وقفات مع آية الكرسي
محجوب كوري
بسم الله الرحمن الرحيم
خطبة الجمعة جمادى الآخرة 27\12\2024
بعنوان \ آية الكرسي أعظم آية
اللهم إيّاك نعبد ولك نُصلّي ونسجُد وإليك نسعى ونحفد ,نرجو رحمتك ونخشى عذابك ,فقنا عذابك يوم تبعثُ عبادك ,,,
وأشهدُ ألّا إله إلّا الله ,,وحده لا شريك له,, جل عن الشريك والمثيل والند والكفء والنظير
وأشهدُ أن محمداً عبدُه ورسولُه ,,وصفيُّه وخليله ,,وخيرتُه من خلقه ,, وأمينُه على وحيه ,, أرسله ربُّه رحمةً للعالمين ,,وحجةً على العباد أجمعين ,,
( يأيُّها الذين آمنوا اتقوا الله حقَّ تُقاتِه ولا تموتُنَّ إلا وأنتم مسلمون )
( يأيها الذين آمنُوا اتقوا الله وقولُوا قولاً سديداً () يُصلح لكم أعمالكُم ويغفِر لكم ذنوبكم ومن يطعِ الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً )
أمّا بعد فياأيُّها المؤمنون عباد الله ,,
قال تعالى : (وربُّّك يخلُق ما يشاءُ ويختار )
خلق الله تعالى الأمكنة ففضل البلد الحرام على سائرِ الأمكنة ,,وخلق الأزمان ففضّل رمضان على سائِر الشُّهُور ,,وخلق الإنسان ففضَّل محمداً صلى الله عليه وسلم على سائرِ البشر ,,وأنزل الكُتُب ففضَّل القرآن على سائر الكُتُب ,وفضل بعضَ آيِ القرآن على بعض ,,
نقفُ اليوم وقفاتِ مع أعظم آيةٍ في كتاب الله تعالى ,خَلُصَت في الكلامِ عن ربِّ العالمين ,,
أعظمُ العلم على الإطلاق ,هو ما تعلّق بالله سبحانه وتعالى وأسمائه وصفاته ,ولا سبيل إلى علم ذلك بتفصيل إلى بالوحي ,,
أيها المؤمنون عباد الله ,,
آيةٌ واحدةٌ ,تضمَّنت عشر جُمَل ,وسبعَ عشرة صفةٍ لله تعالى ,ما بين ظاهرٍ ومُضمَر ,,
,, روى الإمام مسلمٌ في صحيحه ,عن أُبَيّ بن كعب رضي الله عنه قال :قالَ لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يا أُبيّ ,أيّ آيةٍ من كتاب الله معك أعظم ؟) ,فقلتُ :الله ورسولُه أعلم ,قال : (يا أُبَي ,أيّ آيةٍ من كتابِ الله معك أعظم؟ ) ,فقلتُ : (الله لا إله إلا هو الحيّ القيوم) ,فضَربَ النبيّ صلى الله عليه وسلم على صدري وقال : (والله ليهنِك العلم أبا المنذر),,
قال تعالى : (الله لا إله إلا هو )
قال سيبويه :الله علم الأعلام ,ومعناه مشتقٌ من التألّه ,وهو التعبّد مع الغاية الذلّ والحُب ,قال ابنُ عباس رض الله عنهما :الله ذو الأولُوهية والعبوديّة على خلقه أجمعين .
قال تعالى : ( لا إله إلا هو )
لا معبود بحقٍّ إلّا هو ,فلا يُعبد إلا الله ,عن عبد الله ابن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أن نوح عليه السلام قال في وصيَّته لابنه (أوصيك بلا إله إلا الله ,فإن السماوات السبع والأرضين السبع لو كنّ حلقةً مفرغة ,فقصمتهُن لا إله إلا الله) .
