وَقَفَاتٌ مَعَ حَدِيثِ: ( لَا تَحَاسَدُوا )
مبارك العشوان 1
إنَّ الحَمْدَ لِلهِ... وَرَسُولُهُ. أمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ .... مُسْلِمُون.
عِبَادَ اللهِ: رَوَى الإمَامُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ أبِي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ قَــالَ : ( لَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَنَاجَشُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَلَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَانًا الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ، وَلَا يَحْقِرُهُ التَّقْوَى هَاهُنَا ) وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ( بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ، كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ، دَمُهُ، وَمَالُهُ، وَعِرْضُهُ )
هَذَا الحَدِيثُ ـ عِبَادَ اللهِ ـ أصْلٌ فِي التَّعَامُلِ بَينَ المُسْلِمِينَ، وَبِالْتِزَامِهِ تَتَحَقَّقُّ الأُخُوَّةُ بَيْنَهُم، وَلِذَا قَالَ فِيهِ: ( وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَانًا ).
بَدَأ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِالتَّحْذِيرِ مِنَ الحَسَدِ ـ أجَارَنا اللهُ مِنْ شَرِّ الحَسَدِ وَالحَاسِدِينَ ـ .
الحَسَدُ عِبَادَ اللهِ: هُوَ: تَمَنِّي زَوَالَ النِّعْمَةِ عَنْ صَاحِبِهَا: سواءً كَانَتْ نِعْمَةَ دينٍ أَوْ دُنْيَا.
وهوَ ذَنْبٌ عَظِيمٌ، وَخَصْلَةٌ قَبِيحَةٌ، وَصِفَةٌ لِشَرِّ خَلْقِ اللهِ، اتَّصَفَ بِهِ إبْلِيسُ، وَاتَّصَفَ بِهِ اليَهُودُ؛ حَسَدَ إبْلِيسُ آدَمَ وَسَعَى في إخْرَاجِهِ مِنَ الجَنَّةِ حَتَّى أُخْرِجَ، وَقَالَ تَعَالَى عَنِ اليهودِ: { وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ }البقرة 109
الحَسَدُ: هُوَ الذَّنْبُ الذي حَمَلَ ابنَ آدَمَ قَابِيلَ عَلَى قَتْلِ أخِيهِ هَابِيلَ، ولِذَا قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: الحَسَدُ أوَّلُ ذَنْبٍ عُصِيَ اللهُ بِهِ فِي السَّمَاءِ؛ يَعْنِي: حَسَدُ إبليسَ لآدَمَ عَلَيهِ السَّلَامُ. وَأوَّلُ ذَنبٍ عُصِيَ اللهُ بِهِ فِي الأرْضِ؛ يَعْنِي: حَسَدُ ابنُ آدمَ لِأَخِيهِ حَتَّى قَتَلَهُ.
الحَسَدُ: دَاءٌ عُضَالٌ؛ أَمَرَ اللهُ تَعَالَى بِالاسْتِعَاذَةِ مِنْ شَرِّ أهْلِهِ: { وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ } الفلق 5
وَأوَّلُ مَا يَفْتِكُ بِصَاحِبِهِ، وَلَرُبَّمَا أفْضَى بِهِ إلى التَّلَفِ مِنْ غَيرِ إضْرَارٍ بِمَحْسُودٍ، قَالَ أحَدُ الحُكَمَاءِ: يَكفِيكَ مِنَ الحَاسِدِ أنُّهُ يَغْتَمُّ وَقْتَ سُرُورِكَ .
وَلمَّا كَانَ الحَسَدُ مِنْ صِفاتِ شَرِّ خَلْقِ اللهِ، فإنَّ سَلامَةَ الصُّدُورِ مِنهُ مِنْ صفاتِ أوْلِياءِ اللهِ؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى عَنِ الأنصار: { وَالَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالإيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } الحشر:9 قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللهُ: أيْ: وَلَا يَجِدُونَ فِي أنْفُسِهِم حَسَداً لِلمُهَاجِرِينَ فِيمَا فَضَّلَهُم اللهُ بِهِ مِنَ المَنْزِلَةِ والشَّرَفِ والتَّقدِيمِ في الذِّكْرِ والرُّتْبَةِ. وَعَنْ أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: كُنَّا جُلُوساً مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؛ فَقَالَ: ( يَطْلُعُ عَلَيْكُمُ الْآنَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ) فَطَلَعَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، تَنْطِفُ لِحْيَتُهُ مِنْ وُضُوئِهِ، قَدْ تَعَلَّقَ نَعْلَيْهِ فِي يَدِهِ الشِّمَالِ، فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِثْلَ ذَلِكَ، فَطَلَعَ ذَلِكَ الرَّجُلُ مِثْلَ الْمَرَّةِ الْأُولَى. فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الثَّالِثُ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِثْلَ مَقَالَتِهِ أَيْضًا، فَطَلَعَ ذَلِكَ الرَّجُلُ عَلَى مِثْلِ حَالِهِ الْأُولَى، فَلَمَّا قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَبِعَهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ...) إلى آخِرِ الحَدِيثِ؛ وَفِيهِ: ( فَقَالَ: مَا هُوَ إِلَّا مَا رَأَيْتَ، غَيْرَ أَنِّي لَا أَجِدُ فِي نَفْسِي لِأَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ غِشًّا، وَلَا أَحْسُدُ أَحَدًا عَلَى خَيْرٍ أَعْطَاهُ اللهُ إِيَّاهُ. فَقَالَ عَبْدُ اللهِ هَذِهِ الَّتِي بَلَغَتْ بِكَ، وَهِيَ الَّتِي لَا نُطِيقُ ) رواه الإمام أحمد، وقال الألباني إسناده صحيح على شرط الشيخين.
أسْأَلُ اللهَ تَعَالَى أنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَنَا مِنَ الغِلِّ وَالغِشِّ وَالحَسَدِ وأنْ يُبَارِكَ لِي وَلَكُم فِي القُرْآنِ ... وأقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وأسْتَغْفِرُ اللهَ ... الغَفُورُ الرَّحِيم.
الخطبة الثانية:
الحَمْدُ لِلهِ ... أمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى أيُّهَا النَّاسُ، وَابْتَعِدُوا كُلَّ البُعْدِ عَن هَذَا الدَّاءِ؛ وَمَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ شَيءٌ مِنْهُ فَلْيَسْعَ حَثِيثاً لِلْخَلَاصِ، وَلْيُعَالِجْ نَفْسَهُ، وَلْيَذْكُرْ عَظِيمَ ذَنْبِهِ، وَلْيَعْلَمْ أنَّ لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءٌ، وأنَّ هُنَاكَ أُمُوراً مُعِينَةً عَلَى السَّلَامَةِ مِنْ هَذَا الدَّاءَ: أوَّلُهَا الإِيمَانُ بِاللهِ تَعَالَى وَالرِّضَا بِقَضَائِهِ، وَالعِلْمُ أنَّ مَا أُوتِيِ النَّاسُ مِنَ النِّعَمِ فَإِنَّمَا هُوَ مِنَ اللهِ سُبْحَانَهُ؛ فَهُوَ الذِي قَدَّرَ الأقْدَارَ، وَقَسَّمَ الأرْزَاقَ، وَهُوَ أعْلَمُ بِمَا يَصْلُحُ لِعِبَادِهِ.
وَمِنْ ذَلِكَ: قِرَاءَةُ النُّصُوصِ فِي ذَمِّ الحَسَدِ والتَّحْذِيرِ مِنْهُ وَبَيَانِ خُطُورَتِهِ عَلى القُلُوبِ وَعَلَى الحَسَنَاتِ.
ومِنْ ذَلكَ: أنْ يَتَذَكَّرَ عِنْدَمَا يَرَى صَاحِبَ نِعْمَةٍ؛ مَا أُعْطِيَ هُوَ مِنَ النِّعَمِ مِنْ مَالٍ وَوَلَدٍ، وَصِحَّةٍ، وَمَنْصِبٍ وَغَيْرِهَا.
وَمِنْ ذَلِكَ: أنْ يَعْلَمَ أنَّ الحَسُودَ بَغِيضٌ إِلَى النَّاسِ مَمْقُوتٌ بَيْنَهُم، لَا يَأنَسُونَ بِمَجْلِسٍ هُوَ فِيهِ.
فَاللهُمَّ احْفَظْنَا مِنَ الحَسَدِ وَأَعِذْنَا مِنْ شَرِّ الحَاسِدِينَ.
وَاهْدِنا لِأَحْسَنِ الْأَخْلَاقِ وَالأَعْمَالِ والأقْوَالِ، لَا يَهْدِي لِأَحْسَنِهَا إِلَّا أَنْتَ، وَاصْرِفْ عَنَّا سَيِّئَهَا، لَا يَصْرِفُ سَيِّئَهَا إِلَّا أَنْتَ، اللهمَّ أعِزَّ الإسلَامَ... ثمَّ صَلُّوا وَسَلِّمُوا ...
عباد الله: { إن الله يأمر بالعدل ... } فاذكروا الله...