وقفات أخرى مع كورونا (2) ..

عبدالله اليابس
1441/07/10 - 2020/03/05 20:27PM

بسم الله الرحمن الرحيم..

أيها الخطيب المبارك .. خطبت في الجمعة الماضية بهذه الخطبة عن (وقفات مع فيروس كورونا)..

https://khutabaa.com/forums/%D9%85%D9%88%D8%B6%D9%88%D8%B9/357311#.XmE19ajXKUk

وفي هذه الجمعة سأكمل الوقفات .. ولك أن تأخذ بأي الخطبتين .. أو أن تأخذ من أيهما ما تشاء .. وفقك الله وجعلك مباركًا أينما كنت.

----------------------------------------------------

وقفات مع كورونا (2)                  الجمعة 11/7/1441هـ

الحَمْدُ للهِ الذِي بِنِعْمَتِهِ تَتِمُّ الصَّالِحَاتُ، الحَمْدُ للهِ الذِي خَلَقَ الأَرْضَ والسَّمَوَاتِ، الحَمْدُ للهِ الذِي عَلِمَ العَثَراتِ، فَسَتَرَهَا عَلَى أَهْلِهَا وَأَنْزَلَ الرَّحَمَاتِ، ثُمَّ غَفَرَهَا لَهُمْ وَمَحَا السَّيِّئَاتِ، فَلَهُ الحَمْدُ مِلءَ خَزَائِنِ البَرَكَاتِ، وَلَهُ الحَمْدُ مَا تَتَابَعَتْ بِالقَلْبِ النَبَضَاتُ، وَلَهُ الحَمْدُ مَا تَعَاقَبَتْ الخُطُوَاتُ، وَلَهُ الحَمْدُ عَدَدَ حَبَّاتِ الرِّمَالِ فِي الفَلَوَاتِ، وَعَدَدَ ذَرَّاتِ الهَوَاءِ فِي الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتِ، وَعَدَدَ الحَرَكَاتِ وَالسَّكَنَاتِ.

وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ.. لَا مُفَرِّج َلِلكُرُبَاتِ إِلَا هُوَ، وَلَا مُقِيلَ لِلْعَثَرَاتِ إِلَا هُوَ، وَلَا مُدَبِّرَ لِلْمَلَكُوتِ إِلَا هُوَ، وَلَا سَامِعَ لِلأَصْوَاتِ إِلَا هُوَ، مَا نَزَلَ غَيثٌ إِلَّا بِحِكْمَتِهِ، وَمَا اِنتَصَرَ دِينٌ إِلا بِعِزَّتِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ قَامَ فِي خِدْمَتِهِ، وَقَضَى نَحْبَهُ فِي الدَّعْوَةِ لِعِبَادَتِهِ، وَعَاشَ بِالتَّوْحِيدِ فَفَازَ بِخِلَّتِهِ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَيهِ وَعَلَى آَلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنْ سَارَ عَلى نَهْجِهِ وَاِسْتَنَّ بِسُنَّتِهِ, وَسَلَّم تَسْلِيمًا كَثِيرًا إِلَى يَومِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ.

يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.. جَرَى الحَدِيْثُ فِيْ الجُمُعَةِ المَاضِيَةِ عَنْ (فَيْرُوسِ كُورُونَا المُسْتَجِدِّ), وَتَوَقَفْنَا مَعَهُ فِي سِتِّ وَقَفَاتٍ, وَلِأَنَّ المَوْضُوعَ هُوَ حَدِيْثُ السَّاعَةِ, وَشَاغِلُ النَّاسِ, فَإِنَّ مَوْضُوعَنَا اليَوْمَ سَيَكُونُ اِسْتِكْمَالاً لِمَا بَدَأْنَاهُ فِي الأُسْبُوعِ المَاضِيْ, وَحَدِيْثُنَا اليَومَ سَيَكُونُ فِيْ أَرْبَعِ وَقَفَاتٍ..

