وَقَفَاتٌ وتَنْبِيهَاتٌ مَعَ اشْتِدَادِ حَرِّ الصَّيفِ 1445
مبارك العشوان 1
الْحَمْدُ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
أَمَّا بَعْدُ: فَهَذِهِ بَعْضُ الوَقَفَاتِ والتَنْبِيهَاتِ مَعَ اشْتِدَادِ الحَرِّ.
فَمِنْ ذَلِكَ: أَنَّ هَذَا الكَونَ العَظِيمَ؛ بِسَمَاوَاتِهِ وَأَرَاضِيهِ، وَمَا فِيهِمَا وَمَا بَيْنَهُمَا؛ هَذَا الكَونُ بِلَيْلِهِ وَنَهَارِهِ، وَحَرِّهِ وَبَرْدِهِ لِلَّهِ جَلَّ وَعَلَا، مُسَخَّرٌ بِأَمْرِهِ، يُصَرِّفُهُ كَيفَ يَشَاءُ وَيَحْكُمُ فِيهِ بِمَا يَشَاءُ، وَلَهُ الحِكْمَةُ البَالِغَةُ؛ وَهُوَ أَحْكَمُ الحَاكِمِينَ.
فِي الحَرِّ وَالبَرْدِ الكَثِيرُ مِنْ مَصَالِحِ العِبَادِ؛ سَوَاءً فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِصِحَّةِ أَبْدَانِهِمْ، أَوْ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بزُرُوعِهِمْ أَوْ غَيرِ ذَلِكَ مِنَ الحِكَمِ الَّتِي قَدْ يَعْلَمُهَا الإِنْسَانُ وَقَدْ يَجْهَلُهَا.
وَمِمَّا يَنْبَغِي التَّنَبُهُ لَهُ: حِفْظُ اللِّسَانِ مِنَ التَأفُّفِ وَالتَّضَجُّرِ أَوِ السَّبِّ لِلْحَرِّ، أوْ سَمُومِ الرِّيَاحِ، أوِ الغُبَارِ، أوِ البِلَادِ الحَارَّةِ، أوِ السُخْرِيَةِ وَتَنَاقُلِ النُكَتِ عَنْ حَرَارَةِ الجَوِّ.
يَقُولُ ابْنُ القَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ: وَقَدْ كَانَ السَّلَفُ يُحَاسِبُ أَحَدُهُمْ نَفْسَهُ فِي قَوْلِهِ: يَومٌ حَارٌّ، وَيَومٌ بَاِرِدٌ.
وَمِمَّا يَنْبَغِي تَذَكُّرُهُ: مَا يَسَّرَ اللهُ تَعَالَى لَنَا مِمَّا نَتَّقِي بِهِ شِدَّةَ الحَرِّ؛ مِنْ وَسَائِلِ التَّبْرِيدِ، فِي بُيُوتِنَا وَمَسَاجِدِنَا وَوَظَائِفِنَا وَسَيَّارَاتِنَا؛ وَهِيَ نِعَمٌ تَسْتَوجِبُ الشُّكْرَ وَتُذَكِّرُ بِمَنْ فَقَدَهَا.
لِنَتَأَمَّلْ حَالَنَا عِنْدَمَا يَنْقَطِعُ الكَهْرَبَاءُ دَقَائِقُ؛ فَلَا نُطِيقُهَا وَحَالَ مَنْ يَنْقَطِعُ عَلَيهِمْ أيَّامًا، وَمَنْ يَعِيشُونَ بِلَا مَأْوَىً وَحَالَ مَنْ شُرِّدُوا مِنْ دِيَارِهِم.
لِنَتَذَكَّرْ هَذَا؛ وَلْنَحْمَدِ اللهَ تَعَالَى عَلَى نِعَمِهِ، وَلْنَشْكُرْهُ عَلَى تَسْخِيْرِهَا، وَلْنَحْذَرْ مِنْ أَسْبَابِ زَوَالِهَا.
وَمِنَ التَّنْبِيهَاتِ: أنْ نَأْخُذَ بِأسْبَابِ السَّلَامَةِ مِنْ أضْرَارِ الشَّمْسِ، وَأنْ نَرْفُقَ بِأَنْفُسِنَا وبِمَنْ تَحْتَ رِعَايَتِنَا مِنَ الأَهْلِ وَالأَوْلَادِ، وَالعُمَّالِ وَالخَدَمِ؛ نُحْسِنُ إليهِمْ، وَنُخَفِفُ عَنْهُمْ وَلَا نُشْغِلُهُمْ وَقْتَ رَاحَتِهِمْ.
بَلْ إِنَّهُ يَنْبَغِي الإِحْسَانُ حَتَّى إِلَى البَهَائِمِ وَالطُّيُورِ، سَوَاءً كَانَتْ مُلْكًا لَنَا وَتَحْتَ رِعَايَتِنَا أَمْ لَمْ تَكُنْ؛ فَإِنْ كَانَتْ تَحْتَ رِعَايَتِنَا فَالأَمْرُ آكَدُ، وَعَلَينَا الحَذَرُ مِنْ إِهْمَالِهَا مِمَّا تَحْتَاجُهُ مِنْ مَاءٍ وَغِذَاءٍ وَظِلٍّ وَدَوَاءٍ.
فَفِي الإِحْسَانِ إِلَى البَهَائِمِ أَجْرٌ، وَفِي تَعْذِيبِهَا وَإِهْمَالِهَا وِزْرٌ؛ وَقَدَ غَفَرَ اللهُ تَعَالَى لِرَجُلٍ سَقَى كَلْبًا عَلَى عَطَشٍ وَعَذَّبَ اَمْرَأَةً فِي هِرَّةٍ رَبَطَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ؛ لَا هِيَ أَطْعَمَتْهَا وَلَا سَقَتْهَا، وَلَا هِيَ تَرَكَتْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الأَرْضِ.
