وقفات مع الإمتحنات وفضل شهر شعبان
أبو شهد
1436/08/03 - 2015/05/21 17:39PM
الحمد لله القائل: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا) أحمده سبحانه يعطي كلاً على قدر كده ويزيد اللذين اهتدوا هدى وإيمانا. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده يجزي اللذين أساؤوا بما عملوا ويجزي اللذين أحسنوا بالحسنى. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله جاهد في سبيل ربه وكان في خدمة أهله وعبد ربه حتى أتاه اليقين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماَ. أما بعد:
فإنَّ وصيَّةَ اللهِ لنا ، تقواهُ سبحانهُ في السِّرِّ والعلانِيَةِ, فهي العِزُّ يومَ الذُّلِّ، وهي النَّجاةُ يومَ الهَلاكِ، بالتَّقوى تَشْرُفُ النَّفسُ، ويَثقُلُ المِيزانُ، وَيَعلُو القَدْرُ، ويحصُلُ القُربُ من الرَّبِّ: (فاَتَّقُواْ اللَّهَ ياأُوْلِى الألْبَـابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).
أَيُّهَا المُسلِمُونَ، نِعمَةٌ الأَولادِ مِن أَجَلِّ النِّعَمِ وَأَعظَمِهَا؛ إِذْ هُمْ زِينَةُ الحَيَاةِ الدُّنيَا وَبَهجَتُهَا، يَبَرُّونَ الآبَاءَ وَيَحمِلُونَ أَسمَاءَهُم، وَيَصِلُونَ أَرحَامَهُم وَيَرفَعُونَ ذِكرَهُم، وعَلَى سَوَاعِدِهِم يُبنى المُستَقبَلُ، وَبِأَفكَارِهِم يَرتَقِي المُجتَمَعُ، وَبِهِمَمِهِم تَعلُو الأُمَّةُ، وَبِجِدِّهِم تُعمَرُ الدِّيَارُ، وَبِقُوَّتِهِم تُحفَظُ البِلادُ، لَكِنَّ هَذِهِ النِّعمَةَ في المُقَابِلِ أَمَانَةٌ ثَقِيلَةُ التَّبِعَاتِ، وَالعِنَايَةُ بها تَحتَاجُ إِلى بَذلِ جُهُودٍ وَصَرفِ أَوقَاتٍ، وَحِفظُهَا لا يَتِمُّ إِلاَّ بِتَكَاتُفِ الآبَاءِ وَالأُمَّهَاتِ0
وَإِنَّنَا ـ عباد الله ـ فِيمَا سَيَأتي مِن أَيَّامٍ مُقبِلُونَ عَلَى مَوسِمٍ مِن أَشَدِّ مَوَاسِمِ التَّربِيَةِ حَسَاسِيَةً، إِنَّهَا الامتِحَانَاتُ الدِّرَاسِيَّةُ، وَالَّتي سَيَدخُلُ مُعتَرَكَهَا شَرِيحَةٌ مِن أَغلَى شَرَائِحِ المُجتَمَعِ، هِيَ أَسرَعُهُم تَأَثُّرًا بما يَجرِي حَولَهَا، وَأَكثَرُهُم تَشَرُّبًا لِمَا يُلقَى عَلَيهَا، أُولَئِكَ هُم طُلاَّبُ المَدَارِسِ المُتَوَسِّطَةِ وَالثَّانَوِيَّةِ ، وَإِنَّهُ لَو كَانَتِ الامتِحَانَاتُ مَعلُومَاتٍ تُحفَظُ ثم تُلقَى عَلَى أَورَاقِ الإِجَابَاتِ لَكَانَ أَمرُهَا سَهلاً مُيَسَّرًا؛ إِذِ الإِخفَاقُ يَعقُبُهُ نَجَاحٌ، وَضَعفُ الدَّرَجَةِ قَد يُستَدرَكُ، وَالقُصُورُ قَد يُتَلافى، لَكِنَّ القَضِيَّةَ أَنَّ الامتِحَانَ امتِحَانٌ لِلمُجتَمَعِ كُلِّهِ عَلَى مُختَلِفِ مُستَوَيَاتِهِ، وَاختِبَارٌ لأَولِيَاءِ الأُمُورِ وَالآبَاءِ، وَمِقيَاسٌ لِكَفَاءَةِ التَّربَوِيِّينَ وَالمَسؤُولِينَ.
