وقفاتٌ مع الأحداث- والتحذيرُ مما فُتن به البعض مِن تصنيفِ الناسِ والدعاة 17-10-1437
أحمد بن ناصر الطيار
1437/10/16 - 2016/07/21 15:52PM
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَا يُحْصِي الْخَلْقُ ثَنَاءً عَلَيْهِ كَمَا أَثْنَى عَلَى نَفْسِهِ , ولَا يَبْلُغُ الْعَارِفُونَ كُنْهَ مَعْرِفَتِهِ , وَلَا يُقَدِّرُ الْوَاصِفُونَ قَدْرَ صِفَتِهِ , فسبحان من لَا تُشْكَرُ نِعْمَتُهُ إلَّا بِنِعْمَتِهِ , وَلَا تُنَالُ كَرَامَتُهُ إلَّا بِرَحْمَتِهِ.
وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ, شَهَادَةَ مُقِرٍّ بِأَنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ , وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ خَاتَمُ النَّبِيِّينَ وَسَيِّدُ الْأَنَامِ, صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ الصَّفْوَةِ الْكِرَامِ , وَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ سَلَامًا بَاقِيًا بِبَقَاءِ دَارِ السَّلَامِ . أَمَّا بَعْدُ:
إخوة الإيمان: في ظل هذه التقلبات العصيبة التي شهدناها في الأيام الماضية, يتحتّم علينا أنْ نلتزم وصيّة الله تعالى لنا بقولِه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيداً}.
فهذا أمرٌ صريحٌ بأن نراقب الله تعالى في كل شؤوننا, وخَصّ القول بمزيد عناية, لأن من كان سديدًا في قوله, فإنه سيكون سديدًا مُوَفَّقًا في جميع شؤونه وأفعاله.
قال أهل اللغة: سَدَّدَ الرجلُ رُمْحَهُ, إذا رمى به باعتدال وأصاب هدفه.
قال العلماء: ومن القول السديد، لِيْنُ الكلامِ ولطفُه. فمن كان قاسيًا في ردوده وجداله فقد ضرب بوصية الله له عرض الحائط, وخالف أمر الله بسداد القول.
وفي هذه الظروف الخطيرة, والمحن العصيبة التي نمرّ بها: يجب علينا الإمساكُ عن إذاعة الكثير من الأخبار بين عامة الناس وغوغائهم, ولا بد من الربط على قلوب الناس, وأخذِ الأمور بحلمٍ وحكمةٍ.
وهذا ما كان عليه النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, وخذوا مثالاً على ذلك: لما دعا عليًّا رضي الله عنه لغزوة خيبر وأعطاه الراية قال له: «امض على رسلك» قال أهل اللغة: الرِّسْلُ: الْهَيْنَةُ وَالتَّأَنِّي والسُّكُون.
ومعلوم أن الحرب تحتاج إلى شيءٍ من العجلة والعنف, وشيء من الخفة والكر والفر, ومع ذلك أول وصيّةٍ أوصاه وهو في طريقه لساحات الحرب: "امض على رسلك" أي: ارْفُق واتَّئِدْ وَلَا تعجل, فالرفق ما دخل شيء إلا زانه, وما نزع من شيء إلا شانه.
ومن الرفق والتؤدة: الإمساك عن إذاعة الأخبار, والتسرعِ في إشاعتها, والتأني في فهمها وتنزيلها على الوقائع والأحوال والحوادث.
ولا ينبغي للعاقل أنْ يُصغي لأي محلل سياسي, أو مذيع أو إخباريّ, فكثير من هؤلاء لهم مآرب وأهواء, يدسونها من خلال تحليلهم ونقلهم للأخبار.
بل يجب الرجوع في كلّ صغيرة وكبيرة إلى أهل الاختصاص والمعرفة والعقل, وفي مقدمة هؤلاء: العلماءُ الربانيون العارفون بالواقع.
قال تعالى: { وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ}.
فالرجوع إلى الأكابر من أهل العلم في زمن الفتن هو الحل السليم.
