(وكذلك جعلناكم أمة وسطا) الشيخ د. محمود بن أحمد الدوسري

الفريق العلمي
1438/10/25 - 2017/07/19 11:55AM

وكذلك جعلناكم أمة وسطا

د. محمود بن أحمد الدوسري

27/10/1438هـ

 

الحمد لله ...

 

عباد الله .. الناس بين إفراط وتفريط ووسطية, فما المقصود بالإفراط والتفريط والوسطية هنا؟ نقول وبالله التوفيق:

الإفراط: هو الإسراف, ومجاوزة الحد.

والتَّفريط: هو التَّقصير, والتَّضييع.

والوسطية: هي العدالة, والتَّوسط بين الإفراط والتفريط.

 

وقبل الحديث عن الوسطية عند أهل السنة: ليست الوسطية تلفيقاً, أو تقريباً بين مُتناقضَين؛ للوصول إلى حلٍّ, يُرضي كلا الطرفين, وإنما الوسطية هي: الحقُّ المحض, دون النظر إلى آراء المخالفين, إذاً وسطية أهل السنة: هي اتِّباعهم الحقَّ, وبيانهم للحق, ودفاعهم عن الحق, الذي به يدينون.

 

إخوتي الكرام .. إن الوسطية هي شعار الأمة المسلمة الذي ارتضاه لهم ربهم, بل واختاره لهم, فقال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة: 143], فكانت وسطية المكان, بأنْ جعل اللهُ الكعبةَ عنوانَ الإسلام والمسلمين مركزاً للعالَم, وكانت وسطية الأحكام ووسطية العقيدة ووسطية الشريعة, وكان أهل السنة هم أكثر الناس حفاظاً على هذه الوسطية وتمُّسكاً بها وتطبيقاً لها في جوانب شتى؛ كالعقيدة, والأحكام, والسلوك والأخلاق, وغيرها:

 

أولاً: توسُّطهم في صفات الله تعالى:

فنجد الإفراط: عند (أهل التَّعطيل), الذين أنكروا صفات الله تعالى, ونفوها!

ونجد التفريط: عند (أهل التمثيل), الذين جعلوها مماثلة لصفات المخلوقين!

ونجد التوسط: عن (أهل السنة)؛ لأنهم يُثبِتون صفات الله تعالى, ويَنفون مُماثلتها لصفات المخلوقات؛ كما قال سبحانه: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} فهذا ردٌّ على المُمثِّلة, {وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى: 11], ردٌّ على المُعطِّلة.

 

ثانياً: توسُّطهم في الوَعْد بالجنة والوَعِيد بالنار:

فنجد الإفراط: عند (الوعيدية) الذين يقولون: بأنَّ الله تعالى يجب عليه عقلاً أنْ يُعذِّب العاصي, كما يجب عليه أنْ يُثيب المُطيع, فمَنْ مات على كبيرةٍ ولم يتبْ منها لا يجوز عندهم أن يغفر الله تعالى له!

ونجد التفريط: عند (المرجئة), الذين قالوا: لا يضرُّ مع الإيمان ذنب, كما لا ينفع مع الكفر طاعة.

ونجد التوسط: عند (أهل السنة)؛ لأنهم توسَّطوا بين هؤلاء وأولئك, وقالوا: مَنْ مات على كبيرة فأمْرُهُ مُفوَّضٌ إلى الله سبحانه؛ إنْ شاء عاقَبَه, وإنْ شاء عفا عنه, وإذا عُوقِب لا يُخلَّد خلود الكفار ما دام موحداً, بل يخرج من النار, ويدخل الجنة.

 

ثالثاً: توسُّطهم في التَّكفير:

فنجد الإفراط: عند (الخوارج الغلاة), الذين يُكفِّرون مرتكبَ الكبيرة.

ونجد التفريط: عند (المرجئة), الذين يمنعون التكفير مطلقاً, وأنَّ مَنْ تلفَّظ بالشهادتين لا يُمكن تكفيره.

ونجد التوسط: عند (أهل السنة)؛ لأنهم لا يمنعون التكفير بإطلاق, ولا يُكفِّرون بكلِّ ذنب, ولم يقولوا بالتكفير بالعموم دون تحقُّق شروطِ التكفير, وانتفاءِ موانعه في حقِّ المُعَيَّن,

ومَنْ أتى بِمُكفِّرٍ, واجتمعت فيه الشروط, وانتفت في حقِّه الموانع - فإنهم لا يتحرَّجون من تكفيره.

 

رابعاً: توسُّطهم في أسماء الدِّين وأحكامها:

المراد بأسماء الدِّين: مثل: مؤمن, وكافر.

والمراد بأحكامها: أحكام أصحابها في الدنيا والآخرة.

فنجد الإفراط: عند (الخوارج, والمعتزلة)؛ لأنهم قالوا: لا يستحقُّ (اسمَ الإيمان) إلاَّ مَنْ صدَّق بِقلبِه, وأقرَّ بلسانه, وقام بجميع الواجبات, واجتنب جميعَ المنهيَّات.

(واتَّفق الفريقان): بأنَّ مرتكب الكبيرة لا يُسمَّى مؤمناً. ثم اختلفا: هل يُسمَّى كافراً أو لا ؟

(فالخوارج): يُسمُّونه كافراً, ويَسْتحِلُّون دمَه ومالَه. (والمعتزلة): يُخْرِجونه من الإيمان, ولا يُدخِلونه في الكفر, ويجعلونه في منزِلةٍ بين المنزلتين.

 

أمَّا في الآخرة: (فاتَّفق الفريقان): على أنَّ مَنْ مات على كبيرة, ولم يتب منها ـ فهو مُخلَّد في النار!

ونجد التفريط: عند (المرجئة), لأنهم قالوا: لا يضرُّ مع الإيمان معصية, وأنَّ مرتكب الكبيرة مؤمنٌ كامل الإيمان, ولا يستحق دخول النار!

 

ونجد التوسط: عند (أهل السنة)؛ لأنَّ مرتكب الكبيرة عندهم, مؤمنٌ بإيمانه, فاسقٌ بكبيرته, أو هو مؤمنٌ ناقص الإيمان؛ قد نَقَصَ إيمانُه بِقَدْرِ ما ارتكب من معصية, ولا ينفون عنه الإيمانَ؛ كما تدَّعيه الخوارج والمعتزلة, وليس هو كاملَ الإيمان؛ كما تدَّعيه المرجئة.

 

وأمَّا في الآخرة: فقد يتجاوز الله تعالى عنه؛ بكرمه ورحمته الواسعة, فيدخل الجنةَ ابتداءً, أو يُعذِّبه – بعدله - على قَدْرِ معصيته, ثم يُخرجِه, ويُدخله الجنة.

 

خامساً: توسُّطهم في القَدَر:

فنجد الإفراط: عند (القدريَّة), القائلين: بأنَّ العبدَ مُستقِلٌّ بعمله في الإرادة والقُدرة, وليس لمشيئةِ الله تعالى وقُدرتِه أثَرٌ في ذلك, ويزعمون: بأنَّ أفعال العباد ليست مخلوقةً لله سبحانه, وإنَّما العباد هم الخالقون لها!

 

ونجد التفريط: عند (الجبريَّة), الذين غَلَوا في إثبات القَدَر؛ حتى أنكروا أنْ يكون للعبد فِعْلٌ حقيقةً, بل يزعمون: أنه لا حُرِيَّةَ له, ولا فِعْلَ؛ كالريشة في مَهَبِّ الرِّيح, وإنما تُنسب إليه الأفعالُ مَجَازاً, فيقال: صلَّى, وصام, وقَتَل, وسَرَق؛ كما يُقال: طلعت الشمسُ, وجرت الرِّيح, ونزل المطر!

 

ونجد التوسط: عند (أهل السنة)؛ لأنَّهم يُثبِتون للعبد مشيئةً يختار بها, وقُدرةً يفعل بها, ومشيئتُه وقُدرتُه واقعتان بمشيئة الله تعالى تابِعتان له؛ لقوله سبحانه: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ * وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [التكوير: 28, 29]. ويقولون: العبادُ فاعِلون, واللهُ تعالى خَالِقُ أفعالِهِم؛

كما قال تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [الصافات: 96].

