وقفات مع عام قد بدأ
الغزالي الغزالي
1434/01/01 - 2012/11/15 21:27PM
وقفات مع عام قد بدأ 02/01/1434
الحمد لله العليم الحكيم، {جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا}، نحمده على وافر نعمه، وجزيل عطاياه، ونشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، دلتْ آياته ومخلوقاته على قدرته وعظمته، وإتقانه لخلقه؛ {صُنْعَ الله الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ}، فحقٌّ على الخلق أن يعبدوه - سبحانه – شكرا، ولا يشركوا به شيئًا، ونشهد أن سيدنا ونبيَّنا محمدًا رسول الله، اصطفاه ربه - سبحانه - واجتباه، ومن الخير والهدى أناله وأعطاه، فكان نبيًّا رسولاً، وعبدًا شكورًا؛{وَأَنْزَلَ اللهُ عَلَيْكَ الكِتَابَ وَالحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ، وَكَانَ فَضْلُ الله عَلَيْكَ عَظِيمًا}، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه، وعلى رسل الله وأنبيائه، سادة الأمة علمًا وعملاً، نصر الله - تعالى - بهم شرعه، وأقام بهم دينه، وهدى بهم عباده؛ فنتقرب لله - تعالى - بمحبتهم وموالاتهم، ونتشرف بمتابعتهم واقتفاء أثرهم.. أما بعد: فيا أيها الناس اتقوا الله - تعالى - وأطيعوه، وخذوا من صحتكم لمرضكم، ومن فراغكم لشغلكم، ومن حياتكم لموتكم؛ فإنَّ الأيام تمضي، وإن الأعمار تنقضي، وكل آت قريب، معاشر المسلمين، مع إطلالةِ عام وذهابِ عام يبرزُ للمتأمل أحداثٌ عظام، وقضايا جسام، يجدرُ بالعاقل الفطن أن يقفُ عندها وقفات، ويسترجعَ فيها الذكريات، يجددُ العهد، ويبرمُ العقد، ينظرُ في ماضيه، وما أحدث فيه، ويتأملُ في مستقبله وما عزم على أن يفعله فيه، إن أمد الله في أجله، وزاده في عمره، وأدام له من نعمه وفضله. عباد الله، وقفات تبرزُ خلال هذه الأيام، ينبغي على المسلم أن يقفَ عندها، ويجيل النظر ويحرك الفكر فيها. فأُولى هذه الوقفات: بدايةُ عامٍ ونهايةُ عام، إننا حينما نستقبلُ عامًا ونستودعُ عامًا آخر لهو حدثٌ ينبغي الوقوفُ عنده، وإن كان في نظر بعض الناس أمرًا عاديًا، ذلك أن هذا العام قد مضى من أيام أعمارنا، وذهبَ من سنيّ آجالنا، وأصبحنا إلى الموت أقرب, ونحن تفرحنا الأيام إذا ذهبت لأننا نتطلع إلى الدنيا وزخارفها، وقد مددنا الآجال، وسوفنا في الأعمال، وبالغنا في الإهمال، حتى صرنا كما قال الأول:
. إنّـا لنفـرحُ بالأيّـام نقطعـهـا * وكلُ يومٍ مضـى يدني من الأجلِ . فاعمل لنفسك قبل الْموت مُجتهدًا * فإنمـا الرِّبحُ والخسرانُ فِي العملِ
فيا أيها المؤمن، احذر من الأيام وتسارعها فإنها غرارة، واحذر من الدنيا وزخارفها فإنها غدَّارة، كم من مؤملٍ بلوغَ الآمال، أصبح رهنَ القبور مدفونًا، وكم من مفرطٍ في الأعمال، أصبح بعدها مغبونًا، فاغتنم فرصةَ حياتك وشبابك وفراغك وصحتك وغناك، قبل أن تفقدَها أو تفقدَ بعضها، فتصبح من النادمين المتحسرين. الوقفة الثانية: حدثٌ عظيمٌ من خلاله تغيَّرَ وجهُ العالَم، إنه حدثُ الهجرة النبوية، حينما خرج المصطفى محمدُ بنُ عبد الله صلواتُ الله وسلامه عليه من مكةَ مظلومًا مقهورًا، مشردًامطرودًا، إلى طيبةَ الطيبةِ البلدةِ المباركة، فأسَّسَ فيها دولةَ الإسلام، وهيّأ فيها رجالاً للإيمان والإحسان، ربَّاهم فأحسنَ تربيتهم، وأدَّبهم فأحسنَ تأديبهم، فساحوا خلالَ الدِّيار؛ يدعون إلى الله، وينصرون رسولَ الله، يدفعون عنه أذى الكفار، حتى يبلِّغَ دينَ الله الذي أمره أن يبلغه للعالمين: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ، وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ، وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ، إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ)، ففعل صلواتُ الله وسلامه عليه وجاهد ودعا حتى أتاه اليقين، وترك الناس على المحجة البيضاء، ليلُها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك ."إن في هذا الحدث العظيم من الدروس والعبر ما لو استلهمته أمةُ الإسلام اليوم، وعملت على ضوئه لتحقق لها عزُها وقوتها ومكانتها، ولَعَلِمَت علمَ اليقين أنه لا حلَّ لمشكلاتها، ولا صلاحَ لأحوالها، إلا بالتمسك بإسلامها والتزامها بإيمانها وعقيدتها، فواللهِ ما قامت الدنيا إلا بقيام الدِّين، ولا نال المسلمون العزة والكرامة إلا لمَّا خضعوا لربِّ العالمين، وهيهات أن يحلَ أمنٌ أو رخاءٌ أو سلامٌ دون اتباع نهج الأنبياء والمرسلين. الوقفة الثالثة: وهي وقفة تعبرُ عن شخصية هذه الأمة واستقلالِ أتباعها أهل الإسلام عن غيرهم من سائر الأمم والنحل، إنها قضيةُ التاريخ الهجري، فشهرُ الله المحرَّم أولُ شهور السَّنة الهجرية، اتفق على ذلك صحابةُ رسول الله(ص)، ولم يشابهوا أهل الكتاب في اعتماد التاريخ الميلادي، وذلك أن التاريخ الهجري متعلقٌ بمناسباتٍ دينيةٍ عظيمةٍ تتكررُ كلَ عام، من زكاةٍ وصيامٍ، وحجٍ وغيرها من أحكام الإسلام. الوقفة الرابعة: وقفةٌ فيها عبرةٌ وعظةٌ لكل متجبرٍ كفار؛ أن نهايتَه وشيكةٌ على يد العزيز العظيم الجبار، مهما علا وبغى، وأفسدَ وطغى ، فإن الله له بالمرصاد, حتى إذا أخذه لم يفلته، أخذه أخذَ عزيزٍ مقتدر، تلكم حادثةُ العاشر من المحرَّم في قصة كليم الرحمن، موسى عليه الصلاة والسلام، مع عدوِّ الله فرعون، حيثُ احتلت هذه القصةُ جانبًا كبيرًا من القرآن الكريم لا يخفى عليكم. فمهما طال بالظالم العمر، وعظمت به القوة والسطوة فليتذكر مصيرَ فرعون حينما استغاث بعد فوات الاون، ونادى بأعلى صوته- كما ورد في القرآن: (قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ)، فقال الله جل وعلا: (آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ). ومهما طال بالمظلوم تسلط الظالم عليه، وملاحقته له فليتذكر سنةُ الله عز وجل في نصرة أوليائه، وقمع أعدائه، في قصة نجاة نبي الله موسى عليه الصلاة والسلام، التي أعقبها بالشكر والثناء على المولى المنعم، والقوي المنتقم، فصام هذا اليوم شكرًا لله، وصامه أتباعه. عن ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: ( قَدِمَ النبي عليه الصلاة والسلام الْمَدِينَةَ فَرَأَى الْيَهُودَ تَصُومُ يوم عَاشُورَاءَ، فقال: (ما هذا؟) قالوا: هذا يَوْمٌ صَالِحٌ، هذا يَوْمٌ نَجَّى الله بَنِي إِسْرَائِيلَ من عَدُوِّهِمْ، فَصَامَهُ مُوسَى، قال: (فَأَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ) ، فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ). رواه البخاري. وفي صحيح مسلم عن أبي قتادة(ض) أن رسول الله (ص) سئل عن صِيَامِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ فقال: ( أَحْتَسِبُ على اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ التي قَبْلَهُ). وكان من هديه علية الصلاة والسلام مخالفة أهل الكتاب فأمر بصيام يوم قبله مخالفة لهم. روى مسلم عن ابن عباس قال: "حين صام رسول الله (ص) يوم عاشوراء وأمر بصيامه قالوا: يا رسول الله! إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى؟ فقال: فإذا كان العام القابل إن شاء الله صمت التاسع. فلم يأت العام المقبل حتى توفي رسول الله(ص) ". وبناءً عليه، فإن إفراد العاشر وحده بالصوم جائز، وبه يحصل الأجر المذكور في تلك الأحاديث، والأكمل صيام التاسع والعاشر. عباد الله، تلكمُ ذكرى لمن كان له قلب، وفيها عِبرةٌ وعَبرةٌ لمن له لُبّ، وهي إشاراتٌ وتذكرةٌ خاطفة، وموعظةٌ للدموع ذارفة، وللقلوب واجلة، وللعمل داعية. مواقفُ جديرةٌ بالتنبيه والانتباه، عسى الله أن يغير حالنا من هكذا حالٍ إلى أحسن حال، وأن يأخذ بنا إلى أحسن مآل، إنه خير مأمول، وأكرمُ مسؤول، والله المستعان، وعليه التكلان، ولا حول ولا قوة إلى بالله العلي العظيم. نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبهدي الرسول الكريم، أقول ما تسمعون، وأستغفرالله لي ولكم وللمسلمين، فاستغفروه إنه هو الغفورالرحيم.
الحمد لله مقدِّر الْمَقدور، ومصرِّف الأيام والشُّهور، ومُجري الأعوام والدُّهور، نحْمده تعالى ونشكُره، ونتوب إليه ونستغفره، إليه تصير الأُمور، وهو العفوُّ الغفور، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة تَنْفع صاحِبَها يوم يُبَعْثر ما في القبور، ويُحَصَّل ما في الصدور، ونشهد أنَّ نبيَّنا محمَّدًا عبْدُ الله ورسوله النبِيُّ المُجتبَى، والصفي المصطفى، والعبد الشَّكور، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وعلى رسل الله وأنبيائه ما امتدت البحور، وتعاقب العشيُّ والبكور، وعلى التابعين ومن تَبِعَهم بإحسان إلى يوم النُّشور.. أما بعد:- يا أهل الإسلام، اتقوا الله تعالى الملك العلام، وتبصروا في هذه الليالي والأيام، فإن مضي كلِ يومٍ ينقص من عمرك، ويقرب من أجلك، فإذا ذهب يومك, ذهب بعضك. واعلموا أن الله جل ذكره يغضب لمعصيته، فلا تحتقروا من معاصي الله شيئًا. قام محمد بن المنكدر ذات ليلة يصلي فكثر بكاؤه حتى فزع له أهله وسألوه، فاستعجم عليهم وتمادى في البكاء، فأرسلوا إلى أبي حازم فجاء إليه فقال: ما الذي أبكاك؟ قال: مرت بي آية، قال: وما هي؟ قال: (وَبَدَا لَهُمْ مِنْ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ)، فبكى أبو حازم معه فاشتد بكاؤهما. فلنتقي الله عباد الله، (وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ، وَاتَّقُوا اللَّهَ، إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ). ثم اعلموا أن الله أمركم بالصلاة والسلام على خاتم رسله، في أعظم كتبه، فصلوا عليه وسلَّموا تسليمًا. اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد، اللَّهم وكما آمنَّا بنبيِّنا - صلَّى الله عليه وسلَّم - ولَم نرَه، فلا تُفَرِّق بيننا وبينه، حتَّى تُدْخِلنا مدْخَله، واحشرنا في زُمْرته، واسْقِنا من حوضه، شربةً لا نظمأ بعدها أبدًا. وارض اللهم عن خلفائه الراشدين، وأزواجه أمهات المؤمنين،وبقية الصحابة والتابعين لهم إلى يوم الدين. اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَالْمُؤْمِنِينَ وِالْمُؤْمِنَاتِ، الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ. اللهمَّ اجعل خير أعمالنا خواتمها، وخير أعمارنا أواخِرها، وخير أيَّامنا يوم نلقاكَ. اللهم اجعل حاضرنا خيرًا من ماضينا، ومستقبلنا خيرًا من حاضرنا، اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا لَكَ شَاكِرِينَ، لَكَ ذَاكِرِينَ، إِلَيْكَ مُخْبِتِينَ أَوَّاهِينَ مُنِيبِينَ، رَبَّنَا تَقَبَّلْ تَوْبَتَنَا، وَاغْسِلْ حَوْبَتَنَا، وَأَجِبْ دَعْوَتَنَا، وَثَـبِّتْ حُجَّتَنَا، وأهد قُلُوبَنَا، وَسَدِّدْ أَلْسِنَتَنَا، وَاسْلُلْ سَخِيمَةَ قُلُوبِنَا، اللَّهُمَّ ابْسُطْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَتِكَ وَرَحْمَتِكَ وَفَضْلِكَ وَرِزْقِكَ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ النَّعِيمَ الْمُقِيمَ، الَّذِي لاَ يَحُولُ وَلاَ يَزُولُ، اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا وَأَصْلِحِ وُلاَةَ أُمُورِنَا، اللهم وارزقهم بطانةَ صالحةَ ناصحةَ لخير البلاد والعباد. اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء، والسوء والبلاء، والزلازل والمحن، وسوء الفتن، ما ظهر منها وما بطن، عن بلدنا هذا خاصة، وعن سائر بلاد المسلمين عامة، يا رب العالمين. اللهم أنت الله، لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفاراً، فأرسل السماء علينا مدرارا. اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم سقيا رحمة لا سقيا بلاء ولا عذاب، ولا هدم ولا غرق. اللهم وفي هذا العام الجديد وفي كل عام، وفر حظنا من خيرٍ تُنـزِّله، أو إحسانٍ تتفضل به، أو بِرٍّ تُنشِرُهُ، أو رزق تبسطه، أو ذنب تغفره، أو خطأ تستره. إلهنا يا من بيده ناصيتنا، يا عليماً بضرنا ومسكنتنا، يا خبيراً بفقرنا وفاقتنا، نسألك بحقك وقدسك أن تجعل أوقاتنا في الليل والنهار بذكرك معمورة، وبخدمتك موصولة، وأعمالنا عندك مقبولة. يامن إليه نشكو أحوالنا، قوِّ على خدمتك جوارحنا، واشدد بالعزيمة قلوبنا، وهب لنا الجد في خشيتك، والدوام على الاتصال في خدمتك، حتى نخافك مخافة الموقنين، واجمعنا في جوارك مع المؤمنين.. (رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ). ربنا آتنا في الدنيا.. (آمين) والحمد لله رب العالمين.
(وَأَقِمِ الصَّلَاةَ، إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَر،ِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ).
الحمد لله العليم الحكيم، {جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا}، نحمده على وافر نعمه، وجزيل عطاياه، ونشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، دلتْ آياته ومخلوقاته على قدرته وعظمته، وإتقانه لخلقه؛ {صُنْعَ الله الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ}، فحقٌّ على الخلق أن يعبدوه - سبحانه – شكرا، ولا يشركوا به شيئًا، ونشهد أن سيدنا ونبيَّنا محمدًا رسول الله، اصطفاه ربه - سبحانه - واجتباه، ومن الخير والهدى أناله وأعطاه، فكان نبيًّا رسولاً، وعبدًا شكورًا؛{وَأَنْزَلَ اللهُ عَلَيْكَ الكِتَابَ وَالحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ، وَكَانَ فَضْلُ الله عَلَيْكَ عَظِيمًا}، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه، وعلى رسل الله وأنبيائه، سادة الأمة علمًا وعملاً، نصر الله - تعالى - بهم شرعه، وأقام بهم دينه، وهدى بهم عباده؛ فنتقرب لله - تعالى - بمحبتهم وموالاتهم، ونتشرف بمتابعتهم واقتفاء أثرهم.. أما بعد: فيا أيها الناس اتقوا الله - تعالى - وأطيعوه، وخذوا من صحتكم لمرضكم، ومن فراغكم لشغلكم، ومن حياتكم لموتكم؛ فإنَّ الأيام تمضي، وإن الأعمار تنقضي، وكل آت قريب، معاشر المسلمين، مع إطلالةِ عام وذهابِ عام يبرزُ للمتأمل أحداثٌ عظام، وقضايا جسام، يجدرُ بالعاقل الفطن أن يقفُ عندها وقفات، ويسترجعَ فيها الذكريات، يجددُ العهد، ويبرمُ العقد، ينظرُ في ماضيه، وما أحدث فيه، ويتأملُ في مستقبله وما عزم على أن يفعله فيه، إن أمد الله في أجله، وزاده في عمره، وأدام له من نعمه وفضله. عباد الله، وقفات تبرزُ خلال هذه الأيام، ينبغي على المسلم أن يقفَ عندها، ويجيل النظر ويحرك الفكر فيها. فأُولى هذه الوقفات: بدايةُ عامٍ ونهايةُ عام، إننا حينما نستقبلُ عامًا ونستودعُ عامًا آخر لهو حدثٌ ينبغي الوقوفُ عنده، وإن كان في نظر بعض الناس أمرًا عاديًا، ذلك أن هذا العام قد مضى من أيام أعمارنا، وذهبَ من سنيّ آجالنا، وأصبحنا إلى الموت أقرب, ونحن تفرحنا الأيام إذا ذهبت لأننا نتطلع إلى الدنيا وزخارفها، وقد مددنا الآجال، وسوفنا في الأعمال، وبالغنا في الإهمال، حتى صرنا كما قال الأول:
. إنّـا لنفـرحُ بالأيّـام نقطعـهـا * وكلُ يومٍ مضـى يدني من الأجلِ . فاعمل لنفسك قبل الْموت مُجتهدًا * فإنمـا الرِّبحُ والخسرانُ فِي العملِ
فيا أيها المؤمن، احذر من الأيام وتسارعها فإنها غرارة، واحذر من الدنيا وزخارفها فإنها غدَّارة، كم من مؤملٍ بلوغَ الآمال، أصبح رهنَ القبور مدفونًا، وكم من مفرطٍ في الأعمال، أصبح بعدها مغبونًا، فاغتنم فرصةَ حياتك وشبابك وفراغك وصحتك وغناك، قبل أن تفقدَها أو تفقدَ بعضها، فتصبح من النادمين المتحسرين. الوقفة الثانية: حدثٌ عظيمٌ من خلاله تغيَّرَ وجهُ العالَم، إنه حدثُ الهجرة النبوية، حينما خرج المصطفى محمدُ بنُ عبد الله صلواتُ الله وسلامه عليه من مكةَ مظلومًا مقهورًا، مشردًامطرودًا، إلى طيبةَ الطيبةِ البلدةِ المباركة، فأسَّسَ فيها دولةَ الإسلام، وهيّأ فيها رجالاً للإيمان والإحسان، ربَّاهم فأحسنَ تربيتهم، وأدَّبهم فأحسنَ تأديبهم، فساحوا خلالَ الدِّيار؛ يدعون إلى الله، وينصرون رسولَ الله، يدفعون عنه أذى الكفار، حتى يبلِّغَ دينَ الله الذي أمره أن يبلغه للعالمين: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ، وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ، وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ، إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ)، ففعل صلواتُ الله وسلامه عليه وجاهد ودعا حتى أتاه اليقين، وترك الناس على المحجة البيضاء، ليلُها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك ."إن في هذا الحدث العظيم من الدروس والعبر ما لو استلهمته أمةُ الإسلام اليوم، وعملت على ضوئه لتحقق لها عزُها وقوتها ومكانتها، ولَعَلِمَت علمَ اليقين أنه لا حلَّ لمشكلاتها، ولا صلاحَ لأحوالها، إلا بالتمسك بإسلامها والتزامها بإيمانها وعقيدتها، فواللهِ ما قامت الدنيا إلا بقيام الدِّين، ولا نال المسلمون العزة والكرامة إلا لمَّا خضعوا لربِّ العالمين، وهيهات أن يحلَ أمنٌ أو رخاءٌ أو سلامٌ دون اتباع نهج الأنبياء والمرسلين. الوقفة الثالثة: وهي وقفة تعبرُ عن شخصية هذه الأمة واستقلالِ أتباعها أهل الإسلام عن غيرهم من سائر الأمم والنحل، إنها قضيةُ التاريخ الهجري، فشهرُ الله المحرَّم أولُ شهور السَّنة الهجرية، اتفق على ذلك صحابةُ رسول الله(ص)، ولم يشابهوا أهل الكتاب في اعتماد التاريخ الميلادي، وذلك أن التاريخ الهجري متعلقٌ بمناسباتٍ دينيةٍ عظيمةٍ تتكررُ كلَ عام، من زكاةٍ وصيامٍ، وحجٍ وغيرها من أحكام الإسلام. الوقفة الرابعة: وقفةٌ فيها عبرةٌ وعظةٌ لكل متجبرٍ كفار؛ أن نهايتَه وشيكةٌ على يد العزيز العظيم الجبار، مهما علا وبغى، وأفسدَ وطغى ، فإن الله له بالمرصاد, حتى إذا أخذه لم يفلته، أخذه أخذَ عزيزٍ مقتدر، تلكم حادثةُ العاشر من المحرَّم في قصة كليم الرحمن، موسى عليه الصلاة والسلام، مع عدوِّ الله فرعون، حيثُ احتلت هذه القصةُ جانبًا كبيرًا من القرآن الكريم لا يخفى عليكم. فمهما طال بالظالم العمر، وعظمت به القوة والسطوة فليتذكر مصيرَ فرعون حينما استغاث بعد فوات الاون، ونادى بأعلى صوته- كما ورد في القرآن: (قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ)، فقال الله جل وعلا: (آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ). ومهما طال بالمظلوم تسلط الظالم عليه، وملاحقته له فليتذكر سنةُ الله عز وجل في نصرة أوليائه، وقمع أعدائه، في قصة نجاة نبي الله موسى عليه الصلاة والسلام، التي أعقبها بالشكر والثناء على المولى المنعم، والقوي المنتقم، فصام هذا اليوم شكرًا لله، وصامه أتباعه. عن ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: ( قَدِمَ النبي عليه الصلاة والسلام الْمَدِينَةَ فَرَأَى الْيَهُودَ تَصُومُ يوم عَاشُورَاءَ، فقال: (ما هذا؟) قالوا: هذا يَوْمٌ صَالِحٌ، هذا يَوْمٌ نَجَّى الله بَنِي إِسْرَائِيلَ من عَدُوِّهِمْ، فَصَامَهُ مُوسَى، قال: (فَأَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ) ، فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ). رواه البخاري. وفي صحيح مسلم عن أبي قتادة(ض) أن رسول الله (ص) سئل عن صِيَامِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ فقال: ( أَحْتَسِبُ على اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ التي قَبْلَهُ). وكان من هديه علية الصلاة والسلام مخالفة أهل الكتاب فأمر بصيام يوم قبله مخالفة لهم. روى مسلم عن ابن عباس قال: "حين صام رسول الله (ص) يوم عاشوراء وأمر بصيامه قالوا: يا رسول الله! إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى؟ فقال: فإذا كان العام القابل إن شاء الله صمت التاسع. فلم يأت العام المقبل حتى توفي رسول الله(ص) ". وبناءً عليه، فإن إفراد العاشر وحده بالصوم جائز، وبه يحصل الأجر المذكور في تلك الأحاديث، والأكمل صيام التاسع والعاشر. عباد الله، تلكمُ ذكرى لمن كان له قلب، وفيها عِبرةٌ وعَبرةٌ لمن له لُبّ، وهي إشاراتٌ وتذكرةٌ خاطفة، وموعظةٌ للدموع ذارفة، وللقلوب واجلة، وللعمل داعية. مواقفُ جديرةٌ بالتنبيه والانتباه، عسى الله أن يغير حالنا من هكذا حالٍ إلى أحسن حال، وأن يأخذ بنا إلى أحسن مآل، إنه خير مأمول، وأكرمُ مسؤول، والله المستعان، وعليه التكلان، ولا حول ولا قوة إلى بالله العلي العظيم. نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبهدي الرسول الكريم، أقول ما تسمعون، وأستغفرالله لي ولكم وللمسلمين، فاستغفروه إنه هو الغفورالرحيم.
الحمد لله مقدِّر الْمَقدور، ومصرِّف الأيام والشُّهور، ومُجري الأعوام والدُّهور، نحْمده تعالى ونشكُره، ونتوب إليه ونستغفره، إليه تصير الأُمور، وهو العفوُّ الغفور، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة تَنْفع صاحِبَها يوم يُبَعْثر ما في القبور، ويُحَصَّل ما في الصدور، ونشهد أنَّ نبيَّنا محمَّدًا عبْدُ الله ورسوله النبِيُّ المُجتبَى، والصفي المصطفى، والعبد الشَّكور، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وعلى رسل الله وأنبيائه ما امتدت البحور، وتعاقب العشيُّ والبكور، وعلى التابعين ومن تَبِعَهم بإحسان إلى يوم النُّشور.. أما بعد:- يا أهل الإسلام، اتقوا الله تعالى الملك العلام، وتبصروا في هذه الليالي والأيام، فإن مضي كلِ يومٍ ينقص من عمرك، ويقرب من أجلك، فإذا ذهب يومك, ذهب بعضك. واعلموا أن الله جل ذكره يغضب لمعصيته، فلا تحتقروا من معاصي الله شيئًا. قام محمد بن المنكدر ذات ليلة يصلي فكثر بكاؤه حتى فزع له أهله وسألوه، فاستعجم عليهم وتمادى في البكاء، فأرسلوا إلى أبي حازم فجاء إليه فقال: ما الذي أبكاك؟ قال: مرت بي آية، قال: وما هي؟ قال: (وَبَدَا لَهُمْ مِنْ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ)، فبكى أبو حازم معه فاشتد بكاؤهما. فلنتقي الله عباد الله، (وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ، وَاتَّقُوا اللَّهَ، إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ). ثم اعلموا أن الله أمركم بالصلاة والسلام على خاتم رسله، في أعظم كتبه، فصلوا عليه وسلَّموا تسليمًا. اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد، اللَّهم وكما آمنَّا بنبيِّنا - صلَّى الله عليه وسلَّم - ولَم نرَه، فلا تُفَرِّق بيننا وبينه، حتَّى تُدْخِلنا مدْخَله، واحشرنا في زُمْرته، واسْقِنا من حوضه، شربةً لا نظمأ بعدها أبدًا. وارض اللهم عن خلفائه الراشدين، وأزواجه أمهات المؤمنين،وبقية الصحابة والتابعين لهم إلى يوم الدين. اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَالْمُؤْمِنِينَ وِالْمُؤْمِنَاتِ، الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ. اللهمَّ اجعل خير أعمالنا خواتمها، وخير أعمارنا أواخِرها، وخير أيَّامنا يوم نلقاكَ. اللهم اجعل حاضرنا خيرًا من ماضينا، ومستقبلنا خيرًا من حاضرنا، اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا لَكَ شَاكِرِينَ، لَكَ ذَاكِرِينَ، إِلَيْكَ مُخْبِتِينَ أَوَّاهِينَ مُنِيبِينَ، رَبَّنَا تَقَبَّلْ تَوْبَتَنَا، وَاغْسِلْ حَوْبَتَنَا، وَأَجِبْ دَعْوَتَنَا، وَثَـبِّتْ حُجَّتَنَا، وأهد قُلُوبَنَا، وَسَدِّدْ أَلْسِنَتَنَا، وَاسْلُلْ سَخِيمَةَ قُلُوبِنَا، اللَّهُمَّ ابْسُطْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَتِكَ وَرَحْمَتِكَ وَفَضْلِكَ وَرِزْقِكَ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ النَّعِيمَ الْمُقِيمَ، الَّذِي لاَ يَحُولُ وَلاَ يَزُولُ، اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا وَأَصْلِحِ وُلاَةَ أُمُورِنَا، اللهم وارزقهم بطانةَ صالحةَ ناصحةَ لخير البلاد والعباد. اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء، والسوء والبلاء، والزلازل والمحن، وسوء الفتن، ما ظهر منها وما بطن، عن بلدنا هذا خاصة، وعن سائر بلاد المسلمين عامة، يا رب العالمين. اللهم أنت الله، لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفاراً، فأرسل السماء علينا مدرارا. اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم سقيا رحمة لا سقيا بلاء ولا عذاب، ولا هدم ولا غرق. اللهم وفي هذا العام الجديد وفي كل عام، وفر حظنا من خيرٍ تُنـزِّله، أو إحسانٍ تتفضل به، أو بِرٍّ تُنشِرُهُ، أو رزق تبسطه، أو ذنب تغفره، أو خطأ تستره. إلهنا يا من بيده ناصيتنا، يا عليماً بضرنا ومسكنتنا، يا خبيراً بفقرنا وفاقتنا، نسألك بحقك وقدسك أن تجعل أوقاتنا في الليل والنهار بذكرك معمورة، وبخدمتك موصولة، وأعمالنا عندك مقبولة. يامن إليه نشكو أحوالنا، قوِّ على خدمتك جوارحنا، واشدد بالعزيمة قلوبنا، وهب لنا الجد في خشيتك، والدوام على الاتصال في خدمتك، حتى نخافك مخافة الموقنين، واجمعنا في جوارك مع المؤمنين.. (رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ). ربنا آتنا في الدنيا.. (آمين) والحمد لله رب العالمين.
(وَأَقِمِ الصَّلَاةَ، إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَر،ِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ).