وَقَفَاتٌ مَعَ آياتٍ مِنْ سُورَةِ الفُرْقَانِ( 3 )( الخَوفُ مِنَ العَذَابِ )
مبارك العشوان 1
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً }
أَمَّا بَعْدُ: فَيَقُولُ اللهُ جَلَّ وَعَلَا فِي وَصْفِ عِبَادِهِ: { وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا، إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا } الفرقان 65-66.
هَذِهِ مِنْ جُمْلَةِ أَوْصَافِ عِبَادِ الرَّحْمَنِ فِي أَوَاخِرِ سُورَةِ الفُرْقَانِ؛ يَخْشَونَ اللهَ جَلَّ وَعَلَا، وَيَخَافُونَ عِقَابَهُ.
يَجْتَهِدُونَ فِي الطَّاعَاتِ، وَيَجْتَنِبُونَ المُحَرَّمَاتِ، وَيَسْتَقِلُّونَ أَعْمَالَهُمْ: { وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ، أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ } المؤمنون 60-61
يَعْلَمُونَ أَنَّهُ لَنْ يَدْخُلَ أَحَدٌ الجَنَّةَ بِعَمَلِهِ؛ إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَهُ اللهُ بِفَضْلِهِ وَرَحْمَتِهِ.
عِبَادُ الرَّحْمَنِ خَائِفُونَ وَجِلُونَ مِنَ العَذَابِ؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى
: { وَالَّذِينَ هُم مِّنْ عَذَابِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ، إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ }المعارج27ـ 28 وَقَالَ تَعَالَى: { الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ } الأنبياء49 وَقَالَ تَعَــــالَى: { الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا } الأحزاب 39 وَقَالَ تَعَالَى: { وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ، يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } النحل 49- 50 وَقَالَ تَعَالَى: { رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ } النور 37
عِبَادَ اللهِ: وَلِهَذَا الخَوفِ؛ كَثُرَ دُعَاءُ المُؤْمِنِينَ؛ بِأَنْ يَصْرِفَ الله عَنْهُمْ عَذَابَهُ: { رَبَّنَا اِصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً } أَيْ: مُلَازِمًا لِأَهْلِهَا، بِمَنْزِلَةِ مُلَازَمَةِ الغَرِيمِ لِغَرَيْمِهِ؛ قَالَ الحَسَنُ رَحِمَهُ اللهُ: قَدْ عَلِمُوا أَنَّ كُلَّ غَرِيمٍ يُفَارِقُ غَرِيمَهُ إِلَّا غَرِيمَ جَهَنَّمَ.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ.
عِبَادَ اللهِ: سَلُوا اللهَ تَعَالَى أَنْ يَقِيْكُمْ عَذَابَ النَّارِ؛ فمَنْ وَقَاهُ اللهُ النَّارَ؛ فَازَ الفَوزَ العَظِيْمَ، وَمَنْ أُدْخِلَ النَّارَ بَاءَ بِالخِزْيِ وَالخُسْرَانِ المُبِينِ، وَفُضِحَ عَلَى رُءُوسِ الْأَشْهَادِ.
قَالَ تَعَالَى: { فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ } آل عمران 185
أَكْثِرُوا - وَفَّقَكُمُ اللهُ - مِنَ الدُّعَاءِ بِالنَّجَاةِ مِنَ النَّارِ وَالوِقَايَةِ مِنَ العَذَابِ؛ ومن ذلك:
الدُّعَاءُ عِنْدَ النَّومِ: ( اللَّهُمَّ قِنِى عَذَابَكَ يَوْمَ تَبْعَثُ عِبَادَكَ )
وَالدُّعَاءُ بَعْدَ التَّشَهُّدِ: ( اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ ) رواه مسلم.
وَمِنْهُ: الدُّعَاءُ الجَامِعُ الذِي جَاءَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: كَانَ أَكْثَرُ دُعَاءِ النَّبِيِّ صَلى الله عَلَيهِ وسَلـــــمَ: ( رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ) رواه البخاري ومسلم.