ونحن لم نعشِ الأحداث ولم نُشاهدْها بأنفسنا, إنما نسمعها من القنوات والأخبار, التي لا يشك عاقل بأنها تسير وِفْقَ سياساتٍ مُحدّدة, وأهواءٍ مختلفة, فالحيادُ فيها أندر من النادر.
فهل يليق بنا أنْ نتسابَقَ في نشر أخبارٍ لم نتأكد منها؟ والمصيبة أن بعض الناس يبني عليها أمورًا كثيرة, من ولاءٍ وعداوةٍ وجدال, ونبزٍ وشماتةٍ ببعض الأخيار, ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
فليت الأمر يقف على الأخبار وتحليلها, بل يتعدى الأمر إلى أبعد من ذلك.
ثم لا يلزم أنْ تُعَلِّقَ على كلا خبر, وتُبديَ رأيك في كل صغيرة وكبيرة, أوَتَظُنُّ أنَّ الأمة تنتظر تصريحاتِك وتغريداتِك حتى تُعالج قضياها, وتَنْهَضَ من رقدتها؟
ولماذا علماؤنا سكتوا حين نطقت, ولماذا تريّثوا حين اسْتعجلت, هل أنت أغْيَرُ أو أعقلُ منهم؟
ولو سكت من لا يعلم لقلّ الخلاف بين الناس.
ولِذلك أجمع العقلاءُ والحكماء والعلماء: على أن من أعظم علامات العاقل اللبيب الحكيم: أنّه يستطيع أن يَمْلك لسانه ويتحكّمَ به, ويسكتَ فيما لا منفعةَ في كلامِه.
معاشر المسلمين: لقد رأينا تصريحاتٍ مغرضة, وعبارات فاجرة, تتمنى الشر لبلد شقيق مسلم, تربطه بنا علاقاتُ الصداقةِ والأخوة, وأظهروا ما تُكِنُّهُ صدُورهم من الحقد الدفين, على الإسلام والمسلمين, وطاروا بنشر بعض الأخبار, التي من شدة عداوتِهم للمسلمين: لم يتريّثوا حتى يتأكدوا من صحتها.
فردّ الله كيدهم وأغاظ صدورهم.
وهكذا المنافقون في كل زمان ومكان, يفرحون بما يَضُرُّ المسلمين, ويُقوي أعداءَ الدين, وصدق الله تعالى إذ يقول عنهم: {وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ}.
فما أظهره هؤلاء هو قليلٌ بجانب ما تُكنه صدورهم.
ومن العبر التي رأيناها في هذه الأحداث: الكم الهائل من السباب والشتائم والقذف.
ومن أين؟ ليس من المنافقين ولا من العلمانيين.
بل من المحسوبين على الدين والعلم والسلفيّة, الذين يستغلون كلّ حدث للنيل من الدعاة والمشايخ والمصلحين.
فأين الورع يا أمة الإسلام, إذا لم يكن الورع في الإمساك عن الوقوع في أعراض الناس, لاسيما الدعاة وأهل الخير والصلاح, فأين يكون الورع؟
والألفة والاجتماع والتلاحم مطلب شرعي, وواجبٌ دينيٌّ ووطنيّ, فكيف يسعى عاقلٌ في حل رباطها, وقطع أواصرها؟
قال شيخ الإسلام رحمه الله: إذَا كَانَ تَرْك الصَّلَاة يفَوِّتُ الْمَأْمُومَ الْجُمُعَة وَالْجَمَاعَة: فَهُنَا لَا يَتْرُكُ الصَّلَاةَ خَلْفَهُمْ إلَّا مُبْتَدِعٌ مُخَالِفٌ لِلصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ.
