينَمَا أَتَى رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فَقَالَ: (يَا رَسُولَ اللَّهِ، اكْتُتِبْتُ فِي غَزْوَةِ كَذَا وَكَذَا، وَخَرَجَتِ امْرَأَتِي حَاجَّةً؛ قَالَ: «اذهبْ فاحجُجْ مَعَ امرأتِكَ» رَوَاهُ اِبْنُ حِبَّانَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ. فَانظُرْ إِلَى شِدَّةِ حِرْصِهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَلَى أَنْ يَتَحَمَّلَ الرَّجُلُ هَذِهِ الْقَوَامَةَ وَمَشَاقَّهَا؛ فَأَمَرَهُ بِتَـرْكِ الْـجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللهِ-مَعَ أَهَـمِّـيَّــتِهِ- لِيَحْمِيَ زَوْجَتَهُ فِي سَفَرِهَا؛ وَمَا هَذَا إِلَّا لِعِظَمِ الْمَسْؤُولِيَّةِ عَلَيهِ؛ فَلَابُدَّ لِلْمَرْأَةِ عِنْدَ سَفَرِهَا مِنْ مَـحْرَمٍ مِنْ مَـحَارِمِهَا الرِّجَالِ؛ لأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَسِيسُ أُمُورَهَا، والأَمِيـنُ عَلَيهَا؛ فَالرَّجُلُ كَمَا قَالَ اِبْنُ كَثِيـرٍ رَحِـمَهُ اللهُ: (قَيِّمٌ عَلَى الْمَرْأَةِ؛ أَيْ: هُوَ رَئِيسُهَا، وَكَبِيـرُهَا، وَالْـحَاكِمُ عَلَيْهَا، وَالْمَسْؤُولُ عَنْ حَفْظِهَا وَرِعَايَتِهَا، وَصَوْنِـهَا مِنَ الْمَخَاطِرِ)، وَهُوَ مُطَالَبٌ بِالدِّفَاعِ عَنْهَا؛ وَلَوْ تَرَتَّبَ عَلَى ذَلِكَ قَتْلُهُ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ) رَوَاهُ التِّـرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ. وَهُوَ الْمَأْمُورُ بِـحَضِّهَا عَلَى الصَّلَوَاتِ، وَالتِزَامِ أَوَامِرِ اللهِ، قَالَ تَعَالَى: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا). فَوِلَايَةُ الرَّجُلِ عَلَى الْمَرْأَةِ جَاءَتْ بِأَمْرِ اللهِ، لَا بِأَهْوَاءِ، وَلَا بِأَمْزِجَةِ أَحَدٍ. وَجَاءَتْ لِـحِكَمٍ عَدِيدَةٍ؛ مِنْهَا:
إِنَّ عُقُولَ الرِّجَالِ بِالْـجُمْلَةِ أَرْجَحُ مِنْ عُقُولِ النِّسَاءِ، وَعُلُومُهُمْ أَكْثَرُ، وَقُدْرَتُـهُمْ عَلَى الأَعْمَالِ الشَّاقَةِ أَظْهَرُ وَأَكْمَلُ، فَجَمِيعُ الأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ رِجَالٌ، وَعَامَّةُ الْعُلَمَاءِ فِي كَافَّةِ التَّخَصُّصَاتِ وَالْمَجَالَاتِ رِجَالٌ. بَلْ وَعَلَى مَدَى التَّارِيخِ عَامَّةُ قَادَةِ الدُّولِ مِنْ مُسْلِمِيـنَ وَغِيْـرِهِمْ رِجَالٌ -إِلَّا فِي حَالَاتٍ نَادِرَةٍ- بَلْ وَنَـجِدٌ فِي دُوُلٍ غَرِبِيَّةٍ أَعْمَارُهَا مِئَاتِ السَّنَوَاتِ لَا يَقُودُهَا -فِي الْغَالِبِ-إِلَّا رِجَالٌ.
