( وَكَانَ وَقَّافًا عِنْدَ كِتَابِ اللهِ ) ( صِيَامُ عَاشُورَاءَ )

مبارك العشوان 1
1442/01/07 - 2020/08/26 07:57AM

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ، وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الطَّيِّبِيْنَ، وَصَحَابَتِهِ المُكَرَّمِيْنَ.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى أيُّهَا النَّاسُ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ.

عِبَادَ اللهِ: جَاءَ فِي البُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا؛ أَنَّ عُيَيْنَةَ بْنَ حِصْنٍ دَخَلَ عَلَى عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ؛ فَقَالَ: يَا ابْنَ الخَطَّابِ، وَاللهِ مَا تُعْطِينَا الجَزْلَ، وَمَا تَحْكُمُ بَيْنَنَا بِالعَدْلِ، فَغَضِبَ عُمَرُ، حَتَّى هَمَّ بِأَنْ يَقَعَ بِهِ، فَقَالَ الحُرُّ بنُ قَيْسٍ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، إِنَّ اللهَ تَعَالَى قَالَ لِنَبِيِّهِ صَلى الله عَلَيهِ وسَلــــمَ: { خُذِ العَفْوَ وَأْمُرْ بِالعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الجَاهِلِينَ } وَإِنَّ هَذَا مِنَ الجَاهِلِينَ، فَوَ اللهِ مَا جَاوَزَهَا عُمَرُ حِينَ تَلَاهَا عَلَيْهِ، وَكَانَ وَقَّافًا عِنْدَ كِتَابِ اللهِ.

 يَا لَهَا مِنْ مَنْقَبَةٍ، وَيَا لَعُلُّوِّهَا مِنْ مَنْزِلَةٍ، وَيَا لَجَمِيْلِهِ مِنْ وَصْفٍ: ( كَانَ وَقَّافًا عِنْدَ كِتَابِ اللهِ )

اتَّصَفَ بِهَذَا الوَصْفِ عُمَرُ، كَمَا اتَّصَفَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْ صَحَابَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، فَرَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَأَرْضَاهُمْ وَجَمَعَنَا بِهِمْ فِي جِنَانِهِ؛ هَؤُلَاءِ الصَّحْبُ الكِرَامُ؛ عَظَّمُوا اللهَ جَلَّ وَعَلَا؛ فَعَظَّمُوا كِتَابَهُ، وَعَظَّمُوا سُنَّةَ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَظَّمُوا أَوَامِرَهُ وَنَوَاهِيَهُ وَحُدُودَهُ.

يَقُولُ ابنُ القَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ: أَوَّلُ مَرَاتِبِ تَعْظِيْمِ الحَقِّ عَزَّ وَجَلَّ: تَعْظِيْمُ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ. الخ

تَعْظِيمُ اللهُ جَلَّ وَعَلَا، وَتَعْظِيمُ شَرْعِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى؛ هُوَ مَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ كُلُّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ؛ قَالَ تَعَالَى: { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا } الأحزاب 36 وَقَالَ تَعَالَى: { فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } النساء 65

يَقُولُ ابنُ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللهُ: أَيْ: إِذَا حَكَّمُوكَ يُطِيعُونَكَ فِي بَوَاطِنِهِمْ فَلَا يَجِدُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا حَكَمْتَ بِهِ، وَيَنْقَادُونَ لَهُ فِي الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ فَيُسَلِّمُونَ لِذَلِكَ تَسْلِيمًا كُلِّيًّا مِنْ غَيْرِ مُمَانِعَةٍ وَلَا مُدَافِعَةٍ وَلَا مُنَازِعَةٍ... الخ.

فَلْنُعَظِّمْ رَبَّنَا جَلَّ وَعَلَا؛ وَلْنُعَظِّمْ شَرْعَهُ، تَبَارَكَ وَتَعَالَى نَمْتَثِلُ أَوَامِرَهُ، وَنَجْتَنِبُ نَوَاهِيَهُ، وَنَقِفُ عِنْدَ حُدُودِهِ؛ وَلْنَحْذَرْ أَشَدَّ الحَذَرِ فِعْلَ قَومٍ ذَمَّهُمُ اللهُ تَعَالَى فِي أَكْثَرَ مِنْ آيَةٍ بِأَنَّهُمْ: { مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ } الحج 74 

وَقَالَ نُوحٌ لِقَومِهِ: { مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا } نوح 13

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: لَا تُعَظِّمُونَ اللَّهَ حَقَّ عَظَمَتِهِ.

عِبَادَ اللهِ: مَنْ لَمْ يُعَظِّمْ رَبَّهُ جَلَّ وَعَلَا تَجَرَّأَ عَلَى المُحَرَّمَاتِ وَاسْتَهَانَ بِهَا، وَفَرَّطَ فِي الوَاجِبَاتِ وَضَيَّعَهَا.

مَنْ لَمْ يُعَظِّمْ شَرْعَ اللهِ، مَنْ لَمْ يَكُنْ وَقَّافًا عِنْدَ كِتَابِ اللهِ، حَكَّمَ عَقْلَهُ، وَاتَّبَعَ هَوَاهُ؛ فَإِذَا جَاءَهُ الأَمْرُ أَوِ النَّهْيُ وَلَمْ يُدْرِكْهُ عَقْلُهُ، أَوْ لَمْ يُوَافِقْ هَوَاهُ؛ أَخَذَ يَبْحَثُ عَمَّا يَتَفَلَّتُ بِهِ مِنْهُ؛ فَأَوَّلَهُ وَحَرَّفَهُ؛ وَبَدَأَ يَبْحَثُ عَمَّا يُوَافِقُ هَوَاهُ مِنْ أَقْوَالٍ شَاذَّةٍ أَوْ أَحَادِيثَ ضَعِيْفَةٍ، أَوْ فَتَاوَى بَاطِلَةٍ ضَلَّ أصْحَابُهَا وَأَضَلَّوا.

حَفِظَنِي اللهُ وَإِيَّاكُمْ مِنَ الضَّلَالِ، وَبَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي القُرْآنِ العَظِيمِ وَنَفَعَنَا بِمَا فِيهِ مِنَ الآيِ وَالذِّكْرِ الحَكِيمِ، وَأَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ الجَلِيلَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمْ. 

 الخطبة الثانية: 

الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ.

أَمَّا بَعْدُ: فَالْزَمُوا - رَحِمَكُمُ اللهُ - أَوَامِرَ اللهِ وَلَا تُضَيِّعُوهَا، وَنَوَاهِيَهُ وَحُدُودَهُ وَلَا تَقْرَبُوهَا.

( سَمِعْنَا، وَأَطَعْنَا ) اِلْزَمُوا هَاتَينِ الكَلِمَتَينِ؛ فَهُمَا قَولُ المُؤْمِنِينَ، وَهُمَا سَبِيْلُ فَلَاحِهِـمْ: { إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }النور 51

يَقُولُ الشَّيْخُ ابنُ عُثَيْمِيْنَ رَحِمَهُ اللهُ: قُلْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا؛ إِنْ كَانَ لِلْوُجُوبِ فَقَدْ أَثَابَكَ اللهُ عَلَيْهِ ثَوَابَ الوَاجِبِ، وَإِنْ كَانَ لِلِاسْتِحْبَابِ أَثَابَكَ اللهُ عَلَيْهِ ثَوَابَ المُسْتَحَبِّ... الخ

عِبَادَ اللهِ: يَومُ غَدٍ هُوَ يَومُ عَاشُورَاءَ، وَقَدْ جَاءَتِ الأَحَادِيْثُ بِأَنَّهُ يَومٌ صَالِحٌ وَيَومٌ عَظِيمٌ؛ وَبِأَنَّ: ( صِيَامَهُ يُكَفِّرُ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ. صَامَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ، وَلَمَّا قِيْلَ لَهُ: إِنَّهُ يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى؛ قَالَ: ( فَإِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِعَ...). فَاحْرِصُوا عَلَى صِيَامِهِ، وَحُثُّوا عَلَيهِ، وَصُومُوا مَعَهُ يَومًا؛ إِمَّا التَّاسِعَ، أَوِ الحَادِيَ عَشَرَ، وَمَنْ صَامَ العَاشِرَ وَحْدَهُ فَهُوَ عَلَى خَيْرٍ؛ وَهُوَ يُكَفِّرُ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ.

ثُمَّ صَلُّوا وَسَلِّمُوا - رَحِمَكُمُ اللهُ - عَلَى مَنْ أَمَرَكُمُ اللهُ بِالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَيهِ؛ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: { إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا }الأحزاب 56 اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.

اللَّهُمَّ أصْلِحْ أئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، اللَّهُمَّ وَفِّقْ وُلَاةَ أمْرِنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، اللَّهُمَّ خُذْ بِنَوَاصِيهِمْ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا وَإِيَّاهُمْ لِهُدَاكَ، واجْعَلْ عَمَلَنَا فِي رِضَاكَ، اللَّهُمَّ مَنْ أَرَادَنَا وَدِينَنَا وَبِلَادَنَا بِسُوءٍ فَرُدَّ كَيْدَهُ إِلَيهِ، وَاجْعَلْ تَدْبِيرَهُ تَدْمِيرًا عَلَيهِ، يَا قَوِيُّ يَا عَزِيزُ.

عِبَادَ اللهِ: اُذْكُرُوا اللهَ العَلِيَّ الْعَظِيْمَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ وَلَذِكْرُ اللهِ أكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.

 

المرفقات

وكان-وقافا-عند-كتاب-الله-ـ-صيام-عاشوراء

وكان-وقافا-عند-كتاب-الله-ـ-صيام-عاشوراء

المشاهدات 1629 | التعليقات 0