وَهَذَا كُلُّهُ يَكُونُ فِيمَنْ ظَهَرَ مِنْهُ فِسْقٌ أَوْ بِدْعَةٌ تَظْهَرُ مُخَالَفَتُهَا لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ. ا.ه
فشيخ الإسلامِ يأمر أنْ يصلي المسلمُ خلف الفاسق الْمُعْلِنِ لفسقه, والمبتدعِ الداعي لبدعته - إذا لم يكن هناك إمام غيره أحسن منه- حرصًا على الاجتماع والاتلاف, وكرهًا للتفرق والاختلاف, فما بالك بمن يسعى في تفريق الناس وتصنيفِهم, ونبزِهم بالألقاب؟
بارك الله لي..
الحمد لله الذي خلق فسوَّى، وقَدَّر فهدى، وصلى الله وسلم على رسوله المجتبى، وعلى آلِه وأصحابِه أعلام الهدى، أما بعد:
فيا من اشتغلتَ في تصنيف الناس وعيبِهم, واتهمت الدعاة والمصلحين بما هم براءٌ منها, أما آنْ لك أنْ تكسر الْمِعْول الذي تهدم به تآلُفنا وترابُطنا؟ أما لك في علمائنا أُسوةٌ حسنة؟
اسْمع إلى جواب العلامة ابن عثيمين رحمه الله تعالى لهذا السائل: هل يجوز تصنيف الناس بأن هذا من جماعة كذا وهذا من جماعة كذا؟
فأجاب رحمه الله: يجوز أن يُصَنَّفَ الناسُ فيقال: هذا مؤمن وهذا كافر، فاليهودي يهودي كافر، والنصراني نصراني كافر، الشيوعيُّ كافر ملحد، أما المسلمون فهم أمة واحدة، لقول الله تبارك وتعالى: {وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً}.
ولا يجوز أبداً أن يَتَفَرَّقَ المسلمون، فيكون هذا تبليغي، وهذا سلفي، وهذا إخواني، وهذا جهادي، وهذه جماعةٌ إسلامية، هذا يدخل في قول الله تبارك وتعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ}, ويكون ارتكاباً لما نهى الله عنه؛ لقول الله تبارك وتعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا}.
هؤلاء لم يعتصموا بحبل الله جميعاً وتفرقوا، خالفوا ما أَمر الله به، وارتكبوا لما نهى عنه. ا.ه
هذا هو المنهج الصحيحُ الذي عليه علماء الإسلام, لا يُشهرون بأخطاء المجتهدين, ولا يُصنفون الناس ويرمونهم بالاتهامات, بل إنّ العلامةَ ابنَ عثيمين رحمه الله, لا يرضى أن يُذكر أحدٌ عنده في شرٍّ مهما كان, وجاءه مرةً وفدٌ من دولةٍ خليجيّة فقال له: يا شيخ, عندنا فلان وفلان, فعلا كذا وكذا, فما نصيحتك لهما؟
فقال الشيخ: في مجلسنا هذا لا نتعرض لاسمِ شخص؛ لكنْ لكونك لا تدري عن منهجنا نسامحك في هذا، وإلا فإنا لا نرضى أنَّ أحداً يذكر شخصاً معيناً مهما كان. ا.ه
فلا يقول ولا يرضى أن يُقال عنده: فلان إخوانيٌّ أو سلفيٌّ أو تبليغيّ, ولم يُسمع منه ولا من الشيخ ابن باز مثلُ هذا.
فما بال أقوامٍ آذونا وآذوا عباد الله بمثل هذه السَّفَاهات, وفرّقوا المسلمين بهذه التَّسْمِيَات, ومَلَؤُوا مواقع التواصل والقنوات بهذه الاتهامات, وصنفوا الناس والدعاة ووقعوا في أعراضهم, ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
فاتقوا الله أيها المؤمنون, ولا تقعوا في أعراض الناس, فلهم ربٌّ سيحاسبهم, وأنقذوا أنفسكم, ولا تسمعوا لدعاة التفرقة وقاذفي الدعاة.
ولا تسمحوا لأحدٍ كائنًا من كان, بأنْ يغتاب الدعاة والعلماء ويُصنِّفَهُمْ ويقعَ في أعراضهم.
اللهم طهر ألسنتنا وآذانَنا من الغيبة والسبّ والشتيمة, اللهم ألّف بين قلوب المسلمين, واجمع كلمتهم, واكفنا شرّ من سعى في فُرْقتهم واختلافهم.
اللهم احفظ وليّ أمر ونائبيه, واجعلهم سِلمًا لأوليائك, حربًا على أعدائك.
وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ, شَهَادَةَ مُقِرٍّ بِأَنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ , وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ خَاتَمُ النَّبِيِّينَ وَسَيِّدُ الْأَنَامِ, صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ الصَّفْوَةِ الْكِرَامِ , وَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ سَلَامًا بَاقِيًا بِبَقَاءِ دَارِ السَّلَامِ . أَمَّا بَعْدُ:
إخوة الإيمان: في ظل هذه التقلبات العصيبة التي شهدناها في الأيام الماضية, يتحتّم علينا أنْ نلتزم وصيّة الله تعالى لنا بقولِه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيداً}.
فهذا أمرٌ صريحٌ بأن نراقب الله تعالى في كل شؤوننا, وخَصّ القول بمزيد عناية, لأن من كان سديدًا في قوله, فإنه سيكون سديدًا مُوَفَّقًا في جميع شؤونه وأفعاله.
قال أهل اللغة: سَدَّدَ الرجلُ رُمْحَهُ, إذا رمى به باعتدال وأصاب هدفه.
قال العلماء: ومن القول السديد، لِيْنُ الكلامِ ولطفُه. فمن كان قاسيًا في ردوده وجداله فقد ضرب بوصية الله له عرض الحائط, وخالف أمر الله بسداد القول.
وفي هذه الظروف الخطيرة, والمحن العصيبة التي نمرّ بها: يجب علينا الإمساكُ عن إذاعة الكثير من الأخبار بين عامة الناس وغوغائهم, ولا بد من الربط على قلوب الناس, وأخذِ الأمور بحلمٍ وحكمةٍ.
وهذا ما كان عليه النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, وخذوا مثالاً على ذلك: لما دعا عليًّا رضي الله عنه لغزوة خيبر وأعطاه الراية قال له: «امض على رسلك» قال أهل اللغة: الرِّسْلُ: الْهَيْنَةُ وَالتَّأَنِّي والسُّكُون.
ومعلوم أن الحرب تحتاج إلى شيءٍ من العجلة والعنف, وشيء من الخفة والكر والفر, ومع ذلك أول وصيّةٍ أوصاه وهو في طريقه لساحات الحرب: "امض على رسلك" أي: ارْفُق واتَّئِدْ وَلَا تعجل, فالرفق ما دخل شيء إلا زانه, وما نزع من شيء إلا شانه.
ومن الرفق والتؤدة: الإمساك عن إذاعة الأخبار, والتسرعِ في إشاعتها, والتأني في فهمها وتنزيلها على الوقائع والأحوال والحوادث.
ولا ينبغي للعاقل أنْ يُصغي لأي محلل سياسي, أو مذيع أو إخباريّ, فكثير من هؤلاء لهم مآرب وأهواء, يدسونها من خلال تحليلهم ونقلهم للأخبار.
بل يجب الرجوع في كلّ صغيرة وكبيرة إلى أهل الاختصاص والمعرفة والعقل, وفي مقدمة هؤلاء: العلماءُ الربانيون العارفون بالواقع.
قال تعالى: { وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ}.
فالرجوع إلى الأكابر من أهل العلم في زمن الفتن هو الحل السليم.
ونحن لم نعشِ الأحداث ولم نُشاهدْها بأنفسنا, إنما نسمعها من القنوات والأخبار, التي لا يشك عاقل بأنها تسير وِفْقَ سياساتٍ مُحدّدة, وأهواءٍ مختلفة, فالحيادُ فيها أندر من النادر.
فهل يليق بنا أنْ نتسابَقَ في نشر أخبارٍ لم نتأكد منها؟ والمصيبة أن بعض الناس يبني عليها أمورًا كثيرة, من ولاءٍ وعداوةٍ وجدال, ونبزٍ وشماتةٍ ببعض الأخيار, ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
فليت الأمر يقف على الأخبار وتحليلها, بل يتعدى الأمر إلى أبعد من ذلك.
ثم لا يلزم أنْ تُعَلِّقَ على كلا خبر, وتُبديَ رأيك في كل صغيرة وكبيرة, أوَتَظُنُّ أنَّ الأمة تنتظر تصريحاتِك وتغريداتِك حتى تُعالج قضياها, وتَنْهَضَ من رقدتها؟
ولماذا علماؤنا سكتوا حين نطقت, ولماذا تريّثوا حين اسْتعجلت, هل أنت أغْيَرُ أو أعقلُ منهم؟
ولو سكت من لا يعلم لقلّ الخلاف بين الناس.
ولِذلك أجمع العقلاءُ والحكماء والعلماء: على أن من أعظم علامات العاقل اللبيب الحكيم: أنّه يستطيع أن يَمْلك لسانه ويتحكّمَ به, ويسكتَ فيما لا منفعةَ في كلامِه.
معاشر المسلمين: لقد رأينا تصريحاتٍ مغرضة, وعبارات فاجرة, تتمنى الشر لبلد شقيق مسلم, تربطه بنا علاقاتُ الصداقةِ والأخوة, وأظهروا ما تُكِنُّهُ صدُورهم من الحقد الدفين, على الإسلام والمسلمين, وطاروا بنشر بعض الأخبار, التي من شدة عداوتِهم للمسلمين: لم يتريّثوا حتى يتأكدوا من صحتها.
فردّ الله كيدهم وأغاظ صدورهم.
وهكذا المنافقون في كل زمان ومكان, يفرحون بما يَضُرُّ المسلمين, ويُقوي أعداءَ الدين, وصدق الله تعالى إذ يقول عنهم: {وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ}.
فما أظهره هؤلاء هو قليلٌ بجانب ما تُكنه صدورهم.
ومن العبر التي رأيناها في هذه الأحداث: الكم الهائل من السباب والشتائم والقذف.
ومن أين؟ ليس من المنافقين ولا من العلمانيين.
بل من المحسوبين على الدين والعلم والسلفيّة, الذين يستغلون كلّ حدث للنيل من الدعاة والمشايخ والمصلحين.
فأين الورع يا أمة الإسلام, إذا لم يكن الورع في الإمساك عن الوقوع في أعراض الناس, لاسيما الدعاة وأهل الخير والصلاح, فأين يكون الورع؟
والألفة والاجتماع والتلاحم مطلب شرعي, وواجبٌ دينيٌّ ووطنيّ, فكيف يسعى عاقلٌ في حل رباطها, وقطع أواصرها؟
قال شيخ الإسلام رحمه الله: إذَا كَانَ تَرْك الصَّلَاة يفَوِّتُ الْمَأْمُومَ الْجُمُعَة وَالْجَمَاعَة: فَهُنَا لَا يَتْرُكُ الصَّلَاةَ خَلْفَهُمْ إلَّا مُبْتَدِعٌ مُخَالِفٌ لِلصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ.
وَهَذَا كُلُّهُ يَكُونُ فِيمَنْ ظَهَرَ مِنْهُ فِسْقٌ أَوْ بِدْعَةٌ تَظْهَرُ مُخَالَفَتُهَا لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ. ا.ه
فشيخ الإسلامِ يأمر أنْ يصلي المسلمُ خلف الفاسق الْمُعْلِنِ لفسقه, والمبتدعِ الداعي لبدعته - إذا لم يكن هناك إمام غيره أحسن منه- حرصًا على الاجتماع والاتلاف, وكرهًا للتفرق والاختلاف, فما بالك بمن يسعى في تفريق الناس وتصنيفِهم, ونبزِهم بالألقاب؟
بارك الله لي..
