وقفات مع فصل الصيف (3)
محمد بن إبراهيم النعيم
أيها الإخوة في الله: كنت معكم في الأسبوعين الماضيين مع وقفات في فصل الصيف، وقد ذكرت فيهما إحدى عشرة وقفة. أما وقفات الخطبة الماضية فكانت عن حر الصيف وحر جهنم، وهي الوقفة التاسعة. والوقفة العاشرة عن الصيف ومواطن الظل، وكانت الوقفة الحادية عشر عن الصيف وانقلاب نوم الأسرة.
ونكمل اليوم هذه الوقفات.
الوقفة الثانية عشر: الصيف والسياحة: تعود كثير من الناس على قضاء إجازاتهم خارج بيوتهم بل وخارج وطنهم ولا ضير في ذلك، ولكن المذموم هو ما تفعله بعض الأسر من الذهاب إلى دول الكفر والانحلال والسكن بين ظهراني المشركين دون أي ضرورة، وقد روى جرير بن عبد الله -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ يُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُرِ المُشْرِكِينَ». قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلِمَ؟ قَالَ: «لَا تَرَاءَى نَارَاهُمَا» رواه أبو داود والترمذي.
كما يجب أن نعلم بأن المسلم لا يحل له ارتياد أماكن المعصية كالمراقص والكازينوهات والحفلات المختلطة والأماكن التي تدار فيها الخمور ونحو ذلك، فالمسلم يجب عليه أن لا تطأ قدمه مكانا يغضب الله -عز وجل-لأنه لا يدري متى تأتيه منيته ولا يدري في أي أرض يموت.
إننا نسمع عن أسر ترى لها سلوكا منضبطا في بلدها، فإذا سافرت خارج الوطن خلعت ثياب الغيرة والحياء وأمر الأزواج زوجاتهم بالتبرج وخلع الحجاب وفرطوا في صلواتهم وامتدت أعينهم على ما حرمه الله عليهم.
لقد شبه المصطفى r المؤمن بالنخلة التي لا يسقط ورقها وقال هي مثل المؤمن، فالمسلم يجب أن يكون ثابتا على طاعة الله طوال العام لا أن يكون متلونا كالحرباء، مستقيما في بلده في الشتاء فإذا جاء الصيف سقطت حسناته كما تسقط أوراق الشجر. ألا إن أفضل سياحة للمسلم تزيد من حسناته وترفع من درجاته هو التوجه إلى بيت الله الحرام والى مدينة رسول الله r، إننا نسمع عن ملايين المسلمين في شتى بقاع الأرض تشرأب نفوسهم وتتمنى الوصول إلى الديار المقدسة ولكنهم لا يستطيعون، ونحن أهل الديار أنهرب منها ونستبدلها بالذي هو أدنى؟
فاغتنموا أيام عمركم واعمروا أوقاتكم فيما يرضي ربكم.
الوقفة الثالثة عشر: الصيف وحفلات الزواج
تكثر في فصل الصيف حفلات الزواج ولله الحمد سائلا المولى عز وجل أن يجعلها حفلات مباركة على أهلها وأن يجمع بين هؤلاء الأزواج على خير، ولقد رغب المصطفى-صلى الله عليه وسلم- بحضور حفلات الزواج بل أوجبها على رأي لبعض أهل العلم حيث روى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إِلَى وَلِيمَةِ عُرْسٍ، فَلْيُجِبْ» رواه الإمام مسلم .
والزواج هو نصف الدين كما جاء عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وإن إقامة حفلات العرس من الدين بل هي عبادة؛ لأنها استجابة لأمر الرسول r الذي قال فيه لأحد الصحابة وهو عبد الرحمن بن عوف حين تزوج " «أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ» متفق عليه.
لذلك يجب على أصحاب هذه الحفلات أن يتقوا الله فيما يفعلون فليتجنبوا الإسراف والتبذير فيما يُقَدَّمُ من طعام، وليعلموا أن ما يُرمى منها وهو صالح للأكل هو كفر بالنعمة وسوء لاستخدامها، ومن كفر بهذه النعم قل أن تعود إليه، لا سيما ونحن نرى دولا تعاني شعوبها من الجوع والجفاف.
والذي نلاحظه أيضا في مثل هذه الحفلات انتشار بعض المنكرات فيها كالعزف على الموسيقى، وتصوير النساء، وتقليد عادات الغرب في حركات ولباس العرائس، والبذخ الزائد في ملابس النساء، ودخول الزوج وإخوانه على النساء، وقد حذر المصطفى -صلى الله عليه وسلم- من الدخول على النساء بقوله: "إياكم والدخول على النساء".
فينبغي على أصحاب هذه الحفلات أن يجعلوها حفلات خالية مما يغضب الله -عز وجل- لأنها ليلة في العمر قد لا تتكرر، فاجعلوها ترضي الرب جلا وعلا. وليتذكر هؤلاء أن العبرة ليس في مثل هذا البذخ والمباهاة والإسراف لأن كل ذلك سينساه الناس ويبقى حِملُه على الزوج، وإنما العبرة في التوفيق والتأليف بين الزوجين ودوام العشرة بينهما.
إننا نرى بعض الناس إذا كان عنده حفلة زواج لابنه أو ابنته رغب في التميز والتعالي على من قبله فعمل المستحيل وتكلف ما لا يستطيع، فابتدع أشياء، وابتكر أشياء كلها في النهاية تزيد من تكاليف الزواج، وقد يضطر محاكاتها أقرانه الذين من بعده، ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة. والذي ينصاع لآراء النساء في مثل هذه الحفلات يتعب كثيرا؛ لأنه لا تزال النساء يستحدثن في كل عرس تقليعات جديدة تزيد من أعباء وتكاليف الزواج وتخرج من عرف وعادات المسلمين وتدخل في عرف وعادات الكافرين.
فينبغي على العقلاء من الرجال مسك زمام الأمور، وتقليل المهور، وتيسير تكاليف حفلات الزواج، وعدم تعقيد الأمور قدر المستطاع فإن ذلك من أعظم الأجور، ومن سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة.
الوقفة الرابعة عشر: الصيف والعوازل الحرارية
إن الناس في فصل الصيف لا يطيقون حرارة الشمس ويتذمرون منها، فتراهم يهربون من وهجها وحرارتها إلى أماكن الظل، سواء كانت تلك الأماكن تحت مِظلة أو شجر أو سيارة أو البقاء في البيت أو سياحة في بلاد باردة. وإنك تسمع الناس يوصي بعضهم بعضا بعدم المشي في الشمس لئلا يتعرضَ الواحد منهم لضربة شمس تخل بدماغه. بل ويُوصى دوليا وعلى مستوى العالم عبر منظمات حقوق الإنسان بمنع تشغيل العمال ميدانيا إذا تجاوزت الحرارة خمسين درجة مئوية، حفاظا على صحة الإنسان وعقله من حرارة الشمس الشديدة والملهبة صيفا، ونسي أولئك الناس أن هذه الشمس التي يهربون منها، أنها ستلاقيهم يوم القيامة بأشد ما يكون وأقرب ما يكون.
ألا ينبغي أن نسأل عما يقينا من حر تلك الشمس التي سنقف تحت وهجها ليس ليوم أو يومين ولا سنة أو سنتين، وإنما لخمسين ألف سنة! (نعم لخمسين الف سنة) حتى روي أن الناس في ذلك اليوم يتمنون لو بدأ بالحساب ليستريحوا من همِ ما هم فيه ولو ذُهب بهم إلى النار عياذا بالله من ذلك المقام. فماذا أعددنا لذلك الكرب الشديد من عمل؟
إن يوم القيامة يوم شديد، مليء بالكُرَبِ والأهوال، كُربٌ ستشيب منها الولدان، ويفر المرء فيها من الأهل والخُلان.
فمن الكرب التي سيواجهها الناس يوم القيامة كرب الإغراق بالعرق، فقد جاء في الحديث الصحيح أن الناس سيحشرون يوم القيامة حفاة عراة غرلا (أي غير مختونين) في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة. فقد روى عبد الله بن عمرو بن العاص (رضي الله عنهما) قال: تلا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الآية {يوم يقوم الناس لرب العالمين} فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "كيف إذا جمعكم الله كما يجمع النبل من الكنانة خمسين ألف سنة ثم لا ينظر إليكم" رواه الحاكم.
والذي سيزيد هذا الكرب شدة: هو الوقوف والانتظار تحت لهيب شمس ستقترب من الرؤوس بمقدار ميل، حتى يغرق الناس بعرقهم والعياذ بالله من ذلك الحال والمقام. فقد روى المقداد بن عمرو -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «تُدْنَى الشَّمْسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْخَلْقِ، حَتَّى تَكُونَ مِنْهُمْ كَمِقْدَارِ مِيلٍ» - قَالَ سُلَيْمُ بْنُ عَامِرٍ: فَوَاللهِ مَا أَدْرِي مَا يَعْنِي بِالْمِيلِ؟ أَمَسَافَةَ الْأَرْضِ، أَمِ الْمِيلَ الَّذِي تُكْتَحَلُ بِهِ الْعَيْنُ - قَالَ: «فَيَكُونُ النَّاسُ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ فِي الْعَرَقِ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى كَعْبَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى رُكْبَتَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى حَقْوَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُلْجِمُهُ الْعَرَقُ إِلْجَامًا» قَالَ: وَأَشَارَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ إِلَى فِيهِ " رواه الإمام مسلم.
ويزداد كرب الناس وضنْكُهم بالعرق ما لا يطيقون، إذا يغوص عرقهم في الأرض سبعين ذراعا ثم يرتفع فيصل عند بعضهم حتى رؤوسهم. فقد روى أبو هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «يَعْرَقُ النَّاسُ يَوْمَ القِيَامَةِ حَتَّى يَذْهَبَ عَرَقُهُمْ فِي الأَرْضِ سَبْعِينَ ذِرَاعًا، وَيُلْجِمُهُمْ حَتَّى يَبْلُغَ آذَانَهُمْ» رواه البخاري. فماذا أعددنا لذلك الكرب الشديد من عمل؟
إن الناس اليوم يحرصون على عمل عوازل حرارية في بيوتهم لتقيهم حر شمس الظهيرة لينعموا بجو بارد منعش طوال يومهم، وإن الواحد منَّا إذا قرر بناء منزل تراه يسأل عن أفضل وأجود العوازل الحرارية التي توضع في الجدران، والتي توضع على الأسطح، ولو كلفه ذلك عشرات الآلاف من الريالات. وفوق ذلك كله تراه يضع المكيفات المركزية في كل البيت ليعيش في جو بارد وهادئ لا يعرف فيه الحرارة. كل ذلك من أجل أن يتقي حر شمس تبعد عنَّا مسافة تقدر بحوالي ثلاث وتسعين مليون ميلا، ولا تستغرق ذروة أشعتها أكثر من ثمان ساعات يوميا على سطح الأرض خلال فصل الصيف. ولو حُسب إجمالي هذه المدة طوال فترة عمر الإنسان نجد أنها لا تزيد على ثمان سنوات متواصلة، ومع ذلك يدفع الإنسان مبالغ طائلة تصل إلى عشرات الآلاف ليتقي حر هذه الشمس خلال فصل الصيف.
وها هو رسولنا -صلى الله عليه وسلم- يخبرنا وهو الصادق المصدوق أننا سنحشر يوم القيامة ليوم طوله خمسين ألف سنة تحت أشعة شمس حارقة لا تغرب أبدا. فماذا أعددنا لذلك اليوم من عوازل؟
ألا يجدر بنا أن نسأل عن عوازل تقينا شمس الآخرة؟ وما هي العوازل التي يمكنها مقاومة حرارة تلك الشمس التي ستقترب منا بمقدار ميل؟ والميل الشرعي يقدر بحوالي أربعة آلاف ذراع.
وهل يمكن أن ننقل معنا العوازل الحرارية التي صنعناها في دنيانا؟ هل سالت أخي المصلي عن الأعمال والعوازل التي تنجي صاحبها من حر شمس يوم القيامة، وتحفظه في ظل الله يوم لا ظل إلا ظله؟
إنها عوازل أخبر بها رسولنا -صلى الله عليه وسلم- ليست من البرولايت ولا من الفلِّين، وإنما هي أعمال صالحة أمرنا بالتحلي بها لنستظل بسببها تحت ظل عرش الرحمن في ذلك اليوم العصيب، ومن استظل تحت ظل العرش سيمر عليه يوم القيامة كقدر الانتظار ما بين الظهر والعصر.
فقد أخرج الحاكم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- مرفوعا قال: يوم القيامة على المؤمنين كقدر ما بين الظهر والعصر.
أدع الحديث عن هذه العوازل بعد الخطب الأولى. أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله حق حمده، والصلاة على من لا نبي بعده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، واعلموا إن كنتم تسألون عن أفضل عوازل حرارية لبيوتكم تقيكم حر الصيف، أن رسولنا r أنبئنا عن أفضل عوازل حرارية تقينا شمس يوم القيامة. أذكر لكم أحد عشر عازلا كلها موجبة لظل عرش الرحمن عَلَّنا أن نسارع إليها بعد أن أدركنا وتصورنا وآمنا بأهميتها يوم القيامة.
العازل الأول: إنظار المعسر حتى يسدد دينه أو تخفيف الدين عنه. فقد روى أبو هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا، أَوْ وَضَعَ لَهُ، أَظَلَّهُ اللَّهُ يَوْمَ القِيَامَةِ تَحْتَ ظِلِّ عَرْشِهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ» رواه الإمام أحمد والترمذي. وفي رواية أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن أول من يستظلُ في ظل الله يوم القيامة لرجل أنظر معسرا أو تصدق عنه" رواه الطبراني.
ومن يسر على غريمه المعسر فسييسر الله عليه ليس في الآخرة فحسب وإنما في الدنيا والآخرة، والجزاء من جنس العمل، فقد روى أبو هريرة-رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا، نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ، يَسَّرَ اللهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.. » رواه الإمام مسلم.
لقد كان السلف الصالح حريصين على بذل المعروف وتفريج كرب الناس آملين أن يعاملهم الله تعالى يوم القيامة بمثل ذلك. فقد أقرض أبو قتادة -رضي الله عنه- رجلا فلما حل الدين كان يأتيه يتقاضاه فيختبئ منه فَجَاءَ ذَاتَ يَوْمٍ فَخَرَجَ صَبِيٌّ فَسَأَلَهُ عَنْهُ فَقَالَ: نَعَمْ. هُوَ فِي الْبَيْتِ يَأْكُلُ خَزِيرَةً فَنَادَاهُ يَا فُلَانُ، اخْرُجْ فَقَدْ أُخْبِرْتُ أَنَّكَ هَاهُنَا فَخَرَجَ إِلَيْهِ فَقَالَ: مَا يُغَيِّبُكَ عَنِّي؟ قَالَ: إِنِّي مُعْسِرٌ وَلَيْسَ عِنْدِي. قَالَ: آللَّهِ إِنَّكَ مُعْسِرٌ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَبَكَى أَبُو قَتَادَةَ ثُمَّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ نَفَّسَ عَنْ غَرِيمِهِ أَوْ مَحَا عَنْهُ كَانَ فِي ظِلِّ الْعَرْشِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» رواه الإمام مسلم وأحمد.
ولا تقتصر فائدة إنظار المعسر أو التجاوز عنه إظلال صاحبها في أرض المحشر وإنما من أنظر معسرا حل دينه فله عن كل يوم يمضي قدر ضعفي الدين كصدقة، فقد روى بريدة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: " مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِراً فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلُهُ صَدَقَةً قَبْلَ أَنْ يَحِلَّ الدَّيْنُ فَإِذَا حَلَّ الدَّيْنُ فَأَنْظَرَهُ فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلاَهُ صَدَقَةً " رواه الإمام أحمد وابن ماجه والحاكم وصححه الألباني. فلو أقرضت شخصا عشرة آلاف ريال ثم أعسر، كتب الله لك ثواب من يتصدق يوميا بعشرة آلاف ريال إلى أن يحل الدين، فإذا حل دينه فأمهلته كتب الله لك ثواب من يتصدق يوميا بعشرين ألف ريال!
ومن أعظم ثمرات إنظار المعسر أو التجاوز عنه أنها تنجي صاحبها من دخول النار. فقد روى أبو هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: " كَانَ رَجُلٌ يُدَايِنُ النَّاسَ، فَكَانَ يَقُولُ لِفَتَاهُ: إِذَا أَتَيْتَ مُعْسِرًا فَتَجَاوَزْ عَنْهُ، لَعَلَّ اللهَ يَتَجَاوَزُ عَنَّا، فَلَقِيَ اللهَ فَتَجَاوَزَ عَنْهُ " متفق عليه. وفي رواية لابن مسعود -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «حُوسِبَ رَجُلٌ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَلَمْ يُوجَدْ لَهُ مِنَ الْخَيْرِ شَيْءٌ، إِلَّا أَنَّهُ كَانَ يُخَالِطُ النَّاسَ، وَكَانَ مُوسِرًا، فَكَانَ يَأْمُرُ غِلْمَانَهُ أَنْ يَتَجَاوَزُوا عَنِ الْمُعْسِرِ»، قَالَ: " قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: نَحْنُ أَحَقُّ بِذَلِكَ مِنْهُ، تَجَاوَزُوا عَنْهُ "رواه مسلم. فحري بنا أن نتخلق بهذا الخلق الكريم.
ولكي لا أطيل عليكم أرجئ الحديث عن بقية العوازل في خطبة قادمة إن شاء الله.
أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يعيننا على فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. وصل اللهم وسلم على نبيا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
4/5/1424هـ