{ وقليلٌ من عبادي الشكور } ..

عبدالله محمد الطوالة
1437/02/01 - 2015/11/13 06:01AM
الحمد لله ، الحمد لله الوهابُ المنان، الرحيم الرحمن، المدعو بكل لسان، المرجو للعفو والإحسان، الحمد لله حمداً كثيراً يستغرق كل الزمان ، ويملأ كل المكان ..
سبحانه وبحمده قديرٌ لا يعجزه شيء ، خبيرٌ لا يخفى عليه شيء ، كبيرٌ لا يتعاظمه شيء ، رحيمٌ وسعت رحمته كل شيء ..
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولا رب سواه ، غفّار الذنوب ، ستّار العيوب ، مفرّج الكروب .. (تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا) ..
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفيه وخليله، الوافي عهده ، الصادق وعده، والأخشى لربه والأتقى ، دلَّ على سبيل الهدى ، وحذَّر من طريق الردى ، فصلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ، معالم الهدى ، ومصابيح الدجى، والتابعين ومن تبعهم بإحسان وسار على نهجهم واقتفى ..
أما بعد: فيا أيها الناس: اتقوا الله تعالى حق تقاته ، وعظّموه حق تعظيمه، واقدروه حق قدره ، فكم لله من نعم علينا ما شكرناه عليها حق شكرها ، وكم من منّة لله علينا ما حمدناه عليها حق حمده ، ألا فاتقوا الله وعظموا أمره ، واقدروه حق قدره ، وتعرفوا على عظيم آلائه ، وجزيل نعمائه ، فمن عرفه حق المعرفة أحبه حق الحب ، ومن أحبه حق الحب أطاعه ولا بد ..
أيها الأحبة الكرام : أدعوكم ونفسي لشيء من التفكر والتأمل ، فلقد أجزلَ الله علينا النعم ، وأغدق علينا ، وأكرمنا غاية الكرم .. {وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ اللّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ} / فالحمد كله لله / والشكر أجمعه له جل في علاه .. {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} ..
أحبتي في الله : ولعظم منزلة الشكر عند الله قرنه سبحانه بالإيمان به فقال تعالى: {مَّا يَفْعَلُ ٱللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَءامَنْتُمْ} / وأخبر سبحانه وبحمده أن الشكرَ هو الغاية من خلقه وأمره: {وَٱللَّهُ أَخْرَجَكُم مّن بُطُونِ أُمَّهَـٰتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ ٱلْسَّمْعَ وَٱلأبْصَـٰرَ وَٱلأفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} / وجعل رضاه تبارك وتعالى في شكره: {وَإِن تَشْكُرُواْ يَرْضَهُ لَكُمْ} / وخلق الله الليل والنهار للتفكر والشكر: {وَهُوَ ٱلَّذِى جَعَلَ ٱلَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ خِلْفَةً لّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا} / وبالشكر ينقسم الناس إلى شكورٍ وكفور: {إِنَّا هَدَيْنَـٰهُ ٱلسَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا} / بل وجعله لازماً من لوازم العبادة : {وَٱشْكُرُواْ للَّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} / وبه أثنى الله على نوح عليه السلام فقال: {ذُرّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا} / وعلى خليله إبراهيم عليه السلام فقال تعالى: {إِنَّ إِبْرٰهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَـٰنِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ شَاكِرًا لأنْعُمِهِ} / وبه أمر كليمه موسى عليه الصلاة والسلام فقال عز وجل: {يٰمُوسَىٰ إِنْى ٱصْطَفَيْتُكَ عَلَى ٱلنَّاسِ بِرِسَـٰلَـٰتِي وَبِكَلَـٰمِي فَخُذْ مَا ءاتَيْتُكَ وَكُنْ مّنَ ٱلشَّـٰكِرِينَ} / وبه أمر الله داود عليه السلام فقال: {ٱعْمَلُواْ ءالَ دَاوُودَ شُكْرًا ..} وبه دعا سليمان عليه السلام ربَّه أن يكون من الشاكرين: {رَبّ أَوْزِعْنِى أَنْ أَشكُرَ نِعْمَتَكَ ٱلَّتِى أَنْعَمْتَ عَلَىَّ وَعَلَىٰ وٰلِدَىَّ} ، وبه أمرَ الله خليله محمد صلى الله عليه وسلم : فقال تعالى: {بَلِ ٱللَّهَ فَٱعْبُدْ وَكُن مّنَ ٱلشَّـٰكِرِينَ} // وبه أمر الله العبد الصالح لقمانَ ، فقال تعالى: {وَلَقَدْ ءاتَيْنَا لُقْمَانَ ٱلْحِكْمَةَ أَنِ ٱشْكُرْ للَّهِ} / وبالشكر أوصى الله جميع الناس فقال تعالى : {وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} / وبالشكر أَمرَ الأنبياءُ أقوامَهم، فقال إبراهيم عليه السلام لقومه: {فَٱبْتَغُواْ عِندَ ٱللَّهِ ٱلرّزْقَ وَٱعْبُدُوهُ وَٱشْكُرُواْ لَهُ} / والآيات والعبر ، والعظات والنُذُر ، لا يتَّعظ بها إلا الشاكرون، قال تعالى: {كَذٰلِكَ نُصَرِّفُ ٱلآيَـٰتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ} / وما أغدق علينا النعمَ إلا لنثني عليه بها ، فقال جل وعلا: {وَرَزَقَكُم مّنَ ٱلطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} / والشكر هو وصية الحبيب صلى الله عليه سلم لأصحابه وأتباعه ، فقد جاء في الحديث الصحيح : "يا معاذ، أني أحبُّك، فلا تدعنّ أن تقول دبرَ كلّ صلاة: اللهم أعنِّي على ذكرك وشُكرك وحسن عبادتك" .. ولا شك أن دعاء العبد ربَّه أن يعينه على الذكر والشكر والعبادة لهو من أفضل الأدعية ، إن لم يكن أفضلها ، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "تأمّلتُ أفضلَ الدعاء فإذا هو: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك" / ولما علم عدوُّ الله إبليس قدرَ مقام الشكر وأنه من أجلِّ العبادات وأعلاها ، جعل غايتَه السعيَ في قطع الناس عنه فقال: {ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَـٰنِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَـٰكِرِينَ} ..
