وقفات مع ليالي الشتاء ..

أبو شهد
1436/02/19 - 2014/12/11 21:50PM
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا هو وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيرا 0 أما بعد
فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أنَّ الشيطان واقفٌ للإنسان على كل طريق يوصل إلى الله والدار الآخرة، قال تعالى-: (قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) وقال تعالى-: (قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ)
عباد الله:ويدور الدهر دورته ويحل فينا فصل الشتاء.. فما الشتاء بالنسبة لنا..؟إنه بالنسبة للمؤمن ربيع.. لأنه يرتع فيه في بساتين الطاعات. ويسرح فيه في ميادين العبادات.وَلِهَذَا جَاءَ فِي الْأَثَرِ )الشِّتَاءُ رَبِيعُ الْمُؤْمِنِ(. ((طال ليله فقامه، وقصر نهاره فصامه)) وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: (مرحبا بالشتاء؛ تتنزل فيه البركة، ويطول فيه الليل للقيام، ويقصر فيه النهار للصيام)

عباد الله: تعالوا بنا لنقف مع فصل الشتاء وقفات تأمُّلٍ وتفكُّرٍ عسى الله أن ينفعنا بها.
الوقفة الأولى: الشتاء وعمر الإنسان: لقد أدركنا ليالي الشتاء، ولم يدركه غيرنا ممن رحلوا عن الدنيا، وما مَرَّ من أيام أعمارنا سيكون شاهداً لنا أو علينا، والمؤمن يقف دائماً مع نفسه وقفة محاسبة، ويقول لها: هل قدمتِ الزاد ليوم المعاد قبل أن يأتيكِ الموت فتتحسرين على ما فرطتِ في جنبِ الله؟.
فالإنسان في هذه الحياة مشغول بالأموال والزوجات والأولاد، وغير ذلك من أمور الدنيا، وإذا راجَعَ نفسه وجد أنه يغفل عن زاد نفسه الذي ينفعه عندما يلقى ربه، فَتَصَرُّمُ الأيامِ وتعاقُبُ الفصول شتاءً وصيفاً تذكرة لنا لنراجع أوراقنا مع أنفسنا، ونجتهد في بذل الجهد من أجل الوصول إلى مرضات ربنا، ففي ذلك الفوز العظيم لنا.
وفي فصل الشتاء فرصةٌ للمسلم للتزود من الطاعات مرضاةً لله تعالى وما أجمل إحياء سنة القيام في ثلث الليل الآخر، يقول الرَسُولِ صلى الله عليه وسلم: "يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ فَيَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ؟وَمَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ؟ وَمَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ؟"
هذا ربنا جل جلاله، الملك القدوس العزيز الجبار المتكبر، ينادي بودٍّ عبادَه فيقول: مَن يدعوني؟! من يسألني؟! من يستغفرني؟! أين نحن من هذه العروضِ الربانية الضخمة، والدعوةِ الكريمة السامية المتوددة؟! لما لا نستثمرها ما دام لنا في ليل الشتاء الطويل فسحة..؟! لما نغفل عنها ونحن المحتاجون الضعفاءُ لمسألته وفضله وجوده؟! لماذا لا نعرض حاجتنا عليه، ونمرغ أنوفنا بين يديه، وننيخ مطايانا ببابه؟! فمَن الذي دعاه بصدق فخيَّبه؟! بل مَن الذي انطرح بين يديه بصدق فأعرض عنه وتركه؟!.
ما أجمل ليل الشتاء الطويل إذا سكن الناس ونامت عيونهم وغطوا في سباتهم فإذا رجل موفق ينسل من تحت دفء غطائه، أو امرأة موفقة تنسل من تحت دفء غطائها ذاكراً أحدهما الله طالباً ما عنده من الخير في صلاة الليل فيقوم ويوقظ أحدهما زوجه ليصليا جماعة أو فرادى.. متطلعين لحلول الرحمة عليهما فقد قَالَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ فَصَلَّى، ثُمَّ أَيْقَظَ امْرَأَتَهُ فَصَلَّتْ، فَإِنْ أَبَتْ نَضَحَ فِي وَجْهِهَا الْمَاءَ، وَرَحِمَ اللَّهُ امْرَأَةً قَامَتْ مِنَ اللَّيْلِ فَصَلَّتْ، ثُمَّ أَيْقَظَتْ زَوْجَهَا فَصَلَّى، فَإِنْ أَبَى نَضَحَتْ فِي وَجْهِهِ الْمَاءَ»
أحبتي: وفي الشتاء يطول الليل فيستيقظ كثير من الناس فيه لحاجتهم أو لأي سبب كان ثم يعود لنومه وهنا تسنح للمسلم فرصة ذهبية وتلوح منحة ربانية..أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم ، إستمع يا رعاك الله إلى هذا الحديث فعن عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَنْ تَعَارَّ مِنَ اللَّيْلِ (يعني من استيقظ) فَقَالَ: لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لاَشَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ،سُبْحَانَ اللَّهِ، وَ الحَمْدُ لِلَّهِ ، وَلاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي، أَوْ دَعَا، اسْتُجِيبَ لَهُ، فَإِنْ تَوَضَّأَ وَصَلَّى قُبِلَتْ صَلاَتُهُ "
الله أكبر ، أخي الحبيب ، بمجرد أن تستيقظ وتقول هذا الذكر وتدعو الله بما تحب من خيري الدنيا والأخره أخبر الحبيب عليه السلام بأن دعائك مستجاب .
يا رعاك الله إنه ذكر سهل مكون فقط من ستة عناصر رتبها وإحفظها وعلق قلبك بالله بمجرد أن تستقيظ لأي سبب كان . إنتبه لا تبحث عن الواتس أو مشاهدة الرسائل الجديدة , إجعل أول ما يأتي في قلبك وعقلك ولسانك ذكر الله هذا الذكر وهذا الفضل لا يحتاج إلى وضوء ولا إلى أن تقوم من فراشك كل مايحتاج أن تعلق قلبك بالله لتفوز بهذا الفضل العظيم
الوقفة الثانيه : في الشتاء أخي الحبيب يقصر النهار ويسهل صيامه فعَنْ عَامِرِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الْغَنِيمَةُ الْبَارِدَةُ الصَّوْمُ فِى الشِّتَاءِ».وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : مَنْ صَامَ يَوْماً فِي سَبِيلِ اللَّهِ بَعَّدَ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنْ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا . وفي حديث أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : مَن صَام يومًا في سبيل الله جعل الله بينه وبين النار خَنْدَقًا كما بين السماء والأرض . رواه الترمذي
ومعلوم أن بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة عام .
وهذا ميدان للتنافس والتسابق على كسب الحسنات، ينبغي لكل حازم أن يضرب فيه بسهم، وأن يزاحم عليه ما دام في العمر فرصة وفي الجسد قوة،
الوقفة الثالثة: البرد في الشتاء يذكرنا بزمهرير جهنم، فقد روى أبو هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "اشتكت النار إلى ربها فقالت: يارب أكل بعضي بعضاً. فجَعَل لها نفَسين: نفَس في الشتاء، ونفس في الصيف، فشدة ما تجدون من البرد من زمهريرها، وشدة ما تجدون من الحر من سمومها" فلابد أن نتذكر ذلك في الدنيا ، فكيف السبيل لزمهرير جهنم ونحن حفاةٌ عُراةٌ لا يحجبنا شيء عنه، أعاذنا الله وإياكم منه .
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والعظات والذكر الحكيم، أقول ما سمعتم فاستغفروا الله يغفر لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبه الثانيه
الحمد لله حمدا طيبا كثيرا مباركا فيه كما يحب ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.
أما الوقفة الرابعة: من آيات الله -تعالى- في الشتاء: المطر و الرعد والبرق: فالمطرُ آيةٌ تحتاجُ إلى تفكُّر ٍوتأمُّلٍ، فهذا المطر الذي ينزل كيف يصل إلينا؟ وكيف يُحمل، ومن الذي يحمله، ومتى ينزل؟ فالمؤمن هو الذي يرجع الأمر إلى ربه، ويعلم أنه مسخر بقدرته، وأنه غيث يحتاج إليه العباد والبلاد، فلا حياة بدون هذا الماء النازل من السماء، قال تعالى-: (وَجَعَلْنَا مِنْ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ)
وقال تعالى-: (وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ)
الوقفة الخامسة : في ليالي الشتاء فرصة لأن يكون دورة تدريبية للتعود على القيام لصلاة الفجر، الليل طويل فينام الانسان ويكتفي ويقوم مبكرا لصلاة الفجر
الوقفة السادسه : وفي الشتاء إذا طال الليل، وقصر النهار ضعف وهج الشمس.. واشتد البردوفي هذا الجو يطيب سمر الناس، وتحلو لهم الحياة، فيطيب لهم الطعام ويستمتعوا فيه بلذيذ الدفء في المنام ويكتسون فيه وثير الملابس لاتقاء برده القارس..
وعلى من هذه حاله أن يعلم أنه في نواح أخرى من أرض الله تصعب الحياة على المعدمين والمشردين، فمنهم من سكنوا المخيمات التي لا تقي من مطر ولا تدفئ من برد.. قد فروا من القتل والتنكيل فوقعوا في ذل اللجوء وما فيه من شظف العيش وقلة ذات اليد مع انعدام أسباب الحياة المدنية بكل حاجياتها.. مرت عليهم فصول العام مرات وهم في نفس الحال والمصير الذي لا يعلم نهايته إلا الله تعالى.. ينتظر هؤلاء إحسان المحسنين فلا تغفلوا عن المحتاجين، وليكن مما أفاء الله عليكم من الخير براً للأقربين وبُلغة للبعيدين.. فالمؤمن في ظل صدقته يوم القيامة.. خرج صفوان بن سليم في ليلة باردة بالمدينة من المسجد، فرأى رجلاً عارياً فنزع ثوبه وكساه إياه، فرأى بعض أهل الشام في منامه أن صفوان بن سليم دخل الجنة بقميص كساه، فقدم المدينة، فقال: دلوني على صفوان، فأتاه فقصَّ عليه ما رأى.
فنحن عباد الله ينبغي علينا أن نتلمس المساكين، ونكسوهم بما نستطيع، فكم من كسوة كانت سببًا في دخول الجنة.
تذكروا أولئك كلَّهم فإنهم إخوانكم.. وأكثروا لهم من الدعاء؛ فإن إحساسكم بهم من إيمانكم، وهو دالٌ على حياة قلوبكم تجاه إخوانكم "وإِنَّ الْمُؤْمِنَ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا" "وتَرَى الْمُؤْمِنِينَ في تَرَاحُمِهِمْ وَتَوَادِّهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ كَمَثَلِ الْجَسَدِ إذا اشْتَكَى عُضْوًا تَدَاعَى له سَائِرُ جَسَدِهِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى" كما ثبتت بذلك الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
هَذَا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا - رَحِمَكُم اللهُ - علَى خَيْرِ الوَرَى وَإِمَامِ الهُدَى كَما أَمَرَ ربُّكم جَلَّ وَعَلَا فَقَال عزَّ مِنْ قائِلٍ: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ﴾اللهمَّ صَلِّ وسَلِّمْ وبارك علَى نبينا مُحَمدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، وَعَلَى التَّابِعِينَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلى يَوْمِ الدِّينِ، اللهم وأعزَّ الإسلام والمسلمين، وأذلَّ الشِّرْك والمشركين ، وانصر عبادك المؤمنين ، اللهم احقن دماء اخواننا المسلمين في كل مكان اللهم وألف بين قلوبهم واجمع كلمتهم على الحق وأصلح ذات بينهم وأهدهم سبل السلام يا رب العالمين. اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا ولوالدينا والمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات ، وَارْحَمْنَا بِرَحْمَتِكَ الَّتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ؛ إِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ. اللَّهُمَّ واجْعَلْ قُلُوبَنَا مُطْمَئِنَّةً بِحُبِّكَ، وَأَلْسِنَتَنَا رَطْبَةً بِذِكْرِكَ، وَجَوَارِحَنَا خَاضِعَةً لِجَلاَلِكَ. اللَّهُمَّ وأَحْسِنْ عَاقِبَتَنَا فِي الأُمُورِ كُلِّهَا، وَأَجِرْنَا مِنْ خِزْيِ الدُّنْيَا وَعَذَابِ الآخِرَةِ. اللَّهُمَّ اجْعَلْ خَيْرَ أَعْمَارِنَا أَوَاخِرَهَا، وَخَيْرَ أَعْمَالِنَا خَوَاتِمَهَا، وَخَيْرَ أَيَّامِنَا يَوْمَ نَلْقَاكَ. عباد الله اذكروا الله يذكركم واشكروه على نعمه وآلائه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.
المشاهدات 2187 | التعليقات 0