وَلَمَّا سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: ( وَإِنَّ لَنَا فِي البَهَائِمِ أَجْرًا ؟ ) قَالَ: ( فِي كُلِّ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ )
وَمِنَ التَّنْبِيهَاتِ - رَحِمَكُمُ اللهُ -: أَنَّهُ مَعَ شِدَّةِ الحَرِّ يَعْرَقُ الْإِنْسَانُ وَتَنْبَعِثُ مِنْهُ الرَّوَائِحُ الْكَرِيْهَةُ؛ وَخَاصَّةً صَاحِبُ العَمَلِ الشَّاقِّ؛ فَيَنْبَغِي أنْ يَتَعَاهَدَ نَفْسَهُ؛ وَيَتَنَظَّفَ، وَيَتَطَيَّبَ فَاللهُ تَعَالَى جَمِيلٌ يُحِبُّ الجَمَالَ، وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم يُعْجِبُهُ أَنْ يُوجَدَ مِنْهُ الرِّيحُ الطَّيِّبُ، وَيَشْتَدُّ عَلَيْهِ أَنْ يُوجَدَ مِنْهُ غَيرُ ذَلِكَ.
وَمَنْ كَانَ سَيَحْضُرُ المَسْجِدَ كَانَ هَذَا فِي حَقِّةِ آكَدُ؛ قَالَ تَعَالَى: { يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ }الأعراف 31
وَجَاءَ الأَمْرُ بِالاِغْتِسَالِ لِحُضُورِ الْجُمُعَةِ؛ وَالنَّهْيُ عَنْ حُضُورِ المَسْجِدِ بِالرَّوَائِحِ الكَرِيهَةِ؛ لما فيه من إيذاء
فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ بَنُو آدَمَ ) [ رَوَاهُ مُسْلِمٌ ]
فَتَجَنَّبْ أَخِي - وَفَّقَكَ اللهُ - كُلَّ رَائِحَةٍ تُؤْذِي بَنِي آدَمَ وَتُؤْذِي المَلَائِكَةَ؛ سَوَاءً مِمَّا ذُكِرَ، أَوِ مِنْ غَيْرِهِ؛ كَالدُّخَّانِ وَالشِّيشَةِ أَوْ رَوَائِحِ الجِسْمِ، أو رَوَائِحِ الأَغْنَامِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ.
بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ وَنَفَعَنَا بِمَا فِيهِ مِنَ الْآيِ وَالذَّكَرِ الْحَكِيمِ وَأَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ الْجَلِيلَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلُّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية:
الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَيَقُولُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِي الحَدِيثِ المُتَّفَقِ عَلَيهِ: ( إِذَا اشْتَدَّ الحَرُّ فَأَبْرِدُوا بِالصَّلاَةِ، فَإِنَّ شِدَّةَ الحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ )
اذْكُرُوا ـ رَحِمَكُمُ اللهُ - أَنَّ أَشَدَّ مَا نَجِدُ مِنَ الحَرِّ فِي الصَّيْفِ
نَفَسٌ مِنْ نَفَسٍ النَّارِ؛ أَجَارَنَا اللهُ مِنْهَا.
اذْكُرُوا بِشِدَّةِ الحَرِّ؛ حَرَّ يَومٍ تُدْنَى الشَّمْسُ فِيهِ مِنْ الْخَلْقِ حَتَّى تَكُونَ مِنْهُمْ كَمِقْدَارِ؛ فَيَكُونُ النَّاسُ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ فِي الْعَرَقِ؛ فَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى كَعْبَيْهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى رُكْبَتَيْهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى حَقْوَيْهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يُلْجِمُهُ الْعَرَقُ إِلْجَامًا.
اُذْكُرُوا وَنَحْنُ نَتَّقِي شِدَةَ الحَرِّ أنَّ جَهَنَّمَ أوْلَى أنْ نَتَّقِي حَرَّهَا، وَنَفِرَّ أشَدَّ الفِرَارِ مِنَهَا ونَتَوَاصَى بِالبُعْدِ عَنْهَا وَنَأخُذَ بِأسْبَابِ السَّلَامَةِ مِنْهَا: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ }التحريم 6
ثُمَّ صَلُّوا وَسَلِّمُوا رَحِمَكُمُ اللهُ عَلَى مَنْ أَمَرَكُمُ اللهُ بِالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَيهِ بِقَولِهِ: { إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا }الأحزاب 56
اللهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.
اللَّهُمَّ أصْلِحْ أئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، اللَّهُمَّ وَفِّقْ ولَاةَ أمْرِنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، اللَّهُمَّ خُذْ بِنَوَاصِيهِمْ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا وَإِيَّاهُمْ لِهُدَاكَ، واجْعَلْ عَمَلَنَا فِي رِضَاكَ، اللهُمَّ مَنْ أَرَادَنَا وَدِينَنَا وَبِلَادَنَا بِسُوءٍ فَرُدَّ كَيْدَهُ إِلَيهِ، وَاجْعَلْ تَدْبِيرَهُ تَدْمِيرًا عَلَيهِ، يَا قَوِيُّ يَا عَزِيزُ.
عِبَادَ اللهِ: اُذْكُرُوا اللهَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ وَلَذِكْرُ اللهِ أكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.
المرفقات
1719437600_وَقَفَاتٌ وتَنْبِيهَاتٌ مَعَ اشْتِدَادِ حَرِّ الصَّيفِ1445.pdf
1719437629_وَقَفَاتٌ وتَنْبِيهَاتٌ مَعَ اشْتِدَادِ حَرِّ الصَّيفِ1445.docx