الوَقْفَةُ الأُولَى: العَبدُ المُسْلِمُ يَعِيْشُ فِيْ هَذِهِ الدُّنْيَا.. تُصِيْبُهُ الغَفْلَةُ أَحْيَانًا.. يَغْفَلُ.. يَمِيلُ عَنِ الطَّرِيْقِ.. فَيُرْسِلُ اللهُ لَهُ إِشَارَاتٍ يُخَوِّفُهُ بِهَا.. وَيُنْذِرُه.. لَعَلَّهُ يَخَافُ وَيَرْجِعُ وَيَتَذَكَر.. {وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا}.

اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى هُوَ الذِي خَلَقَنَا.. وَهُو العَالِمُ بِنَا.. {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}, تَغْتَرُّ البَشَرِيَّةُ حِيْنًا بِعِلْمِهَا وَبِقُدْرَتِهَا.. وَبِأَنَّهَا وَصَلَتِ القَمَرَ.. وَقَرَّبَتِ المَسَافَاتِ.. وَحَارَبَتِ الأَمْرَاضَ.. فَيَأْتِيْهِمْ مِثْلُ هَذَا الفَيْرُوسُ.. شَيءٌ لَا يُرَى بِالعَيْنِ المُجَرَّدَةِ.. يَطْرُقُ الأَبْوَابَ بِلَا اسْتِئْذَانٍ.. يَرْكَبُ الطَائِراتِ والبِحارَ بِلَا تَذَاكِر.. وَيَتَجَاوَزُ الحُدُودَ بِلَا جَوَازِ سَفَرٍ.. وَمَعَ ذَلِكَ لَا يَمْلِكُ أَمَامَهُ الإِنْسَانُ المُتَفَاخِرُ بِعِلْمِهِ حَوْلاً وَلَا قُوَةً.. وَأَقْصَى مَا تُحَاوِلُهُ الدُّوَلُ اليَومَ أَنْ تَكْتَشِفَ حَامِلِي المَرَضِ قَبْلَ أَنْ يَنْشُرُوهُ إِلَى غَيْرِهِم.. بِسَبَبِهِ عُطِّلَتِ المَدَارِسُ.. وَأُلْغِيَتِ الاِحْتِفَالاتِ.. وَأُوْقِفَتْ تَأْشِيرَاتُ العُمْرَةِ والزِّيَارَةِ.. بَلْ وَأُخْلِيَ صَحْنُ المَطَافِ العَامِرِ بالنَّاسِ اِحْتِيَاطًا لهُ..

أَيُّ شَيءٍ هَذَا؟ وَأَيُّ عَجْزٍ فِي البَشَرِ الذِيْ يُعْجِزُهُم هَذَا المَخْلُوقُ الضَّعِيفُ.. وَيَنْتَشِرُ اِنْتِشَارَ النَّار فِي الهَشِيمِ.. اِبْتَدَأَ مِنْ مَحَلٍّ صَغِيْرٍ فِيْ سُوقٍ لِلْمَأْكُولَاتِ البَحرِيَّةِ فِي الصِّيْنِ.. وَاليَوْمَ يَنْتَشِرُ فِي خَمْسٍ وَثَمَانِيْنَ دَوْلَةٍ..

إِنَّهُ ضَعْفُ الإِنْسَانِ.. {وَخُلِقَ الإِنْسَانُ ضَعِيفًا}.. يَعْلَمُ شَيْئًا يَسِيْرًا.. وَلَدَيْهِ طَرَفٌ مِنَ القُوَةِ.. فيَظُنُّ أَنَّهُ يَعْلَمُ كُلَّ شَيءٍ.. وَأَنَّهُ يُمْسِكُ بِالقُوَةِ كُلِّهَا.. {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً}.

