وقفات حول قرارات إيقاف وتعديل البدلات
خالد الباتلي
1437/12/28 - 2016/09/29 21:07PM
إن الحمد لله .. اتقوا الله ..
فقد تابع الجميع ما صدر عن ولي الأمر من قرارات تتعلق بإلغاء وتعديل بعض البدلات والحوافز والمزايا المادية، وما يتعلق بذلك، وصار هذا حديثَ الناس في مجالسهم ومكاتبهم وفي مواقع التواصل الاجتماعي، ونحن أمام هذه القرارات نذكر ببعض الوقفات:
الوقفة الأولى: الرزق مقدَّر
نعم أيها المسلم رزقك مكتوب مقدر ستأخذه كاملا دون زيادة أو نقصان.
لما كنت جنينا في بطن أمك أرسل الله الملك وأمره بكتابة رزقك وأجلك وعملك ونهاية أمرك.
عن ابن مسعود أن رسول الله قال: (إن روح القدس – هو جبريل - نفث في روعي أن نفساً لن تموت حتى تستكمل رزقها، ألا فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، ولا يحملنكم استبطاء الرزق أن تطلبوه بمعاصي الله ، فإنه لا يدرك ما عند الله إلا بطاعته)
{وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} [هود: 6].
{وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ}، ثم أقسم جل وعلا تأكيدا: {فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ} [الذاريات: 22، 23].
{الشيطان يعدكم الفقر}، ويخوف من المستقبل.
أيها الإخوة .. من تأمل حال الناس وجدهم في قلق وخوف من أمرين: الرزق والأجل.
فهذا يخاف أن يضيق رزقُه، وتتكدر حالُهُ إذا قلَّ راتبُه، وإذا سمع بكارثة اقتصادية أو هبوط في الأسهم انخلع قلبُه، وذاك يخاف من الأمراض خوفا من الموت.
وهذان الأمران (الرزق والأجل) قضي أمرهما وسبق حسمهما، فلم القلق؟
نعم، عليك بذل الأسباب في طلب الرزق والصحة، لكن إن تغير شيء، أو تبدل الحال فلا تقلق وتظلم الدنيا في وجهك.
الذي رزق النملة في جحرها، والسمكة في أعماق البحار لن يضيعك
يا صاحب الهم إن الهم منفرجٌ *** أبشر بخير فإن الفارج اللهُ
الله يحدث بعد العسر ميسرةً *** لا تجزعن فإن الصانع الله
فإن بليت فثق بالله وارض به ** إن الذي يكشف البلوي هو الله
والله مالك غير الله من أحد *** فحسبك الله في كلٍ لك الله
الوقفة الثانية: وصية قرآنية
إن كنت ممن نقص راتبه؛ فاستمع إلى قوله تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة: 155 - 157].
اصبر واحتسب، ردد هذا الذكر: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، احمد الله على ما أنت فيه من نعم كثيرة.
نعمة الإسلام والسنة والرزق والعافية والأمن وغيرها.
هناك فئام من الناس يخرج من بيته إلى المستشفى ليأخذ جرعة الكيماوي بسبب مرض السرطان، ولست منهم.
وآخرون يترددون في كل أسبوع مرتين أو أكثر لغسيل الكلى ولست منهم.
وآخرون يمسون على قصف الطائرات، ويصبحون على قذائف المدافع، تدك البيوت على أهلها، يمسي الرجل ولا يدري أيصبح أم يدفن في بيته؟ وأنت آمنٌ مطمئنٌ في بيتك مع أولادك.
أيها الإخوة .. الوصية بالتوبة والاستغفار، فما نزل بلاء إلا بذنب، ولا رفع إلا بتوبة، {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى: 30]، {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا}.
قال ابن عباس: إن للحسنة ضياءً في الوجه، ونوراً في القلب، وسعةً في الرزق، وقوةً في البدن، ومحبةً في قلوب الخلق، وإن للسيئة سواداً في الوجه، وظلمةً في القلب، ووهناً في البدن, ونقصاً في الرزق، وبغضةً في قلوب الخلق.
الوقفة الثالثة: مراجعة ومحاسبة
نعم .. إن هذا الحدثَ يجب أن يكون نقطةَ انطلاق، وبدايةَ تصحيح في تدبير المال، وطريقة صرفه، يجب أن نتغير ونعيد سياسة الإنفاق.
يعاني كثير من الناس من ضائقة مالية، لا من قلة، ولكن من سوء تدبير.
يجب أن نعيد حساباتنا وعاداتنا في صرف المال، دعونا نتخفف من الكماليات والمظاهر:
السفر إلى الخارج، البذخ في الولائم والمناسبات، التفاخر في الأثاث والمقتنيات والسيارات، المبالغة في الملابس والعطور وتطلب الماركات لا سيما عند النساء، المطاعم والأسواق .. وغيرها.
من المؤسف أن نجد أناسا لهم عشرُ سنوات وأكثر في الوظيفة، ولم يملك بيتا، ولم يوفر شيئا، بل تجاوز ذلك إلى القروض والديون!.
أيها الإخوة .. اخشوشنوا فإن النعم لا تدوم
والنفس راغبةٌ إذا رغبتها *** وإذا تُرد إلى قليل تقنع
الوقفة الرابعة: السمع والطاعة لولي الأمر بالمعروف
وهذا أصل شرعي،
عن عبادة بن الصامت قال: بايعنا رسول الله على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا، وأثرة علينا، وأن لا ننازع الأمر أهله، إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان. رواه البخاري
وقد ورد الوعيد الشديد على من كانت بيعته لولي الأمر لأجل الدنيا فقط، فعن أبي هُرَيْرَةَ قَالَ رَسُولُ اللهِ : (ثَلَاثَةٌ لَا يَنْظُرُ اللهُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ .. – وذكر منهم: - وَرَجُلٌ بَايَعَ إِمَامًا لَا يُبَايِعُهُ إِلَّا لِدُنْيَا، فَإِنْ أَعْطَاهُ مِنْهَا رَضِيَ وَإِنْ لَمْ يُعْطِهِ مِنْهَا سَخِطَ) خ
وعلينا أن نقدر الظرف الذي تمر به البلاد وما يدور في المنطقة من أحداث وصراعات، وأن نكون عونا لولاة الأمر على ما فيه مصلحة البلاد والعباد.
كما ينبغي الحذر من استغلال الأعداء والمتربصين لهذه الأحداث في شق الصف، وتفريق الجماعة، وإثارة الفتنة بين الراعي والرعية، والدعوة إلى نزع الطاعة، أو إثارة الناس وشحنهم، فالأعداء كثر، يتربصون ويترقبون، فعلينا أن نكون صفا واحدا، وأن نفوت الفرصة لكل دخيل وعميل، وأن ننظر إلى المصالح الشرعية.
بارك الله ..
الخطبة الثانية:
الوقفة الخامسة: الرقابة على المال العام
عن خولة الأنصارية رضي الله عنها قالت: سمعت النبي يقول: (إن رجالا يتخوضون في مال الله بغير حق فلهم النار يوم القيامة) خ ، ومعنى يتخوضون: أي يتصرفون في مال المسلمين بغير حق فهؤلاء النار تنتظرهم.
وعن بريدة عن النبي قال: (من استعملناه على عمل فرزقناه رزقا فما أخذ بعد ذلك فهو غلول). د ك وصحل. الله أكبر، ما أعظمه من حديث وما أوضحه، (من استعملناه على عمل) يعني وظفناه في وظيفة، (فرزقناه رزقا) هو الراتب الذي يكون من بيت المال، (فما أخذ بعد ذلك فهو غلول) مهما كان يسيرا فوق راتبه فهو غلول.
والغلول – بمعناه العام كما عرفه أهل العلم -: هو الكتمان من الغنيمة، والخيانة في كل مال يتولاه الإنسان.
وقد قال -في حديث عبادة بن الصامت-: (أدوا الخَيْط والمَخِيْط وأكبر من ذلك وأصغر، ولا تغلوا فإن الغُلُول نار وعار على أصحابه في الدنيا والآخرة) حم ق وصحل.
ولقد ضرب السلف في هذا أروع الأمثلة وأعجبها، فهذا عمر بن الخطاب روِي أنّه كان يقسِم شيئا من بيت المال فدخَلت ابنةٌ له صغيرة فأخذت دِرهما، فنهض في طلبها حتى سقطت مِلحفته عن منكبَيه، ودخلت الصّبيّة إلى بيت أهلها تبكي، وجعلت الدرهم في فمها، فأدخل عمر أصبعه في فمها فأخرج الدرهم وطرحه مع مال المسلمين.
وذكروا أنه أبطأ على الناس يوم الجمعة، ثم خرج فاعتذر إليهم في احتباسه، وقال: إنما حبسني غسل ثوبي هذا، كان يُغسل، ولم يكن لي ثوب غيره.
أصاب الناسَ سنةُ غلاء، فكان عمر يأكل الزيت، فتقرقر بطنه، فيقول: قرقر ما شئت، فو الله لا تأكل السمن حتى يأكله الناس. وذكروا أن عمر بن عبد العزيز كان يسهر في مصالح المسلمين على ضوء السراج مع بعض عماله، فعرضت حاجة له فأطفأ السراج حتى لا ينتفع بضوئه في مصالحه الشخصية.
فأين أولئك الذين تجرأوا وخاضوا في مال الله بغير حق، وصار الأخذ كياسة ومهارة، كمن يأخذ أجرة الانتداب وهو جالس في بيته، أو يصرف له انتداب شهر وهو لم يذهب إلا أسبوعين أو ثلاثة، ومن يأخذ خارج الدوام دون دوام أو يداوم بعض الوقت ويأخذ الأجر كاملا، أو من ينتفع بالمال العام في أموره الشخصية من السيارات والأجهزة وغيرها.
ألا فليتق الله من سبقت منه سابقة، وليبادر بالتوبة، ومن التوبة رد ما أخذه وإبراء ذمته، وقد وضعت الدولة حسابا خاصا في أحد المصارف باسم (صندوق إبراء الذمة) يودع فيه من أراد إبراء ذمته دون مساءلة.
اللهم ..
فقد تابع الجميع ما صدر عن ولي الأمر من قرارات تتعلق بإلغاء وتعديل بعض البدلات والحوافز والمزايا المادية، وما يتعلق بذلك، وصار هذا حديثَ الناس في مجالسهم ومكاتبهم وفي مواقع التواصل الاجتماعي، ونحن أمام هذه القرارات نذكر ببعض الوقفات:
الوقفة الأولى: الرزق مقدَّر
نعم أيها المسلم رزقك مكتوب مقدر ستأخذه كاملا دون زيادة أو نقصان.
لما كنت جنينا في بطن أمك أرسل الله الملك وأمره بكتابة رزقك وأجلك وعملك ونهاية أمرك.
عن ابن مسعود أن رسول الله قال: (إن روح القدس – هو جبريل - نفث في روعي أن نفساً لن تموت حتى تستكمل رزقها، ألا فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، ولا يحملنكم استبطاء الرزق أن تطلبوه بمعاصي الله ، فإنه لا يدرك ما عند الله إلا بطاعته)
{وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} [هود: 6].
{وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ}، ثم أقسم جل وعلا تأكيدا: {فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ} [الذاريات: 22، 23].
{الشيطان يعدكم الفقر}، ويخوف من المستقبل.
أيها الإخوة .. من تأمل حال الناس وجدهم في قلق وخوف من أمرين: الرزق والأجل.
فهذا يخاف أن يضيق رزقُه، وتتكدر حالُهُ إذا قلَّ راتبُه، وإذا سمع بكارثة اقتصادية أو هبوط في الأسهم انخلع قلبُه، وذاك يخاف من الأمراض خوفا من الموت.
وهذان الأمران (الرزق والأجل) قضي أمرهما وسبق حسمهما، فلم القلق؟
نعم، عليك بذل الأسباب في طلب الرزق والصحة، لكن إن تغير شيء، أو تبدل الحال فلا تقلق وتظلم الدنيا في وجهك.
الذي رزق النملة في جحرها، والسمكة في أعماق البحار لن يضيعك
يا صاحب الهم إن الهم منفرجٌ *** أبشر بخير فإن الفارج اللهُ
الله يحدث بعد العسر ميسرةً *** لا تجزعن فإن الصانع الله
فإن بليت فثق بالله وارض به ** إن الذي يكشف البلوي هو الله
والله مالك غير الله من أحد *** فحسبك الله في كلٍ لك الله
الوقفة الثانية: وصية قرآنية
إن كنت ممن نقص راتبه؛ فاستمع إلى قوله تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة: 155 - 157].
اصبر واحتسب، ردد هذا الذكر: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، احمد الله على ما أنت فيه من نعم كثيرة.
نعمة الإسلام والسنة والرزق والعافية والأمن وغيرها.
هناك فئام من الناس يخرج من بيته إلى المستشفى ليأخذ جرعة الكيماوي بسبب مرض السرطان، ولست منهم.
وآخرون يترددون في كل أسبوع مرتين أو أكثر لغسيل الكلى ولست منهم.
وآخرون يمسون على قصف الطائرات، ويصبحون على قذائف المدافع، تدك البيوت على أهلها، يمسي الرجل ولا يدري أيصبح أم يدفن في بيته؟ وأنت آمنٌ مطمئنٌ في بيتك مع أولادك.
أيها الإخوة .. الوصية بالتوبة والاستغفار، فما نزل بلاء إلا بذنب، ولا رفع إلا بتوبة، {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى: 30]، {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا}.
قال ابن عباس: إن للحسنة ضياءً في الوجه، ونوراً في القلب، وسعةً في الرزق، وقوةً في البدن، ومحبةً في قلوب الخلق، وإن للسيئة سواداً في الوجه، وظلمةً في القلب، ووهناً في البدن, ونقصاً في الرزق، وبغضةً في قلوب الخلق.
الوقفة الثالثة: مراجعة ومحاسبة
نعم .. إن هذا الحدثَ يجب أن يكون نقطةَ انطلاق، وبدايةَ تصحيح في تدبير المال، وطريقة صرفه، يجب أن نتغير ونعيد سياسة الإنفاق.
يعاني كثير من الناس من ضائقة مالية، لا من قلة، ولكن من سوء تدبير.
يجب أن نعيد حساباتنا وعاداتنا في صرف المال، دعونا نتخفف من الكماليات والمظاهر:
السفر إلى الخارج، البذخ في الولائم والمناسبات، التفاخر في الأثاث والمقتنيات والسيارات، المبالغة في الملابس والعطور وتطلب الماركات لا سيما عند النساء، المطاعم والأسواق .. وغيرها.
من المؤسف أن نجد أناسا لهم عشرُ سنوات وأكثر في الوظيفة، ولم يملك بيتا، ولم يوفر شيئا، بل تجاوز ذلك إلى القروض والديون!.
أيها الإخوة .. اخشوشنوا فإن النعم لا تدوم
والنفس راغبةٌ إذا رغبتها *** وإذا تُرد إلى قليل تقنع
الوقفة الرابعة: السمع والطاعة لولي الأمر بالمعروف
وهذا أصل شرعي،
عن عبادة بن الصامت قال: بايعنا رسول الله على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا، وأثرة علينا، وأن لا ننازع الأمر أهله، إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان. رواه البخاري
وقد ورد الوعيد الشديد على من كانت بيعته لولي الأمر لأجل الدنيا فقط، فعن أبي هُرَيْرَةَ قَالَ رَسُولُ اللهِ : (ثَلَاثَةٌ لَا يَنْظُرُ اللهُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ .. – وذكر منهم: - وَرَجُلٌ بَايَعَ إِمَامًا لَا يُبَايِعُهُ إِلَّا لِدُنْيَا، فَإِنْ أَعْطَاهُ مِنْهَا رَضِيَ وَإِنْ لَمْ يُعْطِهِ مِنْهَا سَخِطَ) خ
وعلينا أن نقدر الظرف الذي تمر به البلاد وما يدور في المنطقة من أحداث وصراعات، وأن نكون عونا لولاة الأمر على ما فيه مصلحة البلاد والعباد.
كما ينبغي الحذر من استغلال الأعداء والمتربصين لهذه الأحداث في شق الصف، وتفريق الجماعة، وإثارة الفتنة بين الراعي والرعية، والدعوة إلى نزع الطاعة، أو إثارة الناس وشحنهم، فالأعداء كثر، يتربصون ويترقبون، فعلينا أن نكون صفا واحدا، وأن نفوت الفرصة لكل دخيل وعميل، وأن ننظر إلى المصالح الشرعية.
بارك الله ..
الخطبة الثانية:
الوقفة الخامسة: الرقابة على المال العام
عن خولة الأنصارية رضي الله عنها قالت: سمعت النبي يقول: (إن رجالا يتخوضون في مال الله بغير حق فلهم النار يوم القيامة) خ ، ومعنى يتخوضون: أي يتصرفون في مال المسلمين بغير حق فهؤلاء النار تنتظرهم.
وعن بريدة عن النبي قال: (من استعملناه على عمل فرزقناه رزقا فما أخذ بعد ذلك فهو غلول). د ك وصحل. الله أكبر، ما أعظمه من حديث وما أوضحه، (من استعملناه على عمل) يعني وظفناه في وظيفة، (فرزقناه رزقا) هو الراتب الذي يكون من بيت المال، (فما أخذ بعد ذلك فهو غلول) مهما كان يسيرا فوق راتبه فهو غلول.
والغلول – بمعناه العام كما عرفه أهل العلم -: هو الكتمان من الغنيمة، والخيانة في كل مال يتولاه الإنسان.
وقد قال -في حديث عبادة بن الصامت-: (أدوا الخَيْط والمَخِيْط وأكبر من ذلك وأصغر، ولا تغلوا فإن الغُلُول نار وعار على أصحابه في الدنيا والآخرة) حم ق وصحل.
ولقد ضرب السلف في هذا أروع الأمثلة وأعجبها، فهذا عمر بن الخطاب روِي أنّه كان يقسِم شيئا من بيت المال فدخَلت ابنةٌ له صغيرة فأخذت دِرهما، فنهض في طلبها حتى سقطت مِلحفته عن منكبَيه، ودخلت الصّبيّة إلى بيت أهلها تبكي، وجعلت الدرهم في فمها، فأدخل عمر أصبعه في فمها فأخرج الدرهم وطرحه مع مال المسلمين.
وذكروا أنه أبطأ على الناس يوم الجمعة، ثم خرج فاعتذر إليهم في احتباسه، وقال: إنما حبسني غسل ثوبي هذا، كان يُغسل، ولم يكن لي ثوب غيره.
أصاب الناسَ سنةُ غلاء، فكان عمر يأكل الزيت، فتقرقر بطنه، فيقول: قرقر ما شئت، فو الله لا تأكل السمن حتى يأكله الناس. وذكروا أن عمر بن عبد العزيز كان يسهر في مصالح المسلمين على ضوء السراج مع بعض عماله، فعرضت حاجة له فأطفأ السراج حتى لا ينتفع بضوئه في مصالحه الشخصية.
فأين أولئك الذين تجرأوا وخاضوا في مال الله بغير حق، وصار الأخذ كياسة ومهارة، كمن يأخذ أجرة الانتداب وهو جالس في بيته، أو يصرف له انتداب شهر وهو لم يذهب إلا أسبوعين أو ثلاثة، ومن يأخذ خارج الدوام دون دوام أو يداوم بعض الوقت ويأخذ الأجر كاملا، أو من ينتفع بالمال العام في أموره الشخصية من السيارات والأجهزة وغيرها.
ألا فليتق الله من سبقت منه سابقة، وليبادر بالتوبة، ومن التوبة رد ما أخذه وإبراء ذمته، وقد وضعت الدولة حسابا خاصا في أحد المصارف باسم (صندوق إبراء الذمة) يودع فيه من أراد إبراء ذمته دون مساءلة.
اللهم ..
حسام بن عبدالعزيز الجبرين
جزاك الله خيرا وبارك فيك ولك.
تعديل التعليق