وقفات مع تعرفة المياه الجديدة

عبدالله اليابس
1437/06/22 - 2016/03/31 16:38PM
وقفات مع تعرفة المياه الجمعة 23/6/1437هـ

الحمد لله ذي العرش المجيد، والبطش الشديد, الفعالِ لمايريد، المنتقمِ ممن عصاه بنار تلظى بدوام الوقيد، المكرِمِ سبحانه وتعالى لمن أطاعه واتقاه بجناتٍ لا ينفذ نعيمها بل يزيد، فسبحان الذي قَسَّم خلقه قسمين, وجعلهم فريقين, فمنهم شقي وسعيد, {منْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَاوَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ}.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الأحد القيوم الصمد، {الذي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ}.
الشمس والبــدر مــن آيـات قدرته *** والبـر والبحر فيـض من عطاياه
الطير سَبَّحَــــه والوحــش مجَّده *** والموج كبـَّـره والحــوت ناجاه
والنمل تحت الصخور الصـم قَدَّسهُ***والنحل يهتـف حمداً فى خلاياه
والناس يعصونـه جهـــرا فيسترهم *** والعبد ينســى وربـي ليس ينساه
وأشهد أن محمد رسول الله, النبي المصطفى, والرسول المجتبى, الرحمة المهداة, والنعمة المسداة، فاللهم صل عليه وسلم, وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً}
أما بعد: يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم .. مالئة الدنيا هذه الأيام, وشاغلة الناس, هي حديث المجالس, ويتصدر اسمها اليوم عناوين الصحف, وتعقد لأجلها الدوات والحلقات التلفزيونية والمؤتمرات الصحفية, يتناولها الجميع بالتحليل, والناس حولها ما بين مؤيد ومعارض, إنها تعرفة فواتير المياه الجديدة, ولنا معها وقفات:
الوقفة الأولى: الماء.. أرخص موجود وأغلى مفقود, هو سر الحياة وعَصَبُها, فلا حياة لأي كائن حي دون ماء, كما قال الله تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ}.
وحتى نتخيل الحياة دون الماء, فإن الإنسان الطبيعي لا يستطيع أن يعيش في المتوسط أكثر من خمسة أيام دون أن يشرب الماء, وتخيل كيف ستكون الحياة دون ماء للشرب, ودون ماء لغسيل الأبدان والأواني والبيوت, ولا ماء لسقي المزروعات, وبالتالي تتلف جميع المحاصيل التي يقتات عليها الإنسان والحيوان, كما أن كثيرًا من الصناعات ستتوقف؛ لأن غالبية الصناعات تقوم على الماء.
الماء يشكل 75% من مساحة الكرة الأرضية, لكن المفاجأة أن 97% من هذه المياه هي مياه مالحة تتمثل في البحار والمحيطات, و3% منها فقط صالحة للشرب, غالبيتها في القطبين المتجمدين.
وتشير بعض الإحصائيات إلى أن ما يقارب 840.000 شخص يموتون سنوياً لأسباب تتعلق بالمياه, وأن نقص المياه يهدد أكثر من 80 دولة حول العالم تحتوي على أكثر من ملياري نسمة.
والمملكة من أكثر دول العالم شحًا في مصادر المياه, فلا أنهار ولا أودية تجري طوال العام, فلا يوجد إلا المياه الجوفية وتحلية مياه البحار, ومع ذلك فإن المملكة هي ثالث دول العالم في استهلاك المياه!
الوقفة الثانية: الإسراف منهي عنه في كل شيء إلا في عمل الخير, يقول الله تبارك وتعالى: {وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ}, ويقول سبحانه وتعالى: {وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا}, ويقول تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً}.
وروى الإمام أحمد وابن ماجه وحسنه الألباني عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِسَعْدٍ وَهُوَ يَتَوَضَّأُ, فَقَالَ: مَا هَذَا السَّرَفُ يَا سَعْدُ؟ قَالَ: أَفِي الْوُضُوءِ سَرَفٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَإِنْ كُنْتَ عَلَى نَهْرٍ جَارٍ).