وَمِنْهُ: دُعَاءِ الخَلِيلِ إِبْرَاهِيْمُ عَلَيهِ السَّلَامُ: { وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ } الشعراء 87
بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي القُرْآنِ العَظِيمِ، وَنَفَعَنَا بِمَا فِيْهِ مِنَ الْآيِ وَالذِّكْرِ الحَكِيْمِ، وَأَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيْمُ.
الخطبة الثانية:
الحَمْدُ لِلهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ؛ أمَّا بَعدُ:
فَإِنَّ خَوفَ المُؤْمِنِينَ لِرَبِّهِمْ جَلَّ وَعَلَا؛ خَوفٌ يَبْعَثُ عَلَى العَمَلِ، خَوفٌ لَا يَأْسَ مَعَهُ، وَلَا قُنُوطَ، خَوفٌ مَقْرُونٌ بِالرَّجَاءِ؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى: { أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ } الزُّمَرِ 9
وَقَالَ تَعَالَى: { تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ } السَّجْدَةِ 16
وَقَالَ تَعَالَى: { أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا } الإسراء 57
عِبَادَ اللهِ: هَذَا الخَوفُ مِنَ اللهِ جَلَّ وَعَلَا، المَقْرُونُ بِرَجَائِهِ تَعَالَى، وَمَحَبَّتِهِ، وَتَعْظِيْمِهِ؛ البَاعِثُ عَلَى الدُّعَاءِ، وَالعَمَلِ؛ هُوَ الخَوفُ المَطْلُوبُ مِنَ العَبْدِ، وَهُوَ سَبَبٌ لِلنَّجَاةِ مِمَّا خَافَهُ مِنَ العَذَابِ، وَالفَوزِ بِمَا طَلَبَهُ مِنَ الثَّوَابِ.
قَالَ تَعَالَى عَنْ عِبَادِهِ الأَبْرَارِ: { يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا، وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا، إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا، إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا، فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا، وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا، مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا }الإنسان 7- 13
وَقَالَ تَعَالَى عَنْ المُتَّقِينَ أَهْلِ الجَنَّةِ: { وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ، قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ، فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ، إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ } الطور 25-28
وَقَالَ تَعَالَى: { وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى، فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى } النازعات 40- 41
نَسْأَلُ اللهَ تَعَالَى مِنْ فَضْلِهِ.
ثُمَّ صَلُّوا وَسَلِّمُوا - رَحِمَكُمُ اللهُ - عَلَى خَاتَمِ المُرْسَلِيْنَ وَالمَبْعُوثِ رَحْمَةً لِلْعَالَمِيْنَ؛ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَآلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَآلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلَامَ وَالمُسْلِمِينَ، وَأَذِلَّ الشِّرْكَ وَالمُشْرِكِينَ.
اللَّهُمَّ أصْلِحْ أئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، اللَّهُمَّ وَفِّقْ وُلَاةَ أمْرِنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، اللَّهُمَّ خُذْ بِنَوَاصِيهِمْ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا وَإِيَّاهُمْ لِهُدَاكَ، واجْعَلْ عَمَلَنَا فِي رِضَاكَ، اللَّهُمَّ مَنْ أَرَادَنَا وَدِينَنَا وَبِلَادَنَا بِسُوءٍ فَرُدَّ كَيْدَهُ إِلَيهِ، وَاجْعَلْ تَدْبِيرَهُ تَدْمِيرًا عَلَيهِ، يَا قَوِيُّ يَا عَزِيزُ.
عِبَادَ اللهِ: اُذْكُرُوا اللهَ العَلِيَّ الْعَظِيْمَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ وَلَذِكْرُ اللهِ أكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.
المرفقات
1637804006_وَقَفَاتٌ مَعَ آياتٍ مِنْ سُورَةِ الفُرْقَانِ ( 3 ) ( الخوف من العذاب ).pdf
1637804034_وَقَفَاتٌ مَعَ آياتٍ مِنْ سُورَةِ الفُرْقَانِ ( 3 ) ( الخوف من النار ).doc
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق