وقفات مع حديث : ( الجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله ... )
مبارك العشوان 1
إنّ الْحَمْدَ لِلهِ...عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
عبادَ اللهِ: رَوَى البُخارِيُّ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللهِ بنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( الْجَنَّةُ أَقْرَبُ إِلَى أَحَدِكُمْ مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ، وَالنَّارُ مِثْلُ ذَلِكَ )
مَوعِظَةٌ بَلِيغَةُ؛ عَشْرُ كَلِمَاتٍ، فِيها بِشَارَةٌ وَنِذَارَةٌ، فِيهَا وَعْدٌ وَوَعِيدٌ، وتَرْغِيبٌ وَتَرْهِيبٌ.
الجَنَّةُ أيُّها النَّاسُ وَمَا أعَدَّ اللهُ فِيهَا مِنَ النَّعِيمِ المُقِيم، مِمَّا لَا عَينٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ لَيْسَتْ عَنْ بَعْضِنَا بِبَعِيدٍ، بَلْ هِيَ أقْرَبُ إلَى أَحْدِنَا مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ، أقْرَبُ إلَيهِ مِنَ السَّيْرِ الذِي يَكُونُ عَلَى ظَهْرِ قَدَمِهِ، أوْ مَا يُدْخِلُ فِيهِ إِصْبَعَ رِجْلِه.
والنَّارُ أيُّهَا النَّاسُ؛ وَمَا أعَدَّ اللهُ فِيهَا مِنَ العِقَابِ الأَلِيمِ، لَيْسَتْ عَنْ بَعْضِنَا بِبَعِيدٍ، بَلْ هِيَ أقْرَبُ إلَيهِ مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ.
يقولُ ابنُ بَطَّالٍ رحمهُ الله؛ عن هذا الحديثِ: وَفِيه: دَلِيلٌ وَاضحٌ على أَنَّ الطَّاعَاتِ مُوصِلَةٌ إِلَى الْجنَّة والمَعَاصِي مُقَرِّبَةٌ مِنَ النَّارِ، فَقَدْ يكونُ فِي أيْسَرِ الْأَشْيَاء، وَيَنْبَغِي لِلْمُؤمنِ أَن لَا يَزْهَدَ فِي قَلِيلٍ مِنَ الْخَيْرِ، وَلَا يَسْتَقلَّ قَلِيلاً مِنَ الشَّرّ، فَيَحْسَبُهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْد اللهِ عَظِيم؛ فَإِنَّ الْمُؤمنَ لَا يعلمُ الْحَسَنَةُ الَّتِي يَرْحَمُهُ اللهُ بهَا، والسَّيِّئةَ الَّتِي يَسْخَطُ اللهُ عَلَيْهِ بهَا.
وقالَ ابنُ الجوزِي رحمهُ الله: مَعْنَى الحديثِ: إنَّ تحصيلَ الجنةِ سَهْلٌ؛ بِتَصْحِيحِ القَصْدِ وَفِعْلِ الطاعَةِ، والنارُ كذلكَ بِمُوَافَقَةِ الهَوَى وَفِعْلِ المَعْصِيةَ.
وقد قال الله تعالى: { فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ } الزلزلة 7 - 8
قالَ ابنُ سعدي رحمهُ اللهُ: وَهَذِهِ الآيَةُ فِيهَا غَايَةُ التَّرْغِيبِ فِي فِعْلِ الخَيْرِ وَلَوْ قَلِيلاً، والتَّرْهِيبُ مِنْ فَعْلِ الشَّرِّ وَلَوْ حَقِيرًا.
أَلَا فَاجْتَهِدْ أَخِي المُسلِمُ فِي فِعْلِ الطَّاعَاتِ؛ وَاجْتَنِبِ المُحَرَّمَاتِ، وَلَا تَسْتَهِنْ بِشَيءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَلَو أنَّهَا كَلِمَةً: ففي البخاري؛: ( إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا؛ يَرْفَعُهُ اللهُ بِهَا دَرَجَاتٍ، وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللهِ، لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا؛ يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّــمَ ) اللهمَّ إنَّا نسألُكَ رِضَاكَ والجنَّةَ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنَ سَخَطِكَ والنَّار.
باركَ اللهُ ... وأقُولُ ما تَسْمعُونَ ...
الخطبة الثانية:
الحمد لله... أما بعدُ: فيقولُ أَبُو ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عنهُ: قَالَ لِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( لَا تَحْقِرَنَّ مِنْ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ ) أخرجه مسلم.
و: ( مَرَّ رَجُلٌ بِغُصْنِ شَجَرَةٍ عَلَى ظَهْرِ طَرِيقٍ فَقَالَ وَاللهِ لَأُنَحِّيَنَّ هَذَا عَنْ الْمُسْلِمِينَ لَا يُؤْذِيهِمْ فَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ ) رواه مسلم.
( وسَقَى رجلٌ كَلْبَاً فَشَكَرَ اللهُ لَهُ، فَغَفَرَ لَهُ ) رواه البخاري.
وعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عنها أَنَّهَا قَالَتْ جَاءَتْنِى مِسْكِينَةٌ تَحْمِلُ ابْنَتَيْنِ لَهَا فَأَطْعَمْتُهَا ثَلاَثَ تَمَرَاتٍ فَأَعْطَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا تَمْرَةً وَرَفَعَتْ إِلَى فِيهَا تَمْرَةً لِتَأْكُلَهَا فَاسْتَطْعَمَتْهَا ابْنَتَاهَا فَشَقَّتِ التَّمْرَةَ الَّتِى كَانَتْ تُرِيدُ أَنْ تَأْكُلَهَا بَيْنَهُمَا فَأَعْجَبَنِى شَأْنُهَا فَذَكَرْتُ الَّذِى صَنَعَتْ لِرَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: ( إِنَّ اللهَ قَدْ أَوْجَبَ لَهَا بِهَا الْجَنَّةَ أَوْ أَعْتَقَهَا بِهَا مِنَ النَّارِ ) . رواه مسلم.
أعْمَالٌ يَسِيرَةٌ؛ وأُجُورٌ عَظِيمَةٌ جَزِيلَةُ، أسْأَلُ اللهَ لِي وَلَكُم مِنْ واسِعِ فَضْلِهِ.
عباد الله: وفي البخاري: ( دَخَلَتْ امْرَأَةٌ النَّارَ فِي هِرَّةٍ رَبَطَتْهَا فَلَمْ تُطْعِمْهَا وَلَمْ تَدَعْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ ).
وعَنْ جُنْدَبٍ رضِيَ اللهُ عنهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ وَاللهِ لَا يَغْفِرُ اللهُ لِفُلَانٍ وَإِنَّ اللهَ تَعَالَى قَالَ مَنْ ذَا الَّذِي يَتَأَلَّى عَلَيَّ أَنْ لَا أَغْفِرَ لِفُلَانٍ فَإِنِّي قَدْ غَفَرْتُ لِفُلَانٍ وَأَحْبَطْتُ عَمَلَكَ أَوْ كَمَا قَالَ ) رواه مسلم.
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: ( خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ خَيْبَرَ فَلَمْ نَغْنَمْ ذَهَبًا وَلَا فِضَّةً إِلَّا الْأَمْوَالَ وَالثِّيَابَ وَالْمَتَاعَ فَأَهْدَى رَجُلٌ مِنْ بَنِي الضُّبَيْبِ يُقَالُ لَهُ رِفَاعَةُ بْنُ زَيْدٍ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غُلَامًا يُقَالُ لَهُ مِدْعَمٌ فَوَجَّهَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى وَادِي الْقُرَى حَتَّى إِذَا كَانَ بِوَادِي الْقُرَى بَيْنَمَا مِدْعَمٌ يَحُطُّ رَحْلًا لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا سَهْمٌ عَائِرٌ فَقَتَلَهُ فَقَالَ النَّاسُ هَنِيئًا لَهُ الْجَنَّةُ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَلَّا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّ الشَّمْلَةَ الَّتِي أَخَذَهَا يَوْمَ خَيْبَرَ مِنْ الْمَغَانِمِ لَمْ تُصِبْهَا الْمَقَاسِمُ لَتَشْتَعِلُ عَلَيْهِ نَارًا فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ النَّاسُ جَاءَ رَجُلٌ بِشِرَاكٍ أَوْ شِرَاكَيْنِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ شِرَاكٌ مِنْ نَارٍ أَوْ شِرَاكَانِ مِنْ نَارٍ ) رواه البخاري ومسلم.
ألَا فَاحْذَر أخِي المُسْلِمُ مَعْصِيَةَ اللهِ أشَدَّ الحَذَرِ، احْذَرْ التَّفْرِيطَ فِي حُقُوقِ اللهِ تَعَالى، أوْ حُقُوقَ عِبَادِهِ، واذْكُرْ قَولَ اللهِ تباركَ وتعالى: { يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَاللهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ } آل عمران 30
عباد الله: وَمِنْ فَوَائِدِ هَذَا الحديثِ العظيمِ: أنَّ عَلَى المُسْلِمِ أن يجَمَعَ بَيْنَ الخَوفِ والرَّجَاءِ، خَوفٌ وَرَجَاءٌ يَصْحَبُهُما عَمَلٌ؛ خَوفٌ لَا يُقَنِّطُ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ، وَرَجَاءٌ لَا يُؤَمِّنُ مِنْ عَذَابَ اللهِ. قال تعالى: { إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ } الأنبياء 90 وقال تعالى: { وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ } الأعراف 56
جعلني اللهُ وإياكم مِنْ عِبادِهِ المُحسنينَ.
وجعلَنَا مِمَّنْ يُعَظِّمُ أوَامِرَهُ؛ فَيَمْتَثِلُهَا، وَنَوَاهِيَهُ فَيَجْتَنِبُها.
ثم صلوا عباد الله وسلموا...
اللهم أعز ... اللهم أصلح أئمتنا...
عباد الله: اذكروا الله...