قال تعالى : (الحي القيوم لا تأخذه سنةٌ ولا نوم)
(الحي) حياةً ليس قبلها عدم ولا يلحقُها موت ,(وتوكل على الحيِّ الذي لا يموت) ,فإن صفات الإنسان قاصرة ,فلا يبصر ولا يسمع ما وراء الحائط ,ولمّا كانت خولة بنت ثعلبة رضي الله عنها تشتكي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم زوجَها ,نزلت (والله يسمع تحاوركُما) ,قالت عائشة رضي الله عنها :وهي يخفى عليها بعضُ حديثهما ,سبحان من وَسِعَ سمعُه الأصوات .
(القيُّوم) القائم بنفسِه ,القائمُ بشؤون عبادِه خلقاً ورزقاً وتدبيراً وحِفظاً ,قال تعالى : (أفمن هو قائمٌ على كلِّ نفسٍ بما كسبت وجعلوا لله شركاء قل سمّوهم) .
قال أبو موسى الأشعري رضي الله عنه :قام فينا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بخمسٍ : (إنّ الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام ,يخفضُ القسط ويرفعُه ,يرفع إليه عملُ الليل قبل عمل النهار ,وعمل النهار قبل عمل الليل ,حجابُه النور ,لو كشفه لأحرقت سُبُحاتُ وجههِ ما انتهى إليه بصرُه من خلقهِ)رواه مسلم .
والسِّنة هي مُبتدأ النوم .
(له ما في السماوات وما في الأرض)
كلُّ ما في السماوات وما في الأرض حقيقةً كلُّ ملكُه لله ,ومُلك الإنسانِ قاصر شرعاً وقدَراً ,فلا يحق له أن يُتلِف ماله ,وللقاضي الحَجْر على السفيه ,وقَدَراً وُلِد الإنسان عارياً ,وسيُوضع في القبر عارياً عليه قطعةُ قماش ,وسيُبعث يوم القيامة عارياً .
لام الاختصاص ,وتقديم ما حقُّه التأخير يُفيد الحصر ,(لمن المُلك اليوم لله الواحد القهّار)
(من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنِه)
لا يجرُؤ أحدٌ على أن يشفع إلا بإذنه ,إكراماً للشافع وإظهاراً لفضلِه ورحمةً بالمشفوع له ,حتى الأنبياء آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى عليهم الصلاة والسلام لا يجرُؤن على الشفاعة يوم القيامة ,قال صلى الله عليه وسلم : (فأنطلِقُ فأخِرُّ ساجداً تحت العرش فيُقال يا محمد ارفع رأسك وقُل يُسمع واشفع تُشفَّع) .
(يعلمُ ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يُحيطون بشئٍ من علمه إلا بما شاء)
قيل (ما بين أيديهم وما خلفهم) أي ما قدّموا وآثارهم مما عملوا وبقِيَ أثرُه ,وقيلَ ماضيهِم وحاضرهُم وما يستقبِلُهُم .
(ولا يُحيطُون بشئٍ من علمه إلا بما شاء)
أيْ بمعلُومِه ,فكلُّ الذي عند البشر هو شئ مما شاء الله لعبادِه أن يعلموه ,وما آوتي الإنسان من العلم إلّا قليلاً ,(ولو أن ما في الأرض من شجرةٍ أقلام والبحرُ يمُدُّه من بعدِه سبعةُ أبحرٍ ما نفدت كلماتُ الله إن الله عزيزٌ حكيم) ,ولما وقع العُصفُور على طرف السفينة التي عليها موسى والخضر عليهما السلام ,فنقر نقرةً أو نقرتين ,قال الخضر لموسى عليهما السلام : (ما نقص علمي وعلمُك من علم الله إلا مثل ما نقص هذا العُصفور من البحر)
قلت ما سمعتُم وأستغفر الله لي ولكم ولعموم المسلمين إنه هو الغفور الرحيم .