وَلَقَد ثَبَتَ بِشَهَادَةِ الوَاقِعِ وَتَتَبُّعِ كَثِيرٍ مِن رِجَالِ التَّربِيَةِ وَالتَّعلِيمِ أَنَّ أَيَّامَ الامتِحَانِ مِن أَصعَبِ مَا يَمُرَّ بِالفَتى المُرَاهِقِ وَالشَّابِّ اليَافِعِ؛ إِذْ فِيهَا يُرخَى العِنَانُ وَيَنفَلِتُ الزِّمَامُ، وَيَختَلِفُ النِّظَامُ وَيَتَغَيَّرُ الدَّوَامُ، وَيَكثُرُ الفَرَاغُ ، وَيَجِدُ الطُّلاَّبُ بَينَ فَتَرَاتِ الامتِحَانِ وبَينَ خُرُوجِهِم مِنهُ وَعَودَتِهِم إِلى البُيُوتِ مَا قَد يَتَعَلَّمُونَ فِيهِ مِنَ الفَسَادِ الشَّيءَ الكَثِيرَ، وَمَا قَد يُؤذُونَ فِيهِ أَنفُسَهُم وَيَتَعَدَّونَ عَلى الآخَرِينَ، وَمَا قَد يَكتَسِبُونَ فِيهِ كَثِيرًا مِنَ العَادَاتِ السَّيِّئَةِ وَيَقَعُونَ في عَدَدٍ مِنَ الآفَاتِ المُهلِكَةِ، ممَّا لَو جُمِعَ ثم وُزِنَ بما اكتَسَبُوهُ في أَيَّامِ دِرَاسَتِهِم كُلِّهَا لَسَاوَاهُ أَو زَادَ عَلَيهِ 0وَمِن هُنَا ـ أَيُّهَا الآبَاءُ ـ فَإِنَّهُ يَجدُرُ بِنَا أَن نَقِفَ وَقَفَاتٍ نُوصِي بها مَن وَهَبَهُمُ اللهُ هَذِهِ الزِّينَةَ؛ قبل أن َيَعَضُّوا أَصَابِعَ النَّدَمِ عَلَى مَا فَرَّطُوا، وَقَد يَكُونُ قَد فَاتَ الفَوتُ وَلاتَ سَاعَةَ مَندَمٍ.
الوَقفَةُ الأُولى: إِنَّهُ يَجِبُ عَلَى كُلِّ مَن رَزَقَهُ اللهُ الأَولادَ، أَن يَعلَمَ قَدرَ هَذِهِ النِّعمَةِ فَيَشكُرَهَا لِيُبَارَكَ لَهُ فِيهَا،قال تعالى " وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُم لَئِن شَكَرتم لأَزِيدَنَّكُمْ". وَإِنَّهُ لا شُكرَ لِهَذِهِ النِّعمَةِ مِثل حِفظِهَا وَالقِيَامِ بما يَجِبُ نَحوَهَا مِنَ التَّربِيَةِ الحَسَنَةِ وَالتَّنشِئَةِ الصَّالحةِ؛ إِذْ هِيَ أَمَانَةٌ وَأَيُّ أَمَانَةٍ، قَالَ صلى الله عليه وسلم: ((كُلُّكُم رَاعٍ، وَمَسؤُولٌ عَن رَعِيَّتِهِ))، وَقالَ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: ((إِنَّ اللهَ سَائِلٌ كُلَّ رَاعٍ عَمَّا استَرعَاهُ: حَفِظَ أَم ضَيَّعَ، حَتى يَسأَلَ الرَّجُلَ عَن أَهلِ بَيتِهِ))، وَقَالَ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: ((كَفَى بِالمَرءِ إِثمًا أَن يُضَيِّعَ مَن يَقُوت)).
فَيَا مَعشَرَ الآبَاءِ، الحِرصَ الحِرصَ عَلَى أَن تهتَمُّوا بِعَودَتِهِم بَعدَ انتِهَاءِ الامتِحَانَاتِ مُبَاشَرَةً، فَإِنَّ في بَقَائِهِم بَعدَ الامتِحَانَاتِ في الشَّوَارِعِ أَو في المَطَاعِمِ أَوِ الأَسوَاقِ، إِنَّ فِيهِ لَضَرَرًا كَبِيرًا عَلَى عُقُولِهِم وَأَخلاقِهِم، وَالحُرُّ تَكفِيهِ الإِشَارَةُ.00وأوصي الآباء والأمهات أن يكونوا عندهم جدول إختبارات أبنائهم وبناتهم لمعرفة وقت دخولهم وإنصرافهم لأنه تبين أن بعض الفتيات لا يخبرن آبائهم وأمهاتهم عن موعد إنصرافهن أو هل لديهن فترة واحده أو فترتين فلننتبه لذلك .
الوقفة الثانية : لماذا أيها الأب تركز جهدك واهتمامك وتحرق نفسك أيام الامتحانات فقط ، وتهمل التوجيه وتقصر في المتابعه في الأحوال الأخرى ، والأب الناجح هو الذي يكون عيناً ساهرة ، وقلباً نابضاً في كل حين وآن 0
الوَقفَةُ الثالثة: إِنَّ الصَّاحِبَ سَاحِبٌ، وَالمَرءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ، وَكُلُّ قَرِينٍ بِالمُقَارَنِ يَقتَدِي، وَمِن هُنَا فَإِنَّ عَلَى الأَبِ أَن يَحرِصَ عَلَى مَعرِفَةِ أَصدِقَاءِ أَبنَائِهِ وَمَن يُصَاحِبُونَ، وَأَن يَكُونَ عَلَى دِرَايَةٍ بِمَكَانٍ تَجَمُّعِهِم وَإِلى أَينَ يَذهَبُونَ، عارفاً بما يَجرِي حَولَهُ، مُتَفَقِّهًا في الوَاقِعِ، عَارِفًا بِمُشكِلاتِ الشَّبَابِ والفتيات وَقَضَايَاهُم، وَاعِيًا لما يَدُورُ في مُجتَمَعَاتِهِم، وَإِذَا اكتَشَفَ أَنَّهُ يُصَاحِبُ الأَشرَارَ سَعَى لِتَخلِيصِهِ مِنهُم، وَلا يَجُوزُ لَهُ أَن يَتَهَاوَنَ في هَذَا الأَمرِ بِحَالٍ، أَو يَسمَحَ بِهِ سَاعَةً مِن نهارٍ، فَكَم مِن تَهَاوُنِ سَاعَةٍ أَعقَبَ فَسَادَ أَيَّامٍ، وَتَهَاوُنِ أَيَّامٍ أَنتَجَ فَسَادَ أَعوَامٍ. 0أَلا وَإِنَّ مِنَ الخَطَرِ الَّذِي يُدَاهِمُ الشَّبَابَ في هَذِهِ الأَيَّامِ وَيُمَهِّدُ لَهُ وَيَنشُرُهُ رِفَاقُ السُّوءِ، المُخَدِّرَاتِ، فَاحذَرُوا وَحَذِّرُوا أَبنَاءَكُم وَانتَبِهُوا، فَإِنَّ أَيَّامَ الامتِحَانَاتِ سُوقٌ لِلمُرَوِّجِينَ رَائِجَةٌ، نَسأَلُ اللهَ أَن يَرُدَّ كَيدَهُم في نُحُورِهِم.
(وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ)
بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِيالْقُرْآنِ العظيم ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم..
الخطبه الثانيه:
الحمد لله الذي عظَّم بعض الليالي قدْراً، نحمده سبحانه بكمالاته التي بهرت العقول بهراً، ونشكره شكراً يتوالى على نِعمه التي فاقت العدَّ حصْراً، طاعتُهُ للعامِلِينَ أفْضلُ مُكْتَسب،وتَقْواه للمتقين أعْلَى نسَب وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله؛ أرفع العالمين قدْراً، صلَّى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم إحساناً وفخراً. أما بعد:
عباد الله : إن من أعظم نعم الله تعالى على العباد أن يمدّ الله في عمر أحدهم، فكل يوم يبقى في هذه الدنيا هو غنيمة له ليتزود منه لآخرته، قال تعالى: (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا)
فيا أيها المؤمنون الكرام، فنحن في شهر عظيم الشأن، ألا وهو شهرُ شعبان، فيه تتنزل الرحمة من الله المنّان، وقد عظّمه رسولنا بصالح العمل، واجتهد فيه من غير تعبٍ ولا كلل.
شهرٌكريم بين شهريْن كريمين.. يغفل الناس عنه، والغفلة في هذه الأيامِ أشدُ وأكثر،فالناس منشغلون بالإمتحنات، وبالحوادث السياسية وأخبارها..
ولكن للنبي صلى الله عليه وسلم منهجٌ آخر في التعامل مع ذلك، فمنهج رسولنا صلى الله عليه وسلم هو إستغلال الفرصة ، لا يفوت عليه شهرٌ كريم أو عمل صالحٌ عظيم إلا وقدضرب فيه بسهم .
كان النبي صلى الله عليه وسلم يستغل هذا الشهر بصيامه، حتى أن الصحابة لَحِظُوه، فاستفهموا منه عن ذلك فقال له أسامةُ بنُ زيدٍ رضي الله عنه: ((يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْرًا مِنْ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ! قَالَ" ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ (
فطُوبى لم استغل هذاالشهرَ فصامَه، وإن لم يتيسّر له شيئٌ من ذلك صامَ بعضَ أيامه كالاثنين والخميس..
طوبى لم صام في هذا الحرِّ الشديد يوماً واحداً ليتّقيَ يوماً في الآخر شديداً حرُّه، فـ(مَا مِنْ عَبْدٍ يَصُومُ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ [يعني في مرضاته ويريد به وجه الله والدار الآخرة] إِلَّا بَاعَدَ اللَّهُ بِذَلِكَ الْيَوْمِ وَجْهَهُ عَنْ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا.
وواللهِ من جرِّب صيام يومٍ واحد، لوجَد في قلبه سعادة وفي نفسِه راحةً لا يَعلمها إلا من جرَّبها.
فكُنْ أيها المؤمن ممن أنار الله بصيرته فازداد من العبادة في هذاالشهر الذي يغفَل الناسُ عنه ..وهذا الشهر الكريم أيها الإخوة فيه ليلةٌ يَغفرُ الله فيها لعباده،يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((يطلع الله تبارك و تعالى إلى خلقه ليلة النصف من شعبان ، فيغفر لجميع خلقه ، إلا لمشرك أو مشاحن.
فالمغفرة والرحمة في هذه الليلة لجميع عباد الله المؤمنين الموحدين إلا لمن يحمل صفتين.
الأولى خطرها عظيم على التوحيد والعقيدة وهي الشرك وما أكثر الشرك في حياة المسلمين اليوم!! فمن كان فيه خصلة من الشرك فليتب إلى الله حتى ينال المغفرة والرحمة في هذه الليلة المباركة
وأما الصفة الثانية التي يحرم صاحبها من عفو الله ومغفرته في هذه الليلة فهي المشاحنة والمخاصمة والعداوة بين المسلمين ، والشحناء هي: حقد المسلم على أخيه المسلم بغضًا له؛ لهوى في نفسه، فهذه تمنع المغفرة في أكثر أوقات المغفرة والرحمة، والحرمان من هذا الفضل ليس مختصاً بشعبان،بل حتى في الرحمة الأسبوعية، فقد جاء في صحيح مسلم عن أبى هريرة أَنَّ رَسُول َاللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِيَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا إِلَّا رَجُلًا كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُفَيُقَالُ أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا [أي: حتى يرجعا إلى الصلح والمودة)). فلماذا لايعفو بعضنا عن بعض ويسامح بعضنا بعضًا ويتنازل بعضنا لبعض والمسلم الحصيف هو من طهّر قلبه من هذه الشحناء لينال مغفرة الله تعالى ورحمتَه.وتنبّه من أن ينقطع بك الطريق إلى الله وأنت لم تتزوّد في هذه الدنيا، واحذر أن يُفاجئك الموتُ ولم تعمل من الصالحات إلا ما تتمنى وتترجى فِعْلَه في المستقبل، فالموت لا ينتظرك، ويقطع عليك أمَلَك فلا رجعةَ إلى هذه الدنيا.
فاللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، ويسّر لنا عملاً صالحا في هذا الشهر الكريم نتزوّد به من رحمتك وفضلِك..
هَذَا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا - رَحِمَكُم اللهُ - علَى خَيْرِ الوَرَى وَإِمَامِ الهُدَى كَما أَمَرَ ربُّكم جَلَّ وَعَلَا فَقَال عزَّ مِنْ قائِلٍ: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ﴾اللهمَّ صَلِّ وسَلِّمْ وبارك علَى نبينا مُحَمدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، وَعَلَى التَّابِعِينَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلى يَوْمِ الدِّينِ.
اللهم وأعزَّ الإسلام والمسلمين، وأذلَّ الشِّرْك والمشركين ، وانصر عبادك المؤمنين ، اللهم احقن دماء اخواننا المسلمين في كل مكان اللهم وألف بين قلوبهم واجمع كلمتهم على الحق وأصلح ذات بينهم وأهدهم سبل السلام يا رب العالمين.
اللهمَّ انصُر جُنودَنا في اليَمَنِ على الحَوثِييِّنَ المُعتَدِينَ الظَّالِمينَ,اللهمَّ لا تَرفع للحوثييِّنَ رايَةً واجعلهُم لِمَن خلفَهم عِبرةً وآيَةً يا قَوِيٌ يا عَزِيزُ, اللهمَّ وفِّق إِمَامَنَا لِمَا تُحبُّ وتَرضَى،وفِّقهُ لِهُدَاكَ،واجعَلْ عَمَلَهُ فِي رِضاكَ,اللهمَّ وفِّق وُلاةِ أمور المُسلِمينَ لِلعمَلِ بِكتَابِكَ وَتَحكِيمِ شَرْعِكَ.اللهمَّ إنَّا نَعوذُ بِكَ مِن زَوَالِ نِعمَتِك، وَتَحوُّلِ عَافِيتِكَ،وفُجَاءَةِ نِقمتِكَ،وَجَمِيعِ سَخَطِكَ. رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ .اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا ولوالدينا والمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات ، وَارْحَمْنَا بِرَحْمَتِكَ الَّتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ؛ إِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ. اللَّهُمَّ واجْعَلْ قُلُوبَنَا مُطْمَئِنَّةً بِحُبِّكَ، وَأَلْسِنَتَنَا رَطْبَةً بِذِكْرِكَ، وَجَوَارِحَنَا خَاضِعَةً لِجَلاَلِكَ. اللَّهُمَّ وأَحْسِنْ عَاقِبَتَنَا فِي الأُمُورِ كُلِّهَا، وَأَجِرْنَا مِنْ خِزْيِ الدُّنْيَا وَعَذَابِ الآخِرَةِ. اللَّهُمَّ اجْعَلْ خَيْرَ أَعْمَارِنَا أَوَاخِرَهَا، وَخَيْرَ أَعْمَالِنَا خَوَاتِمَهَا، وَخَيْرَ أَيَّامِنَا يَوْمَ نَلْقَاكَ.
عبادَ اللهِ: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ
فاذكروا اللهَ يذكُركم،واشكُروه على نعمِه يزِدكم، ولذِكرُ الله أكبر، واللهُ يعلمُ ما تصنَعون.
فإنَّ وصيَّةَ اللهِ لنا ، تقواهُ سبحانهُ في السِّرِّ والعلانِيَةِ, فهي العِزُّ يومَ الذُّلِّ، وهي النَّجاةُ يومَ الهَلاكِ، بالتَّقوى تَشْرُفُ النَّفسُ، ويَثقُلُ المِيزانُ، وَيَعلُو القَدْرُ، ويحصُلُ القُربُ من الرَّبِّ: (فاَتَّقُواْ اللَّهَ ياأُوْلِى الألْبَـابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).
أَيُّهَا المُسلِمُونَ، نِعمَةٌ الأَولادِ مِن أَجَلِّ النِّعَمِ وَأَعظَمِهَا؛ إِذْ هُمْ زِينَةُ الحَيَاةِ الدُّنيَا وَبَهجَتُهَا، يَبَرُّونَ الآبَاءَ وَيَحمِلُونَ أَسمَاءَهُم، وَيَصِلُونَ أَرحَامَهُم وَيَرفَعُونَ ذِكرَهُم، وعَلَى سَوَاعِدِهِم يُبنى المُستَقبَلُ، وَبِأَفكَارِهِم يَرتَقِي المُجتَمَعُ، وَبِهِمَمِهِم تَعلُو الأُمَّةُ، وَبِجِدِّهِم تُعمَرُ الدِّيَارُ، وَبِقُوَّتِهِم تُحفَظُ البِلادُ، لَكِنَّ هَذِهِ النِّعمَةَ في المُقَابِلِ أَمَانَةٌ ثَقِيلَةُ التَّبِعَاتِ، وَالعِنَايَةُ بها تَحتَاجُ إِلى بَذلِ جُهُودٍ وَصَرفِ أَوقَاتٍ، وَحِفظُهَا لا يَتِمُّ إِلاَّ بِتَكَاتُفِ الآبَاءِ وَالأُمَّهَاتِ0
وَإِنَّنَا ـ عباد الله ـ فِيمَا سَيَأتي مِن أَيَّامٍ مُقبِلُونَ عَلَى مَوسِمٍ مِن أَشَدِّ مَوَاسِمِ التَّربِيَةِ حَسَاسِيَةً، إِنَّهَا الامتِحَانَاتُ الدِّرَاسِيَّةُ، وَالَّتي سَيَدخُلُ مُعتَرَكَهَا شَرِيحَةٌ مِن أَغلَى شَرَائِحِ المُجتَمَعِ، هِيَ أَسرَعُهُم تَأَثُّرًا بما يَجرِي حَولَهَا، وَأَكثَرُهُم تَشَرُّبًا لِمَا يُلقَى عَلَيهَا، أُولَئِكَ هُم طُلاَّبُ المَدَارِسِ المُتَوَسِّطَةِ وَالثَّانَوِيَّةِ ، وَإِنَّهُ لَو كَانَتِ الامتِحَانَاتُ مَعلُومَاتٍ تُحفَظُ ثم تُلقَى عَلَى أَورَاقِ الإِجَابَاتِ لَكَانَ أَمرُهَا سَهلاً مُيَسَّرًا؛ إِذِ الإِخفَاقُ يَعقُبُهُ نَجَاحٌ، وَضَعفُ الدَّرَجَةِ قَد يُستَدرَكُ، وَالقُصُورُ قَد يُتَلافى، لَكِنَّ القَضِيَّةَ أَنَّ الامتِحَانَ امتِحَانٌ لِلمُجتَمَعِ كُلِّهِ عَلَى مُختَلِفِ مُستَوَيَاتِهِ، وَاختِبَارٌ لأَولِيَاءِ الأُمُورِ وَالآبَاءِ، وَمِقيَاسٌ لِكَفَاءَةِ التَّربَوِيِّينَ وَالمَسؤُولِينَ.
وَلَقَد ثَبَتَ بِشَهَادَةِ الوَاقِعِ وَتَتَبُّعِ كَثِيرٍ مِن رِجَالِ التَّربِيَةِ وَالتَّعلِيمِ أَنَّ أَيَّامَ الامتِحَانِ مِن أَصعَبِ مَا يَمُرَّ بِالفَتى المُرَاهِقِ وَالشَّابِّ اليَافِعِ؛ إِذْ فِيهَا يُرخَى العِنَانُ وَيَنفَلِتُ الزِّمَامُ، وَيَختَلِفُ النِّظَامُ وَيَتَغَيَّرُ الدَّوَامُ، وَيَكثُرُ الفَرَاغُ ، وَيَجِدُ الطُّلاَّبُ بَينَ فَتَرَاتِ الامتِحَانِ وبَينَ خُرُوجِهِم مِنهُ وَعَودَتِهِم إِلى البُيُوتِ مَا قَد يَتَعَلَّمُونَ فِيهِ مِنَ الفَسَادِ الشَّيءَ الكَثِيرَ، وَمَا قَد يُؤذُونَ فِيهِ أَنفُسَهُم وَيَتَعَدَّونَ عَلى الآخَرِينَ، وَمَا قَد يَكتَسِبُونَ فِيهِ كَثِيرًا مِنَ العَادَاتِ السَّيِّئَةِ وَيَقَعُونَ في عَدَدٍ مِنَ الآفَاتِ المُهلِكَةِ، ممَّا لَو جُمِعَ ثم وُزِنَ بما اكتَسَبُوهُ في أَيَّامِ دِرَاسَتِهِم كُلِّهَا لَسَاوَاهُ أَو زَادَ عَلَيهِ 0وَمِن هُنَا ـ أَيُّهَا الآبَاءُ ـ فَإِنَّهُ يَجدُرُ بِنَا أَن نَقِفَ وَقَفَاتٍ نُوصِي بها مَن وَهَبَهُمُ اللهُ هَذِهِ الزِّينَةَ؛ قبل أن َيَعَضُّوا أَصَابِعَ النَّدَمِ عَلَى مَا فَرَّطُوا، وَقَد يَكُونُ قَد فَاتَ الفَوتُ وَلاتَ سَاعَةَ مَندَمٍ.
الوَقفَةُ الأُولى: إِنَّهُ يَجِبُ عَلَى كُلِّ مَن رَزَقَهُ اللهُ الأَولادَ، أَن يَعلَمَ قَدرَ هَذِهِ النِّعمَةِ فَيَشكُرَهَا لِيُبَارَكَ لَهُ فِيهَا،قال تعالى " وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُم لَئِن شَكَرتم لأَزِيدَنَّكُمْ". وَإِنَّهُ لا شُكرَ لِهَذِهِ النِّعمَةِ مِثل حِفظِهَا وَالقِيَامِ بما يَجِبُ نَحوَهَا مِنَ التَّربِيَةِ الحَسَنَةِ وَالتَّنشِئَةِ الصَّالحةِ؛ إِذْ هِيَ أَمَانَةٌ وَأَيُّ أَمَانَةٍ، قَالَ صلى الله عليه وسلم: ((كُلُّكُم رَاعٍ، وَمَسؤُولٌ عَن رَعِيَّتِهِ))، وَقالَ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: ((إِنَّ اللهَ سَائِلٌ كُلَّ رَاعٍ عَمَّا استَرعَاهُ: حَفِظَ أَم ضَيَّعَ، حَتى يَسأَلَ الرَّجُلَ عَن أَهلِ بَيتِهِ))، وَقَالَ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: ((كَفَى بِالمَرءِ إِثمًا أَن يُضَيِّعَ مَن يَقُوت)).
فَيَا مَعشَرَ الآبَاءِ، الحِرصَ الحِرصَ عَلَى أَن تهتَمُّوا بِعَودَتِهِم بَعدَ انتِهَاءِ الامتِحَانَاتِ مُبَاشَرَةً، فَإِنَّ في بَقَائِهِم بَعدَ الامتِحَانَاتِ في الشَّوَارِعِ أَو في المَطَاعِمِ أَوِ الأَسوَاقِ، إِنَّ فِيهِ لَضَرَرًا كَبِيرًا عَلَى عُقُولِهِم وَأَخلاقِهِم، وَالحُرُّ تَكفِيهِ الإِشَارَةُ.00وأوصي الآباء والأمهات أن يكونوا عندهم جدول إختبارات أبنائهم وبناتهم لمعرفة وقت دخولهم وإنصرافهم لأنه تبين أن بعض الفتيات لا يخبرن آبائهم وأمهاتهم عن موعد إنصرافهن أو هل لديهن فترة واحده أو فترتين فلننتبه لذلك .
الوقفة الثانية : لماذا أيها الأب تركز جهدك واهتمامك وتحرق نفسك أيام الامتحانات فقط ، وتهمل التوجيه وتقصر في المتابعه في الأحوال الأخرى ، والأب الناجح هو الذي يكون عيناً ساهرة ، وقلباً نابضاً في كل حين وآن 0
الوَقفَةُ الثالثة: إِنَّ الصَّاحِبَ سَاحِبٌ، وَالمَرءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ، وَكُلُّ قَرِينٍ بِالمُقَارَنِ يَقتَدِي، وَمِن هُنَا فَإِنَّ عَلَى الأَبِ أَن يَحرِصَ عَلَى مَعرِفَةِ أَصدِقَاءِ أَبنَائِهِ وَمَن يُصَاحِبُونَ، وَأَن يَكُونَ عَلَى دِرَايَةٍ بِمَكَانٍ تَجَمُّعِهِم وَإِلى أَينَ يَذهَبُونَ، عارفاً بما يَجرِي حَولَهُ، مُتَفَقِّهًا في الوَاقِعِ، عَارِفًا بِمُشكِلاتِ الشَّبَابِ والفتيات وَقَضَايَاهُم، وَاعِيًا لما يَدُورُ في مُجتَمَعَاتِهِم، وَإِذَا اكتَشَفَ أَنَّهُ يُصَاحِبُ الأَشرَارَ سَعَى لِتَخلِيصِهِ مِنهُم، وَلا يَجُوزُ لَهُ أَن يَتَهَاوَنَ في هَذَا الأَمرِ بِحَالٍ، أَو يَسمَحَ بِهِ سَاعَةً مِن نهارٍ، فَكَم مِن تَهَاوُنِ سَاعَةٍ أَعقَبَ فَسَادَ أَيَّامٍ، وَتَهَاوُنِ أَيَّامٍ أَنتَجَ فَسَادَ أَعوَامٍ. 0أَلا وَإِنَّ مِنَ الخَطَرِ الَّذِي يُدَاهِمُ الشَّبَابَ في هَذِهِ الأَيَّامِ وَيُمَهِّدُ لَهُ وَيَنشُرُهُ رِفَاقُ السُّوءِ، المُخَدِّرَاتِ، فَاحذَرُوا وَحَذِّرُوا أَبنَاءَكُم وَانتَبِهُوا، فَإِنَّ أَيَّامَ الامتِحَانَاتِ سُوقٌ لِلمُرَوِّجِينَ رَائِجَةٌ، نَسأَلُ اللهَ أَن يَرُدَّ كَيدَهُم في نُحُورِهِم.
(وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ)
بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِيالْقُرْآنِ العظيم ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم..
الخطبه الثانيه:
الحمد لله الذي عظَّم بعض الليالي قدْراً، نحمده سبحانه بكمالاته التي بهرت العقول بهراً، ونشكره شكراً يتوالى على نِعمه التي فاقت العدَّ حصْراً، طاعتُهُ للعامِلِينَ أفْضلُ مُكْتَسب،وتَقْواه للمتقين أعْلَى نسَب وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله؛ أرفع العالمين قدْراً، صلَّى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم إحساناً وفخراً. أما بعد:
عباد الله : إن من أعظم نعم الله تعالى على العباد أن يمدّ الله في عمر أحدهم، فكل يوم يبقى في هذه الدنيا هو غنيمة له ليتزود منه لآخرته، قال تعالى: (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا)
فيا أيها المؤمنون الكرام، فنحن في شهر عظيم الشأن، ألا وهو شهرُ شعبان، فيه تتنزل الرحمة من الله المنّان، وقد عظّمه رسولنا بصالح العمل، واجتهد فيه من غير تعبٍ ولا كلل.
شهرٌكريم بين شهريْن كريمين.. يغفل الناس عنه، والغفلة في هذه الأيامِ أشدُ وأكثر،فالناس منشغلون بالإمتحنات، وبالحوادث السياسية وأخبارها..
ولكن للنبي صلى الله عليه وسلم منهجٌ آخر في التعامل مع ذلك، فمنهج رسولنا صلى الله عليه وسلم هو إستغلال الفرصة ، لا يفوت عليه شهرٌ كريم أو عمل صالحٌ عظيم إلا وقدضرب فيه بسهم .
كان النبي صلى الله عليه وسلم يستغل هذا الشهر بصيامه، حتى أن الصحابة لَحِظُوه، فاستفهموا منه عن ذلك فقال له أسامةُ بنُ زيدٍ رضي الله عنه: ((يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْرًا مِنْ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ! قَالَ" ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ (
فطُوبى لم استغل هذاالشهرَ فصامَه، وإن لم يتيسّر له شيئٌ من ذلك صامَ بعضَ أيامه كالاثنين والخميس..
طوبى لم صام في هذا الحرِّ الشديد يوماً واحداً ليتّقيَ يوماً في الآخر شديداً حرُّه، فـ(مَا مِنْ عَبْدٍ يَصُومُ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ [يعني في مرضاته ويريد به وجه الله والدار الآخرة] إِلَّا بَاعَدَ اللَّهُ بِذَلِكَ الْيَوْمِ وَجْهَهُ عَنْ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا.
وواللهِ من جرِّب صيام يومٍ واحد، لوجَد في قلبه سعادة وفي نفسِه راحةً لا يَعلمها إلا من جرَّبها.
فكُنْ أيها المؤمن ممن أنار الله بصيرته فازداد من العبادة في هذاالشهر الذي يغفَل الناسُ عنه ..وهذا الشهر الكريم أيها الإخوة فيه ليلةٌ يَغفرُ الله فيها لعباده،يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((يطلع الله تبارك و تعالى إلى خلقه ليلة النصف من شعبان ، فيغفر لجميع خلقه ، إلا لمشرك أو مشاحن.
فالمغفرة والرحمة في هذه الليلة لجميع عباد الله المؤمنين الموحدين إلا لمن يحمل صفتين.
