وقفة مع فتوى اللجنة الدائمة

الخطيب المفوه
1432/07/08 - 2011/06/10 07:13AM
وقفة مع فتوى اللجنة الدائمة حول الاختلاط
إعداد الدكتور سعد الدريهم

أيها الأحبة في الله ، إن الشيطان له في الإغواء خطوات ؛ إن عجز عن الكبرى أخذ بما هو دونها ، وكلها في تدرجها وتنوعها تؤدي إلى الهلاك والبوار ، والشيطان بمكره وحيله يخاتل قلب العبد بها ، ويلتمس فترات الضعف والغفلة ليقذف فيه بعضاً من شرها ، وهذا يستلزم من العبد الحذرَ وأخذ الحيطة ؛ لئلا يؤتى من حيث لم يحتسب ، فتكونَ حينذاك الباقعة والخسارة .
وخطوات الشيطان أيها الجمع الكريم ، تبدأ بالشرك والكفر ، وهو أعز مطلوب وأرضى مرغوب لدى الشيطان ؛ إن حصَّل ذلك من العبد زهد فيما بعده ؛ ليتساوى به مع من أهلك في نيران الجحيم نعوذ بالله من ذلك ، وإن لم يتمكن من ذلك ، ولم يجد انقياداً من العبد تُجاه ذلك يأخذْه إلى خطوته الثانية ، وهي البدعة ، وهي من المكانة في نفس الشيطان ، وإن كانت دون الأولى ، لكنه إن ظفر من الإنسان بها فقد نال مطلوباً عزيزاً ؛ وما أكثر المنضوين تحت هذه الخطوة من المسلمين ! إلا من رحم ربك وقليل ما هم ، ولا أظنني في هذه الخطبة سأتجاوز هذه الخطوة لعظيم شرها ؛ ولأنها أضحت تلازم المسلمين في كثير من عباداتهم ومواسمهم ، وأصبح يُروَّج لها عبر قنوات الاتصال المختلفة ؛ حتى لربما اعتادها الناس ؛ فصارت هي الأصل ، وهذا ولا ريب من تزيين الشطان وتوهيمه نسأل الله العصمة من الفتن والبدع ما ظهر منها وما بطن .
وإننا أيها الأحبة في الله ، في موسم يروَّج لكثير من البدع فيه ، وتضخ عبر قنوات الاتصال لتطبيعها ؛ ليسهل على الناس بعد ذلك ركوبُها ، وإذا ركب الناس بدعة كانت موطئة لما بعدها ، وكاسرةً لحاجزها في النفوس ، والأمر ليس باليسير أيها الأحبة ، بل هو عظيم وعظيم وربي ، وبريد للموت على الكفر ، ومن بعده النار نسأل الله السلامة والعافية ، فالحذرَ الحذرَ من البدع ما ظهر منها وما بطن ، وعليكم بالسنة فالزموها وعضوا عليها بالنواجذ حتى تلقوا ربكم على محجة بيضاءَ ليلها كنهارها ، وعند ذلك يفرح المؤمنون بتوفيق الله .
وإن شهرنا هذا الذي نتفيأ ظلال أيامه ولياليه شهرُ رجب ، قد حُف بالبدع ، وأضحى يروَّج لها ، وكلُّها لو نظرنا وتفكرنا من ميراث الجاهلية ، فهذا الشهر له عظيم قدر عند أهل الجاهلية ، ومن اشتقاق اسمه يتبين ذلك ، فهذا الشهر يُرَجَّبُ ، أي : يعظم ، وأكثر القبائل تعظيماً له مضر؛ حتى نسب إليها فقيل : رجب مضر . وبلغ من تعظيمهم له : أنهم كانوا يتحرون الدعاء فيه على من ظلمهم أو انتقصهم . وكان أهل الجاهلية يذبحون فيه ، ويسمون ذبيحته بالعتيرة ، ولا عتيرة في الإسلام ، كما قال نبي الإسلام r ، ومن يحتفلون بهذا الشهر يحيون ليلة أول جمعة منه ، ويصلون فيها صلاة يسمونها بصلاة الرغائب ، وهي صلاة منكرة في نيتها وهيأتها ، وكان أولَ وجود لها في القرن الرابع الهجري . يقول الإمام ابن رجب رحمه الله : « فأما الصلاة فلم يصح في شهر رجب صلاة مخصوصة تختص به ، والأحاديث المروية في فضل صلاة الرغائب في أول ليلة جمعة من شهر رجب كذب وباطل لا تصح ، وهذه الصلاة بدعة عند جمهور العلماء » اهـ .
ولم يكتف المبتدعة بذلك بل أحدثوا الصيام فيه وفي أيام منه ، وجعلوه من الفضل بمكان ، وقد كان ذلك أمراً قديماً ففطن له الفاروق r ، فنهى عنه، بل كان يضرب أكُفَّ الرجال في صوم رجب حتى يضعوها في الطعام ويقول: « ما رجب ؟ إنَّ رجباً كان يعظمه أهل الجاهلية فلما كان الإسلام ترك» ، ورأى أبوبكرة y أهله يتهيأون لصوم هذا الشهر ؛ فألقى متاعهم وكسر كيزانهم إنكاراً لذلك ، وقال : « أجعلتم رجباً كرمضان » .
وتقدم بعض الناس خطوة في البدعة في هذا الشهر ، فجعلوه موسماً للصدقة والزكاة تحرياً للبركة والفضل ، وبعض الناس ضربوا أكباد المطايا بعمرة في رجب يتحرون فيها فضله ، ويجعلون من فعل بعض السلف ممن اعتمر في رجب مسوغاً وباعثاً لهذا الفضل ، وما علم ذلك المخذول أن فعلهم كان مصادفة ، لا على وجه القصد والتخصيص.
والناس أيها الجمع الكريم ، في غالبيتهم ذوو نوايا سليمة ، وفيهم حب للسنة وبغض للبدعة ، لكن يلبِّس عليهم علماء السوء ببعض الأحاديث الضعيفة والموضوعة في فضل رجب وما فيه من الأعمال ؛ لذا ينبغي الحذر من ذلك وتنبيه الناس على ذلك . قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى : « لم يرد في فضل شهر رجب ، ولا في صيامه ، ولا في صيام شيء منه معين ، ولا في قيام ليلة مخصوصة فيه حديث صحيح يصلح للحجة ، وقد سبقني إلى الجزم بذلك الإمام أبوإسماعيل الهروي الحافظ » ، وقال أيضاً : « وأما الأحاديث الواردة في فضل رجب ، أو فضل صيامه ، أو صيام شيء منه صريحة فهي على قسمين : ضعيفة وموضوعة ».
وينبني على ذلك بطلان ما أشيع من أن ليلة الإسراء والمعراج كانت في هذا الشهر . وخلاصة الأمر : أن ما ذكر في هذا الشهر وفضله ظلمات بعضها فوق بعض ، والموفق من عصم من تلك البدع ، وأقام السنة في نفسه وفي أهل بيته ، وتعاهد المسلمين بالنصيحة ، والأمر ليس بالهين ، بل هو أمر قامت عليه سوق الجنة والناس ، فمن تبع السنة فقد فاز ، ومن أخذ بلجة البدع كان الخسار والبوار ، والله نسأل أن يجعلنا هداة مهتدين لا ضالين ولا مضلين إنه ربنا الكريم .
أقول قولي هذا، واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب؛ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.



الحمد لله على إحسانه ، ونشكره على توفيقه وامتنانه ، ونصلي ونسلم على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وأصحابه وإخوانه ، وسلم تسليماً .
أما بعد :
فيأيها الأحبة في الله ، نقول ونحن في عشر رجب الأولى : اللهم بارك لنا في رجب وشعبان ، وبلغنا رمضان ، لكني ألمح في بعض الوجوه كراهة لما قلت ! نعم بعض الناس لا يرى ما قلت ودعوت به ، ولا أظن ذلك إلا عن علم حوته صدورهم ، وهذا والله هو الحق ، فهذا الذي دعوت به ، جاء في حديث عن النبي r ، لكنه حديث ضعيف لا تقوم به حجة ؛ لذا فالخير في اجتنابه وعدم الأخذ به دعاء أو ذكراً . يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : إنني أقول لكم مبيناً الحق : إن شهررجب ليس له صلاةٌ تخصه لا في أول ليلة جمعة منه ، وليس له صيامٌ يخصه في أول يومٍمنه ولا في بقية الأيام ، وإنما هو كباقي الشهور فيما يتعلق بالعبادات ؛ وإن كان هوأحد الأشهر الأربعة الحرم وما يروى عن النبي r من أنه كان يقول إذا دخل شهر رجب: اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان ؛ فهذا حديثٌ ضعيفٌ منكر لا يصحعن النبي r ولهذا لا ينبغي للإنسان أن يدعو بهذا الدعاء ؛ لأنه لميصح عن رسول الله r ...
