وقفتين مع نهاية عام وبداية أخر

فهد عبدالله الصالح
1431/12/26 - 2010/12/02 15:17PM


الحمد لله الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا خلق الإنسان من العدم وأرسل له الرسل وأنزل عليه الكتب وهداه النجدين .. أحمده سبحانه وأشكره ,اشهد أن لا اله إلاَ الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وأمينه على وحيه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وعلى من سار على نهجه إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيرا .

أمَـا بعـد : فأوصيكم ونفسي بتقوى الله في السر والعلن فإن من اتقى الله فقد هدى إلى صراط مستقيم .

عبـاد الله : إن أصحاب المؤسسات والشركات التجارية ورجال المال والأعمال يحددون لهم وقتاً في السنة يراجعون فيه حساباتهم الماضية ويخططون لمستقبلهم , فالبضائع الكاسدة والتصرفات الخاطئة هي درس لهم لا يكررونه بل يسعون في إصلاحه , وأمَا أعمالهم الناجحة وبضائعهم الرائجة فهي دافع لهم في الإكثار منها والسير على نهجها ليكون الربح أكثر والمستقبل أفضل يقفون مع حساباتهم هذه الوقفات مع العلم أنه ليس ثمة أحدٍ سيحاسبهم أو يدقق في حساباتهم , وكل هذا في أمور دنيوية زائلة

وإذا كان الأمر كذلك ـ أيها الأخوة ـ فالمسلم أولى بالوقوف مع نفسه وقفة محاسبة ومراجعة , فهاهي السنوات تمشى تباعاً واليوم هو أخر جمعة في هذه السنة الواحدة والثلاثين بعد الأربعمائة والألف لهجرة المصطفي صلى الله عليه وسلم

فياليت شعري ماذا قدمنا فيما مضى وماذا عزمنا عليه فيما نستقبل

إن على المسلم مع نهاية هذا العام وبداية العام الجديد إن عليه أن يقف وقفتين وقفة مع نفسه ووقفة مع أمته ..



أمَا الوقفة الأولى فهي وقفة مع النفس :

أيها الأخوة : من غفل عن نفسه تصرمت أوقاته ثم اشتدت عليه حسراته وأيُ حسرةٍ على العبد أعظم من أن يكون عمره عليه حجة وتقودهٌ أيامه إلى المزيد في الردى والشقاوة . ورد في الأثر { أربعة ٌ من الشقاء : جمود العين وقسوة القلب وطول الأمل والحرص على الدنيا } .

وخطب عمربن الخطاب رضى الله عنه يوماً فقال : أيها الناس : حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوها قبل أن توزنوا وتأهبوا للعرض الأكبر مع الله { يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية } . من حاسب نفسه في الدنيا خف في القيامة حسابه وحسن في الآخرة منقلبه ومن أهمل المحاسبة دامت حسراته وساء مصيره وما كان شقاء الأشقياء إلاَ أنهم لا يرجون حسابا عاشوا على الأماني الفارغة فخدعوا أنفسهم ووافتهم المنايا وهم في غمرةٍ ساهون .

أيها الأخوة : نوقن بالموت ثم ننساه ونتحقق الضرر ثم نغشاه نخشى الناس والله أحق أن نخشاه نغتر بالصحة وننسى الأسقام نتذكر الأحياء وننسى الأموات سبحان الله ـ عباد الله ـ { ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق } ألم يأن لأهل الغفلة أن يدركوا حقيقة هذا الدار أما علموا أن حياتها عناء ونعيمها ابتلاء { يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع وإن الآخرة هي دارالقرار }

أيها المسلمون : إن المحاسبة الصادقة هي التوبة الصادقة علامة صدقها ندمٌ على الإقدام ومتابعة لصالح الأعمال .. إن من تطاول على الناس بلسانه وجعل أعراضهم فاكهةً له في مجالسه هو ممن ضل سعيه في الحياة الدنيا ومثله من يؤذى الناس بأفعاله ويسعى للإضرار بهم وإفساد ذات بينهم وأكل أموالهم وتضييع حقوقهم وإشاعة المنكرات في أوساطهم وعدم الوفاء بعهودهم سأل النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة يوماً عن مفهوم المفلس فأجابوا رضى الله عنهم ـ بالمعنى الظاهري له فقالوا : المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع فأخبرهم صلى الله عليه وسلم عن المفلس الحقيقي بقوله : { إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ويأتي وقد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دما هذا وضرب هذا فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار } رواه مسلم ..