الأولى خطرها عظيم على التوحيد والعقيدة وهي الشرك وما أكثر الشرك في حياة المسلمين اليوم!! فمن كان فيه خصلة من الشرك فليتب إلى الله حتى ينال المغفرة والرحمة في هذه الليلة المباركة
وأما الصفة الثانية التي يحرم صاحبها من عفو الله ومغفرته في هذه الليلة فهي المشاحنة والمخاصمة والعداوة بين المسلمين ، والشحناء هي: حقد المسلم على أخيه المسلم بغضًا له؛ لهوى في نفسه، فهذه تمنع المغفرة في أكثر أوقات المغفرة والرحمة، والحرمان من هذا الفضل ليس مختصاً بشعبان،بل حتى في الرحمة الأسبوعية، فقد جاء في صحيح مسلم عن أبى هريرة أَنَّ رَسُول َاللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِيَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا إِلَّا رَجُلًا كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُفَيُقَالُ أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا [أي: حتى يرجعا إلى الصلح والمودة)). فلماذا لايعفو بعضنا عن بعض ويسامح بعضنا بعضًا ويتنازل بعضنا لبعض والمسلم الحصيف هو من طهّر قلبه من هذه الشحناء لينال مغفرة الله تعالى ورحمتَه.وتنبّه من أن ينقطع بك الطريق إلى الله وأنت لم تتزوّد في هذه الدنيا، واحذر أن يُفاجئك الموتُ ولم تعمل من الصالحات إلا ما تتمنى وتترجى فِعْلَه في المستقبل، فالموت لا ينتظرك، ويقطع عليك أمَلَك فلا رجعةَ إلى هذه الدنيا.
فاللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، ويسّر لنا عملاً صالحا في هذا الشهر الكريم نتزوّد به من رحمتك وفضلِك..
هَذَا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا - رَحِمَكُم اللهُ - علَى خَيْرِ الوَرَى وَإِمَامِ الهُدَى كَما أَمَرَ ربُّكم جَلَّ وَعَلَا فَقَال عزَّ مِنْ قائِلٍ: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ﴾اللهمَّ صَلِّ وسَلِّمْ وبارك علَى نبينا مُحَمدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، وَعَلَى التَّابِعِينَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلى يَوْمِ الدِّينِ.
اللهم وأعزَّ الإسلام والمسلمين، وأذلَّ الشِّرْك والمشركين ، وانصر عبادك المؤمنين ، اللهم احقن دماء اخواننا المسلمين في كل مكان اللهم وألف بين قلوبهم واجمع كلمتهم على الحق وأصلح ذات بينهم وأهدهم سبل السلام يا رب العالمين.
اللهمَّ انصُر جُنودَنا في اليَمَنِ على الحَوثِييِّنَ المُعتَدِينَ الظَّالِمينَ,اللهمَّ لا تَرفع للحوثييِّنَ رايَةً واجعلهُم لِمَن خلفَهم عِبرةً وآيَةً يا قَوِيٌ يا عَزِيزُ, اللهمَّ وفِّق إِمَامَنَا لِمَا تُحبُّ وتَرضَى،وفِّقهُ لِهُدَاكَ،واجعَلْ عَمَلَهُ فِي رِضاكَ,اللهمَّ وفِّق وُلاةِ أمور المُسلِمينَ لِلعمَلِ بِكتَابِكَ وَتَحكِيمِ شَرْعِكَ.اللهمَّ إنَّا نَعوذُ بِكَ مِن زَوَالِ نِعمَتِك، وَتَحوُّلِ عَافِيتِكَ،وفُجَاءَةِ نِقمتِكَ،وَجَمِيعِ سَخَطِكَ. رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ .اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا ولوالدينا والمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات ، وَارْحَمْنَا بِرَحْمَتِكَ الَّتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ؛ إِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ. اللَّهُمَّ واجْعَلْ قُلُوبَنَا مُطْمَئِنَّةً بِحُبِّكَ، وَأَلْسِنَتَنَا رَطْبَةً بِذِكْرِكَ، وَجَوَارِحَنَا خَاضِعَةً لِجَلاَلِكَ. اللَّهُمَّ وأَحْسِنْ عَاقِبَتَنَا فِي الأُمُورِ كُلِّهَا، وَأَجِرْنَا مِنْ خِزْيِ الدُّنْيَا وَعَذَابِ الآخِرَةِ. اللَّهُمَّ اجْعَلْ خَيْرَ أَعْمَارِنَا أَوَاخِرَهَا، وَخَيْرَ أَعْمَالِنَا خَوَاتِمَهَا، وَخَيْرَ أَيَّامِنَا يَوْمَ نَلْقَاكَ.
عبادَ اللهِ: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ
فاذكروا اللهَ يذكُركم،واشكُروه على نعمِه يزِدكم، ولذِكرُ الله أكبر، واللهُ يعلمُ ما تصنَعون.
المشاهدات 2636 | التعليقات 2
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
جزاك الله خير أخي أبو صهيب ..
على حسب بحثي القاصر وصلت إلى أنه قال الألباني في " السلسلة الصحيحة3 / 135 حديث صحيح ، "
روي عن جماعة من الصحابة من طرق مختلفة يشد بعضها بعضا و هم معاذ ابن جبل و أبو ثعلبة الخشني و عبد الله بن عمرو و أبي موسى الأشعري و أبي هريرة و أبي بكر الصديق و عوف ابن مالك و عائشة .
أبو صهيب
السلام عليكم .. خطبة رائعة .. بارك الله فيك وفي علمك
لكن عني تسؤال :
هل حديث أن الله يغفر ليلة النصف من شعبان .. هل هذا الحديث صحيح ... أرجو التأكد ..
تعديل التعليق