وقفات مع سورة القدر
عاصم بن محمد الغامدي
1437/09/16 - 2016/06/21 20:13PM
[align=justify]وقفات مع سورة القدر.
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي وفق من اختاره من عباده لطاعته، وأهّل من ارتضاه منهم لعبادته، وهدى من أحبه لمحبته، أحمده حمد من اعترف بوحدانيته، واستيقن بأنه المتقدس بعزه وعظمته، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ألوهيته، ولا مقاوم له في جبروته وعزته، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، أرسله إلى كافة خلقه بشيرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليمًا كثيرًا، أما بعد: عباد الله:
فأوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى، في السر والعلن، هذه شمس رمضان قد تزيلت للغروب، وأيامه قد آذنت بالرحيل، فتداركوا أيها الصائمون ما بقي منه بصالح الأعمال، وبادروا بالتوبة من ذنوبكم لذي العظمة والجلال، واعلموا أن الأعمال بالخواتيم، فأحسنوا الختام، شهر رمضان أوله رحمة، وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار، جعلنا الله ووالدينا من المعتوقين.
أيها المسلمون:
أخرج ابن أبي حاتم والواحدي عن مجاهد قال: «كان في بني إسرائيل رجل يقوم الليل حتى يصبح، ثم يجاهد العدو بالنهار حتى يمسي، فعمل ذلك ألف شهر، فتعجب المسلمون من ذلك، فأنزل الله تعالى: {إنا أنزلناه في ليلة القدر* وما أدراك ما ليلة القدر* ليلة القدر خير من ألف شهر} قال: خير من التي لبس فيها السلاح ذلك الرجل».
والقدر في هذه السورة دائر بين معنيين، الأول: الحُكْمُ والتدبيرُ والقضاءُ، ويؤكده قوله تعالى: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} والثاني: الشرف والمكانة، ويؤكده قوله تعالى: {وما أدراك ما ليلة القدر}، أي أن شرفها وقدرها عظيم، لا يتصوره كل أحد.
وقوله تعالى: {ليلة القدر خير من ألف شهر} فيه فوائد كثيرة، منها: أن تفضيل الأشياء بيد الله تعالى فهو الذي فضّل بعض النبيين على بعض، وفضل بعض الشهور على بعض، وفضل بعض الأوقات على بعض، بل فضل بعض المأكولات على بعض: {وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [الرعد: 4].
وهذا التفضيل في حقيقته فرصة لإطالة العمر؛ فألف شهر تعادل تقريبًا اثنين وثمانين عامًا، فمن أدرك ليلة القدر عشر مرات فكأنما عاش ثمانمائة وعشرين عامًا، ومن أدركها عشرين مرة فكأنما عاش ألفًا وستمئة وأربعين عامًا.
وهذا من رحمة ربنا سبحانه بنا، فأعمارنا كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بين الستين والسبعين، بينما تصل أعمار الأمم السابقة إلى مئات السنين، فأكرم الله هذه الأمة بأوقات تضاعف فيها الحسنات، وليست العبرة بطول الأعمار إنما بحسن الأعمال، ورُبَّ لحظة واحدة هي في جوهرها خير من الحياة كلها.
عباد الله:
اختلف العلماء رحمهم الله في تحديد ليلة القدر، والصحيح أنها في أوتار العشر الأواخر من رمضان، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "التمسوا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان" أخرجه البخاري ومسلم.
ومتى ضَعُفَ الإنسان أو عجز أو تكاسل، فليتذكر حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "التمسوها في العشر الأواخر، فإن ضَعُف أحدكم أو عجز، فلا يُغلبَّن على السبع البواقي". أخرجه البخاري ومسلم.
وقد أخفى الشارع الحكيم وقتها، ليجتهد المؤمن في جميع الليالي، وربما كشفها لبعض خلقه حتى يفتح على قلبه من المشاهدة ما يتبين به أمرها.
عباد الله:
من خصائص هذه الليلة المباركة ما أخبرنا الله تعالى عنه بقوله: {تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر}، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال في ليلة القدر: "وإن الملائكة تلك الليلة في الأرض أكثر من عدد الحصى". [أخرجه ابن خزيمة في صحيحه وحسنه الألباني].
ومن علاماتها أنها ليلة بلجة كأن فيها قمرًا، ليست حارةً ولا باردةً ولا يُرمى فيها بنجم، يشعر المؤمن فيها بطمأنينة وانشراح مختلف، وتطلع الشمس صبيحتها لا شعاع لها، ليشكُر من أدى حقها على حصول النعمة، ويتأسف من فرط على ما فاته من الكرامة ويتدارك -إن أدرك- في السنة التالية.
وهذه العلامات قد ترى بالعين لمن وفقه الله سبحانه، فقد كان الصحابة رضي الله عنهم يستدلون على ليلة القدر بها، ومعرفة عينها ليس لازمًا للحصول على أجرها، فقد قال صلى الله عليه وسلم: "من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه"، وفي رواية أخرى: "من قامها ابتغاءها ثم وقعت له غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر".
ولم يثبت من علاماتها: أنه لا تنبح فيها الكلاب، أو لا ينزل فيها مطر، أو تصبح مياه البحر المالحةُ فيها حلوة، أو تكون الرياح فيها ساكنة فلا تقع العواصف والقواصف، أو أن الأشجار تسجد على الأرض ثم تعود إلى مكانها.
أيها المسلمون:
من اجتهد في العشر كلها في الصلاة والقرآن والدعاء وغير ذلك من وجوه الخير أدرك ليلة القدر بلا شك، وفاز بما وعد الله به من قامها إذا فعل ذلك إيمانًا واحتسابًا.
وقد كان الصحابة والسلف الصالح رضي الله عنهم، يكثرون فيها من الدعاء، فعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: يا رسول الله، أرأيتَ إن وافقتُ ليلة القدر ما أدعو؟ فقال عليه الصلاة والسلام "تقولين: "اللهم إنك عفو تُحب العفو فاعف عني". [رواه ابن ماجه وصححه الألباني].
جعلنا الله ممن قام ليلة القدر، وفاز فيها بعظيم الثواب والأجر، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمد الشاكرين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله بالهدى ودين الحق أرسله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا، أما بعد عباد الله:
فأوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى، واستدراك ما فات بالاجتهاد فيما بقي، إن الله لا يضيع أجر المحسنين.
أيها الصائمون:
قد ورد في الحديث أن الله تعالى هو السلام، وكون ليلة القدر ليلة سلام، وهي أول ليلة نزل فيها القرآن، يدل على أن الله تبارك وتعالى يريد للعالم السلام والأمان، فيريد سلام المجتمع من الكفر والشرك والرذيلة، وسلامة القلوب والنفوس من الأحقاد، وسلامة العلاقات من الانحراف، وغيرها من أنواع السلام في العالم كله.
وحري بالمؤمن وهو يقرأ سورة القدر أن يستشعر أنها الليلة التي أنزل الله تعالى فيها خير كتبه على خير رسله، وكان في هذا النزول تغيير العالم كله، وانقلاب ما سبق من موازينه، فإذا استشعر ذلك جعل هذه الليلة نقطة بداية، وفرصة لتغيير حياته، لا نقطة عابرة، أو ليلة لها ذكر مخصص فقط.
فإذا فعل ذلك كان ممن قامها حقًا، وكتب الله له بركتها، وحقق له موعود النبي صلى الله عليه وسلم.
فاستشعروا أيها الكرام مراقبة السميع البصير، الذي يرى ما تفعله الجوارح ولو دق، ويسمع ما تتحرك به الشفاه ولو خَفَتْ، ولا يعزب عنه مثقال ذرة في السماء ولا في الأرض، وهو العليم الخبير.
واحذروا أن يراكم حيث نهاكم، أو يفقدكم حيث أمركم، ثم اعلموا أن ثمرةَ الاستماع الاتباع، فكونوا من الذين يستمِعون القولَ فيتَّبِعون أحسنَه.
وصلُّوا وسلِّموا على خير الورى، فمن صلَّى عليه صلاةً واحدةً صلَّى الله عليه بها عشرًا.
ثم صلوا وسلموا رحمكم الله على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه فقال عز من قائل: {إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليمًا},
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
اللهم اغفر لنا وارحمنا واهدنا وارزقنا.
اللهم إنا نسألك موجبات رحمتك وعزائم مغفرتك، والغنيمة من كل بر، والسلامة من كل إثم، والفوز بالجنة، والنجاة من النار,
اللهم أعتق رقابنا من النار، اللهم أعتق رقابنا ورقاب آبائنا وأمهاتنا وأزواجنا وذرياتنا ومن له حق علينا والمسلمين من النار.
اللهم تقبل منا صيامنا وقيامنا وسائر أعمالنا.
اللهم اجعلنا ممن قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا، اللهم وفقنا لقيامها واغتنامها، يا أرحم الراحمين.
اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا في من خافك واتقاك واتبع رضاك، يا رب العالمين.
اللهم من أرادنا وديننا وبلادنا وبلاد المسلمين بسوء فأشغله بنفسه، ورد كيده في نحره، واجعل تدبيره في تدميره يا قوي يا عزيز.
اللهم كن لإخواننا المستضعفين في كل مكان، اللهم اجبر كسرهم، وارحم ضعفهم، وتول جميع أمرهم.
اللهم فك أسيرهم، وارحم ميتهم، وأطعم جائعهم، وأمن خائفهم، واستر عوراتهم، واجعل الخزي والدمار على عدوك وعدوهم.
ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكون من الخاسرين
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب.
ربنا إننا آمنا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار.[/align]
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي وفق من اختاره من عباده لطاعته، وأهّل من ارتضاه منهم لعبادته، وهدى من أحبه لمحبته، أحمده حمد من اعترف بوحدانيته، واستيقن بأنه المتقدس بعزه وعظمته، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ألوهيته، ولا مقاوم له في جبروته وعزته، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، أرسله إلى كافة خلقه بشيرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليمًا كثيرًا، أما بعد: عباد الله:
فأوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى، في السر والعلن، هذه شمس رمضان قد تزيلت للغروب، وأيامه قد آذنت بالرحيل، فتداركوا أيها الصائمون ما بقي منه بصالح الأعمال، وبادروا بالتوبة من ذنوبكم لذي العظمة والجلال، واعلموا أن الأعمال بالخواتيم، فأحسنوا الختام، شهر رمضان أوله رحمة، وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار، جعلنا الله ووالدينا من المعتوقين.
أيها المسلمون:
أخرج ابن أبي حاتم والواحدي عن مجاهد قال: «كان في بني إسرائيل رجل يقوم الليل حتى يصبح، ثم يجاهد العدو بالنهار حتى يمسي، فعمل ذلك ألف شهر، فتعجب المسلمون من ذلك، فأنزل الله تعالى: {إنا أنزلناه في ليلة القدر* وما أدراك ما ليلة القدر* ليلة القدر خير من ألف شهر} قال: خير من التي لبس فيها السلاح ذلك الرجل».
والقدر في هذه السورة دائر بين معنيين، الأول: الحُكْمُ والتدبيرُ والقضاءُ، ويؤكده قوله تعالى: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} والثاني: الشرف والمكانة، ويؤكده قوله تعالى: {وما أدراك ما ليلة القدر}، أي أن شرفها وقدرها عظيم، لا يتصوره كل أحد.
وقوله تعالى: {ليلة القدر خير من ألف شهر} فيه فوائد كثيرة، منها: أن تفضيل الأشياء بيد الله تعالى فهو الذي فضّل بعض النبيين على بعض، وفضل بعض الشهور على بعض، وفضل بعض الأوقات على بعض، بل فضل بعض المأكولات على بعض: {وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [الرعد: 4].
وهذا التفضيل في حقيقته فرصة لإطالة العمر؛ فألف شهر تعادل تقريبًا اثنين وثمانين عامًا، فمن أدرك ليلة القدر عشر مرات فكأنما عاش ثمانمائة وعشرين عامًا، ومن أدركها عشرين مرة فكأنما عاش ألفًا وستمئة وأربعين عامًا.
وهذا من رحمة ربنا سبحانه بنا، فأعمارنا كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بين الستين والسبعين، بينما تصل أعمار الأمم السابقة إلى مئات السنين، فأكرم الله هذه الأمة بأوقات تضاعف فيها الحسنات، وليست العبرة بطول الأعمار إنما بحسن الأعمال، ورُبَّ لحظة واحدة هي في جوهرها خير من الحياة كلها.
عباد الله:
اختلف العلماء رحمهم الله في تحديد ليلة القدر، والصحيح أنها في أوتار العشر الأواخر من رمضان، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "التمسوا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان" أخرجه البخاري ومسلم.
ومتى ضَعُفَ الإنسان أو عجز أو تكاسل، فليتذكر حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "التمسوها في العشر الأواخر، فإن ضَعُف أحدكم أو عجز، فلا يُغلبَّن على السبع البواقي". أخرجه البخاري ومسلم.
وقد أخفى الشارع الحكيم وقتها، ليجتهد المؤمن في جميع الليالي، وربما كشفها لبعض خلقه حتى يفتح على قلبه من المشاهدة ما يتبين به أمرها.
عباد الله:
من خصائص هذه الليلة المباركة ما أخبرنا الله تعالى عنه بقوله: {تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر}، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال في ليلة القدر: "وإن الملائكة تلك الليلة في الأرض أكثر من عدد الحصى". [أخرجه ابن خزيمة في صحيحه وحسنه الألباني].
ومن علاماتها أنها ليلة بلجة كأن فيها قمرًا، ليست حارةً ولا باردةً ولا يُرمى فيها بنجم، يشعر المؤمن فيها بطمأنينة وانشراح مختلف، وتطلع الشمس صبيحتها لا شعاع لها، ليشكُر من أدى حقها على حصول النعمة، ويتأسف من فرط على ما فاته من الكرامة ويتدارك -إن أدرك- في السنة التالية.
وهذه العلامات قد ترى بالعين لمن وفقه الله سبحانه، فقد كان الصحابة رضي الله عنهم يستدلون على ليلة القدر بها، ومعرفة عينها ليس لازمًا للحصول على أجرها، فقد قال صلى الله عليه وسلم: "من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه"، وفي رواية أخرى: "من قامها ابتغاءها ثم وقعت له غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر".
ولم يثبت من علاماتها: أنه لا تنبح فيها الكلاب، أو لا ينزل فيها مطر، أو تصبح مياه البحر المالحةُ فيها حلوة، أو تكون الرياح فيها ساكنة فلا تقع العواصف والقواصف، أو أن الأشجار تسجد على الأرض ثم تعود إلى مكانها.
أيها المسلمون:
من اجتهد في العشر كلها في الصلاة والقرآن والدعاء وغير ذلك من وجوه الخير أدرك ليلة القدر بلا شك، وفاز بما وعد الله به من قامها إذا فعل ذلك إيمانًا واحتسابًا.
وقد كان الصحابة والسلف الصالح رضي الله عنهم، يكثرون فيها من الدعاء، فعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: يا رسول الله، أرأيتَ إن وافقتُ ليلة القدر ما أدعو؟ فقال عليه الصلاة والسلام "تقولين: "اللهم إنك عفو تُحب العفو فاعف عني". [رواه ابن ماجه وصححه الألباني].
جعلنا الله ممن قام ليلة القدر، وفاز فيها بعظيم الثواب والأجر، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمد الشاكرين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله بالهدى ودين الحق أرسله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا، أما بعد عباد الله:
فأوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى، واستدراك ما فات بالاجتهاد فيما بقي، إن الله لا يضيع أجر المحسنين.
أيها الصائمون:
قد ورد في الحديث أن الله تعالى هو السلام، وكون ليلة القدر ليلة سلام، وهي أول ليلة نزل فيها القرآن، يدل على أن الله تبارك وتعالى يريد للعالم السلام والأمان، فيريد سلام المجتمع من الكفر والشرك والرذيلة، وسلامة القلوب والنفوس من الأحقاد، وسلامة العلاقات من الانحراف، وغيرها من أنواع السلام في العالم كله.
وحري بالمؤمن وهو يقرأ سورة القدر أن يستشعر أنها الليلة التي أنزل الله تعالى فيها خير كتبه على خير رسله، وكان في هذا النزول تغيير العالم كله، وانقلاب ما سبق من موازينه، فإذا استشعر ذلك جعل هذه الليلة نقطة بداية، وفرصة لتغيير حياته، لا نقطة عابرة، أو ليلة لها ذكر مخصص فقط.
فإذا فعل ذلك كان ممن قامها حقًا، وكتب الله له بركتها، وحقق له موعود النبي صلى الله عليه وسلم.
فاستشعروا أيها الكرام مراقبة السميع البصير، الذي يرى ما تفعله الجوارح ولو دق، ويسمع ما تتحرك به الشفاه ولو خَفَتْ، ولا يعزب عنه مثقال ذرة في السماء ولا في الأرض، وهو العليم الخبير.
واحذروا أن يراكم حيث نهاكم، أو يفقدكم حيث أمركم، ثم اعلموا أن ثمرةَ الاستماع الاتباع، فكونوا من الذين يستمِعون القولَ فيتَّبِعون أحسنَه.
وصلُّوا وسلِّموا على خير الورى، فمن صلَّى عليه صلاةً واحدةً صلَّى الله عليه بها عشرًا.
ثم صلوا وسلموا رحمكم الله على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه فقال عز من قائل: {إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليمًا},
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
اللهم اغفر لنا وارحمنا واهدنا وارزقنا.
اللهم إنا نسألك موجبات رحمتك وعزائم مغفرتك، والغنيمة من كل بر، والسلامة من كل إثم، والفوز بالجنة، والنجاة من النار,
اللهم أعتق رقابنا من النار، اللهم أعتق رقابنا ورقاب آبائنا وأمهاتنا وأزواجنا وذرياتنا ومن له حق علينا والمسلمين من النار.
اللهم تقبل منا صيامنا وقيامنا وسائر أعمالنا.
اللهم اجعلنا ممن قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا، اللهم وفقنا لقيامها واغتنامها، يا أرحم الراحمين.
اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا في من خافك واتقاك واتبع رضاك، يا رب العالمين.
اللهم من أرادنا وديننا وبلادنا وبلاد المسلمين بسوء فأشغله بنفسه، ورد كيده في نحره، واجعل تدبيره في تدميره يا قوي يا عزيز.
اللهم كن لإخواننا المستضعفين في كل مكان، اللهم اجبر كسرهم، وارحم ضعفهم، وتول جميع أمرهم.
اللهم فك أسيرهم، وارحم ميتهم، وأطعم جائعهم، وأمن خائفهم، واستر عوراتهم، واجعل الخزي والدمار على عدوك وعدوهم.
ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكون من الخاسرين
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب.
ربنا إننا آمنا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار.[/align]