وَقَفَاتٌ مَعَ قَولِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: { نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً }

مبارك العشوان 1
1442/05/16 - 2020/12/31 00:17AM

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

أَمَّا بَعْدُ: فَيَقُولُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: { أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ، أَأَنتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنشِؤُونَ، نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِّلْمُقْوِينَ، فَسَبِّحْ بِاسْـمِ رَبِّكَ الْعَظِيــــمِ }الواقعة 71-14 قَالَ مُجَاهِدٌ، وَقَتَادَةُ: رَحِمَهُمَا اللهُ؛ أَيْ: تُذَكِّرُ النَّارَ الكُبْرَى. وَقَالَ ابنُ رَجَبٍ رَحِمَهُ اللهُ: وَمِنْ أَعْظَمِ مَا يُذَكِّرُ بِنَارِ جَهَنَّمَ: النَّارُ الَّتِي فِي الدُّنْيَا.

عِبَادَ اللهِ: عِنْدَمَا نُوْقِدُ النَّارَ أَيَّامَنَا هَذِهِ لِلتَّدْفِئَةِ، فَلْنَذْكُرْ أَنَّ اللهَ تَعَالَى جَعَلَهَا تَذْكِرَةً، وَجَعَلَ لَنَا فِيْهَا عِبْرَةً وَعِظَةً.

هَذِهِ النَّارُ تُذَكِّرُ نَارًا قَالَ عَنْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّـمَ: ( نَارُكُمْ هَذِهِ الَّتِي يُوقِدُ ابْنُ آدَمَ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ حَرِّ جَهَنَّمَ...) الخ  رَوَاهُ مُسْلِمٌ. 

عِنْدَمَا نُوْقِدُ نَارَنَا بِالحَطَبِ؛ فَلْنَذْكُرْ نارًا: { وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ } التحريم6    

عِنْدَمَا نَرَى اللَّهَبَ وَتَطَايُرَ صَغِيْرِ الشَّرَرِ؛ فَإِنَّ نَارَ الآخِرَةِ: { تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ، كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ }

عِبَادَ اللهِ: نَارُ الدُّنْيَا تُذَكِّرُ نَارَ الآخِرَةِ؛ تُذَكِّرُ نَارًا حَذَّرَ اللهُ تَعَالَى عِبَادَهُ مِنْهَا؛ وَوَصَفَهَا بِأَوْصَافٍ عَظِيْمَةٍ؛ قَالَ تَعَالَى: { فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى }{ نَارًا حَامِيَـةً }{ نَارًا ذَاتَ لَهَـــبٍ }.

أَحَاطَتِ النَّارُ بِأَهْلِهَا مِنْ كُلَّ جَانِبٍ: { لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ } { وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ، يَوْمَ يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيَقُولُ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } {  لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لَا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلَا عَنْ ظُهُورِهِمْ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ }{ وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ، مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ،  يَتَجَرَّعُهُ وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ }.

يُحْشَرُ الكُفَّارُ إِلَى النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ، قَالَ رَجُلٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّـمَ: يَا نَبِيَّ اللهِ، كَيْفَ يُحْشَرُ الكَافِرُ عَلَى وَجْهِهِ؟ قَالَ: أَلَيْسَ الَّذِي أَمْشَاهُ عَلَى الرِّجْلَيْنِ فِي الدُّنْيَا قَادِرًا عَلَى أَنْ يُمْشِيَهُ عَلَى وَجْهِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ. قَالَ قَتَادَةُ: بَلَى وَعِزَّةِ رَبِّنَا ) رواه البخاري ومسلم.

يُعَذَّبُ أَهْلُ النَّارِ فِيْهَا أَشَدَّ العَذَابَ؛ تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ، وَيُسْحَبُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ فِي النَّارِ؛ { إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ،  فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ } { فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ، يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ، وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ، كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ } وَقَالَ تَعَالَى: { إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا } وَقَالَ تَعَالَى: { لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا، إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا }

يَقُولُ ابنُ كَثِيْرٍ رَحِمَهُ اللهُ: فَأَمَّا الْحَمِيمُ فَهُوَ الْحَارُّ الَّذِي قَدِ انْتَهَى حَرُّهُ وَحُمُوُّهُ وَالْغَسَّاقُ هُوَ مَا اجْتَمَعَ مِنْ صَدِيدِ أَهْلِ النَّارِ وَعَرَقِهِمْ وَدُمُوعِهِمْ وَجُرُوحِهِمْ؛ فَهُوَ بَارِدٌ لَا يُسْتَطَاعُ مِنْ بَرْدِهِ وَلَا يُوَاجَهُ مَنْ نَتَنِهِ.

وَقَالَ تَعَالَى: { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا }

لِأَهْلِ النَّارِ فِيْهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ، يَصْطَرِخُونَ فِيهَا، وَيَسْتَغِيْثُونَ؛ يَتَمَنَّونَ المَوْتَ فَلَا يَمُوتُونَ؛ { وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ }{ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ }{ إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى }

عِبَادَ اللهِ: صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( إِنَّ أَهْوَنَ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَرَجُلٌ تُوضَعُ فِي أَخْمَصِ قَدَمَيْهِ جَمْرَتَانِ، يَغْلِي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ ) رواه البخاري ومسلم.

