وقفات مع ألفاظ عقد الزواج
د مراد باخريصة
وقفات مع ألفاظ عقد الزواج
إنَّ الزواج شريعة ربانية وسنة نبوية وغاية إنسانية يحفظ الله به التناسل بين البشر ويتعرف به بعضهم على بعض.
يقول الله سبحانه وتعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم : 21].
فجعل الله الزواج آية من آياته في خلقه وشأنًا عظيمًا من شؤونه جلَّ وعلا بين عباده فهو الذي خلق الزوجين الذكر والأنثى وهو الذي جعل بينهما المودة والرحمة والتآلف والقرابة وجعل من ماء الرجل والمرأة نسبًا وصهرًا كما قال سبحانه وتعالى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا} [الفرقان : 54].
لقد عمتْ الزواجات البلاد بطولها وعرضها وشرقها وغربها وتداخل الناس بعضهم ببعض ووقعت زواجات جماعية وفردية وكل هذا يدخل ضمن آية الله ورحمته التي يتراحم بها البشر.
إنَّ من محاسن الأعراس في هذه البلاد أن ترى الناس يتكاتفون ويتعاونون ويخدم بعضهم بعضًا ويعين بعضهم الآخر فيما انتقص عليه من الأشياء والأغراض فالناس بعضهم لبعض خدمًا كما قال الله سبحانه وتعالى: { وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا } [الزخرف : 32] أي سخر بعضهم لخدمة بعض.
فهذا هو التعاون وهذه هي المكرمات وهذا هو الجود بالنفس والمال وهو غاية الكرم والجود {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة : 2].
عباد الله: إنَّ الزواج كلما قلتْ تكاليفه عظم خيره وكثرت بركاته وتوالت خيراته وعمّت سعادته وكلما زادت تكاليفه ذهبت بركته وتلاشت هيبته وقلتْ خيراته ولهذا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ أَعْظَمَ النِّكَاحِ بَرَكَةً أَيْسَرُهُ مَؤُونَةً).
فلا حاجة فيه للتكاثر والتفاخر لأن التفاخر فيه مفسدة ومهلكة وإنما البركة في التخفيف والتقليل ما أمكن حتى لا تنكسر قلوب الفقراء والمساكين بما يرونه من إسراف وبذخ وحتى لا تلتفت نحوهم عيون الحاسدين ومكر الماكرين وكيد الكائدين.
أيها الناس: الزواج عقد مشهود وعلاقة شرعية له أحكام شرعية معينة وضوابط محددة يجب على كل مسلم ومسلمة وكل عريس وعروسة الالتزام بها والانضباط بأحكامها.
إنَّ الزواج فرحة وسعادة ولكن هذه الفرحة تكون بما يرضي الله ولا يسخطه مما فيه توسيع على النفس وإدخال البهجة والسرور على القلب بما فيه الخير والنفع للجميع وليس فيه محرمات أو محاذير شرعية.
عقد الزواج ليس مجرد روتين عابر وإنما هو الركن الركين والجانب الأعظم بالنسبة للزواج فبالعقد تصبح المرأة حلالًا لك وأمهاتها محارمًا عليك وإخوانها صهورًا لك ولهذا شدَّد الإسلام في عقد الزواج بوجوب الإشهاد عليه بالشهود العدول والحضور وله صيغة إيجاب وقبول ومعاهدة على إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان.
تعاهد الله أمام الشهود والحاضرين على أنْ تمسك هذه الزوجة التي ذكر اسمها في عقد الزواج أنْ تمسكها عندك وتبقيها بالمعروف – أي بما تعارف عليه الناس في البلد- فتعاشرها بالمعروف وتعايشها بالمعروف وتنفق عليها وتؤكلها بما تعارف الناس عليه من الأكل والقوت وتعالجها بحسب المتعارف عليه وتعطيها من الحقوق والواجبات بما هو متعارف عليه وهكذا الزوجة نفسها تعاشر زوجها بالمعروف.
فإذا مشى المتعاقدان على هذا العقد الذي عاهدا عليه وقال قبلت –أي قبلت بلوازم وتعهدات هذا العقد- دامت العشرة بينهما وحصلت المودة والرحمة وحسنت العلاقة والألفة وإذا أخلّ أحدهما بشيء من بنود هذا العقد ولوازمه حصلت المشاكل وساءت العلاقة التي قد تؤدي في النهاية إلى التسريح والطلاق ..
فإذا وقع ذلك فليكن التسريح بالإحسان واللطف وليس كما هو الواقع اليوم بالعناد والمشاكل والشقاق ومساوئ الأخلاق مع أنه عاهد على التسريح بإحسان ولكنهم نسوا هذا العقد والعهد الذي ربما يردده كثير من الناس في عقود زواجهم دون فهم لمعناه واستيعاب لألفاظه وإدراك لحقائقه.
كم من زوج يمسك زوجته عنده بالقهر والمشاكل وكم من زوج يذهب وراء لهوه وقاته فيضيّع زوجته ويتغافل عن أولاده وينسى العقد الذي قَبِلَ به وأشهد الناس عليه ووقّع على ذلك وبصَّمْ ..
فلابدّ أنْ نفهم جميعًا معنى كلمة العقد وأنه عقد معاهدة والتزام بين طرفين عليه شهود وإشهاد وحضور من الناس فيجب الالتزام به لأن الإخلال به خيانة للعقد وهدم للعهد.
نسمع الناس في عقد الزواج عندما يقول لهم القاضي أو العقّاد قولوا جميعًا نستغفر الله نعوذ بالله من المنكرات نعوذ بالله من ترك الصلوات نعوذ بالله من جميع ما يغضب الله فيرددون ذلك خلفه ثم إذا ببعض الأزواج أنفسهم يخالفون هذا الكلام فتحصل في الزواج المنكرات والأغاني والاختلاط والموبقات وربما أصبح في أول ليلة ولم يصل صلاة الفجر مع أنه كان في البارحة يقول نعوذ بالله من ترك الصلوات فأين غاب الاستغفار الذي رددوه في عقد الزواج وأين ذهبت نعوذ بالله من المنكرات نعوذ بالله من ترك الصلوات {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} [الصف 2: 3].
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ } [المائدة : 1].
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ } [المائدة : 1].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ..
الخطبة الثانية:
إنَّ الفرحة كل الفرحة هي في رضا الله وطاعته والفوز بعفوه ورضاه ورحمته {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس : 58] ففرحتنا في اجتماعنا وسعادتنا في لقيانا في زواجاتنا وأفراحنا.
إنَّ الزواج المبارك هو الزواج العدل الوسط المقتصد في مهره والمقتصد في تبعاته وتكاليفه والوسط في أكله وموجبته والوسط في التعامل مع ضيوفه وإكرامهم والعدل الوسط في كل شيء من أمور الزواج بدون تبذير ولا إسراف ولا مخيلة ولا حب للظهور فإن حب الظهور يقصم الظهور.
ولنحذر كل الحذر من العادات السيئة الجديدة والتقاليد الدخيلة التي تأتينا من هنا أو هناك ويعملها بعض الناس في البداية تقليدًا ومباهاة ثم تصبح في النهاية من الضروريات والرسميات في الزواجات والأفراح يقول الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمْ: مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلاَمِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ وَمَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلاَمِ سُنَّةً سَيِّئَةً كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ..
وعلينا أنْ نركز على الأشياء الأهم التي تنفع الناس لأن بعض الناس صار يهتم بغير المهم ويترك الأهم حتى رأينا أناسًا في زواجاتهم يعمل الوليمة بالدجاج ثم يأتي بفنان مع فرقته الموسيقية بأكثر من نصف مليون أو يقصر في الأكل ثم يشتري لضيوفه قاتًا بمئات الآلاف أو يهمل بعض الأشياء المهمة ثم يعمل غناء ماجنًا وحفلات صاخبة ورقصات مزرية تجلب الشر وأهل الشر ويجتمع فيها المخزنين والمحششين وأصحاب الحبوب والمخدرات والسفهاء من كل مكان ويبتعد عنها أهل الفضل والخير والصلاح فتذهب بركة الزواج وتحدث المشاكل ويقع التفكك الأسري وتغيب المودة والرحمة وتقع المخالفات الصريحة التي نهى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم عنها (وإذا لم تستح فاصنع ما شئت).
صلوا وسلموا ..
المرفقات
1639290914_وقفاات مع ألفاظ عقد الزواج.doc