ما أجمل أن يحاسب المرء كلُ منا نفسه ويراجع أقواله وأفعاله ويتوب إلى الله ويتحلل من الناس ما دام في زمن المهلة وما أحسن أن يراجع الإنسان ما يدخل في حوزته من أموال فيعرف أهي من الحلال أم من الحرام من قبل أن تأتي ساعة الحسرة ويوم الحسرة وإن من أشدِ الناس حسرةً يوم القيامة من كسب مالاً فأدخله النار وورثه من بعده قومٌ صالحون عملوا فيه بطاعة الله فأدخلهم الجنة

وإن من أوجب الواجبات على المسلم محاسبة نفسه في حق الله فيما افترضه الله عليه من صلاةٍ وزكاة وبر الوالدين وصلة الأرحام وأداء أمانة ووفاء بعهد , وإن التقصير فيها هو تقصير في حق الله وهو موجب لعقاب الله

وإن محاسبة النفس ـ أيها الأخوة ـ تقتضي الوقوف بها عند حدود الله أمراً ونهياً وخضوعاً وتحاكما ً { ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه } إنه ليس من حق أحد أن يصدر أحكاماً في الدين بدونِ دليلٍ شرعي وليس من حق أحد أن يتجاوز حدود العبودية وإلاَ كان التجاوز والطغيان .. إن التحاكم يجب أن يكون إلى شرع الله في كل حادثةٍ ونازلةٍ وكلِ صغيرةٍ وكبيرة { فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً} .

ومحاسبة الإنسان لجوارحه تعنى أن تكون الجوارح تعمل وفق منهج الله في الحلال والحرام { إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا }

وما العمل ـ أيها المسلمون ـ وقد فات ما فات ومضى من الأعمار ما مضى ؟؟..

العمل أن نستدرك ما بقى ولا ننشغل بالندم عن العمل ,

واعلم ـ أخي المسلم ـ أنً من أصلح ما بقى غفر له ما مضى ومن أساء فيما بقى أٌخذ بما مضى وبما بقى , قرأ الحسن البصري رحمه الله قوله تعالى { عن اليمين وعن الشمال قعيد } فقال : يا ابن آدم : بسطت لك صحيفتك ووكل بها ملكان أحدهما عن يمينك والآخر عن شمالك فصاحب اليمين يكتب الحسنات

وصاحب الشمال يكتب السيئات فاعمل ما شئت أقلل أو أكثر فإذا مت طويت صحيفتك , وجعلت في عنقك فتخرج يوم القيامة فيقال لك : اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا ثم قال رحمه الله : عدْل والله من جعلك حسيب نفسك }

فاتقوا الله يا عباد الله وتزودوا لآخرتكم واستعدوا للرحيل فما هي إلاَ أيام معدودة أو سنوات ممدودة أعوذ بالله من الشيطان الرجيم { وأنذرهم يوم الأزفة إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور والله يقضى بالحق والذين يدعون من دونه لا يقضون بشيء إن الله هو السميع البصير }







الخطبة الثانية

ومحاسبة النفس تكون ـ أيضاً ـ في الوقوف معها في قضايا الأمة المختلفة

إن المسلم عضوٌ في الجسد المسلم , إن على المسلم أن يشارك في نهضة مجتمعه وأمته مشاركةً إيجابية حيه بحسبِ استطاعتهِ وميوله وأن يكون فعَالاً للخيرِ والإصلاح وأن يهيئ نفسه للعمل الإيجابي البناء وإن من الخذلان أن يعيش المسلم عيشة المتعة والشهوة بعيداً عن الهدف الذي من أجله خلق , بعيداً عن الأمانة التي حمل إياها , وتكون المصيبة العظمى حين يجد المسلم نفسه مناعا للخير يحارب الإسلام والمسلمين أو ينفر الناس من الاستقامة على شرع الله القويم بخطط الأعداء المتربصين { ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها }

وهاهي البشرية تتخبط في دياجير ظلام الشرك والظلم والجبروت والتسلط وتقود نفسها إلى مصير مجهول في الدنيا ومصير مخيف في الآخرة إنها تتلهف إلى تشريع ربها ودين خالقها إنها تبحث عن المنقذ في زمن الإغراق في الشهوات والشبهات وإن الدعوة إلى الله ونصرة دينه ونبيه وكتابه من أوجب الواجبات على المسلم لأنه مستخلف في هذه الأرض وكلف بحمل الأمانة أمانة التبليغ والرسالة ((يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ ) وفي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال :"بلغوا عني ولو آية،" رواه البخاري

ونصرة المسلمين ـ أيها المسلمون ـ واجب بمقتضى الأخوة الإسلامية لقول الله جلا الله :{وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر}.ونصرة الأخوة في الدين يكون بكل مجال سواء بالإغاثة العاجلة أو الوقوف معهم بكل وسيلة مشروعة أو التعريف بقضيتهم أو الإنكار على من ظلمهم ومحاكمتهم والنصرة تكون بسلاح الإعلام والتربية والتعليم وغيرها مما ينصر الأمة ويقوي المسلمين في أي قطر أو مكان هذا وصلوا وسلموا على نبيكم ...........
المشاهدات 2384 | التعليقات 1

خطبة رائعة استفدت منها كثيراً نغع الله بك الإسلام والمسلمين شيخنا الكريم