ونبيُّنا محمد صلى الله عليه وسلم ، هو أشكرُ الخلق لربّه ، قام من الليل حتى تفطَّرت قدماه ، وحين يُسأل صلى الله عليه وسلم لم تصنع ذلك وقد غفر الله لك ما تقدَّم من ذنبك وما تأخَّر، فيجيبُ عليه الصلاة والسلام بقوله: "أفلا أكون عبدًا شكورا؟!" // والشكر يا عباد الله أَمنةٌ من العذاب، قال ربنا عز وجل: {مَّا يَفْعَلُ ٱللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَءامَنْتُمْ} / وقد نجَّى الله لوطًا عليه السلام من العذاب بالشكر: {إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَـٰصِبًا إِلاَّ ءالَ لُوطٍ نَّجَّيْنَـٰهُم بِسَحَرٍ * نّعْمَةً مّنْ عِندِنَا كَذَلِكَ نَجْزِى مَن شَكَرَ} / ولما تنكَّر قومُ سبأ لنعم الله وجحدوها ولم يشكروها وقابلوها بالعصيان سلبها الله منهم، وأذاقهم ألوانًا من العذاب بسبب ذلك: {لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ * فَأَعْرَضُواْ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ ٱلْعَرِمِ وَبَدَّلْنَـٰهُمْ بِجَنَّـٰتِهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَىْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَىْء مّن سِدْرٍ قَلِيلٍ * ذَلِكَ جَزَيْنَـٰهُمْ بِمَا كَفَرُواْ وَهَلْ نُجْزِى إِلاَّ ٱلْكَفُورَ}. وأصحاب الجنة في سورة القلم وصاحب الجنتين في سورة الكهف قابلوا نعمةَ الله بالنكران وحرمان المساكين ، فطاف على ثمرهم طائف، وأحيط بزروعهم فأصبحت كالصريم .. وغدت أثراً بعد عين ..
عباد الله : فالشكر سبب لحفظ النعم الموجودة ، وجلبٌ للنعم المفقودة / يقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (النعمة موصولةٌ بالشكر، والشكر يتعلّق بالمزيد، ولا ينقطع المزيد من الله حتى ينقطع الشكر من العبد) .. وخير من ذلك قول الحق تبارك وتعالى : {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} .. فالشكر يا عباد الله مفتاح الزيادة .. فمن رُزق الشكرَ رُزق الزيادة / ويقول الفضيل بن عياض رحمه الله: "عليكم بملازمة الشكر على النعم، فقلَّ نعمةٌ زالت عن قوم فعادت إليهم" / ومن ضيَّع الشكرَ استدرجه الله ، فعن عقبة بن عامر الجهني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا رأيت الله تعالى ذِكْرُه يعطي عباده ما يسألون على معاصيهم فإنه استدراج منه لهم" ثم تلا قوله تعالى: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ} // وفي تفسير قوله تعالى : {سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ} قال سفيان رحمه الله : " يُسبغ عليهم النعم ويمنعهم الشكر" //
والشاكرون لنعم الله قِلّة في الخلق، قال تعالى: {وَقَلِيلٌ مّنْ عِبَادِىَ ٱلشَّكُورُ} / وقد ذمَّ سبحانه الكنودَ من عباده وهو الذي لا يشكر نعمه فقال سبحانه: {إِنَّ ٱلإِنسَـٰنَ لِرَبّهِ لَكَنُودٌ} ..