وَمِنْ أَسْبَابِ كَوْنِ الْقَوَامَةِ للرَّجُلِ عَلَى الْمَرْأَةِ إِنْفَاقُهُ عَلَيْهَا؛ فَالزَّوْجُ فِي الَأصْلِ هُوَ الَّذِي يُنْفِقُ عَلَى زَوْجَتِهِ، وَالأَبُ يُنْفِقُ عَلَى اِبْنَتِهِ، وَالأَخُ يُنْفِقُ عَلَى أُخْتِهِ، فَصَارَتْ لَهُ الْقَوَامَةُ عَلَيْهَا بِالأَمْرَيْنِ: بِتَفْضِيلِ اللهِ لَهُ عَلَيْهَا، وَبِـمَا بَذَلَ مِنَ الْمَالِ: كَمَهْرٍ، وَسَكَنٍ، وَنَفَقَةٍ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: (وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ)؛ وَالرَّجُلُ هُوَ الْمَسْؤُولُ عَنْ نَفَقَتِهَا بِالإِجْـمَاعِ، قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِـهِنْدٍ: «خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ؛ أَيْ: خُذِي مِنْ مَالِ زَوْجِكِ مَا يَكفِيكِ وَعِيَالِكِ مِنَ النَّفَقَةِ؛ إِذَا قَصَّرَ فِيهَا. وَهُوَ الْمَسْؤُولُ عَنْ تَوفِيـرِ السَّكَنِ لَـهَا؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: (أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ).
وَمِنْ حِكَمِ كَوْنِ الْقَوَامَةِ للرَّجُلِ؛ لِأَنَّهُ الْأَقْوَى، وَالْأَقْدَرُ، عَلَى تَـحَمُّلِ الْمَسْؤُوليَاتِ؛ وَتِلْكَ حَقِيقَةٌ أَقَرَّتْـهَا الشَّرَائِعُ السَّمَاوِيَّةُ، وَالْمِلَلُ الأَرْضِيَّةُ، فَاتَّفَقَتْ عَلَى أَنَّ الرَّجُلَ هُوَ الْمَسْؤُولُ الأَوَّلُ عَنْ إِدَارَةِ شُؤُونِ الْبَيْتِ؛ فَإِنَّ الْعَقْلَ وَالْمَنْطِقَ وَالْفِطْرَةَ وَوَاقِعَ الْـحَالِ يَشْهَدُ بِـمَا شَهِدَ بِهِ الشَّرْعُ مِنْ ضَرُورَةِ الْقَوَامَةِ، وَأَنَّـهَا لَا تَصْلُحُ إِلَّا للرِّجَالِ؛ بَلْ وَفِي عَامَّةِ بِلَادِ الْغَرْبِ نَـجِدُ أَنَّ الْمَرْأَةَ مَا إِنْ تَتَزَوَّجْ إِلَّا وَتَنْخَلِعُ مِنِ اِسْمِ أَبِيهَا، وَتَنْتَسِبُ لاِسِمِ زَوْجِهَا، بَلْ وَاتَّفَقَتِ الْبَشَرِيَّةُ -إِلَّا مَنْ شَذَّ مِنْهُمِ- عَلَى أَنَّ الْمَوْلُودَ يُنْسَبُ لأَبِيهِ، لَا لأُمِّهِ.
وَوَفْقَ هَذِهِ الْمَزَايَا الَّتِـي نَالَتْهَا الْمَرْأَةُ؛ فَعَلَيْهَا وَاجِبَاتٌ نَـحْوَ زَوْجِهَا، بِنَاءً عَلَى الْقَوَامَةِ؛ وَمِنْهَا:
الطَّاعَةُ للزَّوْجِ فِي غَيْـرِ مَعْصِيَةِ اللهِ؛ فَلَا تَكُونُ الْمَرْأَةُ صَالِـحَةً إِلَّا إِذَا كَانَتْ مُطِيعَةً لِزَوْجِهَا، بَعْدَ طَاعَةِ اللهِ، قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ النِّسَاءِ خَيْرٌ؟ قَالَ: «الَّتِي تَسُرُّهُ إِذَا نَظَرَ، وَتُطِيعُهُ إِذَا أَمَرَ، وَلَا تُخَالِفُهُ فِي نَفْسِهَا وَمَالِهَا بِمَا يَكْرَهُ»، رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَغَيْـرُهُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ.
وَأَنَ تَـحْفَظَ بَيْتَهَا وَنَفْسَهَا بِـحُضُورِهِ وَغِيَابِهِ، قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ: (وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَعَلَيْهَا أَنْ تُـمَكِّنَ زَوْجَهَا مِنْ مُعَاشَرَتِـهَا، إِذَا لَـمْ تَكُنْ ثَـمَّ مَوَانِعُ شَرْعِيَّةٌ؛ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا بَاتَتِ الْمَرْأَةُ، هَاجِرَةً فِرَاشَ زَوْجِهَا، لَعَنَتْهَا الْمَلَائِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ»، رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
كَمَا أَنَّ عَلَيْهَا خِدْمَتُهُ بِالْـمَعْرُوفِ، وَالْقَرَارُ فِي الْبَيْتِ فَلَا تَـخْرُجُ إِلَّا بِإِذْنِهِ، قَالَ تَعَالَى:(وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى)، قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا اسْتَأْذَنَتْ أَحَدَكُمُ امْرَأَتُهُ إِلَى الْمَسْجِدِ فَلَا يَمْنَعْهَا» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ. فَإِذَا كَانَ الْـخُرُوجُ لِلْعِبَادَةِ يَـحْتَاجُ إِلَى إِذْنٍ، فَالْـخُرُوجُ لِغَيْـرِهَا يَـحْتَاجُ لإِذْنٍ مِنْ بَابِ أَوْلَى. قَالَ اِبْنُ تَيْمِيةَ رَحِـمَهُ اللهُ: (لَيْسَ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَـخْرُجَ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا إِلَّا بِإِذْنِهِ بِاتِّفَاقِ الأَئِمَّةِ).
كَمَا أَنَّ عَلَيْهَا حُسْنُ التَّبَعُّلِ لِزَوْجِهَا، وَأَجْرُ ذَلِكَ لَـهَا عِنْدَ اللهِ عَظِيمٌ؛ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ مَاتَتْ وَزَوْجُهَا عَنْهَا رَاضٍ دَخَلَتِ الْجَنَّةَ» رَوَاهُ الْـحَاكِمُ وَغَيْـرُهُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ. بَلْ وَنَـهَاهَا الإِسْلَامُ أَنْ تَصُومَ النَّفْلَ بِغَيْـرِ إِذْنِهِ؛ إِذَا كَانَ شَاهِدًا؛ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لاَ تَصُومُ المَرْأَةُ وَبَعْلُهَا شَاهِدٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ.
كَمَا أَنَّ عَلَيْهَا مَسْؤُولِيَّةُ تَرْبِيَةِ الأَوْلَادِ؛ لِقَوْلِهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَالمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. فَالْـمَرْأَةُ الصَّالِـحَةُ هِيَ الَّتِـي تُؤَدِّي مَا عَلَيْهَا مِنْ وَاجِبَاتٍ، وَتَلْتَـزِمُ بِأَوَامِرِ الشَّرْعِ؛ وَلِنَتَدَبَّرِ الآيَةَ: (فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ).
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَاِسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.








الْـخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى عِظَمِ نِعَمِهِ وَاِمْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ، تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وَأَشَهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدَهُ وَرَسُولُهُ، وَخَلِيلَهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ ،وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيرَاً . أمَّا بَعْدُ ... فَاِتَّقُوا اللهَ - عِبَادَ اللهِ- حَقَّ التَّقْوَى، وَاِسْتَمْسِكُوا مِنَ الْإِسْلَامِ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى، وَاِعْلَمُوا أَنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى .
عِبَادَ اللهِ، إِنَّ هَذِهِ الْقَوَامَةَ قَوَامَةُ الْمَسْؤُولِيَّةِ وَالتَّبِعَاتِ، وَلَيْسَتِ السَّطْوَةُ وَالاِسْتِبْدَادُ، وَالإِسْلَامُ لَـمْ يَـمْنَحِ الرَّجُلَ حَقَّ الاِسْتِبْدَادِ وَالْقَهْرِ وَالظُّلْمِ؛ بَلْ أَمَرَهُ اللهُ بِـحُسْنِ التَّعَامُلِ مَعَ الْمَرْأَةِ، وَذَكَّرَهُ بِـمَا لَـهَا مِنْ حُقُوقٍ؛ قَالَ تَعَالَى: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ). وَالْقَوَامَةٌ مَضْبُوطَةٌ بِضَابِطٍ لَا يَتَجَاوَزُهُ الرِّجَالُ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ). إِنَّ عَلَى الرِّجَالِ أَنْ يَعُوا مَسْؤُولِيَّةِ الْقَوَامَةِ، وَأَنْ يَرْحَـمُوا النِّسَاءَ، وَأَنْ يَعْدِلُوا مَعَهُنَّ، قَالَ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ) كَمَا عَلَيْهِ أَنْ يَرْحَـمَهَا؛ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ لاَ يَرْحَمُ لاَ يُرْحَمُ»، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ. كَمَا عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ سَـمْحًا لَيِّنًا مَعَهَا، وَالتَّسَامُحُ مَطْلَبٌ مَعَ الْـجَمِيعِ؛ فَمَعَ أَهْلِهِ مِنْ بَابِ أَولَى، وَعَلَيْهِ أَنْ يَرْفُقَ بِـهَا، قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الأَمْرِ كُلِّهِ»، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ. وَقَدْ حَثَّ الإِسْلَامُ عَلَى حُسْنِ تَعَامُلِ الرِّجَالِ مَعَ أَهْلِيهِمْ؛ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ» رَوَاهُ التِّـرْمِذِيُّ وَغَيْـرُهُ بِسَنَدٍ صَحيِحٍ. وَفِي رِوَايَةٍ: «خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِلنِّسَاءِ» رَوَاهُ الْـحَاكِمُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ.
وَلَوِ استَبَدَّ الرَّجُلُ فِي وِلَايَتِهِ، وَحَرَمَ الْـمَرْأَةَ مِـمَّا لَـهَا فِيهِ حَقٌّ؛ شَرَعَ الإِسْلَامُ نَزْعَ الوِلَايَةِ مِنْهُ، وَتَسْليمَهَا للأَكْفَأِ، فَإِذَا لَـمْ يَتَوَفَّرُ مِنْ أَقَارِبِـهَا الْكُفْءُ الْقَادِرُ عَلَى ذَلِكَ؛ لَـمْ يُهْمِلْهَا الإِسْلَامُ؛ حَيْثُ جَعَلَ وَلِيَّ أَمْرِ الْمُسْلِمِيـنَ وَلِيَّهَا يَرْعَى شُؤُونَـهَا، وَيَتَكَفَّلُ بِـمَسْؤُولِيَّتِهَا، وَيُزَوِّجُهَا مِنَ الْكُفْءِ.
الَّلهُمَّ اِحْمِ بِلَادَنَا وَسَائِرَ بِلَادِ الإِسْلَامِ مِنَ الفِتَنِ، وَالمِحَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَن، الَّلهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا، لِمَا تُحِبُ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، الَّلهُمَّ اجْعَلْهُ سِلْمًا لِأْوْلِيَائِكَ ،حَرْباً عَلَى أَعْدَائِكَ، الَّلهُم ارْفَعْ رَايَةَ السُّنَّةِ، وَأَقْمَعْ رَايَةَ البِدْعَةِ، الَّلهُمَّ احْقِنْ دِمَاءَ أَهْلِ الإِسْلَامِ فِي كُلِّ مَكَانٍ، اللهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا الَّتِي فِيهَا مَعَادُنَا، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مِنَ الْخَيْرِ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْنَا مِنْهُ وَمَا لَمْ نَعْلَمْ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّرِّ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْنَا مِنْهُ وَمَا لَمْ نَعْلَمْ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مَا سَأَلَكَ مِنْهُ عِبَادُكَ الصَّالِحُونَ، ونَسْتَعِيذُ بِكَ مِمَّا اسْتَعَاذَ مِنْهُ عِبَادُكَ الصَّالِحُونَ، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ، رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ، رَبَّنَا وآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ.
سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى المُرْسَلِينَ، وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ .وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَآلِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كثيرًا. وَقُومُوا إِلَى صَلَاتِكُمْ يَرْحَـمْـكُمُ اللهُ.


المرفقات

مَشْكُولَةٌ.docx

مَشْكُولَةٌ.docx

غير مشكولة.docx

غير مشكولة.docx

المشاهدات 1564 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا