وقفات مع سورة ق
د.صالح بن سليمان الضلعان
1437/03/07 - 2015/12/18 13:23PM
[si]الخطبة الأولى
ان الْحَمْد لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ :
" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ"
عباد الله بين أيدينا سورة عظيمة ، ذات آيات رهيبة، تخاطب العقول، وتشفي أمراض القلوب .
إنها السورة التي كان يقرؤها النبي ، ويخطب بها على المنابر في الجُمَع والأعياد والمجامع الكبار، كما يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله لاشتمالها على ابتداء الخلق، والبعث والنشور، والمعاد والقيامة والحساب، والجنة والنار، والثواب والعقاب، والترغيب والترهيب.. تلكم هي سورة: ق وَٱلْقُرْءانِ ٱلْمَجِيدِ .
أخرج الإمام مسلم في صحيحه من حديث أم هشام بنت حارثة قالت: (لقد كان تنورنا وتنور النبي واحداً سنتين أو سنة أو بعض السنة، وما أخذت ق وَٱلْقُرْءانِ ٱلْمَجِيدِ إلا على لسان رسول الله كان يقرؤها كلَّ يوم جمعة على المنبر إذا خطب الناس) .
فتعالوا بنا ، نتفيّأ ظلالَ هذه السورةِ إحياءً للسنّة والتماسًا للهداية ووَعظًا للقلوب .بسم الله الرحمن الرحيم: {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ * بَلْ عَجِبُوا أَن جَاءهُمْ مُنذِرٌ مِّنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ * أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ * قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِندَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ * بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَّرِيجٍ} [(1-5) سورة ق].
إن كل مكذب بالحق فهو في أمر مريج، سائر في غير درب الحق. فهو في أمر مختلط، تتفاوته الأهواء وتتخطفه الهواجس، وتقلقه الشكوك، فسيره في الحياة مضطرب ومواقفه متأرجحة وقلبه في وحشة، هذا هو حال الكثيرين من الفلاسفة المتقدمين، والماديين المتأخرين والشيوعيين والعلمانيين.
ويجب أن يعلم هؤلاء كلهم أنه لا يوجد لهم علاج إلا في كتاب الله الذي يعرض عليهم الرجوع ويعطيهم الفرصة إلى آخر لحظة من حياتهم كي يعودوا إلى رشدهم ويستدركوا ما فاتهم.
ثم يدعو الله -سبحانه وتعالى- هؤلاء وغيرهم إلى التفكير في مخلوقات الله، ذلك التفكر الذي ينبه القلب المنتكس ويزيد القلب المؤمن إيماناً {أَفَلَمْ يَنظُرُوا إِلَى السَّمَاء فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ * وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ * تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ * وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء مُّبَارَكًا فَأَنبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ * وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ * رِزْقًا لِّلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ} ثم يبيّن الله -جل وعلا- مسلياًً رسوله -صلى الله عليه وسلم- إن التكذيب حصل لمن قبله من الرسل فقال تعالى: {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ * وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُ لُوطٍ * وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ * أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ} [(12-15) سورة ق].
وبعد ذلك تنتقل الآيات إلى طريق في البرهان آخر، فهو مشهد مألوف ولا ينكره أحد، ولكن كثيراً ما تغفل عنه النفوس، بل إن كثيراً من النفوس لا ترغب حتى في تذكره؛ لأنه يفسد عليها شهواتها ويقطع عليها لذاتها، إنها لحظة الموت وسكراته يكتنف ذلك رقابة إلهية، وإحاطة ربانية فهو في قبضة مولاه، أنفاسه معدودة، وهواجسه معلومة، وألفاظه مكتوبة، ولحظاته محسوبة، إنها رقابة رهيبة لا يمكن لإنسان أن يصفها مثل ما وصفها ربنا -جل وعلا- تُذكر هذه الرقابة مصحوبة بحال الموت والسكرات التي تمر على كل إنسان براً كان أو فاجراً مؤمناً كان أو كافراً.
ها هي سكرات الموت قد جاءت بالحق الذي ينكره المنكرون ويستبطؤه المستبطئون، ولكن لن ينفع الاعتراف بعد فوات الأوان. {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ * إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ * وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ} أين المفر في الحياة؟ وأنت في قبضة مولاك .. النَّفَس معدود، والهاجس معلوم، واللفظ مكتوب، واللحظ محسوب. رقابة رهيبة مضروبة على وساوس القلب كما هي مضروبة على حركات الجوارح . فلا يفوت فيها ظن ، ولا يفلت منها وسواس .
هذه الرقابة وإن كانت كافية لوحدها ، لكن الله تعالى جعل رقابة أخرى ، فإذا الإنسان يعيش ويتحرك ويأكل ويشرب ويتكلم بين ملكين عن اليمين وعن الشمال ، كلاهما موصوف بأنه رقيب أي: حفيظ، وعتيد: أي حاضر . يسجلان كل كلمة وحركة فور وقوعها .
روي عن الإمام أحمد أنه كان يئن في سكرات الموت ، فقيل له : إن الأنين يكتب ، فلم يسمع له أنين حتى مات رحمه الله. فكيف بمن ترك لسانه يفري في أعراض المسلمين ، (وإن عليكم لحافظين ، كراماً كاتبين ، يعلمون ما تفعلون) .
(وجاءت سكرة الموت بالحق) .
أين المفر عند الموت؟ وسكرة الموت ، وهي شدته وغشيته لم يسلم منها أحب الخلق إلى الله محمد ، فقد ثبت عنه أنه لما نزل به الموت كان يمسح وجهه بالماء من ركوة أو علبة بين يديه ، ويقول: ((لا إله إلا الله, إن للموت لسكرات)) .
االلهم ارحم ضعفنا ، وأعنا على سكرات الموت .
وبعد الموت وسكراته تأتي صورة المحشر رهبة الحساب {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ * وَجَاءتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ * لَقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ} [(20-22) سورة ق].
لقد أثر هذا المشهد في رسولنا -صلى الله عليه وسلم- فقال -عليه الصلاة والسلام- -فيما رواه الترمذي وغيره- قال -صلى الله عليه وسلم-: ((كيف أنعم وصاحب القرن قد التقم القرن، وحنى جبهته، وانتظر أن يؤذن له. قالوا: يا رسول الله كيف نقول؟! قال: قولوا حسبنا الله ونعم الوكيل. فقالوا: حسبنا الله ونعم الوكيل)).
إنها أعلى درجات الشفقة والخوف على الأمة وإلا فإن رسولنا -صلى الله عليه وسلم- قد جعل الله له من المنزلة ما يجعله في أمن وأمان بعد موته -صلى الله عليه وسلم- حتى ينال منزلته في الجنة. ولكنه -صلى الله عليه وسلم- كما وصفه ربه {لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} [(128) سورة التوبة].
فعلى من أراد أن يقتفي أثر رسوله خاصة ممن أراد أن يتشرف بمقام الدعاة إلى الله، على هؤلاء أن يعيشوا هذه الحالة من الحرص على نجاة الأمة، فيكون همهم هو الدعوة إلى الله وتغيير حال الأمة، فلا يقدّموا أي شيء من حطام الدنيا على هذا الهدف السامي والوظيفة النبوية.
ثم يبين الله كيف يجيء الشهداء وتنشر السجلات، ويُفصل بين الفريقين، ويبدأ الخاسرون بالمحاجّة، ويرجعون إلى أنفسهم بالتلاوم. {وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ * أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ * مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُّرِيبٍ * الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ * قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِن كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ * قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُم بِالْوَعِيدِ * مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ * يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ * وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ * هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ * مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ وَجَاء بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ * ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ * لَهُم مَّا يَشَاؤُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} [(23-35) سورة ق].
بارَك اللهُ لي ولكُم في الكِتابِ والسّنّة، ونَفَعنا بمَا فيهمَا مِنَ الآياتِ والحِكمَة، أقول قولِي هذا، وأستَغفِر الله تعالى لي ولكم.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلاّ الله تعظيمًا لشانه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليما.
أما بعد: فتأتي خواتيم هذه السورة العظيمة؛ لتوجز ما سبق من طرق إثبات البعث، ومراحل الخلق، ومصير الخلائق، ومصارع الغابرين، وأهوال المحشر. في كل ذلك ذكرى وتذكرة، واعتبار وتبصرة، ومن لا يتذكر بوقائع الدهر ولا يستدل من الشاهد على الغائب، ولا يستبصر بأحوال الأمم، فلا حياة له ولا ذكرى في قلبه:: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُم بَطْشًا فَنَقَّبُوا فِي الْبِلَادِ هَلْ مِن مَّحِيصٍ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ * وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ * فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ * وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ * وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ * يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ * إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ * يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعًا ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ * نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ} [(36-45) سورة ق].
أيها الأخوة: في هذه الآيات الأخيرة يقول الله لنبيه {فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ} هذا توجيه للنبي -صلى الله عليه وسلم- ولمن يقوم بمثل مهمته من التصدي للدعوة إلى الله، ونشر الخير ومحاربة الباطل يأتيهم هذا التوجيه؛ لأن طبيعة عملهم تحتاج إلى صبر، صبر على ما يقول المبطلون، صبر على أذى المنافقين، وصبر على تمدد مساحة حجم المفسدين، صبر على تفسير الأعمال والجهود بتفسيرات سيئة، وصبر على اتهام النوايا والتصنيف الغاشم، فإن يصبر هؤلاء فإن لهم قدوة وهم أنبياء الله ورسله: {وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَى مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ وَلَقدْ جَاءكَ مِن نَّبَإِ الْمُرْسَلِينَ} [(34) سورة الأنعام].
فإنما أنت مذكر ، فذكر بالقرآن من يخاف وعيد .. ذكّر بالقرآن .. فهو يهز القلوب ، ويزلزل النفوس .
واعلم أنه لا يتذكر بالقرآن إلا من يخاف وعيد الله ويرجو وعده .
ومن لم يؤثر فيه القرآن ، فهو حري بأن لا تؤثر فيه أي موعظة .
اللهم اجعل القرآن ربيع قلوبنا ونور صدورنا وجلاء أحزاننا وذهاب غمومنا .عباد الله إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا، اللهم صلى وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد ، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن الصحابة أجمعين، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين.اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم وفق ولي أمرنا لما تحب وترضى، وخذ بناصيته للبر والتقوى. اللهم انصُر جنودَنا المُرابِطين على حُدود بلادِنا، اللهم كُن لهم مُؤيِّدًا ونصيرًا، ومُعينًا وظهيرًا، ووفِّق رجال أمنِنا في كل مكان
اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك الصالحين ،
اللهم اغفِر ذنوبَنا، واستُر عيوبَنا، ويسِّر أمورَنا، وبلِّغنا فيما يُرضِيك آمالَنا، ربَّنا اغفِر لنا ولوالدِينا ،وارحَمهم كما ربَّونا صِغارًا، اللهم من كان منهم حيًّا فمتِّعه بالصحة والعافية على طاعتِك، ومن كان منهم ميتًا فتغمَّده برحمتِك، ونوِّر له في قبرِه ووسِّع له فيه، واجعَله روضةً من رياضِ الجنة، واجمَعنا به في دار كرامتِك.
اللهم لا تدع لنا في مقامنا هذا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا كرباً إلا نَفَّسته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا عيباً إلا سترته، ولا ميتاً إلا رحمته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا حاجة من حوائج الدنيا والآخرة هي لك رضاً ولنا فيها صلاح إلا أعنتنا على قضائها بيسر منك وعافية، يا أرحم الراحمين!
