وقولوا للناس حسنا

فايق البصري
1434/10/08 - 2013/08/15 23:04PM
إن الحمد لله: ((وقولوا للناس حسنا))
قال تعالى {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} سورة البقرة:83
وقال الله تعالى : { وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ ۚ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا} سورة الاسراء:53
هذا أمر من الله تعالى أن نقول للناس حسنا ، وقد أمر نبيه صلى الله عليه وآله وسلم كذلك وقال له { وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } ، ما قال حسن بل قال التي هي أحسن.
ينبغي على المسلم أن يختار أحسن الكلمات وأجمل العبارت عندما يريد أن يتكلم مع
الناس، كل الناس مع الكبير والصغير، مع القريب والبعيد، مع المسلم وغير المسلم ، هذا من أخلاق الاسلام ، تتكلم مع الناس بالكلام الذي يعجبك أن تسمعه منهم ، من غير استهزاء ولا تكبر ولا تحقير ، لا يطعن في الاخرين ولا يلعن ولا يتكلم بكلام فاحش أو بذئ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ ( لَيْسَ الْمُؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ، وَلَا اللَّعَّانِ، وَلَا الْفَاحِشِ، وَلَا الْبَذِيءِ). سنن الترمذي
{ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ} في كثير من الاحيان هناك من يتكلم بكلام عادي لا يقصد به شئ فينزغ الشيطان في قلب المقابل ويقول له أنت المقصود بهذا الكلام ، يريد أن يوقع بين الناس ، هذا الكلام العادي يؤول الى كلام مقصود ، فكيف إذا كانت كلمة سيئة؟ لا شك أن النزغ يكون أكثر وأشد مما يوقع العداوة بين الناس ، { إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا}.
علينا أن نفكر بكلامنا قبل أن يخرج من أفواهنا ، فإذا خرج الكلام فلا نستطيع أن نرده مرة أخرى ، أن نستحضر أوامر ربنا ووصايا نبينا صلى الله عليه وآله وسلم حيث يقول لنا ( لا تحاسدوا ، ولا تناجشوا ، ولا تباغضوا ، ولا تدابروا ، ولا يبع بعضكم على بيع بعض ، وكونوا عباد الله إخوانا ، المسلم أخو المسلم ، لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره ، التقوى هاهنا – ويشير إلى صدره ثلاث مرات – بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام : دمه وماله وعرضه ) رواه مسلم .
وقَالَ عليه الصلاة والسلام (مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ)
نرى ونسمع للاسف الكثير من المسلمين عندما يتحاورون ويتناقشون في أي موضوع ، نسمع العجب من القول ، وخاصة إذا كان الكلام مع من يخالفه الرأي فالويل لمن خالفه، يصب غضبه عليه بشتى أنواع الاوصاف والافعال ويتهمه بأنواع التهم ، كل هذا من أجل الانتصار للنفس وحب الانتقام ، ويسمعه الكلام الجارح و الكلام الجارح لا يلتئم بسرعة أيها الاخوة:
جراحات السنان لها التئام .... ولا يلتئم ما جرح اللسان
حدثت خصومة بين أحد السلف ورجل فقال الرجل والله إن قلت لي كلمة قلت لك عشرة – يعني كلمة سيئة أردها عليك – فقال له والله إن قلت لي عشرة كلمات – يعني كلمات سيئة – لا أرد عليك ولا بكلمة واحدة ، فهدأ الرجل واستحيى منه و اعتذر، هذا أثر الكلام الطيب مع الناس.
وجاء رجل إلى علي بن الحسين بن علي – رضي الله عنهم أجمعين – فقال له إن فلاناً قد آذاك ، ووقع فيك . فما كان منه إلا أن قال له : انطلق بنا إليه ، فانطلق معه ، وهو يرى أنه سينتصر لنفسه ، ويقتص منه ، ويرد له الصاع صاعين .. وما أكثر الذين يحبون هذا .. غير أن الذي حدث ، خيب ظن الساعي ، وأفشل مسعاه .. فلما أتاه ، قال له : " يا هذا إن كان ما قلت فيّ حقاً ، فغفر الله لي .. وإن كان ما قلت فيّ باطلاً فغفر الله لك".
وروي عن ابن عباس نفس الكلام قال: ان كنت صادقا غفر الله لي ، وإن كنت كاذبا غفر الله لك ،،، إنها والله أخلاق الاسلام ويجدر بنا أن نتقدي بها.نجعل هذه العبارة قاعدة في تعاملنا مع الناس:إن كنت صادقا غفر الله لي، وإن كنت كاذبا غفر الله لك، ما أجملها من قاعدة تزرع المحبة بين الناس.
حتى إن كنت تدافع عن دينك فلا تنفعل ، فالدفاع يكون بالقول الحسن بل الأحسن : {ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَ‌بِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} النحل : 125.
إذا كنت تدعو الى دين الله ، هل يستجيب الناس لك إذا سمعوا منك الغلظة في القول والتهجم والكلام الخشن؟ أم بالطيب من القول؟ أين الدعاة الى الله من الخلق الحسن والكلمة الطيبة وعفة اللسان ولين القول وخفض الجناح ؟
أيها الاخوة : أنتم تعلمون بأنه بسبب الاخلاق الاسلامية دخل الملايين من الناس في دين الله ومنهم مسلمو إندونيسيا وكذلك الهند والصين وغيرها من البلدان.
مهندسة يهودية من اليمن كتبت مقالا تقول أن بعض أصدقائها يدعونها الى الاسلام وأرسلوا لها قصة النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع اليهودي الذي كان يؤذيه فلما مرض اليهودي زاره النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وكانت الزيارة سببا لدخوله الاسلام ، فتقول أن أخلاق نبيكم أغرت ذلك اليهودي وجعلته يدخل الاسلام ، أما أنتم فبماذا تغروني لكي أدخل الاسلام وانتم يذبح بعضكم بعضا ويكفر بعضكم بعضا ويشتم بعضكم بعضا وبأسكم بينكم شديد؟
النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول (أحسن الناس إسلاما أحسنهم خلقا) ، ويقول ( الكلمة الطيبة صدقة)،فالكلمة الطيبة تطفئ الفتنة، و اللين يؤثر ايجابا في المقابل ،
وضرب أحد العلماء مثلا للكلام السيئ ، وكيف نرد عليه ، فيقول الكلام السيئ مثل الذباب ، فاذا وضعت قطرة من العسل - وهو الكلام الطيب - تستطيع أن تجمعه و تقضي عليه ، ولكنك اذا وضعت فوقه برميل من الحنظل لا تستطيع ان تقضي على ذبابة واحدة منه.
ويعظ عبد الله بن عمر ابنه فيقول له: بني أن البر شئ هين .. وجه طليق وكلام لين
وخير منه كلام ربنا تبارك وتعالى الذي يقول : { وَعِبَادُ الرَّ‌حْمَـٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْ‌ضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا} الفرقان:63 .
وصلى الله على نبينا وحبيبنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
المشاهدات 17701 | التعليقات 2

بورك فيك شيخ فائق ونفع الله بعلمك صدقت كل هذا التشديد في الحرص على القول الحسن واللطف في العبارة حتى ينشأ مجتمع متآخ منسجم مع بعضه تسوده المحبة ويشمله الأنس ويعتريه الود سليم قلبه من البغضاء والكراهية


وبارك الله فيك شيخنا زياد ، تشجيعكم وملاحظاتكم قوة دفع لنا ، نسأل الله ان يوفقنا واياكم لخدمة هذا الدين