الحمد لله الذي خلق فسوَّى، وقَدَّر فهدى، وصلى الله وسلم على رسوله المجتبى، وعلى آلِه وأصحابِه أعلام الهدى، أما بعد:
فيا من اشتغلتَ في تصنيف الناس وعيبِهم, واتهمت الدعاة والمصلحين بما هم براءٌ منها, أما آنْ لك أنْ تكسر الْمِعْول الذي تهدم به تآلُفنا وترابُطنا؟ أما لك في علمائنا أُسوةٌ حسنة؟
اسْمع إلى جواب العلامة ابن عثيمين رحمه الله تعالى لهذا السائل: هل يجوز تصنيف الناس بأن هذا من جماعة كذا وهذا من جماعة كذا؟
فأجاب رحمه الله: يجوز أن يُصَنَّفَ الناسُ فيقال: هذا مؤمن وهذا كافر، فاليهودي يهودي كافر، والنصراني نصراني كافر، الشيوعيُّ كافر ملحد، أما المسلمون فهم أمة واحدة، لقول الله تبارك وتعالى: {وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً}.
ولا يجوز أبداً أن يَتَفَرَّقَ المسلمون، فيكون هذا تبليغي، وهذا سلفي، وهذا إخواني، وهذا جهادي، وهذه جماعةٌ إسلامية، هذا يدخل في قول الله تبارك وتعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ}, ويكون ارتكاباً لما نهى الله عنه؛ لقول الله تبارك وتعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا}.
هؤلاء لم يعتصموا بحبل الله جميعاً وتفرقوا، خالفوا ما أَمر الله به، وارتكبوا لما نهى عنه. ا.ه
هذا هو المنهج الصحيحُ الذي عليه علماء الإسلام, لا يُشهرون بأخطاء المجتهدين, ولا يُصنفون الناس ويرمونهم بالاتهامات, بل إنّ العلامةَ ابنَ عثيمين رحمه الله, لا يرضى أن يُذكر أحدٌ عنده في شرٍّ مهما كان, وجاءه مرةً وفدٌ من دولةٍ خليجيّة فقال له: يا شيخ, عندنا فلان وفلان, فعلا كذا وكذا, فما نصيحتك لهما؟
فقال الشيخ: في مجلسنا هذا لا نتعرض لاسمِ شخص؛ لكنْ لكونك لا تدري عن منهجنا نسامحك في هذا، وإلا فإنا لا نرضى أنَّ أحداً يذكر شخصاً معيناً مهما كان. ا.ه
فلا يقول ولا يرضى أن يُقال عنده: فلان إخوانيٌّ أو سلفيٌّ أو تبليغيّ, ولم يُسمع منه ولا من الشيخ ابن باز مثلُ هذا.
فما بال أقوامٍ آذونا وآذوا عباد الله بمثل هذه السَّفَاهات, وفرّقوا المسلمين بهذه التَّسْمِيَات, ومَلَؤُوا مواقع التواصل والقنوات بهذه الاتهامات, وصنفوا الناس والدعاة ووقعوا في أعراضهم, ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
فاتقوا الله أيها المؤمنون, ولا تقعوا في أعراض الناس, فلهم ربٌّ سيحاسبهم, وأنقذوا أنفسكم, ولا تسمعوا لدعاة التفرقة وقاذفي الدعاة.
ولا تسمحوا لأحدٍ كائنًا من كان, بأنْ يغتاب الدعاة والعلماء ويُصنِّفَهُمْ ويقعَ في أعراضهم.
اللهم طهر ألسنتنا وآذانَنا من الغيبة والسبّ والشتيمة, اللهم ألّف بين قلوب المسلمين, واجمع كلمتهم, واكفنا شرّ من سعى في فُرْقتهم واختلافهم.
اللهم احفظ وليّ أمر ونائبيه, واجعلهم سِلمًا لأوليائك, حربًا على أعدائك.
المشاهدات 1652 | التعليقات 2
سلمك الله وبارك فيك.
أبو عبدالإله التميمي
أحسنت سلمت أناملك
تعديل التعليق