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام
على المرسلين، والحمد لله رب العالمين[/C
ان الْحَمْد لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ :
" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ"
عباد الله بين أيدينا سورة عظيمة ، ذات آيات رهيبة، تخاطب العقول، وتشفي أمراض القلوب .
إنها السورة التي كان يقرؤها النبي ، ويخطب بها على المنابر في الجُمَع والأعياد والمجامع الكبار، كما يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله لاشتمالها على ابتداء الخلق، والبعث والنشور، والمعاد والقيامة والحساب، والجنة والنار، والثواب والعقاب، والترغيب والترهيب.. تلكم هي سورة: ق وَٱلْقُرْءانِ ٱلْمَجِيدِ .
أخرج الإمام مسلم في صحيحه من حديث أم هشام بنت حارثة قالت: (لقد كان تنورنا وتنور النبي واحداً سنتين أو سنة أو بعض السنة، وما أخذت ق وَٱلْقُرْءانِ ٱلْمَجِيدِ إلا على لسان رسول الله كان يقرؤها كلَّ يوم جمعة على المنبر إذا خطب الناس) .
فتعالوا بنا ، نتفيّأ ظلالَ هذه السورةِ إحياءً للسنّة والتماسًا للهداية ووَعظًا للقلوب .بسم الله الرحمن الرحيم: {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ * بَلْ عَجِبُوا أَن جَاءهُمْ مُنذِرٌ مِّنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ * أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ * قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِندَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ * بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَّرِيجٍ} [(1-5) سورة ق].
إن كل مكذب بالحق فهو في أمر مريج، سائر في غير درب الحق. فهو في أمر مختلط، تتفاوته الأهواء وتتخطفه الهواجس، وتقلقه الشكوك، فسيره في الحياة مضطرب ومواقفه متأرجحة وقلبه في وحشة، هذا هو حال الكثيرين من الفلاسفة المتقدمين، والماديين المتأخرين والشيوعيين والعلمانيين.
ويجب أن يعلم هؤلاء كلهم أنه لا يوجد لهم علاج إلا في كتاب الله الذي يعرض عليهم الرجوع ويعطيهم الفرصة إلى آخر لحظة من حياتهم كي يعودوا إلى رشدهم ويستدركوا ما فاتهم.
ثم يدعو الله -سبحانه وتعالى- هؤلاء وغيرهم إلى التفكير في مخلوقات الله، ذلك التفكر الذي ينبه القلب المنتكس ويزيد القلب المؤمن إيماناً {أَفَلَمْ يَنظُرُوا إِلَى السَّمَاء فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ * وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ * تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ * وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء مُّبَارَكًا فَأَنبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ * وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ * رِزْقًا لِّلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ} ثم يبيّن الله -جل وعلا- مسلياًً رسوله -صلى الله عليه وسلم- إن التكذيب حصل لمن قبله من الرسل فقال تعالى: {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ * وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُ لُوطٍ * وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ * أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ} [(12-15) سورة ق].
وبعد ذلك تنتقل الآيات إلى طريق في البرهان آخر، فهو مشهد مألوف ولا ينكره أحد، ولكن كثيراً ما تغفل عنه النفوس، بل إن كثيراً من النفوس لا ترغب حتى في تذكره؛ لأنه يفسد عليها شهواتها ويقطع عليها لذاتها، إنها لحظة الموت وسكراته يكتنف ذلك رقابة إلهية، وإحاطة ربانية فهو في قبضة مولاه، أنفاسه معدودة، وهواجسه معلومة، وألفاظه مكتوبة، ولحظاته محسوبة، إنها رقابة رهيبة لا يمكن لإنسان أن يصفها مثل ما وصفها ربنا -جل وعلا- تُذكر هذه الرقابة مصحوبة بحال الموت والسكرات التي تمر على كل إنسان براً كان أو فاجراً مؤمناً كان أو كافراً.
ها هي سكرات الموت قد جاءت بالحق الذي ينكره المنكرون ويستبطؤه المستبطئون، ولكن لن ينفع الاعتراف بعد فوات الأوان. {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ * إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ * وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ} أين المفر في الحياة؟ وأنت في قبضة مولاك .. النَّفَس معدود، والهاجس معلوم، واللفظ مكتوب، واللحظ محسوب. رقابة رهيبة مضروبة على وساوس القلب كما هي مضروبة على حركات الجوارح . فلا يفوت فيها ظن ، ولا يفلت منها وسواس .
هذه الرقابة وإن كانت كافية لوحدها ، لكن الله تعالى جعل رقابة أخرى ، فإذا الإنسان يعيش ويتحرك ويأكل ويشرب ويتكلم بين ملكين عن اليمين وعن الشمال ، كلاهما موصوف بأنه رقيب أي: حفيظ، وعتيد: أي حاضر . يسجلان كل كلمة وحركة فور وقوعها .
روي عن الإمام أحمد أنه كان يئن في سكرات الموت ، فقيل له : إن الأنين يكتب ، فلم يسمع له أنين حتى مات رحمه الله. فكيف بمن ترك لسانه يفري في أعراض المسلمين ، (وإن عليكم لحافظين ، كراماً كاتبين ، يعلمون ما تفعلون) .
(وجاءت سكرة الموت بالحق) .
أين المفر عند الموت؟ وسكرة الموت ، وهي شدته وغشيته لم يسلم منها أحب الخلق إلى الله محمد ، فقد ثبت عنه أنه لما نزل به الموت كان يمسح وجهه بالماء من ركوة أو علبة بين يديه ، ويقول: ((لا إله إلا الله, إن للموت لسكرات)) .
االلهم ارحم ضعفنا ، وأعنا على سكرات الموت .
وبعد الموت وسكراته تأتي صورة المحشر رهبة الحساب {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ * وَجَاءتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ * لَقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ} [(20-22) سورة ق].
لقد أثر هذا المشهد في رسولنا -صلى الله عليه وسلم- فقال -عليه الصلاة والسلام- -فيما رواه الترمذي وغيره- قال -صلى الله عليه وسلم-: ((كيف أنعم وصاحب القرن قد التقم القرن، وحنى جبهته، وانتظر أن يؤذن له. قالوا: يا رسول الله كيف نقول؟! قال: قولوا حسبنا الله ونعم الوكيل. فقالوا: حسبنا الله ونعم الوكيل)).
إنها أعلى درجات الشفقة والخوف على الأمة وإلا فإن رسولنا -صلى الله عليه وسلم- قد جعل الله له من المنزلة ما يجعله في أمن وأمان بعد موته -صلى الله عليه وسلم- حتى ينال منزلته في الجنة. ولكنه -صلى الله عليه وسلم- كما وصفه ربه {لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} [(128) سورة التوبة].
فعلى من أراد أن يقتفي أثر رسوله خاصة ممن أراد أن يتشرف بمقام الدعاة إلى الله، على هؤلاء أن يعيشوا هذه الحالة من الحرص على نجاة الأمة، فيكون همهم هو الدعوة إلى الله وتغيير حال الأمة، فلا يقدّموا أي شيء من حطام الدنيا على هذا الهدف السامي والوظيفة النبوية.
ثم يبين الله كيف يجيء الشهداء وتنشر السجلات، ويُفصل بين الفريقين، ويبدأ الخاسرون بالمحاجّة، ويرجعون إلى أنفسهم بالتلاوم. {وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ * أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ * مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُّرِيبٍ * الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ * قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِن كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ * قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُم بِالْوَعِيدِ * مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ * يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ * وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ * هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ * مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ وَجَاء بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ * ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ * لَهُم مَّا يَشَاؤُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} [(23-35) سورة ق].
