وقفة تدبر مع أول سورة فاطر_د.محمد بن عدنان السمان

الفريق العلمي
1438/03/05 - 2016/12/04 07:27AM
[align=justify]وقفة تدبر مع أول سورة فاطر ..
د.محمد بن عدنان السمان
خطيب جامع الجهيمي بالرياض

حديثنا اليوم سيكون بإذن الله عن آيات في كتاب الله ، وما أجمل أن نتحدث عن القرآن وآياته ، وعن تفسيره وعظاته ، فالقرآن كتاب الله المنزل على الرسول الخاتم صلى الله عليه وسلم ، وفيه الهدى والنور ، والهداية والرفعة في الدارين ، فتأملوا معي هذه الآيات وتدبروا معي هذه العظات ، واسمعوا لها بقلوبكم قبل أسماعكم ، بسم الله الرحمن الرحيم :

( الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَّثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ۚ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) مَّا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا ۖ وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (2) يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ۚ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ۚ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ (3) ) [ فاطر : 1-3 ] .
( الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) الشكر الكامل له سبحانه هو المعبود وحده جل جلاله الذي لا تصلح العبادة إلا له، ولا ينبغي أن تكون لغيره ، هو سبحانه :

فاطر السموات والأرض : خالقها ومبدعها والله جل وعلا يمدح نفسه العلية على خلقه السماوات والأرض، وما اشتملتا عليه من المخلوقات، لأن ذلك دليل على كمال قدرته، وسعة ملكه، وعموم رحمته، وبديع حكمته، وإحاطة علمه .

انظروا إلى السماء وما فيها فهي من أعظم آيات الله في علوها وارتفاعها ، زيناها الله سبحانه بالشمس والقمر والنجوم كما قال سبحانه: ( وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ ) .

وهو سبحانه الرؤوف الرحيم، الذي أمسك بقدرته السماء أن تقع على الأرض، قال جل جلاله : {وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (65)} [الحج: 65].

بناها سبحانه وسواها ، قال الله تعالى: {أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا (27) رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا (28) وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا (29)} [النازعات: 27 - 29].وقال الله تعالى: {أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ (6)} [ق: 6] .

أنزل منها البركات والأمطار والخيرات : قال الله سبحانه وتعالى : ( وَاللَّهُ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ )
عباد الله ..و انظروا إلى الأرض ومافيها من جبال وبحار ونخيل وثمار ، إنها الأرض التي نمشي في مناكبها ونسير في فجاجها ونعيش على ظهرها ، فإنَّ فيها من الآيات العظيمة والدلالات الكريمة على كمال قدرة خالقها وتمام حكمة مبدعها ، ولذا فقد أكثر الله من ذكرها في القرآن ودعا عباده إلى النظر إليها والتفكر في خلقها والتأمل في آياتها وعجائبها ليزداد بذلك إيمانهم ويقوى يقينهم .

يقول الله تعالى : {وَالْأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ } [الذاريات:48] ، ويقول تعالى : {وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ} [الذاريات:20] والآيات في هذا المعنى كثيرة .

ثم يبين سبحانه وتعالى في هذه الآيات التي هي معرض حديثنا وخطبتنا ، آية أخرى من آيات خلقه جل جلاله وهم الملائكة الكرام عليهم السلام فيقول : جل ذكره ( جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَّثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ۚ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ )

( جاعل الملائكة رسلا ) أي : بينه سبحانه وتعالى وبين أنبيائه عليهم الصلاة والسلام ، هذه الملائكة ( أولي أجنحة ) أي : يطيرون بها ليبلغوا ما أمروا به سريعا ( مثنى وثلاث ورباع ) أي : منهم من له جناحان ، ومنهم من له ثلاثة ومنهم من له أربعة ، ومنهم من له أكثر من ذلك ، كما جاء في الصحيحين : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى جبريل ليلة الإسراء وله ستمائة جناح ، ولهذا قال سبحانه : ( يزيد في الخلق ما يشاء إن الله على كل شيء قدير ) .

قال السدي رحمه الله أحد علماء التفسير : يزيد في الأجنحة وخلقهم ما يشاء .

ثم قال سبحانه : ( مَّا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا ۖ وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) ، قال العلامة السعدي رحمه الله : ثم ذكر انفراده تعالى بالتدبير والعطاء والمنع فقال: { مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ } من رحمته عنهم { فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ } فهذا يوجب التعلق باللّه تعالى، والافتقار إليه من جميع الوجوه، وأن لا يدعى إلا هو، ولا يخاف ويرجى، إلا هو. { وَهُوَ الْعَزِيزُ } الذي قهر الأشياء كلها { الْحَكِيمُ } الذي يضع الأشياء مواضعها وينزلها منازلها.
اللهم اجعلنا لك ذاكرين ..



الخطبة الثانية ..

سأعود وأتلوا الآيات التي هي مدار خطبتنا في يومنا هذا ( الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَّثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ۚ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) مَّا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا ۖ وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (2) يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ۚ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ۚ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ (3) ) [ فاطر : 1-3 ] .

تحدثنا عن الآية الأولى والثانية ، أما الآية الثالثة ..فإنها آية خطاب وتذكير ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ۚ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ۚ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ )
نعم الله لا تعد ولا تحصى .. وتذكرها كما قرر أهل العلم يكون بثلاثة أمور :

أولاً : تذكرها بالقلب اعترافاً بها وبالمنعم لها جل جلاله .
ثانياً : تذكرها باللسان ثناءً وشكراً وحمداً للمنعم سبحانه وبحمده
ثالثاً : تذكرها بالجوارح انقياداً لله سبحانه وبحمده واستعمالاً للنعم بما يرضيه .

إن هذه النعم تحتاج منا إلى شكر له سبحانه ، ولعلكم تأملتم معي وتدبرتم كيف أن الله سبحانه عندما وصفت النعم نسبه له جل جلاله ( نعمت الله) ثم أردفها ب { عليكم } ( نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ) لأن المقصود من التذكر: التذكر الذي يترتب عليه الشكر .

وإذا كان للنعم أصول فإن من تلك الأصول نعمتا خلق الله ورزقه ولهذا قال سبحانه بعد التذكير بالنعم : ( هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ۚ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ ) فليس لأحد أن يخلق أو يرزق إلا اللّه سبحانه وتعالى .
[/align]
المشاهدات 846 | التعليقات 0