…
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه ,وأشهد ألا إله إلا الله تعظيماً لشانِه ,وأشهد أن محمداً عبدُه ورسوله الداعي إلى رِضوانه ,صلى الله عليه وسلم .
قال الله تبارك وتعالى : (وسع كرسيّه السماوات والأرض)
قيل الكرسي هو العلم ,وصحّ عن أبي ذر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : (ما السماوات السبع في الكرسي إلا كحلقةٍ مُلقاةٍ بأرض فلاة ) يعني كالخاتم بالصحراء ,فهو خلقٌ عظيم لا يُحيط به عقل بشر .
(ولا يؤودُه حفظُهما)
أي ولا يُثقِلُه ولا يُكرِثُه حفظ السماوات والأرض ,فالذي لا يُعجِزُه السماوات والأرض لا يُعجزه حفظ عبدٍ ضعيف .
(وهو العليّ العظيم)
(العليّ) اسمٌ من أسماء الله جلا وعلا يدل على :
-علو الذّات ,فهو القاهر فوق عباده ,مستوٍ على عرشِه استواءً يليق بجلاله وعظمتِه ,(ليس كمثلِه شئٌ وهو السميعُ البصير)
-علو القهر ,قال سبحانه : (وهو القاهر فوق عبادِه) ,وقال صلى الله عليه وسلم :قال الله تعالى : (العِزُّ إزاري ,والكِبرياء ردائِي فمن ينازعُني عذبتُهُ)
-علو القدر ,فكُلُّ اسمٍ مُتضّمِّنٌ صفةً على وجه الكمال ,قال تعالى : (وله المثل الأعلى في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم) .
-فالعلو دلّ عليه الكتاب والسنة والإجماع والعقل والفطرة ,قال سبحانه : (إليه يصعد الكلم الطيب) ,وقال سبحانه : (تعرج الملائكة والروح إليه) ,وقال تعالى : (نزل به الرُّوح الأمين)
-حتى البهائم في الغابات إذا اضطربت قد ترفع رأسها إلى الأعلى ,والإنسان إذا دُعِى وَجَد من نفسه توجُّهاً للأعلى ضرورةً ,وكان الأمام أبوالمعالي الجويني على المنبر ويقول :كان الله ولا مكان وهو على ما كان ,فقال له الهمداني :...فما هذه الضرورة التي يجدها الداعي للأعلى ,فقال الجويني : حيَّرني الهمداني .
-والعلو كمال ٌ عقلاً .
(العظيم) العظمةُ في ذاته وأسمائه وصفاته لا يُحيط بها عقلٌ ولا يُدركها بشر .
(فلما تجلّى ربه للجبل جعله دكاً وخرَّ موسى صعقاً)
,,,
من فضائلها :
-عن أبي أمامة الباهليّ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (من قرأ آية الكرسيّ دُبُر كلِّ صلاة لم يكن بينه وبين الجنَّة إلا أن يموت) .
-وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : وكلني رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصدقة ,فإذا حاثٍ يحثو من الصدقة ,فأخذتُه وقلت : لأرفعنَّك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ,فقال : شيخٌ كبير ولي عيالٌ مساكين ,فرحمتُه وتركتُه ,فصلّيتُ الفجر مع النبي صلى الله عليه وسلّم ,فقال : (يا أبا هريرة ,ما فعل أسيرُك البارحة؟) فأخبرتُه ,فقال صلى الله عليه وسلم : (أما إنّه قد كذبك وسيعود) ,فتكرّر ذلك ثلاث ليال ,فقال في الأخيرة :أترُكني وأعلّمك كلمات ينفعك الله بها ,إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي فإنه لا يزال عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطانٌ حتى تُصبح ,فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : (صدَقكَ وهو كذوب ,أتدري من كنتَ تُحدِّث منذ ثلاث ليال؟) ,(ذاك شيطان) رواه مسلم .
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد
المرفقات
1735414930_وقفات مع آية الكرسي.docx