وقفات وتنبيهات حول نهاية العام، وشهر الله المحرم

مبارك العشوان
1437/12/28 - 2016/09/29 14:49PM
إنَّ الحَمْدَ لِلهِ... أمَّا بَعْدُ: فَـ { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } آلِ عِمْرَانَ 102
اعتَبِرُوا رَحِمَكُمُ اللهُ بِتَصَرُّمِّ الأَيَّامِ وَالأَعْوَامِ؛ وَسَيْرِهَا الحَثِيْثِ، كَمَا قالَ تَعَالى: { يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا } وقالَ تَعَالى: { وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً } قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللهُ أَيْ: يَخْلُفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْآخَرَ، يَتَعَاقَبَانِ لَا يَفْتُرَانِ، إِذَا ذَهَبَ هَذَا جَاءَ هَذَا، وَإِذَا جَاءَ هَذَا ذَهَبَ ذَاكَ... الخ.
أيَّامُنَا، وَأَعْوامُنَا، تُبَاعِدُنَا عَنِ الدُّنيَا، وتُقَرِّبُنَا لِلأُخْرَى.
وَمَا الْمَرْءُ إِلاَّ رَاكِبٌ ظَهْرَ عُمْرِهِ ... عَلَى سَفَرٍ يُفِنْيِه بِاليَوْمِ وَالشَّهْـرِ
يَبِيْتُ وَيُضْحِي كُــلَّ يَــومٍ وَلَيْلَـةٍ ... بَعِيْدًا عَن الدُّنْيَا قَرَيْبًا إِلَى القَبْرِ
يقولُ ابنُ الجَوْزِيِّ رَحِمَهُ اللهُ: يَا عَجَبًا كَيْفَ أَنِسَ بِالدُّنْيَا مُفَارِقُهَا، وَأَمِنَ النَّارَ وَارِدُهَا، كَيْفَ يَغْفَلُ مَنْ لا يُغْفَلُ عَنْهُ، كَيْفَ يَفْرَحُ بِالدُّنْيَا مَنْ يَوْمُهُ يَهْدِمُ شَهْرَهُ، وَشَهْرُهُ يَهْدِمُ سَنَتَهُ وَسَنَتُهُ تَهْدِمُ عُمْرَهُ، كَيْفَ يَلْهُو مَنْ يَقُودُهُ عُمْرُهُ إِلَى أَجَلِهِ وَحَيَاتُهُ إِلَى مَوْتِهِ !؟.
وقَالَ الفُضَيلُ رَحِمَهُ اللهُ لِرَجُلٍ: كَمْ أَتَى عَلَيكَ؟ قَالَ: سِتُّونَ سَنَة، قَالَ لَهُ: أَنتَ مُنْذُ سِتِّينَ سَنَةً تَسِيرُ إِلى رَبِّكَ، يُوْشِكُ أنْ تَصِلَ.
عبادَ اللهِ: الأيَّامُ وَاللَّيَالِي وَالأَعْوَامُ تَمُرُّ سَرِيعاً، وَتَنْقَضِي جَمِيعاً؛ وَأَيُّ لَحْظَةٍ مَضَتْ فَمِنَ المُحَالِ رَدُّهَا؛ وَالمُؤْمِنُ العَاقِلُ الفَطِنُ مَنْ يَعْرِفُ قِيمَةَ عُمُرِهِ، يَعْرِفُ قِيمَةَ عَامِهِ، قِيمَةَ شَهْرِهِ وَيَومِهِ، قِيمَةَ سَاعَتِهِ وَدَقِيْقَتِهِ، المُؤمِنُ المُوَفَّقُ لَا يَزِيدُهُ عُمُرُهُ إلَّا خَيراً، وَلَا تَزِيدُهُ الأَيَّامُ مِنْ رَبِّهِ إلَّا قُرْباً.
يَقُولُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: ( خَيرُ النَّاسِ مَن طَالَ عُمُرُهُ وَحَسُنَ عَمَلُهُ، وَشَرُّ النَّاسِ مَن طَالَ عُمُرُهُ وَسَاءَ عَمَلُهُ ) أخرجه أَحمَدُ وَالتِّرمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ.
فَاللهَ اللهَ فِي اغْتِنَامِ هَذِهِ الحَيَاةِ، واسْتِبَاقِ الخَيرَاتِ والمُسَارَعَةِ إِلَيْهَا، قَبْلَ أنْ يُحَالَ بَينَ المَرْءِ وَبَيْنَهَا: { سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ ...} الحديد 21 { وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ } آل عمران 133
{ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ }. الواقعة 10 - 11
ويَقُولُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: ( اِغتَنِمْ خَمسًا قَبلَ خَمسٍ: شَبَابَكَ قَبلَ هَرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبلَ سَقَمِكَ، وَغِنَاكَ قَبلَ فَقرِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبلَ شُغلِكَ، وَحَيَاتَكَ قَبلَ مَوتِكَ ) رَوَاهُ الحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ الأَلبانيُّ.
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، قَالَ: أَخَذَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَلَيهِ وسَلمَ بِمَنْكِبِي، فَقَالَ: كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ: إِذَا أَمْسَيْتَ فَلاَ تَنْتَظِرِ الصَّبَاحَ، وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلاَ تَنْتَظِرِ المَسَاءَ، وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ، وَمِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ.) رَوَاهُ البُخَارِيُّ. ويَقُولُ ابنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ: مَا نَدِمْتُ عَلَى شَيءٍ نَدَمِي عَلَى يَومٍ غَرَبَتْ شمْسُهُ نَقَصَ فِيْهِ أَجَلِي وَلَمْ يَزْدَدْ فِيهِ عَمَلِي.
ويَقُولُ عُمَرُ بنُ عبَدِ العَزِيزِ رَحِمَهُ الله: إنَّ اللَّيلَ وَالنَّهَارَ يَعْمَلَانَ فِيكَ فَاعْمَلْ فِيْهِمَا.
فَلْنُسَارِعْ رَحِمَكُمُ اللهُ إِلى الخَيْرَاتِ، وَلْنَكُفَّ عَنِ المُحَرَّمَاتِ مَا دَامَ فِي آجَالِنَا فُرْصَة؛ وَقَبْلَ أنْ يَنْدَمَ أَحَدُنَا حِيْنَ لَا يَنْفَعُهُ نَدَمٌ.
: { يا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } الحشر 18
عِبَادَ الله: ثُمَّ تَنَبَّهُوا لِمَا يُنْشَرُ فِي نِهَايَةِ العَامِ مِنَ الحَثِّ عَلَى خَتْمِهِ بِالصِّيَامِ أوِ الاسْتِغْفَارِ، أوْ أنَّ صَحَائِفَ الأعْمَالِ تُطْوَى؛ فكلُّ هذا لَا أَصْلَ لَه.
بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُم ...وَأَقُولُ مَا تَسْمَعُون...

الخطبة الثانية:
الحَمْدُ لِلهِ ... أمَّا بَعدُ: فعَنْ أَبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلى الله عَلَيهِ وسَلمَ قَالَ: ( إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ، السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ، ثَلاَثَةٌ مُتَوَالِيَاتٌ: ذُو القَعْدَةِ، وَذُو الحِجَّةِ، وَالمُحَرَّمُ، وَرَجَبُ مُضَرَ، الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ. ) رواه البخاري.
شَهْرُ اللهِ المُحَرَّمُ شَهْرٌ عَظِيْمٌ؛ جَاءَتِ السُّنَةُ بِالتَّرْغِيبِ فِي الإِكْثَارِ مِنَ الصِّيَامِ فِيهِ؛ يَقُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( أَفْضَلُ الصِّيَامِ، بَعْدَ رَمَضَانَ، شَهْرُ اللهِ الْمُحَرَّمُ، وَأَفْضَلُ الصَّلاَةِ، بَعْدَ الْفَرِيضَةِ، صَلاَةُ اللَّيْلِ ) رَواهُ مُسْلِم.
وَفِي شَهْرِ مُحَرَّمَ يَومٌ عَظِيمٌ؛ فِيهِ يَومُ عَاشُورَاءَ؛ قَدِمَ النَّبِيُّ صَلى الله عَلَيهِ وسَلمَ المَدِينَةَ، فَرَأَى اليَهُودَ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قَالُوا: هَذَا يَوْمٌ صَالِحٌ، هَذَا يَوْمٌ نَجَّى اللهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ عَدُوِّهِمْ، فَصَامَهُ مُوسَى، قَالَ: فَأَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ، فَصَامَهُ، وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ ) رواه البخاري. وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، قَالَ: مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلى الله عَلَيهِ وسَلمَ يَتَحَرَّى صِيَامَ يَوْمٍ فَضَّلَهُ عَلَى غَيْرِهِ، إِلاَّ هَذَا اليَوْمَ، يَوْمَ عَاشُورَاءَ، وَهَذَا الشَّهْرَ، يَعْنِي: شَهْرَ رَمَضَانَ ) رواه البخاري. وقالَ صَلى الله عَلَيهِ وسَلمَ: ( وَصِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ، أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ ) رواه مسلم.
وقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( لَئِنْ بَقِيتُ إِلَى قَابِلٍ لأَصُومَنَّ التَّاسِــعَ ) رواه مسلم. فَاحْرِصُوا رَحِمَكُمُ اللهُ عَلى صِيَامِ ذَلِكَ اليوَمَ؛ وَصُومُوا مَعَهُ التَّاسِعَ، أو الحَادِيَ عَشَرَ.
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإسلَامَ... اللَّهُمَّ وَفِّقْ وَلَاةَ أمْرِنَا... اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ...
عِبَادَ الله: اُذْكُرُوا اللهَ ...
المشاهدات 1356 | التعليقات 0