وشُكر الله يكون بالقلب واللسان والجوارح // فيكون بالقلب وذلك بنسبة النعم إلى بارئها، والاعتراف بفضله وكرمه ومنته والشعور بالعجز عن شكرها / قال جل وعلا: {وَمَا بِكُم مّن نّعْمَةٍ فَمِنَ ٱللَّهِ} / {وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ اللّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ} // ويكون الشكر باللسان بالإكثار من حمد الله وشكره والثناء عليه ، يقول عليه الصلاة والسلام: ((الحمد لله تملأ الميزان)) / فالحمد رأسُ الشكر وأوَّله،// وهو أول آية في كتاب الله المجيد: ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ / وقد أمر الله نبيَّه محمدًا بالشكر فقال تعالي : {بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُن مِّنْ الشَّاكِرِينَ} وأمره أن يحدِّث بنعم الله فقال سبحانه: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبّكَ فَحَدّثْ} / وأمر عباده بالذكر والشكر فقال:{فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ} // والشكرُ بالجوارح يكون باستعمالها في مرضاة الله ، {وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} ونهاهم عن الضد من ذلك: {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}..{قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُم مَّنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللّهِ يَأْتِيكُم بِهِ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ} ..
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم،{اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ} بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ...

الحمد لله وكفى وصلاة وسلاماً على عباده اللذين اصطفى ..
أما بعد : فكم لله علينا من نعمة لم نشكرها / ومنن لم نحمدها وأفضال لم نذكرها {وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ اللّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ} : {وما بكم من نعمة فمن الله ثم إذا مسكم الضر فإليه تجئرون * ثم إذا كشف الضر عنكم إذا فريق منكم بربهم يشركون } . {وفي أنفسكم أفلا تبصرون} .. {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}.. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ } ..
فنذكر نعمة الهداية للإيمان ، وأعظم بها من نعمة ، (وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ) .. ونذكر نعمة الأمن في الأوطان والصحة في الأبدان .. ورغد العيش {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} {وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ} فعندما ينعم الله على الناس ثم يكفرون ولا يشكرون يذيقهم الله الخوف والجوع وغلاء الأسعار لعلهم يرجعون .. {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}..{وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ} ..
ثم اعلموا أيها المباركون: إن الشكر ليس بالكلام فقط .. بل لا بد أن يستقيم العبد على طاعة الله ، وينتهي عن معصيته ، وأن يستخدم ما أكرمه الله به من النعم في طاعة الله .. وأين هذا الشكر ممن غرِق في شهواته المحرمة / يُمِدُهُ ربهُ بالنعم والصحة والقوة في بدنه / ويحفظُ له سمعه وبصره / ويديه ورجليه / وعقله وقلبه ، وسائر جوارحه / ويحوطه برعايته في مأكله ومشربه / وفي نومه ويقظته / وفي كل حركة من حركاته / وسكنة من سكناته / بل في كل خلية من خلايا جسمه / ونبضة من نبضات قلبه / وقطرة من قطرات دمه / ثم هو شديد الفقر لربه / دائم الحاجة لمولاه / ضعيف مسكين / لايتحمل أدنى مرض ولا أقل حرمان / فكيف بمن هذا حاله وفقره / وضعفه وحاجته / ثم هو يبارز ربه بالمعاصي والمنكرات /كيف يتقوى بنعم الله على معصيته / كيف يغفل عن نفسه وما بها من منن الله / وكيف يعرضُ عن الله ، ويعرّضُ نفسه بقبيح أفعاله وأقواله لوعيد الله وسخطه/ وكيف يتمادى في الخطايا ويسعى إليها وهو يعلم شؤم عاقبتها / {يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ} .. اللهم فأصلح ما فسد من أحوالنا ولا تجعلنا ممن يتقوى بنعمك على معاصيك ..
أحبابي في الله : كم نحن في غفلة كبيرة عن أداء شكر نعم الله ، هذا موسى كليم الرحمن عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة وأتم السلام ينادي ربه يوم الطور فيقول: (يارب إن أنا صليت فمن قبلك، وإن أنا تصدقت فمن قبلك، وإن أنا بلَّغت رسالتك فمن قبلك، فكيف أشكرك؟ قال: الآن شكرتني يا موسى) .. وجاء في الأثر : أن داود عليه السلام قال : يا رب ، كيف أشكرك وشكري لك نعمة منك علي ؟ فقال الله تعالى : الآن شكرتني يا داود ، أيّ : حين اعترفت بالتقصير عن أداء شكر النعم .. وعن عبدالله بن غنام رضي الله عنه عن النبي أنه قال من قال حين يصبح: (اللهم ما أصبح بي من نعمة أو بأحد من خلقك فمنك وحدك لا شريك لك، فلك الحمد ولك الشكر، فلقد أدى شكر ذلك اليوم، ومن قالها حين يمسي أدى شكر تلك الليلة) .. أُخي المبارك : إذا كنت ذا نعمة فارعها فإن المعاصي تزيل النعم .. وداوم عليها بشكر الإله .. فإن الإلـه سريع النقم .. اللهم فارزقنا شكر نعمتك، وألهمنا حمدك والثناء عليك، ووفقنا لكل خير تحبه بتوفيقك ، واعصمنا عن كل شر بعصمتك يا أرحم الراحمين ... اللهم صلي ..
المشاهدات 3650 | التعليقات 1

للرفع .. رفع الله قدركم ..