وقفات مع زكاة الفطر

saleh-33 saleh-33
1446/10/08 - 2025/04/06 15:38PM

الحمد لله من لطيف حكمة الله -عز وجل- وتمام رحمته، وكمال علمه وجميل عفوه وإحسانه: أن شرعَ زكاة الفطر عند تمام عدَّة الصيام؛ طُهرةً للصائم من الرَّفَث واللَّغو والمآثِم، وجبرًا لما نقَصَ من صومه، وطُعمةً للمساكين، ومُواساةً للفقراء، ومعونةً لذوي الحاجات، وشُكرًا لله على بلوغ ختامِ الشهر الكريم

 

وختم الشهر بزكاة الفطر فيه فوائد وله دلالات يجب أن لا تغيب عن المسلم وهو يعيش نشوة العيد وفرحته والشغل به، ولعلي في هذه العجالة أعرض إلى بعض الدلالات وأشير إلى شيء من هذه الإشارات:

 

أولاً: الإخلاص لا الخلاص، زكاة الفطر عبادة تفتقر إلى الإخلاص والمتابعة، الإخلاص لا الخلاص، الإخلاص الذي يجعلها تخرج بطيب نفس ونقاوة خلق، لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى [البقرة:264]، لا يخرجها على أنها عناء يضعه عن كتفه أو هم يزيحه عن عاتقه. إن من الناس من يشغله السعي للخلاص منها عن الإخلاص فيها، فهو يأخذ زكاة فطره يطير بها كالبرق أينما وجهت ركابه، جريًا على عادة آبائه وأهل بلده، فتصل إلى المسكين وربما غير المسكين دون أن تقع في نفسه موقع العبادة.

 

ثانيًا: طهرة وزكاة، عموم الصدقة التي يخرجها المسلم هي له طهرة ونماء، خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا [التوبة:103]، أما في خصوص صدقة الفطر فقد جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: فرض رسول الله زكاة الفطر طهرةً للصائم من اللغو والرفث وطعمةً للمساكين. طهرة للصائم الذي أمضى شهره في عبادةٍ؛ صيام وقيام وتلاوة، ثم يحتاج بعد ذلك إلى تطهير. إن استشعار هذا الأمر يغلق في النفس باب الإعجاب والإدلاء بالعمل على الله، فهو مهما بلغ به حفظ الصيام يحتاج أن يخرج هذه الزكاة تطهيرًا للغو خفيٍّ ورفث خاطر، وبذلك يتعلق القلب بالله خوفًا من ذهاب العمل بالرياء أو بالإعجاب والإدلاء. وزكاة الفطر أيضًا طهرة للصائم من البخل والشح والأنانية المقيتة التي قد تحيط بالنفس فتحرمه الفلاح، وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ [التغابن:16].

 

ثالثًا: زكاة الفطرفرصة لتربية الأولاد، هل أولادنا يحسون بهذه العبادة العظيمة زكاة الفطر؟ وهل يعيشون أحداثها أم أنها تفعل في غيابهم وغفلتهم؟ حتى الصدقة التي تخرج ـ في الحقيقة ـ عنه وهي تخصه ولا يعلم بها؛ إذ ربما بلغ الشاب أو الفتاة سن التكليف وليس عنده فيها خبر إلا أن تسعفه مناهج التعليم. إن أدائنا للزكاة في هذا الزمن وتعدد وسائل دفعها أفقد شيئًا من روحانية هذه العبادة، ليس على أولادنا فقط بل حتى على أنفسنا فلا بد من أن نغرس فيهم معاني البر والعطاء ونلفت نظرهم إلى ضرورة تزكية النفس وتطهيرها من كل لغو يفسد أعمالها؟! ونشعرهم أننا نؤديها شكرًا لنعمة الله على إدراك الشهروصيامه وزيادة الفضل، وأن المسكين الذي أعوزته الحاجة أخ لنا يجب أن يفرح بالعيد كما نفرح.

 

رابعًا:زكاة الفطرأضخم حملة إغاثية، زكاة الفطر صورة كبيرة وضاءة من صور البذل والعطف والرحمة وسد جوعة المسكين ولوعة المحروم، فهي تأكيد للتكافل الاجتماعي بين المسلمين وإغناء لهم عن ذل السؤال ذلك اليوم، إنها صورة من صور التربية على السخاء ونبذ البخل الذي يجاور ويحاور النفوس الضعيفة.

إنها بحق أضخم حملة إغاثية خيرية تقوم بها الأمة كلّ عام ، ولو أننا أفدنا منها ووجهناها توجيهًا حسنًا لاستطعنا بعد توفيق الله أن نقضي على حالة الفقر المدقع الذي تعيشه الأمة الإسلامية اليوم. وبسبب عدم التحري والاحتياط الناشئ عن عدم الهم والاهتمام بهذه الشعيرة المباركة فإنك تجد أن زكاة الفطر تتكدس في بيوت رفعت أعلامها فعرفت، بينما ترى بيوت أقفرت وبقيت تلازم الفقر حَوْلاً وهي تبغي عنه حِوَلا.

 

إن هذه الكميات الضخمة من الزكوات التي تبلغ بالآصع عدد السكان تحتاج إلى جهد جماعي كبير يتناسب وهذه الكميات الضخمة. وإن جزءًا من هذا الجهد يقع على عاتق الجمعيات الخيرية والإغاثية والتي نذرت نفسها لمثل هذه الأعمال الكبيرة. وهي ولله الحمد متوافرة في بلادنا المباركة فطِيبُوا بها نفسًا، وأخرِجُوها كاملةً غير منقوصة، واختارُوا أطيَبَها وأنفَعَها للفقراء سَائِلِينَ اللهَ تَعَالَى أَنْ يَجْعَلَهَا طُهْرَةً لَكُمْ، وَتَكْفِيرًا لِسَيِّئَاتِكُمْ وخاتمة خير لأعمالكم

المشاهدات 47 | التعليقات 0