وَقَفَاتٌ مَعَ حَدِيثِ: ( إِنَّ اللهَ كَرِهَ لَكُمْ ثَلاَثًا...)

مبارك العشوان 1
1440/11/14 - 2019/07/17 20:10PM

 

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ... وَرَسُولُهُ. أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ... مُسْلِمُونَ.

عِبَادَ اللهِ: كَتَبَ مُعَاوِيَةُ بنُ أَبِي سُفْيَانَ إِلَى المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا جَمِيعًا ـ : أَنِ اكْتُبْ إِلَيَّ بِشَيْءٍ سَمِعْتَهُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ( إِنَّ اللهَ كَرِهَ لَكُمْ ثَلَاثًا: قِيلَ وَقَالَ، وَإِضَاعَةَ المَالِ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ )  أَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ.

تَأَمَّلُوا ـ رَحِمَكُمُ اللهُ ـ  كَيْفَ حَذَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ هَذِهِ الأَفْعَالِ؛ وَكَيْفَ يَكْثُرُ وُقُوعُ النَّاسِ فِيْهَا. وَحَدِيثُ اليَومِ عَنْ أَوَّلِ هَذِهِ الثَّلَاثِ: ( قِيـلَ وَقَالَ ). قَالَ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: هُوَ الخَوضُ فِي أَخْبَارِ النَّاسِ وَحِكَايَاتُ مَا لَا يَعْنِي مِنْ أَحْوَالِهِمْ وَتَصَرُّفَاتِهِمْ. ا هـ .

وَفُسِّرَتْ بِأَنَّهَا: الإِكْثَارُ مِنَ الكَلَامِ.

أَوْ هِيَ: حِكَايَةُ شَيْءٍ لَا تُعْلَمُ صِحَّتُهُ.

وأيًّا كَانَ؛ فَإِنَّهَا عَلَى جَمِيعِ تَفَاسِيْرِهَا تَدُورُ فِي مَجَالِسِنَا؛ يَكْثُرُ فِيْهَا الكَلَامُ، وَالخَوضُ فِي أَخْبَارِ النَّاسِ، وَتَصَرُّفَاتِهِمْ، وَيُنْقَلُ مَا لَا تُعْلَمُ صِحَّتَهُ.  

عِبَادَ اللهِ: القِيْلُ وَالقَالُ وَاحِدَةٌ مِنْ حَصَائِدِ اللِّسَانِ وَقَدْ يَسْتَهِينُ بِهَا البَعْضُ؛ وَلَيْسَتْ بِالهَيِّنَةِ؛ فَهِيَ عَمَلٌ يَكْرَهُهُ اللهُ تَعَالَى، وَلَوْ لَمْ يُحَذَّرْ مِنْها إِلَّا بِقَوْلِهِ: ( إِنَّ اللهَ كَرِهَ لَكُمْ ) لَكَانَتْ كَافِيَةً؛ يَكْفِي المُسْلِمَ لِيُحِبَّ قَوْلاً أَوْ عَمَلاً؛ وَيَفْعَلَهُ أَنَّ اللهَ تَعَالَى يُحِبُّ هَذَا القَوْلَ أَوِ العَمَلَ؛ يَكْفِيهِ لِيَكْرَهَ شَيْئًا وَيَجْتَنِبَهُ أَنَّ اللهَ يَكْرَهُه.

وَلَوْ تَفَكَّرَ صَاحِبُ القِيلِ وَالقَالِ فِي حَالِهِ وَهُوَ يَقُولُ مَا يَكْرَهُهُ اللهُ، وَاللهُ تَعَالَى يَسْمَعُهُ وَيَرَاهُ، { وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } الشورى 11 وَالمَلَائِكَةُ تَكْتُبُ عَلَيهِ؛ { وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ، كِرَامًا كَاتِبِينَ } الانفطار 10، 11 { مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ  } ق 18 لَوْ تَذَكَّرَ هَذَا لَنَفَعَهُ كَثِيراً، وَلَكَفَّهُ عَنْ قَوْلِهِ.

ثُمَّ إِنَّ الاشْتِغَالَ بِـ ( قِيْلَ، وَقَالَ ) إِضَاعَةٌ لِلْوَقْتِ، وَهَذِهِ خَسَارَةٌ عُظْمَى، وَتَعْظُمُ الخَسَارَةُ وَتَشْتَدُّ الحَسْرَةُ إِذَا ضُيِّعَ الوَقْتُ فِيْمَا يَكْرَهُهُ اللهُ؛ تَمْضِي عَلَى النَّاسِ السَّاعَةُ، وَالسَّاعَتَانِ؛ وَكُلُّهَا: ( قَالَ فُلَانٌ، وَفَعَلَ فُلَانٌ، وَيَقُولُونَ كَذَا، وَيَذْكُرُنَ كَذَا، وَالمَسْؤُوْلُ الفُلَانِيُّ قَالَ كَذَا، وَرُدَّ عَلَيهِ بِكَذَا...) وَيَبْدَأ المَجْلِسُ بِالنِّقَاشِ وَالتَّعْلِيقِ وَالتَحْلِيلِ لِهَذَا القَوْلِ وَالرَّدِّ؛ وَلَا يَنْتَهِي الكَلَامُ إِلَّا بِانْتِهَاءِ المَجْلِسِ، وَلَوِ امْتَدَّ المَجْلِسُ لَامْتَدَّ الكَلَامُ.

فَأَيُّ خَسَارَةٍ هَذِهِ ؟! أَيُّ خَسَارَةٍ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ حَصِيْلَتُنَا مِنْ مَجَالِسِنَا؛ فَلْنَتَدَارَكْ مَجَالِسَنَا قَبْلَ أَنْ تَكُونَ حَسْرَةً عَلَيْنَا، وَلْنَجْعَلْهَا مَجَالِسَ أَرْبَاحٍ لَا مَجَالِسَ إِفْلَاسٍ؛ يَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( لَا يَقْعُدُ قَوْمٌ يَذْكُرُونَ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا حَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ، وَنَـزَلَتْ عَلَيْــهِمُ السَّكِـينَةُ، وَذَكَـــرَهُمُ اللهُ فِيمَــنْ عِنْدَهُ.) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.  جَعَلَنَا اللهُ مِنْ أُولَئِكَ.

عِبَادَ اللهِ: وَمَنْ يِشْتَغِلُ بِتَتَبُّعِ أَحْوَالِ النَّاسِ وَأَفْعَالِهِمْ وَيَنْقُلُهَا لِغَيرِهِ؛ لَا يَسْلَمُ النَّاسُ مِنْ لِسَانِهِ، وَقَدْ قَالَ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ  يَا رَسُولَ اللهِ، أَيُّ الإِسْلَامِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: ( مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ، وَيَدِهِ ) أَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ ومُسْلِمٌ.

يَبْدَأُ الكَلَامُ بِخَبَرٍ مُجَرَّدٍ، ثُمَّ يَتَتَابَعُ لِيَجُرَّ غَيْرَهُ؛ مِنْ غِيبَةِ النَّاسِ وَبُهْتَانِهِمْ، وَنَشْرِ مَعَايِبِهِمْ؛ وتَتَبُّعِ عَوْرَاتِهِمْ؛ وَفِي الحَدِيثِ: ( وَمَنْ سَتَــرَ مُسْــلِمًا، سَتَرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.

عِبَادَ اللهِ: يَقُولُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ المَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ ) أخرجه الترمذي وصححه الألباني. 

أيْ: مِنْ تَمَامِ إِسْلَامِهِ وَحُسْنِهِ وكَمَالِهِ؛ وَهَذَا فَضْلٌ عَظِيمٌ فَرَّطَ فِيهِ المُشْتَغِلُ بِقِيلَ وَقَالَ.

وَقَدْ ذَكَرَ العُلَمَاءُ أَنَّ الاشْتِغَالَ بِمَا لَا يَعْنِي مِنْ أَقْوَالِ النَّاسِ وَأَحْوَالِهِمْ وَتَصَرُّفَاتِهِمْ: يُصِيبُ القُلُوبَ بِالغَفْلَةِ وَالقَسْوَةِ؛ يَتَكَلَّمُ فِيمَا لَا يَعْنِيهِ، وَيَسْتَمِعُ إِلَى مَا لَا يَعْنِيهِ، وَيَكْتُبُ وَيَقْرَأُ فِيْمَا لَا يَعْنِيهِ، وَيَسْأَلُ عَمَّا لَا يَعْنِيهِ، وَيَنْقُلُ أَخْبَارًا لَا تَعْنِيهِ وَلَا تَعْنِي السَّامِعِينَ، كُلُّ هَذَا مِمَّا يُشْغِلُ القَلْبَ وَيُشَتِّتُهُ؛ فَتُصِيْبُهُ الغَفْلَةُ وَالقَسْوَةُ.

عِبَادَ اللهِ: ثُمَّ لْتَعْلَمُوا ـ رَحِمَكُمُ اللهُ ـ  أَنَّ مَنْ يَنْقُلُ كُلَّ مَا يَسْمَعُ دُونَ تَثَبُّتٍ؛ وَاقِعٌ فِي الكَذِبِ لَا مَحَالَةَ؛ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.  يَقُولُ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: فَإِنَّهُ يَسْمَعُ فِي الْعَادَةِ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ فَإِذَا حَدَّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ فَقَدْ كَذَبَ لِإِخْبَارِهِ بِمَا لَمْ يَكُنْ. أهـ

أَجَارَنِي اللهُ وَإِيَّاكُمْ مِنَ الكَذِبِ؛ وَبَارَكَ لِي وَلَكُمْ فِي القُرْآنِ العَظِيمِ... وَأَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ ... الغَفُورُ الرَّحِيم.

الخطبة الثانية: 

الحَمْدُ لِلَّهِ ... أَمَّا بَعْدُ: فَاعْلَمُوا ـ رَحِمَكُمُ اللهُ ـ  أَنَّ مَنْ يَشْتَغِلُ بِقِيلَ وَقَالَ؛ يَنْقُلُ كُلَّ خَبَرٍ، وَيَنْشُرُ كُلَّ رِسَالَةٍ، وَكُلَّ مَقْطَعٍ؛ لَا يُمَحِصُّ وَلَا يُدَقِّقُ؛ قَدْ يَقَعُ فِي إِشَاعَةِ الفَسَادِ وَنَشْرِهِ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُ، قَدْ يَنْشُرُ مَا يَتَضَمَّنُ إِذْكَاءَ الْفِتَنِ، وَمَا يَتَضَمَّنُ التَّبَرُّجَ وَالسُّفُورَ، وَما  يَتَضَمَّنُ التَّفَلُّتَ مِنَ الدِّينِ، وَالِاعْتِرَاضَ عَلَى ثَوَابِتِهِ وَمُسْلَّمَاتِهِ؛ وَهُوَ بِقَصْدٍ أَوْ بِغَيرِ قَصْدٍ يُرَوِّجُ لِمِثْلِ هَذِهِ؛ وَيُهَوِّنُهُا عَلَى المُجْتَمَعِ؛ يَرَونَهَا المَرَّةَ وَالمَرَّتَينِ وَالْأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَتَهُونُ عَلَيْهِمْ.

وَلَقَدْ تَسَاهَلَ النَّاسُ بِكَثِيرٍ مِنَ المُحَرَّمَاتِ، وَفَرَّطُوا فِي كَثِيرٍ مِنَ الوَاجِبَاتِ، وَتَزَعْزَعَتْ عِنْدَهُمْ ثَوَابِتُ مِنَ الدِّينِ؛ بِسَبَبِ كَثْرَةِ تَدَاوُلِ هَذِهِ المَقَاطِعِ أوْ الرَّسَائِلِ.

أَلَا فَاعْلَمُوا أنَّ مَنْ يَنْشُرُ مِثْلَ هَذِهِ الرَّسَائِلِ وَالمَقَاطِعِ مُخْطِئٌ وَلَوْ كَانَ قَصْدُهُ حَسَنًا. فَتَنَبَّهُوا وَفَّقَكُمُ اللهُ.

أَخِي المُسْلِمُ: أَيُّ خَبَرٍ وَأَيُّ كَلَامٍ لَمْ تَتَأَكَّدْ مِنْ صِحَّتِهِ؛ فَلَا تَقُلْهُ، وَلَا تَنْقُلْهُ، وَلَا تُشَارِكْ فِي نَقْلِهِ؛ بَلْ حَتَّى لَوْ كَانَ الكَلَامُ صَحِيْحًا وَالخَبَرُ صَادِقًا؛ فَانْظُرْ هَلْ فِي نَقْلِهِ خَيْرٌ ومَصْلَحَةٌ أَمْ لَا؛ فَإِنْ كَانَتْ مَصْلَحَةٌ وَإِلَّا فَعَلَيْكَ بِالصَّمْتِ؛ مُمْتَثِلًا هَدْيَ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ، فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ.) أَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ ومُسْلِمٌ.

عَلَيْكَ بِالصَّمْتِ، وَلَا تُكْثِرْ مِنَ الكَلَامِ فَتُكْثِرَ مِنْ الأَخْطَاءِ، وَتُكْثِرَ مِنَ النَّدَمِ.

وَلَئِنْ نَدِمْتَ عَلَى سُكُوتِكَ مَرَّةً

فَلَقَدْ نَدِمْتَ عَلَى الكَـلَامِ مِرَارًا

أَمْسِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ، لَا تَظُنَّ أَنَّكَ تَعْرِفُ كُلَّ شَيءٍ، وَلَا أَنَّهُ يُمْكِنُكَ التَّحَدُّثُ عَنْ كُلِّ شَيءٍ، وَالمُشَارَكَةُ فِي كُلِّ شَيءٍ.

لِيَكُنْ هَذَا الحَدِيثُ نُصْبَ عَيْنَيكَ: ( إِنَّ اللهَ كَرِهَ لَكُمْ ثَلاَثًا: قِيلَ وَقَالَ، وَإِضَاعَةَ المَالِ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ )

هَذَا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا رَحِمَكُمُ اللهُ...اللهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، ...مَجِيدٌ. اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلَامَ...

اللَّهُمَّ أصْلِحْ أئِمَّتَنَا...

عِبَادَ اللهِ: اُذْكُرُوا اللهَ ...

 

المشاهدات 6982 | التعليقات 0