 

سادساً: توسُّطهم في محبَّة النبي صلى الله عليه وسلم:

 

فنجد الإفراط: عند (غلاة الصوفية), الذين غَلَوا في النبيِّ صلى الله عليه وسلم, فرفعوه فوق منزلته, واعتقدوا: أنه يُجيب مَنْ دعاه, فصرفوا له العبادةَ من دون الله سبحانه! وكذا الرافضة الذي غلو في عليٍّ رضي الله عنه!

 

ونجد التفريط: عند (غلاة الباطنية), الذين ادَّعوا أنَّ شريعة النبي صلى الله عليه وسلم قد نُسِخَت بشريعة أخرى, أو (الذين جَفَوا في حقِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم) فأعرضوا عن شرعه, ولم يُحكِّموه فيما شجر بينهم, أو (الذين يرون أنَّ شريعته صلى الله عليه وسلم لا تتلاءم مع الحضارة), ولا تفي بمتطلبات هذا العصر؛ كما يعتقده العلمانيون واللبراليون.

 

ونجد التوسط: عند (أهل السنة)؛ لأنهم لم يَجْفُوا في حقِّ النبي صلى الله عليه وسلم, ولم يُغَالُوا فيه, بل أنزلوه المَنزِلةَ اللاَّئقة به؛ فيرون أنه صلى الله عليه وسلم (عبدُ الله ورسولُه), ولا يملك لنفسه ـ فضلاً عن غيره ـ نفعاً ولا ضَرًّا إلاَّ بما أقْدَرَه اللهُ عليه, وهو خيرُ البشر, بل سيِّدُ المرسلين, وخاتمُ النَّبيين, ويرى أهل السنة أنَّ أكملَ المؤمنين إيماناً؛ أكملُهم محبَّةً, وإتِّباعاً للرسول صلى الله عليه وسلم.

 

سابعاً: توسُّطهم في الصَّحابة:

 

فتجد الإفراط: عند (الخوارج), الذين يُكفِّرون عليًّا ومعاوية, ومَنْ معهما من الصحابة }, وقاتلوهم, واستحلُّوا دماءَهم وأموالَهم!

وتجد التفريط: عند (الرافضة), الذين يسبُّون الصحابة – رضي الله عنهم - ويلعنونهم, ويُكفِّرونهم أو يُكفِّرون بعضَهم, والغالبية منهم ـ مع سبِّهم لكثيرٍ من الصحابة والخلفاء ـ يَغْلون في عليٍّ وأولادِه }, ويعتقدون فيهم الإلهية.

 

وتجد التوسط: عند (أهل السنة)؛ لكونهم وسطاً بين غُلُوِّ هؤلاء, وجفاء هؤلاء, فهداهم الله تعالى إلى الاعتراف بفضل الصحابة – رضي الله عنهم, وأنهم أكمل الأمَّة إيماناً وإسلاماً وعلماً وحِكمة, ولكنهم لم يَغلوا فيهم, ولم يعتقدوا عِصمَتَهم, بل أحبُّوهم؛ لِحُسْنِ صُحبتهم, وعِظَمِ سابقتهم, وحُسنِ بلائهم في نُصرة الإسلام, وجهادِهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.

 

ثامناً: توسُّطهم في شأن العقل:

 

فتجد الإفراط: عند (المعتزلة, والفلاسفة, وأهل الكلام)؛ الذين ألَّهوا العقلَ, وجعلوه مصدراً للتَّلقي, فما وافق العقلَ قَبِلوه وأخذوا به, وما خالفه ردُّوه, أو أوَّلوه!

وتجد التفريط: عند (الخرافيين, والدَّجالين)؛ لأنهم ألغَوا العقل, وقَبِلوا ما لا يُقبَل, ولا يُعقَل؛ (كخرافات الصوفية), (وحماقات الروافض)!

 

وتجد التوسط: عند (أهل السنة)؛ لأنهم لم يُنكِروا العقلَ,   ولم يُلغوه, ولم يَحْجُروا عليه, بل يعتقدون أنَّ للعقل مكانةً سامية, وأنَّ الإسلام يُقدِّر العقلَ, ويُتيح له مجالاتِ العلم, والنَّظر والتفكير.

وفي الوقت ذاتِه لا يُؤلِّهون العقل, ولا يجعلونه حاكماً على الوحي, بل يرون أنَّ للعقل حدًّا يجب أنْ يقف عنده.

 

تاسعاً: توسُّطهم في التعامل مع العلماء:

فنجد الإفراط: عند (الروافض, وغلاة الصوفية)؛ لأنهم قدَّسوا علماءَهم, وغَالوا فيهم, ورفعوهم فوق منزلتهم, فقلَّدوهم تقليداً مُطلقاً:

(فالرافضة): غَلَوا في أئمَّتهم, وجعلوا لهم مقاماً لم يبلغْه نبيٌّ مُرسَل, ولا مَلَكٌ مقرَّب, فاعتقدوا فيهم العِصمة, ونزَّهوهم عن الخطأ, والسهو, والنسيان!

(وغُلاة الصوفية): غَلَوا في مشايخهم, ويرون: أنَّ مَنْ قال لشيخه: لِمَ؟ فقد كفر! ويقولون: إذا كنت عند الشيخ فكن كالميت بين يدي الغاسل!

 

ونجد التفريط: عند (الخوارج, ومَنْ شاكلهم)؛ لأنهم حطُّوا من أقدار العلماء, ولم يرعَوا لهم حقًّا, وربَّما كفَّروهم, وبدَّعوهم, وقاتلوهم!

ونجد التوسط: عند (أهل السنة)؛ لأنهم يُحِبُّون علماءَهم ويُجِلُّونهم, ويتأدَّبون معهم, ويَذُبُّون عنهم, ويُحسِنون الظنَّ بهم, وينشرون محامِدَهم, ويأخذون منهم؛ لعلمهم أنَّهم ورثة الأنبياء, والقائمون بمهمة الدعوة والإبلاغ, فكان واجباً على الأُمَّة موالاتهم, وإنزالهم منازلهم.

 

ومع كلِّ هذا؛ فإنَّ أهل السنة يرون أنَّ العلماء بشرٌ غيرُ معصومين, بل يجوز عليهم - في الجملة - الخطأ, والنسيان, والهوى, إلاَّ أنَّ ذلك لا يُنقِص من أقدارهم, ولا يُسوِّغ ترك الأخذ عنهم.

 

وكذلك لا يُسارِعون في تخطئة العلماء, بل يتثبَّتون في ذلك, وإذا أخطأ عالِمٌ لا يُوافقونه على خطئه, ولا يتَّخذون ذلك ذريعةً للنيل منه, والوقيعةِ فيه,          إلاَّ إذا عمَّت به البلوى, وخُشِي أنْ يضل الناسُ بسببه؛ فإنهم حينئذٍ يردُّون على المُخطئ خطأه, مع الاحتفاظ له بمكانته.

 

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله ...

 

عاشراً: توسُّطهم في التعامل مع ولاة الأمر:

 

فنجد الإفراط: عند (المعتزلة), الذين جعلوا الخروج على أئمة الجور أصلاً من أصول دينهم, والإفراط أيضاً عند (الخوارج الغلاة)؛ الذين يَدِينون بالخروج على أئمة الجَور, ويعتقدون: أنَّ الخروج عليهم مُتعيَّنٌ, وأنَّ الوسيلة الوحيدة للإصلاح عندهم هو في الخروج على أئمة الجَور, بل ربَّما خرجوا على أئمة العدل؛ كما فعلوا مع أمير المؤمنين عليٍّ – رضي الله عنه!

 

ونجد التفريط: عند (المُداهنين, المُخذِّلين), الذين سكتوا عن ظلم الولاة, وتركوا نُصحَهم, والإنكار عليهم, بل ربما زيَّنوا لهم باطلَهم, وسوَّغوا لهم ظلمهم, وفسادهم, وربما أنكروا على مَنْ يُنكر عليهم!

 

والتفريط أيضاً عند (المدَّاحين, المنافقين), الذين يُغالون في الولاة, ويمدحونهم بما ليس فيهم, وربما ادَّعوا لهم العصمة, وخلعوا عليهم صفاتٍ

لا تليق إلاَّ بربِّ العالمين, وأطاعوهم في كلِّ ما أمروهم به؛ وافَقَ الحقَّ أو خالَفَه!

 

 ونجد التوسط: عند (أهل السنة)؛ لأنهم تعاملوا مع ولاة الأمر على وِفْقِ ما جاء في نصوص الشريعة, فهم يدينون لولاتهم بالسمع والطاعة في المنشط والمكره, والعُسر واليُسر, وعلى أثرةٍ عليهم, ما لم يأمروا بمعصية, فإنْ أَمروا بمعصيةٍ فلا طاعةَ لمخلوقٍ في معصية الخالق, وإنما تكون الطاعة بالمعروف.