بارَك اللهُ لي ولكُم في الكِتابِ والسّنّة، ونَفَعنا بمَا فيهمَا مِنَ الآياتِ والحِكمَة، أقول قولِي هذا، وأستَغفِر الله تعالى لي ولكم.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلاّ الله تعظيمًا لشانه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليما.
أما بعد: فتأتي خواتيم هذه السورة العظيمة؛ لتوجز ما سبق من طرق إثبات البعث، ومراحل الخلق، ومصير الخلائق، ومصارع الغابرين، وأهوال المحشر. في كل ذلك ذكرى وتذكرة، واعتبار وتبصرة، ومن لا يتذكر بوقائع الدهر ولا يستدل من الشاهد على الغائب، ولا يستبصر بأحوال الأمم، فلا حياة له ولا ذكرى في قلبه:: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُم بَطْشًا فَنَقَّبُوا فِي الْبِلَادِ هَلْ مِن مَّحِيصٍ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ * وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ * فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ * وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ * وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ * يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ * إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ * يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعًا ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ * نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ} [(36-45) سورة ق].
أيها الأخوة: في هذه الآيات الأخيرة يقول الله لنبيه {فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ} هذا توجيه للنبي -صلى الله عليه وسلم- ولمن يقوم بمثل مهمته من التصدي للدعوة إلى الله، ونشر الخير ومحاربة الباطل يأتيهم هذا التوجيه؛ لأن طبيعة عملهم تحتاج إلى صبر، صبر على ما يقول المبطلون، صبر على أذى المنافقين، وصبر على تمدد مساحة حجم المفسدين، صبر على تفسير الأعمال والجهود بتفسيرات سيئة، وصبر على اتهام النوايا والتصنيف الغاشم، فإن يصبر هؤلاء فإن لهم قدوة وهم أنبياء الله ورسله: {وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَى مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ وَلَقدْ جَاءكَ مِن نَّبَإِ الْمُرْسَلِينَ} [(34) سورة الأنعام].
فإنما أنت مذكر ، فذكر بالقرآن من يخاف وعيد .. ذكّر بالقرآن .. فهو يهز القلوب ، ويزلزل النفوس .
واعلم أنه لا يتذكر بالقرآن إلا من يخاف وعيد الله ويرجو وعده .
ومن لم يؤثر فيه القرآن ، فهو حري بأن لا تؤثر فيه أي موعظة .
اللهم اجعل القرآن ربيع قلوبنا ونور صدورنا وجلاء أحزاننا وذهاب غمومنا .عباد الله إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا، اللهم صلى وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد ، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن الصحابة أجمعين، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين.اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم وفق ولي أمرنا لما تحب وترضى، وخذ بناصيته للبر والتقوى. اللهم انصُر جنودَنا المُرابِطين على حُدود بلادِنا، اللهم كُن لهم مُؤيِّدًا ونصيرًا، ومُعينًا وظهيرًا، ووفِّق رجال أمنِنا في كل مكان
اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك الصالحين ،
اللهم اغفِر ذنوبَنا، واستُر عيوبَنا، ويسِّر أمورَنا، وبلِّغنا فيما يُرضِيك آمالَنا، ربَّنا اغفِر لنا ولوالدِينا ،وارحَمهم كما ربَّونا صِغارًا، اللهم من كان منهم حيًّا فمتِّعه بالصحة والعافية على طاعتِك، ومن كان منهم ميتًا فتغمَّده برحمتِك، ونوِّر له في قبرِه ووسِّع له فيه، واجعَله روضةً من رياضِ الجنة، واجمَعنا به في دار كرامتِك.
اللهم لا تدع لنا في مقامنا هذا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا كرباً إلا نَفَّسته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا عيباً إلا سترته، ولا ميتاً إلا رحمته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا حاجة من حوائج الدنيا والآخرة هي لك رضاً ولنا فيها صلاح إلا أعنتنا على قضائها بيسر منك وعافية، يا أرحم الراحمين!
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام
على المرسلين، والحمد لله رب العالمين[/C