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ بالمُدِّ ويغتسل بالصاع, والصاع أربعة أمداد, والمُدّ يعادل 600 ملليتر تقريباً.
الإسلام دين الاقتصاد والتدبير, لا دين الإسراف والتبذير, فحريٌّ بالمسلم أن يقتصد في استعمال الماء, فكيف إذا كان ذلك مع شح مصادر المياه ومواردها, وارتفاع تكلفة الحصول عليه.
الوقفة الثالثة: وارتفعت تعرفة المياه, وبعد أن كنا نحصل على الماء بسعر زهيد جدًا أصبح الإنسان يحسب لاستهلاكه حِسبته, ويَقدُر له قدرَه, ويراقب فاتورته نهاية الشهر ليعرف مقدار استهلاكه.
وانقسم الناس في ذلك بين مؤيد ومعارض, وتشاءم البعض بذلك وتذمروا, وملؤوا المجالس تذمرًا وشكوى, ولأن هذه الشكوى لن تغير من الأمر شيئًا, ولن تنقص ريالاً واحدًا من فاتورتك .. فلذلك أقول لك أيها الحبيب: بدلاً من أن تلعن الظلام .. أوقد شمعة!
الأمر أصبح واقعًا شئنا أم أبينا .. فالمطلوب منَّا اليوم التكيف مع هذا التغيير, وتصحيح العادات الاستهلاكية التي تؤدي إلى الترشيد في استهلاكنا للمياه, وبالتالي انخفاض قيمة الفاتورة.
أصبح من الواجب علينا اليوم مراجعة استهلاكنا للماء, ومتابعة التمديدات في المنازل, والكشف عن التسريبات, والأخذ بنصائح المختصين لأجل الترشيد في استهلاك الماء, ومن ذلك:
استخدام وسائل الترشيد التي قامت وزارة المياه بتوزيعها قبل مدة, أو شراء أمثالها من السوق, والتي تتمثل في أكياس توضع في صناديق الطرد للتقليل من كمية المياه, وقطع تركب في رأس الحنفيات لتقليل كميات المياه الخارجة منها.
ومن وسائل الترشيد غلق الماء أثناء الاستحمام أو تنظيف الأسنان أو الأواني عند عدم الحاجة إليه.
ومن الوسائل عدم فتح الحنفيات بشكل كامل أثناء استعمالها.
إلى غير ذلك من وسائل الترشيد المختلفة.
الوقفة الرابعة: في اللقاءات والمناسبات توزع على الناس قوارير للمياه, ويشرب كثير من الناس جزءً منها ويتركون بقية في هذه القوارير.
ولذلك فمن المستحسن على أهل المناسبات أن يقتنوا القوارير ذات الأحجام الصغيرة والتي تكون على قدر كفاية الشارب, فإذا أراد زيادة فبإمكانه أن يأخذ قارورة أخرى.
أما المتبقي من هذه المياه فلا ينبغي أن يسكب في مصارف المياه, وإنما يستفاد منه في ري المزروعات أو في الغسيل أو غير ذلك.
وتأكد أنك بذلك محسن مثاب إذا صلُحت النية إن شاء الله.
باركَ اللهُ لي ولكم في القرآنِ العظيمِ، ونفعني وإياكم بما فيه من الآياتِ والذِّكرِ الحكيمِ .. أقولُ قولي هذا وأستغفرُ اللهَ العظيمَ الجليلَ لي ولكم ولسائرِ المسلمينَ من كلِّ ذنبٍ فاستغفروه إنه هو الغفورُ الرحيمُ.
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ رب العالمين, وصلى الله وسلم على النبي الأمين, وعلى آله وصحبه أجمعين, أما بعدُ:
فاتقوا الله عباد الله ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون.
يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم .. فما زلنا في وقفات حول تعرفة المياه الجديدة, والوقفة الخامسة: صرح بعض المسؤولين خلال الأيام الماضية ببعض التصريحات التي لم ترق لكثير من الناس, وانقلبت وسائل التواصل الاجتماعي بالسخرية على هؤلاء المسؤولين, والسخرية منهم, بل تجاوز الأمر إلى إطلاق بعض الألقاب على أولئك المسؤولين.
إن السخرية بالمسلمين من الأمور المرحمة شرعًا, سواء كان المسخور منه مسؤولاً أم غير مسؤول, والله تبارك وتعالى يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}.
قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره لهذه الآية: (ينهى تعالى عن السخرية بالناس، وهو احتقارهم والاستهزاء بهم،... فإنه قد يكون المحتقَر أعظم قدرًا عند الله، وأحب إليه من الساخر منه المحتقِر له؛... وقولُه: و"َلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ". أي: لا تلمزوا الناس. والهماز اللماز من الرجال مذموم ملعون... وقوله: "وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ". أي: لا تتداعوا بالألقاب، وهي التي يسوء الشخص سماعها) ا.هـ.
ويقول الله تعالى: {وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ * الَّذِي جَمَعَ مَالاً وَعَدَّدَهُ * يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ * كَلاَّ لَيُنبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ}.
فالساخر من الناس متوعد بالنار والعياذ بالله.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قلتُ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : حسبُك من صفيَّةَ كذا. قال بعضُ الرُّواةِ: تعني قصيرةً، فقال: (لقد قلتِ كلمةً لو مُزِجتْ بماءِ البحرِ لمَزجَتْه).
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (لو سَخِرتُ من كلب، لخشيت أن أكون كلبًا، وإني لأكره أن أرى الرجل فارغًا؛ ليس في عمل آخرة ولا دنيا), وقال إبراهيم النخعي رحمه الله: (إني لأرى الشيء أكرهه؛ فما يمنعني أن أتكلم فيه إلا مخافة أن أبتلى بمثله), وقال القرطبي رحمه الله: (من لَقَّب أخاه أو سَخِر منه فهو فاسق).
فتأمل أيها الحبيب خطورة الاستهزاء بالناس, واحفظ لسانك ويدك عن ذلك, وتذكر قول الله تعالى: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ}.
الوقفة السادسة والأخيرة: في الوقت الذي ننعم فيه بفضل الله تعالى بنعمة الأمن والعافية وتوفر الغذاء والماء والدواء .. فهناك غير بعيد منَّا .. حصار خانق على أكثر من مائة ألف من إخوة لنا في الدين والعقيدة في محافظة الفلوجة في العراق.. فمنذ أكثر من شهرين منعت عنهم الحكومة والميليشيات الشيعية دخول الغذاء والدواء.. فأصيبت البلد بالمجاعة, ومات كثير من المرضى هناك بسبب نقص الأدوية, ومات آخرون بسبب الجوع, بل أقدم البعض على الانتحار, وألقت أم بنفسها وأطفالها الثلاثة في النهر بعد أن ربطتهم حول خصرها فماتوا جميعًا.
مأساة إنسانية بمعنى الكلمة, لا نملك معها إلا ندعو الله تعالى لهم أن يكشف ما بهم من الغمة, فخُصُّوهم أيها المسلمون بدعوة, وألحوا على الله تعالى أن يكشف الغمة عن هذه الأمة.
وتذكروا ما أنتم فيه من النعم, واحمدوه سبحانه واشكروه عليها, فقد تأذن بالزيادة للشاكرين, وبالعذاب للكافرين.
فاللهم إنا نحمدك على نعمك التي لا تعد ولا تحصى, لك الحمد على نعمة الإسلام, وعلى نعمة القرآن وعلى نعمة الأهل والمال والمعافاة.
لك الحمد حتى ترضى, ولك الحمد إذا رضيت, ولك الحمد بعد الرضى, ولك الحمد على كل حال.
عباد الله .. إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى, وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي, يعظكم لعلكم تذكرون, فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم, واشكروه على نعمه يزدكم, ولذكر الله أكبر, والله يعلم ما تصنعون.
المرفقات

وقفات مع تعرفة المياه 23-6-1437.docx

وقفات مع تعرفة المياه 23-6-1437.docx

المشاهدات 1533 | التعليقات 0