 

كما أنهم يدينون بالنصيحة لولاة الأمر, ويتعاونون معهم على البِرِّ والتقوى, وإنْ كانوا فجَّاراً؛ لأن مقصِدَهم تحصيلُ المنافع وتكميلها, وتعطيلُ المفاسد وتقليلها؛ فلا يمتنعون من إعانة الظالم على الخير, وترغيبه فيه, فيشاركون الأئمةَ الظلمةَ في الخير, ويُفارقونهم في الشَّر, ويرون: إقامة الجُمَع والجماعات والأعياد معهم, ويرون: أنَّ الجهاد ماضٍ إلى قيام الساعة مع كلِّ بَرٍّ وفاجر.

 

الحادي عشر: توسُّطهم في الكرامات:

 

فنجد الإفراط: عند (الفلاسفة), الذين أنكروا كراماتِ الأولياء, ومعجزاتِ الأنبياء, والإفراط أيضاً عند (المعتزلة وبعض الأشاعرة), الذين أنكروا الكرامات؛ بدعوى التباسها بالمعجزة!

 

ونجد التفريط: عند (الدَّجالين المُشعوِذين من الصوفية وغيرِهم), الذين أدخلوا في الكرامات ما ليس منها؛ إذْ جَعَلوا ما يقومون به من أعمالٍ ومخاريقَ شيطانية؛

كدخولِ النار, وضربِ أنفسِهم بالسلاح, والإمساكِ بالثعابين من الكرامات! وهي ليست من الكرامات في شيء؛ لأنَّ الكرامات إنما تكون لأولياء الرحمن, وهؤلاء هم أولياء الشيطان.

 

ونجد التوسط: عند (أهل السنة)؛ لأنَّ من أصولهم التصديقَ بكرامات الأولياء, وما يُجريه الله تعالى على أيديهم من خوارق العادات؛ من أنواع العلوم والمُكاشفات, وأنواع القُدرة والتَّأثير.

 

الثاني عشر: توسُّطهم في الشفاعة:

 

فنجد الإفراط: عند (الخوارج, والمعتزلة), الذين يُنكِرون شفاعةَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وشفاعة غيرِه لأهل الكبائر, ويَقْصُرون الشفاعة على التائبين من المؤمنين؛ إذْ يزعمون: أنَّ إثبات الشفاعة للفُسَّاق يُنافي مبدأَ الوعيد في مذهبهم؛ فهم يرون: وجوب إنفاذ الوعيد لمَنْ استحقَّه, ولا يرون: الشفاعةَ له من النبي صلى الله عليه وسلم, ولا من غيرِه!

 

ونجد التفريط: عند (غلاة النصارى, والمشركين, والروافض, وغلاة الصوفية)؛ فهؤلاء جعلوا لِمَنْ يُعظِّمونهم شفاعةً عند الله في الآخرة؛ كشفاعتهم في الدنيا, فيعتقدون: أنَّ هؤلاء المُعظَّمين يشفعون لهم عند الله يوم القيامة شفاعةً مُستقِلَّة!

 

ونجد التوسط: عند (أهل السنة)؛ لأنَّهم لم يَنفُوا كلَّ شفاعة, ولم يُثبِتوا كلَّ شفاعة, إذِ الشفاعة المُثبتَةُ عندهم هي ما دلَّ عليها الكتاب والسنة؛ ومن أنواعها: الشفاعة لأهل الكبائر, وهذه الشفاعة المُثبتَة تُطلب من الله تعالى وحده, ومن شروطها: أن تكون للمُوَحِّدين خاصَّةً, بعد إذن الله تعالى للشافع, ورِضاه عن المشفوع له.

 

والشفاعة المنفية ـ عند أهل السنة ـ هي التي نفاها الشرعُ, والتي تُطلب من غيرِ الله استقلالاً, ولم تتوفَّر فيها شروط الشفاعة.

 

       الدعاء ...

 

المرفقات

جعلناكم-أمة-وسطا

جعلناكم-أمة-وسطا

المشاهدات 726 | التعليقات 0