أَينَ المُلُوكُ الَّتِي كَانَتْ مُسَلْطَنَةً *** حَتّى سَقَاهَا بِكَأسِ المَوتِ سَاقِيهَا

أَمْوَالُنَا لِذَوِي المِيرَاثِ نَجْمَعُهَا  *** وَدُورُنَا لِخَرابِ الدَهْرِ نَبنِيهَا

كَمْ مِنْ مَدَائِنَ فِي الآَفَاقِ قَدْ بُنِيَتْ *** أَمْسَتْ خَرَاباً وَدَانَ المَوتُ دَانِيهَا

لِكُلِّ نَفْسٍ وَإِنْ كَانَتْ عَلَى وَجَلٍ *** مِنَ المَنيَّةِ آَمَالٌ تُقَوِّيهَا

فَالمَرءُ يَبسُطُها وَالدَهْرُ يَقبِضُها *** وَالنَّفْسُ تَنشُرُها وَالمَوتُ يَطويهَا

قَدْ يَتَوَصَّلُ البَشَرُ لِلِقَاحٍ يُكَافِحُ هَذَا المَرَضَ.. فَمَا خَلَقَ اللهُ دَاءً إِلَّا وجَعَلَ لَهُ دَواءً.. لَكِنْ بَعْدَ أَنْ بَانَ عَجْزُ الإِنْسَانِ أَمَامَ نَفْسِهِ.. وَاِنْكَشَفَ ضَعْفُهُ وَقِلَّةُ حِيْلَتِهِ..

إِنَّ كُلَّ ذَلِكَ يَدْعُونَا للِاِتِكَالِ عَلَى رَبِّ الأَرْضِ وَالسَمَاءِ جَلَّ وَعَلَا .. نَتَّكِلَ عَلَيْهِ فِيْ جَمِيعِ أُمُورِنَا.. فَهُوَ المُعْتَمَدُّ فِيْ كُلِّ شِدَّةٍ.. إِذَا نَزَلَتْ بِكَ الشِّدَةُ لَا تَفْزَعْ لِلأَسْبَابِ الدُّنْيَوِيَّة فَقَط.. بَلْ خُذْ بِهَا وَعَلِّقْ أَمَلَكَ بِاللهِ وَحْدَهُ فَهُوَ مُسَبِّبُ الأَسْبَابِ..

وَلْنَتَذَكَّرْ وَصِيَّةَ النّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم لِابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: (وَاعْلمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوِ اِجْتَمَعَتْ عَلَى أنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيءٍ لمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيءٍ قد كتبَهُ اللهُ لكَ, وَإِنِ اِجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيءٍ, لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الأَقْلَامُ وَجَفَّتِ الصُّحُفُ).

مَابَالُهُ يَتَخَفَّى وَهُوَ يَنْتَشِرُ *** فَمَا نَرَاهُ وَلَكِنْ يَظْهَرُ الأثَرُ؟!

قَالُوا صَغِيرٌ فَمَا نَسْطِيعُ رُؤْيَتَهُ *** مَا بَالُهُمْ مِنْ صَغِيرٍ وَاهِنٍ ذُعِرُوا؟

أَيْنَ التَجَسُّسُ حَتَّى كَادَ قَائِلُهُمْ *** يَقول إنَا نَرَى مَا يُضمِرُ البَشَرُ

أَيْنَ الصَّوَاريِخُ تَجْتَازُ الحُدُودَ وَفِي ***رُؤوسِهَا مَابِهِ الأَحْجَارُ تَنصَهِرُ

مَابَالُ كُلِّ جُيوشِ الأَرْضِ قَاطِبَةً *** تَبِيتُ خَائِفَةً وَالقَلْبُ مُنكَسِرُ

كُلُّ الوَسَائِلِ تَهْذِي وَهِيَ خَائِفَةٌ *** مِمَّا تُبَيِّنُهُ لِلْعَالَمِ الصُّوَرُ

تُحَذّرُ الناسَ "كُورُونَا" وَتَجْهَلُهُ *** لَوْ كَانَ يَمْنَعُ مِمَّا قُدِّرَ الحَذَرُ

يَا خَالِقَ الكَونِ لُطْفَاً أَنْتَ مُنْقِذُنَا *** إِلَيكَ نَلْجَأُ مِمَّا سَاقَتِ النُّذُرُ

الوَقْفَةُ الثَّانِيَةُ: هَا هُوَ العَبَّاسُ عَمُّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم.. يَأْتِي إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم.. وَيَطْلُبُ مِنْهُ طَلَبًا.. العَمُّ يَطْلُبُ مِنِ اِبْنِ أَخْيهِ النَّبِيِّ طَلَبًا شَرْعِيًا يَخْتَصُّ بِهِ.. قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ.. عَلِّمْنِي شَيْئًا أَسْأَلُهُ اللهَ تَعَالَى، قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: (سَلوا اللهَ العافيةَ).. يَسْمَعُ العَبَاسُ هَذِهِ الوَصِيَّةَ.. كُلُّ النَّاسِ يَسْأَلُونَ اللهَ العَافِيَةَ.. ثُمَّ يَمْضِيْ العَبَاسُ.. وَبَعْدَ أَيَامٍ يَرْجِعُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم.. "يَا رَسُولَ اللهِ عَلِّمْنِي شَيْئًا أَسْأَلُهُ اللهَ تَعَالَى، وَكَأَنَّهُ يَسْتَزِيْدُهُ دَعْوَةً أُخْرَى غَيْرَ مَا سَامِعَ قَبْلَ أَيَّام.. فَيُجِيبُهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: (يَا عَبَّاسُ.. يَا عَمَّ رَسُولِ اللهِ، سَلُوا اللهَ العَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالآَخِرَةِ)..

نِعْمَةُ الصِّحَّةِ نِعْمَةٌ لَا تُقَدَّرُ بِثَمَنٍ.. أَلَا تَرَى النَّاسَ تَصْرِفَ أَمْوَالهَا بَل وَقَدْ تَسْتَدينُ طَلَبًا للصِحَّةِ؟! قِيلَ: البَحْرُ لَا جِوَارَ لَهُ, وَالعَافِيَةُ لَا ثَمَنَ لَهَا.

قِيلَ إِنَّ فَأْرَةَ البُيُوتِ رَأَتْ فَأْرَةَ الصَّحْرَاءِ فِي شِدَّةٍ وَمِحنَة فَقَالَتْ لَهَا مَا تَصْنَعينَ هَهُنا؟ اِذْهَبِي مَعِي إِلَى البُيُوتِ التِي فِيهَا أَنْوَاعُ النَّعِيمِ وَالخِصْبِ.. فَذهَبَتْ مَعَهَا, وَإِذَا صَاحِبُ البَيْتِ الذِي كَانَتْ تَسْكُنُهُ قَدْ هَيّأَ لَهَا الرَصَدَ: لَبِنَةً تَحْتَهَا شَحْمَة.. فَاقْتَحَمَتْ لِتَأْخُذَ الشَّحْمَةَ فَوَقَعَتْ عَلَيْهَا اللَّبِنَةُ فَحَطَمَتْهَا، فَهَرَبَتِ الفَأْرَةُ البَرَّيةُ وَهَزَّتْ رَأْسَهَا مُتَعَجِبَةً.. وَقالَتْ أَرَى نِعمَةً كَثِيرَةً وَبَلَاءً شَدِيدًا.. أَلَا إنَّ الفَقْرَ وَالعَافِيَةَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ غِنَىً يَكُونُ فِيهِ المَوتُ. ثُمَّ فَرَّتْ إِلَى البَرِّيَةِ.

بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ بِالقُرْآنِ العَظِيمِ, وَنَفَعَنَا بِمَا فِيهِ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الحَكِيمِ, قَدْ قُلْتُ مَا سَمِعْتُمْ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُم إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ, الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ , وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى نَبِيِّنَا وَإِمَامِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ تَبِعَهُم بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ .

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ.

يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.. الوَقْفَةُ الثَّالِثَةُ مَعَ فَيْرُوسِ كُورُونَا: رَغْمَ اِنْتِشَارِ هَذَا المَرَضِ فِيْ بَعْضِ دُوَلِ العَالَمِ.. إِلَّا أَنَّ الأَمْرَ لَا يَدْعُو لِلخَوفِ فِيْ هَذِهِ البِلَادِ بِحْمْدِ اللهِ تَعَالَى.. فَالإِصَابَاتُ بِهِ مَحْدُوَدَةٌ لِلْغَايَةِ.. وَجَمِيْعُهَا تَحْتَ الحَجْرِ الصِّحِيِّ.. وَبِالتَّالي لَا يُوْجَدُ لَدَيْنَا أَيُّ اِنْتِشَارٍ لِهَذَا المَرَضِ إِطْلَاقًا.. فَالأَمْرُ مُطْمْئِنٌ بِفَضْلِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى.. وَعَلَيْهِ فَلَا حَاجَةَ طِبِيَّةَ لِمَا نَرَاهُ مُؤَخَرًا مِنْ لِبْسِ البَعْضِ لِلْكَمَّامَةِ؛ إِذْ بَيَّنَتْ وِزَارَةُ الصِّحَةِ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ لِلبسِ الكَمَامَةِ إِلَّا إذَا كَانَ الإنْسَانُ يَشْكُو مِنْ أَعْراضٍ تَنَفُسِيَّةٍ مِثْلَ السُعَالِ وَالعُطَاسِ, أَوْ إِذَا كَانَ يَعْتَنِي بِشَخْصٍ لَدَيْهِ أَعْرَاضٌ تَنَفُسِيَّةٌ.

فَالأَمْرُ مُطْمْئِنٌ بِحَمْدِ اللهِ.. وَجُهُودُ الجِهِاتِ الحُكُومِيِّةِ وَعَلَى رَأْسِهَا وَزَارَةُ الصَّحَةِ تُذْكَرُ فَتُشْكَرُ جَزَاهُمُ اللهُ خَيْرَ الجَزَاءِ.

يُضَافُ إِلَّا ذَلِكَ أَنَّ هَذَا المَرَضَ لَيْسَ بِالخُطُورَةِ التِي يَتَصَورُهَا البَعْضُ, إِذْ أَنَّ نِسْبَةَ الوَفِيَّاتِ مِنْ هَذَا المَرَضِ ضَئْيلَةٌ جِدًا مُقَارَنَةً بِعَدَدِ الإِصَابَاتِ.. إِذْ لَمْ تَصِلْ نِسْبَةُ الوَفِيَّاتِ إِلَى 3.5%, وَأَغْلَبُ الوَفِيَّاتِ مِنْ أَصْحابِ المَنَاعَةِ الضَعِيفَةِ كالطَّاعِنينَ فِي السِّنِّ أَوْ أَصْحَابِ الأَمْرَاضِ المُزْمِنَةِ.. وَلِكَيْ تُوْقِنَ بِأَنَّ الأَمْرَ لَيْسَ بِهَذِهِ الخُطُورَةِ فَإِنَّ الأنفِلْونْزَا المَوْسِمِيَّةَ التِي نُصَابُ جَمِيعًا بِهَا يَمُوتُ مِنْهَا سَنَويًا مَا يَقْرُبُ مِنْ سِتِّمِائةٍ وَخَمْسِينَ أَلْفَ إِنْسَانٍ.. مُعْظَمُهُم مِنْ ذَوِي المَنَاعَةِ الضَعِيفَةِ.. وَمَعَ ذَلِكَ فَلَا يَخَافُ النَّاسُ مِنْهَا..

وَمَعَ ذَلِكَ فَالأَمْرُ يَدْعُو للاحْتِيَاطِ مِنْ دُخُولِ هَذَا المَرَضِ لِهَذِهِ البِلَادِ حَفِظَهَا اللهُ وَسَائِرَ بِلادِ المُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ سُوءٍ وَمَكْرُوهٍ.

الوَقْفَةُ الرَّابِعَةُ وَالأَخِيرَةُ: لِمَاذَا يَخَافُ النَّاسُ مِنَ الإِصَابَةِ بِهَذَا المَرَضِ؟ ..... هَلْ هُوَ الخَوْفُ مِنَ المَوْتِ؟ .... إِنَّ الخَوْفَ مِنَ المَوْتِ أَمْرٌ فِطْرِيٌّ .. لِكْنَ الخَوْفَ الحَقِيْقِيَ يَنْبَغِيْ أَنْ يَكُونَ لِمَا بَعْدَ المَوْتِ. {قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ۖ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}.

سَنَمُوتُ جَمِيْعًا.. عَاجِلَاً أَمْ آجِلَاً.. {مَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ ۖ أَفَإِن مِّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ}.. فَمَاذَا بَعْدَ المَوتِ؟

نَحْنُ اليَوْمِ نَمْلِكُ الخِيَارَ فِي العَمَلِ.. وَنَعْلَمُ أَنَّ أَمَامَنَا جَزَاءً لَكِنَّنا نُسَوِّفِ فِي العَمَلِ حَتَّى يَأْتِي الوَقْتُ المُنَاسِبُ.. وَالخَوْفُ أَنْ تَمُوتَ دُونَ أَنْ تُدْرِكَ تِلْكَ اللحْظَةَ المُنَاسِبَةَ..

رَوَى البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ لِأهْوَنِ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا: لَوْ أَنَّ لَكَ مَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَيءٍ كُنْتَ تَفْتَدِي بِهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَقَدْ سَأَلْتُكَ مَا هُوَ أهْوَنُ مِن هَذَا وَأَنْتَ فِي صُلْبِ آَدَمَ، أَنْ لَا تُشْرِكَ بِي، فَأبَيْتَ إِلَّا الشِّرْكَ).

تَزَوَّدْ مِنَ التَّقْوَى فَإِنَّكَ لَا تـَدْرِي *** إِذَا جَنَّ لَيْلٌ هَلْ تَعِيشُ إِلَى الفَجرِ

فَكَمْ مِنْ فَتًى أَمْسَى وَأَصْبَحَ ضَاحِكًا *** وَقَدْ نُسِجَـْت أَكْفَانُهُ وَهُوَ لَا يَدْرِي

وَكَمْ مِنْ صِغَارٍ يُرْتَجَى طُولُ عُمْرِهِمْ *** وَقَدْ أُدْخِلَتْ أَجْسَامُهُمْ ظُلْمَـةَ القَبْرِ

وَكَمْ مِنْ عَرُوسٍ زَيَّنُوهَا لِزَوْجِهَـا *** وَقَدْ قُبِضَتْ أَرْوَاحُهُمْ لَيْلَةَ القَدْرِ

وَكَمْ مِنْ صَحِيحٍ مَاتَ مِنْ غَيْر ِعِلَّةٍ *** وَكَمْ مِنْ عَلِيلٍ عَاشَ حِينَاً مِنَ الدَّهْرِ

فَاللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ تَوْبَةً قَبْلَ المَوْتِ.. وَرَاحَةً عِنْدَ المَوْتِ.. وَجَنَّةً وَنَعِيْمًا يَا رَبَّ العَالَمِينَ..

اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ تَحْفَظَنَا بِحِفْظِكَ, وَأَنْ تَكْلَأَنَا بِرِعَايَتِكَ, وَأَنْ تَدْفَعَ عَنَّا الغَلَاء َوَالوَبَاءَ وَالرِّبَا وَالزِّنَا وَالزَّلَازِلَ وَالمِحَنَ وَسُوءَ الفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ يَا رَبَّ العَالَمِيْنَ.

يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم.. اعلموا أن الله تعالى قد أمرنا بالصلاة على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وجعل للصلاة عليه في هذا اليوم والإكثار منها مزية على غيره من الأيام, فللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

عباد الله .. إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى, وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي, يعظكم لعلكم تذكرون, فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم, واشكروه على نعمه يزدكم, ولذكر الله أكبر, والله يعلم ما تصنعون.

 

المرفقات

كورونا-2-11-7-1441

كورونا-2-11-7-1441

المشاهدات 1422 | التعليقات 0