فرحم الله الشيخ ورحم علماءنا السابقين ، والخير موصول بالمتأخرين ، فقد كان الحق رائدهم لا يحابون في ذلك قريباً أو بعيداً أو ملكاً أو أميراً ، لايضرهم في ذلك من خالفهم أو خذلهم ، وكل يوم تفتر منهم على موقف يبين جلالهم ومكانتهم وعظيم الخشية في قلوبهم رغم كثرة الأعداء وكثرة المخذلين وكثرة الجهلة الذين لا يعرفون معروفاً ولا ينكرون منكراً إلا ما أشربته قلوبهم من الهوى ، وكل ذلك حدب منهم على الأمة ؛ لئلا تنتجع مهامه الضلال والعربدة والفسق ، ولعل ما صدر منهم هذا الأسبوع ومن اللجنة الدائمة للإفتاء والدعوة والإرشاد من فتوى تتعلق بالاختلاط لأكبر برهان على ذلك ، حيث ورد للجنة الدائمة سؤال مفاده : في هذه الأيام كثر السؤال عن الاختلاط بين الرجال والنساء ، وبخاصة في العمل والتعليم، ونريد من سماحتكم التكرمَ بالإجابة عمّا ذُكر, واللهيرعاكم؟
وبعد دراسة اللجنة للاستفتاء أجابت : بأن عمل المرأةوتعليمَها يجب ألا يترتب عليه اختلاطها بالرجال , بل لا بد أن يكون في مكانٍ مستقلٍ لا يعمل فيه إلا النساء ؛ لأن الشريعة جاءت لتحريم الاختلاط بين الرجال والنساء ومنعه والتشديد فيه , كالاختلاط في مجالات التعليم والعمل ، وكل ما يفضي إلى الاختلاطقال تعالى « وإذا سألتموهن متاعا, فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن » ، وحكم هذه الآية عام للنساء المسلمات إلى يوم القيامة .
ولذلك جعل النبي r صلاةالمرأة في بيتها خيراً لها من صلاتها في المسجد حيث قال r : « لا تمنعوا إماء الله مساجد الله , وبيوتهن خير لهن» الحديث متفق عليه من حديث عبد الله بنعمر ــ رضي الله عنهما .
عليه، فيحرم الاختلاط بين الرجال والنساء فيما ذُكرسابقا سواءً كان ذلك بخلوة أو من دونها , ولا يجوز أن تعمل المرأة مع الرجال , كأنتكون سكرتيرةً لمكتب الرجال , أو في الاستقبال لمكان غير خاص بالنساء أو عاملةً في خطإنتاج مختلط أو محاسبةً في مركز أو محل تجاري أو صيدلية أو مطعم يختلط فيه العاملونمن الرجال والنساء لما يترتب على ذلك من آثار سيئة على الأسرة والمجتمع .
واللجنة: توصي الجميع بتقوى الله ــ سبحانه وتعالىــ والالتزام بأحكام شرعه رجالاً ونساءً طاعةً لله تعالى ولرسوله ــ صلى الله عليهوسلم ــ وبالله التوفيق.
وليس بعد هذا الكلام الجامع الناصح من كلام ، لكن تذكروا أيها الجمع الكريم ، أن هذه الدنيا تدرك بأقل البلاغ ، وألا يساوم بهذه الدنيا على الجنان فما دنيانا إلا أيام ، وهناك الخلود الأبدي ، فيا خسارة من باع فانياً بباق ، ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ، وعليكم أيها الجمع ، بنشر هذه الفتوى وإبلاغها لمن وراءكم ؛ لأن حزب الشيطان من أهل العلمنة واللبرلة ، قد تظاهروا ضدها ، فأحجمت صحفهم وقنواتهم عن نشرها ونقلها ؛ لأنها تهدم مخططاتهم في هدم مجتمعنا ومجتمعات المسلمين ، وعليكم أن توقنوا أن الخير كل الخير في اتباع هدي الإسلام والشرَّ كلُّ الشر في مخالفة هدي الإسلام ، وهدي الإسلام لا يؤخذ إلا من مشكاة العلماء الربانيين ، فهم خير من يفسر الكتاب والسنة ويقف على حقيقته ، فاللهم إنا نسألك أن ترحم علماءنا ، وأن تأخذ بنواصيهم لكل خير ، وأن تثبتهم وتقوي عزائمهم ، وأن تجتث من رامهم بسوء من قول أو فعل إنك جواد كريم .
المشاهدات 1811 | التعليقات 0