أَعَاذَنِي اللهُ وَإِيَّاكُمْ مِنَ النَّارِ، وَبَارَكَ لِي وَلَكُمْ فِي القُرْآنِ العَظِيمِ، وَنَفَعَنَا بِمَا فِيْهِ مِنَ الْآيِ وَالذِّكْرِ الحَكِيْمِ، وَأَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيْمُ.

 

 الخطبة الثانية: 

 

الحَمْدُ لِلهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ؛ أمَّا بَعدُ: فَإِنَّ تَذَاكُرَ مِثْلَ هَذِهِ النُّصَوصِ يَدْفَعُ العَبْدَ لِفِعْلِ الخَيْرَاتِ، وَيُقَوِّيْ عَزِيْمَتَهُ وَيُنَشِّطُهُ؛ وَهَكَذَا يَزْجُرُهُ عَنِ المُحَرَّمَاتِ وَيُبَاعِدُهُ عَنْهَا.

فَاجْتَهِدُوا - رَحِمَكُمُ اللهُ - فِيْمَا يُنْجِيْكُمْ مِنَ النَّارِ، وَاعْلَمُوا أَنَّ مِنْ فَضْلِ اللهِ تَعَالَى وَكَرَمِهِ أَنْ يَسَّرَ لَنَا أَعْمَالاً تُبَاعِدُ عَنِ النَّارِ؛ فَتَلَمَّسُوهَا وَاحْرِصُوا عَلَيْهَا.

وَإِنَّ أَعْظَمَ وِقَايَةٍ مِنَ النَّارِ: الإِيْمَانُ بِاللهِ تَعَالَى وَإِخْلَاصُ الدِّيْنِ لَهُ، وَالبُعْدُ عَنِ الشِّرْكِ؛ يَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّـمَ: ( مَنْ لَقِيَ اللهَ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ لَقِيَهُ يُشْرِكُ بِهِ دَخَلَ النَّارَ ) رواه مسلم. 

تَقْوَاكُمْ للهِ جَلَّ وَعَلَا؛ نَجَاةٌ مِنَ النَّارِ؛ قَالَ تَعَالَى: { وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَّقْضِيًّا، ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا }

مُحَافَظَتُكُمْ عَلَى صَلَوَاتِكُمْ نَجَاةٌ مِنَ النِّيْرَانِ، وَفَوزٌ بِالجِنَانِ؛ وَتَضْيِيْعُهَا سَبَبٌ لِلْخُسْرَانِ؛ قَالَ تَعَالَى: { وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ، أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ، الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } وَقَالَ تَعَالَى: { فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً }

حَافِظُوا عَلَى الفَرَائِضِ وَأَكْثِرُوا مِنَ النَّوَافِلِ، وَإِيَّاكُمْ وَالمُحَرَّمَاتِ.

سَلُوا اللهَ تَعَالَى الجَنَّةَ وَاسْلُكُوا طَرِيْقَهَا، وَاسْتَعِيْذُوا بِهِ تَعَالَى  مِنَ النَّارِ وَجَنِّبُوا طَرِيْقَهَا.

اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَمِنْ عَذَابِ القَبْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ المَحْيَا وَالمَمَاتِ، وَمِنْ فِتْنَةِ المَسِيْحِ الدَّجَّالِ.

ثُمَّ صَلُّوا وَسَلِّمُوا - رَحِمَكُمُ اللهُ - عَلَى خَاتَمِ المُرْسَلِيْنَ وَالمَبْعُوثِ رَحْمَةً لِلْعَالَمِيْنَ؛ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَآلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَآلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.

اللَّهُمَّ انْصُرْ أَوْلِيَاءَكَ، وَأَذِلَّ أَعْدَءَكَ.

اللَّهُمَّ أصْلِحْ أئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، اللَّهُمَّ وَفِّقْ وُلَاةَ أمْرِنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، اللَّهُمَّ خُذْ بِنَوَاصِيهِمْ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا وَإِيَّاهُمْ لِهُدَاكَ، واجْعَلْ عَمَلَنَا فِي رِضَاكَ، اللَّهُمَّ مَنْ أَرَادَنَا وَدِينَنَا وَبِلَادَنَا بِسُوءٍ فَرُدَّ كَيْدَهُ إِلَيهِ، وَاجْعَلْ تَدْبِيرَهُ تَدْمِيرًا عَلَيهِ، يَا قَوِيُّ يَا عَزِيزُ.

عِبَادَ اللهِ: اُذْكُرُوا اللهَ العَلِيَّ الْعَظِيْمَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ وَلَذِكْرُ اللهِ أكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.    
المرفقات

1609373836_وَقَفَاتٌ مَعَ قَولِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً.pdf

المشاهدات 1841 | التعليقات 0