وقفتان مع كورونا (مختصرة ومشكولة)

عبدالله اليابس
1441/07/17 - 2020/03/12 17:38PM

وقفات مع كورونا (3)                  الجمعة 18/7/1441هـ

الحَمْدُ للهِ حَمْدًا كَثِيرًا كَمَا أَمَرَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ إِرْغَامًا لِمَنْ جَحَدَ وَكَفَرَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ سَيِّدُ الخَلَائِقِ وَالبَشَرِ، الشَّفِيعِ المُشَفَّعِ فِي المَحْشَرِ، صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَعَلَى أَصْحَابِهِ مَا اِتْصَلَتْ عَيْنٌ بِنَظَرٍ، وَسَمِعَتْ أُذُنٌ بِخَبَرٍ.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ.

يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.. عَلَى مَدَارِ الجُمُعَتَيْنِ المَاضِيَتَيْنِ كَانَ الحَدِيْثُ عَنْ حَدَثِ السَّاعَةِ, وَشَاغِلِ النَّاسِ.. فَلَا تَكَادُ تَدْخُلُ مَجْلِسًا إِلَّا وَحَدِيْثُهُمْ عَنْ (كُورُونَا).. وَعِنْدَمَا أَرَدْتُ اِخْتِيَارَ مَوْضُوعٍ لِخُطْبَةِ هَذَا الأُسْبُوعِ لَمْ أَسْتَطِعْ أَنْ أَخْرُجَ عَنْ حَدَثِ السَّاعَةِ.. فَالنَّاسُ فِيْ خُطْبَةِ الجُمُعَةِ تَحْتَاجُ إِلَى مَوْضُوعٍ يُلَامِسُ حَيَاتَهَا.. وَوَقَائِعَ أَيَّامَهَا.. وَأَيُّ شَيءٍ أَبْرَزُ مِنْ هَذَا الحَدَثِ التَارِيْخِيِّ الاِسْتِثْنَائِيِّ.. فَاِسْمَحُوا لِيْ أَنْ أَتَوَقَفَ مَعَهُ وَقْفَتَيْنِ:

الوَقْفَةُ الأُوْلَى:

         مَا بَيْنَ غَمْضَةِ عَيْنٍ وَانْتِبَاهَتِهَا *** يُغَيِّرُ اللهُ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالِ

مَنْ كَانَ يُصَدِّقُ قَبْلَ شَهْرٍ مِنَ اليَومِ أَنْ يَحْدُثَ فِيْ بِلَادِنَا كُلَّ مَا نَرَاهُ؟

المَدَارِسُ عُطِّلَت, وَالحُدُودُ أُغْلِقَت, وَأَوْقَاتُ اِنْتِظَارِ الصَلَوَاتِ تَغَيَّرَتْ.. وَالعُمْرَةُ تَوَقَّفَتْ.. فَمُنْذُ أَكْثَرَ مِنْ أُسْبُوعٍ لَمْ يَعْتَمِرْ إِنْسَانٌ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ.. وَبَيْتُ اللهِ الحَرَامِ يَخْلُو مِنْ مُحْرِمٍ.. المَعَارِضُ وَالاِجْتِمَاعَاتُ والدَّوْرَاتُ وَالمُؤْتَمَرَاتُ أُجِّلَتْ إِلَى أَجَلٍ غَيْرِ مُسَمَّىً.. فَمَا السَبَبُ يَا تُرَى؟

السَبَبُ فَيْرُوسٌ صَغِيْرٌ لَا يَرَاهُ عَامَّةُ النَّاسُ.. يَرَوْنَ أَثَرَهُ وَلَا يَرَوْنَهُ..

رَوَى البُخَارِيُّ فِيْ صَحِيحِهِ عَنِ اِبْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (نِعْمَتانِ مَغْبُونٌ فِيهِما كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ والفَراغُ).. مَغْبُونٌ فِيْهِمَا: أَيْ لَا يَعْرِفُ قَدْرَهُمَا.

كُلُّ هَذِهِ التَدَابِيْرِ مِنْ أَجْلِ الحِفَاظِ عَلَى الصِّحَةِ..

النِّعْمَةُ زَوَّالَةٌ.. وَتَزُوْلُ بِطَرْفَةِ عَيْنٍ ..

قَدِمَ عَلَى الوَلِيدِ وَفْدٌ مِنْ عَبْسٍ فِيهِمْ شَيْخٌ ضَرِيرٌ، فَسَأَلَهُ عَنْ حَالِهِ وَسَبَبِ ذَهَابِ بَصَرِهِ، فَقَالَ: خَرَجْتُ مَعَ رِفْقَةٍ مُسَافِرِينَ, وَمَعِي مَالِي وَعِيَالِي، وَلَا أَعْلَمُ عَبْسِيًّا يَزِيدُ مَالُهُ عَلَى مَالِي، فَاسْتَرَحْنَا فِي بَطْنِ وَادٍ، فَطَرَقَنَا سَيْلٌ، فَذَهَبَ مَا كَانَ لِي مِنْ أَهْلٍ وَمَالٍ وَوَلَدٍ غَيْرَ صَبِيٍّ صَغِيرٍ وَبَعِيرٍ، فَشَرَدَ البَعِيرُ، فَوَضَعْتُ الصَّغِيرَ عَلَى الأَرْضِ وَمَضَيْتُ لِآَخُذَ البَعِيرَ، فَسَمِعْتُ صَيْحَةَ الصَّغِيرِ، فَرَجَعْتُ إِلَيْهِ فَإِذَا رَأْسُ الذِّئْبِ فِي بَطْنِهِ وَهُوَ يَأْكُلُ فِيهِ، فَرَجَعْتُ إِلَى البَعِيرِ، فَحَطَمَ وَجْهِي بِرِجْلَيهِ، فَذَهَبَتْ عَيْنَايَ، فَأَصْبَحْتُ بِلَا عَيْنَيْنِ وَلَا وَلَدٍ وَلَا مَالٍ وَلَا أَهْلٍ.

إِذَا كُنْتَ فِي نِعْمَةٍ فَارْعَهَا *** فَإِنَّ الذُّنُوبَ تُزِيلُ النِّعَمْ

وَحُطْهَا بِطَاعَةِ رَبِّ الْعِبَادِ *** فَرَبُّ الْعِبَادِ سَرِيعُ النِّقَمْ

مَاحُفِظَتِ النِّعَمُ, وَاسْتُدْفِعَتِ النِّقَمُ بِمْثْلِ التَّوبَةِ.

قَالَ عَلِيُ بْنُ أَبِي طَالِبِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: "وَأَيْمُ اللهِ مَا كَانَ قَوْمٌ قَطُّ فِي خَفْضِ عَيْشٍ فَزَالَ عَنْهُمْ إِلَّا بِذُنُوبٍ اِقْتَرَفُوهَا؛ لِأَنَّ اللهَ تَعَالَى لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ، وَلَوْ أَنَّ النَّاسَ حِينَ يَنْزِلُ بِهِمُ الفَقْرُ وَيَزُولُ عَنْهُمُ الغِنَى فَزِعُوا إِلَى رَبِّهِم بِصِدْقِ نِيَّاتِهِم، لَرَدَّ عَلَيْهِمْ كُلَّ شَارِدٍ؛ وَأَصْلَحَ لَهُم كُلَّ فَاسِدٍ".

أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيْمِ: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}.

بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ بِالقُرْآنِ العَظِيمِ, وَنَفَعَنَا بِمَا فِيهِ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الحَكِيمِ, قَدْ قُلْتُ مَا سَمِعْتُمْ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُم إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ, الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ , وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى نَبِيِّنَا وَإِمَامِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ تَبِعَهُم بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ .

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ.

يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.. الوَقْفَةُ الثَّانِيَةُ مَعَ فَيْرُوسِ كُورُونَا: {وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ}, قَالَ القُرْطُبِيُّ: "أَيْ مَنْ فَوَّضَ إِلَيهِ أَمْرَهُ كَفَاهُ مَا أَهَمَّهُ".

مَعَ الأَخْذِ بِالاِحْتِيَاطَاتِ الدُنْيَوِيَّةِ لَا يَنْبَغِيْ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَغْفَلَ عَنِ التَّوَكُلِ عَلَى اللهِ.

تَوَكَّلْ عَلَى الرَّحْمَنِ فِي الأَمْرِ كُلِّهِ *** فَمَا خَابَ حَقَّاً مَنْ عَلَيْهِ تَوَكَّلَا

وَكُنْ وَاثِقًا بِاللهِ وَاصْبِرْ لِحُكْمِهِ *** تَفُزْ بِالَّذِيْ تَرْجُوهُ مِنْهُ تَفَضُّلاً

رَوَى مُسْلِمٌ فِيْ صَحِيحِهِ عَنْ أَبِيْ هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (يَدْخُلُ الجَنَّةَ أقْوامٌ أفْئِدَتُهُمْ مِثْلُ أفْئِدَةِ الطَّيْرِ), قِيلَ: مَعْنَاهُ المُتَوَكِّلُونَ.

الاِتِّكَالُ عَلَى اللهِ وَالِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ مَنْهَجُ كُلِّ مُؤْمِنٍ.. وَهُوَ مِنْ صِفَاتِ عِبَادِ اللهِ الصَّالِحِينَ: {وَعَلى رَبِّهِم يَتَوَكَّلُونَ}.

وَمَا ثَمَّ إِلَّا اللهُ فِي كُلِّ حَالَةٍ *** فَلَا تَتَّكِلْ يَوْمًا عَلَى غَيْرِ لُطْفِهِ

فَكَمْ حَالَةٍ تَأْتِي وَيَكْرَهُهَا الفَتَى *** وَخِيْرَتُهُ فِيْهَا عَلَى رَغْمِ أَنْفِهِ

فَيَا أَيُّهَا المُصَلُّونَ: تَوَكَّلُوا عَلَى اللهِ فِي كُلِّ اُمُورِكُم.. وَفَوِّضُوا إِلِيْهِ جَمِيعَ شَأْنِكُم.. وَاِلْجَؤُوا إِلَى اللهِ بِالضَّرَاعَةِ إِلَيْهِ أَنْ يَرْفَعَ عَنِ الأُمَّةِ هَذَا الوَبَاءَ.. تَصَدَّقُوا.. وَتُوبُوا إِلَى رَبِّكُمْ.. فَمَا نَزَلَ بَلَاءٌ إِلَا بِذَنْبٍ.. وَمَا رُفِعَ إِلَا بِتَوْبَةٍ.

اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ تَحْفَظَنَا بِحِفْظِكَ, وَأَنْ تَكْلَأَنَا بِرِعَايَتِكَ, وَأَنْ تَدْفَعَ عَنَّا الغَلَاء َوَالوَبَاءَ وَالرِّبَا وَالزِّنَا وَالزَّلَازِلَ وَالمِحَنَ وَسُوءَ الفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ يَا رَبَّ العَالَمِيْنَ.

يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم.. اعلموا أن الله تعالى قد أمرنا بالصلاة على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وجعل للصلاة عليه في هذا اليوم والإكثار منها مزية على غيره من الأيام, فللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

عباد الله .. إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى, وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي, يعظكم لعلكم تذكرون, فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم, واشكروه على نعمه يزدكم, ولذكر الله أكبر, والله يعلم ما تصنعون.

المرفقات

كورونا-3-18-7-1441

كورونا-3-18-7-1441

المشاهدات 1703 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا