وقفات مع ختام شهركم

بسم الله الرحمن الرحيم

إخوة الإيمان والعقيدة .. تفكَّروا في دنياكم وسرعة زوالها، فكل شهر ينقضي يُدني الإنسان من أجله، ويُقربه من آخرته، وخيركم من طال عمره وحَسُن عمله، وشرُّكم من طال عمره وساء عمله.

هذه أيام شهركم تتقلص، ولياليه الشريفة تنقضي شاهدة بما عمِلتم، وحافظة لما أودَعتم، هي لأعمالكم خزائن محصَّنة، ومستودعات محفوظة إلى يوم القيامة ﴿يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ﴾ ينادي ربكم: يا عبادي، إنما هي أعمالكم أُحصيها لكم ثم أُوفيكم إياها، فمن وجد خيرًا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومنَّ إلا نفسه.

عباد الله .. فيما بقي من رمضان قد تكون ليلة القدر، أتدرون ما ليلة القدر؟! إنها ليلة القدر التي يساوي العمل فيها عبادة (83) سنة وأربعة أشهر، ليلة نزول القرآن على قلب محمد ﷺ ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ﴾ إنها الليلة التي تتنزل فيها الملائكة حتى تكون أكثر في الأرض من عدد الحصى، ﴿ سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْر ﴾ إنها الليلة التي من قامها إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدّم من ذنبه، إنها الليلة التي من حُرم خيرها فقد حُرم، إنها الليلة التي كان ﷺ يعتكف العشر الأواخر التماسًا لها.

وأقرب أوتار السبع الأواخر ليلة سبع وعشرين؛ لحديث أبي بن كعب t أنه قال: والله إني لأعلم أي ليلة، هي الليلة التي أمرنا رسول الله بقيامها هي ليلة سبع وعشرين، فقيل له: بأي شيء علمت ذلك؟ فقال: بالآية التي أخبرنا رسول الله ﷺ "أخبرنا أن الشمس تطلُع صبيحتها لا شعاع لها كأنها طسْت حتى ترتفع"

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله ﷺ "ليلة القدر سمحة، طلِقة لا حارة، ولا باردة، تصبح الشمس صبيحتها ضعيفة حمراء"

ويُستحب في هذه الليلة المباركة مع الصلاة والذكر وقراءة القرآن: الإكثارُ من الدعاء، فقد ورد عن السيدة عائشة بنت الصديق رضي الله عنهما قالت: قلت: يا رسول الله، أرأيت إن علمت أي ليلة هي ليلة القدر، ما أقول فيها؟ قال "قولي: اللهم إنك عفو تُحب العفو فاعفُ عني".

يقول سفيان الثوري رحمه الله: أُحب في ليلة القدر الدعاء بما أمر به النبي ﷺ أكثر من أي شيء آخر، أكثِر فيه من: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني.

اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا.

عباد الله .. هذه الأيام هي أيام المناجاة أيام الدعاء، أيام اللجوء إلى الله، والمؤمن يلجأ إلى الله في كل أحواله.

إنك في ليالٍ مباركة، وأيام فاضلة، فالْجَأْ إلى ربك في كل أحوالك، اشكُ إلى ربك بثَّك وحزنك، اشكُ إلى ربك ضعفَك وعجزك، اشكُ إلى ربك سقمَك ومرضَك، اشكُ إلى ربك هَمَّك وحزنك، واشكُ إلى ربك ديونًا عجزتَ عنها، واشك إلى ربك همومًا سيطرت عليك، واشكُ إلى ربك ذنبَك وتقصيرك في حقه جل وعلا، مُدَّ يد الضراعة لذي الجلال والإكرام، فإنه يستحيي أن يرد يدي عبده خائبتين إذا رفعهما إليه، وهو القائل: ﴿ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ ﴾.

اللهَ اللهَ في الثبات والاستمرار على الأعمال الصالحة في بقية أعماركم، واصلوا المسيرة في عمل الخير، واعلموا أنه لئن انقضى شهر رمضان المبارك، فإن عمل المؤمن لا ينقضي إلا بالموت، ومن علامة قبول الحسنة الحسنةُ بعدها، وربُّ الشهور واحدٌ، وهو على أعمالكم رقيبٌ مشاهد، وبئس القوم الذين لا يعرفون الله إلا في رمضان.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما سمعتُم، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المؤمنين، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه، وسلم تسليمًا كثيرًا.

معاشر المؤمنين .. قد شرع لكم نبيُّكم في نهايةِ شهركم هذا صدقةَ الفطر، زكاةَ الفطر، فهذه الصدقةُ شكرٌ لله على نعمته بإتمام الصيام والقيام، وأنَّه أعاد عليك هذا العامَ وأنت في صحةٍ وسلامة وعافية في بدنك، وهي طُهرة للصائم لما عسى أن يكون حصل منه من لغوٍ أو رفثٍ، وهي طُعمة للمساكين؛ لكي يُغنيَهم ذلك عن السؤال في يوم العيد، فيكون العيد عيدًا للجميع، يقول ابن عباس رضي الله عنهما: فرض رسول الله ﷺ زكاةَ الفطر طهرةً للصائم من اللغو والرفث، وطُعمةً للمساكين، فمن أدَّاها قبل الصلاة فهي زكاةٌ مقبولة، ومن أدَّاها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات.

عباد الله، أكثِروا من التكبير ليلةَ العيد وصباحَ العيد تعظيمًا لله وشكرًا له على هدايتِه وتوفيقه، فإنَّ الله تعالى يقول ﴿ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ فحقٌّ على المسلمين إذا رأوا هلالَ شوالٍ أن يُكبِّروا. ويُسن أن يأكل الإنسان قبل الخروج إليها تمرات وترًا ثلاثًا أو خمسًا أو أكثر، يقطَعُها على وتر؛ لقول أنس بن مالك t: كان النبي ﷺ لا يغدو يوم الفطر حتى يأكُل تمرات، يأكلهن وترًا.

عباد الله، الصيام ليس قاصرًا على شهر رمضان، فقد سنَّ لنا سيدنا رسول الله ﷺ صيام ست أيام من شوال، فقال صلى الله عليه وسلم "من صام رمضان ثم أتبعه ستًّا من شوال، فكأنما صام الدهر كله" وسنَّ لنا أيضًا صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وقال "ثلاث أيام من كل شهر، ورمضان إلى رمضان، فهذا صيام الدهر كله".

اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمد

 

 

المرفقات

1712302104_وقفات مع ختام شهركم.pdf

1712302112_وقفات مع ختام شهركم.docx

المشاهدات 635 | التعليقات 0