وقفة مع اسم الله المؤمن

عبدالرزاق بن محمد العنزي
1446/03/03 - 2024/09/06 05:50AM

الخطبة الأولى: ( وقفة مع اسم الله المؤمن)3/3/1446                    

الحمد لله الذي لا يُنال فضل إلا برحمته، ولا يُدرَك خير إلا بنعمته، لا تُحصَى آلاؤه، ولا تجزى نعماؤه، ولا يُكافأ فضله، ولا يُبلَغ شكره، أحمده حمدًا يرضاه ويتقبله، وأسأله التوفيق والسداد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليمًا كثيرً.                                            

بعد أن انقلبت موازين المعركة في غزوة أحدٍ لصالح المشركين، وتحوَّل انتصار المسلمين إلى هزيمة - شعر كثيرٌ منهم بالخوف وعدم الأمان، خاصة حين بعث إليهم أبو سفيان برسالة يُعلِمهم فيها أنه يحشد الحشود ويجمع الأعراب، وأنه مقبل على المدينة في جموع كثيرة لا قِبَلَ لهم بها من أجل استئصالهم، وما إن علم الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام بذلك حتى ضجُّوا بالدعاء، ولم يعبؤوا بتهديد أبي سفيان وجموعه الغفيرة، وقالوا في اطمئنان ويقين: "حسبنا الله ونعم الوكيل"، وطلبوا من الله أن يثبت أقدامهم ويمنحهم الأمن والأمان؛ فهو (المؤمن) الذي يلجأ إليه الخائفون فيؤمِّنهم، وهو سبحانه وتعالى وحده الذي يملك أن يمنح الإنسان أسباب الأمن والأمان الحقيقية، وأن يُذهِبَ عنه الخوف والفزع ويحل محلهما الأمن والسكينة.                                                       

وقد نزل في هذا الموقف قرآن يُتلى إلى يوم الدين؛ قال تعالى: ﴿ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ ﴾.       

لمَّا فوَّض المسلمون أمورهم إلى الله، واعتمدوا بقلوبهم عليه، أعطاهم من الجزاء أربعة أشياء:

النِّعمة، والفضل، وصرف السُّوء، واتِّباع الرِّضا، فرضَّاهم عنه ورضي عنهم.                                                 

ومن معاني اسمه تعالى (المؤمن)؛ أي: المصدِّق، فهو المصدق لرسله بتأييدهم بالمعجزات، وهو سبحانه الصَّادق فيما وعد به عباده من الثَّواب، وفيما توعَّد به العصاة والكافرين من العذاب؛ قال الضحاك عن ابن عباس: "أي: أمِن خلقه من أن يظلمهم"، وقال مجاهد: "المؤمن الذي وَحَّدَ نفسه بقوله: ﴿ شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ .                        

فسبحان الله (المؤمن) الذي منح الأمن والأمان لعباده في الدنيا والآخرة، وسبحان الله (المؤمن) الذي صدق وعده، ونصر عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده.               

وقد ورد اسمه تعالى (المؤمن) مرَّةً واحدةً في القرآن الكريم وذلك في قوله تعالى: ﴿ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ .                                                                     

قال ابن عاشور عن نَظْمِ هذه الآية الكريمة على هذا النحو، وسرِّ ورود اسمه تعالى (المؤمن) بعد أسمائه عز وجل الحسنى: الملك القدوس السلام: "وذِكْرُ وصف (المؤمن) عقب الأوصاف التي قبله إتمامٌ للاحتراس ... فأُفيد أولًا نزاهة ذاته بوصف (القدوس)، ونزاهة تصرفاته المغيبة عن الغدر والكيد بوصف (المؤمن)، ونزاهة تصرفاته الظاهرة عن الجور والظلم بوصف (السلام)، فهو عز وجل الملك لكنه الملك الحق العدل الذي لا يظلم أحدًا من خلقه". بارك الله لي ولكم،،،                                                  

الخطبة الثانية:                                                        

المؤمن حقًّا هو الذي يؤمن بالله ويصدِّق باليوم الآخر تصديقًا لا ريب فيه؛ وذلك مصداقًا لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم حين سأله جبريل عليه السلام في الحديث المشهور: ((... قال: فأخبرني عن الإيمان، قال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره، قال: صدقت))؛ [رواه مسلم].                                                      

فالإيمان ليس كلمةً تُقال باللِّسان ثم تسقط التكاليف والالتزامات عن كاهل العبد، ولكنه قول واعتقاد وعمل وأخلاق رفيعة.                                                    

فالإيمان بالله يرقِّق القلب، ويهذِّب الأخلاق، ويمنح الإنسان سكينةً واطمئنانًا؛ قال تعالى: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾ .                                 

وحظ العبد من هذا الاسم والوصف أن يأمن الخلق كلهم جانبه، بل يرجو كل خائف منه أن يعينه ويساعده في دفع الهلاك عن نفسه في دينه ودنياه، وأحق الناس بهذا الوصف من كان سببًا لأمن الخلق من عذاب الله بالهداية إلى طريق الله عز وجل، والإرشاد إلى سبيل النجاة، وهذا هو عين ما يقوم به الأنبياء والعلماء والمصلحون.                                 

فاللهم كما آمنَّا بك وصدَّقناك، آمِنْ خوفنا يوم القيامة، واملأ قلوبنا بالإيمان، واجعلنا من المؤمنين بك حقًّا، الذين إذا ذُكر الله وَجِلت قلوبهم، وإذا تُليت عليهم آياته زادتهم إيمانًا، وعلى ربِّهم يتوكلون. ثم صلوا وسلموا..

المشاهدات 324 | التعليقات 0