وَقْفَاتُ مَعَ الدِّرَاسِيِّ الْجَدِيدِ 1444هـ
سعود المغيص
الخُطْبَةُ الأُولَى
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
أَمَّا بعدُ عباد الله :
اتقوا الله تعالى واعلموا أننا بعد غدٍ نَسْتَقْبِلُ بِدَايَةَ عَامٍ دِرَاسِيٍّ جَدِيدٍ ، وَمُنَاسَبَةٌ جَدِيرَةٌ بِالْعِنَايَةِ وَالِاهْتِمَامِ ، جَعَلَهُ اللهُ عَامًا دِرَاسِياً مُبَارَكًا ؛
أيها الأخوة الفضلاء : لنا مَعَ هَذِهِ الْـمُنَاسَبَةِ وَقَفَاتٌ :
الَوَقْفَةُ الْأُولَى : لِلْعِلْمِ مَنْزِلَةٌ رَفِيعَةٌ وَشَرَفٌ عَظِيمٌ يَنْبَغِي أنْ يُدْرِكَهُ كُلُّ مُعَلِّمٍ وَمُعَلِّمَةٍ، وَكُلُّ طَالِبٍ وَطَالِبَةٍ، وَكُلُّ وَلِيِّ أَمْرٍ.
وتَعْلِيمُ النَّاسِ، وَرَفْعُ الجَهْلِ عَنْهُمْ؛ دَعْوَتُهُمْ لِلْخَيرِ، وَتَحْذِيرُهُمْ مِنَ الشَّرِ؛ هِيَ المُهِمَّةُ العُظْمَى الَّتِي قَامَ بِهَا رُسُلُ اللهِ، عَلَيهِمْ صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ، وَهِيَ قُرْبَةٌ إِلَى اللهِ تَعَالَى، وَمَجَالٌ خَصْبٌ لِكَسْبِ الحَسَنَاتِ وَمُضَاعَفَتِهَا؛
يَقُولُ عَليهِ الصلاةُ والسَّلامُ : ( إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَوَاتِ وَالأَرَضِينَ حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا وَحَتَّى الحُوتَ لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الخَيْرَ )
الوقفة الثانية : يَنْبَغِي لكُلِّ مُعَلِّمٍ وَمُعَلِّمَةٍ وَقَائِدِ مَدْرَسَةٍ، وَوَكِيلٍ ومُرْشِدٍ لِلطُّلَّابِ: أنْ يُدْرِكُوا عِظَمَ مَا تَحَمَّلُوا مِنَ أمَانَةِ التَّرْبِيَةِ وَالتَّعْلِيمِ، وَأَنَّهُمْ سَيُسْأَلُونَ عَنْهَا وَسيُحَاسَبُونَ.
قال تعالى : ( إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً )
فاللهَ اللهَ فِي بَذْلِ مَا يُصْلِحُ الطُّلَّابَ، قَدِّمُوا لَهُمُ العُلُومَ النَّافِعَةَ بِأَسْهَلِ طَرِيقٍ وَأَقْرَبِهِ لِلفَهْمِ، رَبُّوا طُلَّابَكُم وَأَدِّبُوهُمْ بِأَفْعَالِكُمْ قَبْلَ أقْوَالِكُمْ.
قُومُوا بِتَهْذِيبِ سُلُوكِ الطَّالِبِ وَخُلُقِهِ، وَصِيَانَةِ عَقْلِهِ وَدِينِهِ. لِيَخْرُجَ لِلمُجْتَمَعِ عَلَى أَيْدِيكُمْ صَالِحُونَ مُصْلِحُونَ نَافِعُونَ لِأَنْفُسِهِمْ وَدِيْنِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ ووطنهم وَمُجْتَمَعِهِمْ، يَخَافُونَ اللهَ وَيُرَاقِبُونَهُ قَبْلَ أنْ يُرَاقِبُوا مُدِيراً أوْ مَسْؤُولاً.
الوقفة الثالثة : يَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: ( إنَّ الرِّفْقَ لَا يَكُونُ في شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَلَا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ (
اُرْفُقُوا بِطُلَّابِكُمْ ؛ لَا تُثْقِلُوا عَلَيهِمْ؛ فَتَجْمَعُوا لَهُمُ الدَّرْسَينِ وَالثَّلاثَةِ، يَسِّرُوا لَهُمُ الْعِلْمَ، وَاعْرِضُوا لَهُمْ صِغَارَ المَسَائِلِ قَبْلَ كِبَارِهَا.
لَا تَحْتَقِرُوهُمْ أوْ تَهْزَؤُوا بِهِمْ، أوْ تَسْخَرُوا مِنْ سُؤَالِ أَحَدِهِمْ، أوْ تُحْرِجُوهُ أمَامَ زُمَلَائِهِ .
اُرْفُقُوا بِهِمْ فِي تَرْبِيَتِهِمْ وَتَعْلِيمِهِمْ، ثُمَّ ارْفُقُوا كَذَلِكَ بِفُقَرَائِهِمْ، فَلَا تَطْلُبُوا مِنْهُمْ مَالَا حَاجَةَ لَهُ مُلِحَّةً، أوْ مَا يُمْكِنُ الِاسْتِغْناءُ عَنْهُ
الوقفة الرابعة : اجْتَهِدُوا أيُّهَا الآبَاءُ ، أنْ تَغْرِسُوا فِي قُلُوبِ أوْلَادِكُم حُبَّ العِلْمِ وَالعُلَمَاءِ، اغْرِسُوا فِي نُفُوسِهِمْ أنَّهُمْ يَذْهَبُونَ لِلْمَدْرَسَةِ لِتَحْصِيلِ العِلْمِ، وَرَفْعِ الجَهْلِ، وَخِدْمَةِ الدِّينِ، وَتَقْدِيمِ النَّفْعِ لِأَنفُسِهِمْ وَأهلِهِمْ ووطنهم ومُجْتَمَعِهِمْ؛
الوقفة الخامسة : مَعَاشِرَ الْأَوْلِيَاءِ : اللهَ اللهَ فِي حُقُوقِ المُعَلِّمِينَ وَالمُعَلِّمَاتِ، رَبُّوا أَوْلَادَكُمْ عَلَى حُبِّهِمْ وَإِجْلَالِهِمْ وَتَوقِيرِهِمْ وَاحْتِرَامِهِمْ وَالصَّبْرِ عَلَى قَسْوَتِهِمْ.
تَابِعُوا أَوْلَادَكُمْ فِي دُرُوسِهِمْ، وَاسْأَلُوا عَنْ أَحْوَالِهِمْ أوَّلًا بِأوَّلٍ، مَنْ يُجَالِسُونَ وَمَنْ يُصَاحِبُونَ.
أَسْأَلُ اللهَ تَعَالَى أَنْ يُوَفِّقَنَا لِهُدَاهُ ، وَأَنْ يَجْعَلَ عَمَلَنَا فِي رِضَاهُ إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ .
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ .
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَلاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوَانِهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَعْوَانِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا،
أَمَّا بعدُ عباد الله :
الوقفة السادسة : وَصِيَّةٌ لِلطُّلَابِ وَفَّقَهُمُ اللهُ وَأَعَانَهُمْ وَسَدَّدَهُمْ : اِبْدَأُوا عَامَكُمْ بِالجِدِّ، وَاحْرِصُوا مَا اسْتَطَعْتُمْ عَلَى تَحْصِيلِ الْعِلْمِ النَّافِعِ، وَابْذُلُوا غَايَةَ الجُهْدِ لِرُسُوخِهِ،
اجْتَهِدُوا أوَّلًا بِأَوَّلٍ، وَرَاجِعُوا مَا تَعَلَّمْتُمْ لِيَثْبُتَ، اذْهَبُوا لِمَدَارِسِكُم رَاغِبِينَ مُحِبِّينَ لِلْعِلْمِ وَأهْلِهِ، وَالتَّزُوُدِ مِنْهُ، لِتَكُنْ هِمَمُكُمْ عَالِيَةً،
وَلَا تَرْضَوا مِنَ العِلْمِ بِالقَلِيلِ، وَتَفْرَحُوا بِمَا يُحْذَفُ عَنْكُمْ مِنَ الدُّرُوسِ.
ثُمَّ تَحَلَّوا وَفَّقَكُمُ اللهُ بِالأَخْلَاقِ الكَرِيمَةِ، وَتَجَنَّبُوا الرَّذَائِلَ، وَاحْذَرُوا جُلَسَاءَ السُّوءِ.
الوقفة الأخيرة : تَفَقَّدُوا الفُقَرَاءَ وَالمُحْتَاجِينَ، وَتَلَمَّسُوا حَوَائِجَهُمْ، أشْفِقُوا عَلَى فَقِيرٍ لَا يَدْرِي أَيُوَاجِهُ غَلَاءَ المَعِيْشَةِ، أَمِ المُسْتَلْزَمَاتِ الدِّرَاسِيَّةِ؛ وَقَدْ يَكُونُ عِنْدَهُ عَدَدٌ مِنَ الأَبْنَاءِ وَالبَنَاتِ، فَرِّجُوا عنهم ، فَرَّجَ اللهُ عَنْكُمْ ـ كُرْبَةَ مَكْرُوبٍ
وَوَسِّعُوا عَلى مُحْتَاجٍ، قال صلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا، نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ، يَسَّرَ اللهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا، سَتَرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَاللهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ )
نسأل الله الإعانة والتوفيق لأولياء الأمور والمعلمين والمعلمات والطلاب والطالبات ،
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالمُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ وَانْصُرْ عِبَادَكَ المُوَحِّدِينَ، اللَّهُمَّ وَعَلَيْكَ بِأَعْدَئِكَ يَا قَوِيُّ يَا عَزِيزُ.
اللَّهُمَّ أَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، اللَّهُمَّ وَفِّقْ وُلَاةَ أَمْرِنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى وَخُذْ بِنَوَاصِيهِمْ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا وَإِيَّاهُمْ لِهُدَاكَ وَاجْعَلْ عَمَلَنَا فِي رِضَاكَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.
اللهم انصر جنودنا واحفظ حدُودَنا. واغفر لنا ولِوالِدينا وللمسلمينَ ياربَّ العالمينَ.
(ربَّنا آتِنا في الدُّنيا حَسَنةً وفي الآخِرَةِ حَسَنةً وقِنَا عذابَ النار)
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.
سُبحانَ ربِّكَ ربِّ العِزَّةِ عمَّا يصفون ، وسلامٌ على المرسلين، والحمدُ لله رب العالمين.