وقرب الرحيل
أحمد عبدالعزيز الشاوي
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وبفضله وكرمه تزداد الحسنات وتغفر الزلات، أحمده سبحانه على ما أولى وهدى، وأشكره على ما وهب وأعطى، لا إله إلا هو العلي الأعلى، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله النبي المصطفى ذو الخلق الأسمى، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أولي النهى والتقى، والتابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فاتقوا الله ربكم واشكروا له، ومن يتق الله يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجرا.
في يوم الاثنين أشرقت شمسه وأضاءت نجومه وأفاضت على الأمة خيراته ،وقريبا يوشك أن تغرب شمسه وتأفل نجومه ومابين البداية والنهاية كانت رحلة ماتعة شهدت تصارع الهمم وتسابقا إلى القمم
أرى الهلال قد أدركه الضمور، حتى صار كالعرجون القديم والأيام تجري والساعات تتسابق واللحظات تمضي مؤذنة بقرب الوداع لسيد الشهور..معلنة أن لكل بداية نهاية وأن لكل أمة أجلا ، وأن العبرة بكمال النهاية لابنقص البداية
أيام رمضان ولياليه أوشكت على الرحيل كلما مضى يوم خفق القلب ألماً وأملاً... ألماً على الفراق وأملاً بالفوز والعتاق.
إنما هي هذه الجمعة وأيام بعدها ويرفع الشهر يديه ملوحاً بالوداع معلناً أن رمضان لعام خمسة وأربعينوأربعمائة وألف قد مضى إلى غير رجعة ومقرراً حقيقة واحدة[قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا]
سترحل ايها الشهر المعظم بعدما حللت في حياتنا تحمل العطايا، وتبشر بالمنح الربانية والمواهب الرحمانية، فنالها من نالها وخسرها من خسرها، وسترحل عما قريب وأنت تحمل معك شهادات بالفوز والرضوان لمن صام رمضان إيمانا واجتيابا وتجنب خوارم الصيام ومفسدات الإيمان شهادات نصها : «من صام رمضان وقامه إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه».
وفي الوقت ذاته تحمل صكوك الخسارة والحرمان لمن أتبعواأنفسهم هواها، ونصها: «من أدرك رمضان فلم يغفر له فأبعده الله، قل آمين، فقال المصطفى: أمين».
سترحل ياشهرنا المعظم ومن المؤكد أنك ستعود لكن الذي لانعلمه هل ستعود ونحن على الوجود أم في اللحود
أيها الشهر المعظم سترحل بعدما علمتنا أن الإنسان يمكن أن يغير الواقع إلى واقع أفضل وأحسن ، فيمكن ترك الشهواتويمكن هجر الأفلام ويمكن قيام الليل ويمكن هجر اللذات .
علمتنا أن صلاة الفجر ليست شبحا ، وأن قيام الليل ليس مستحيلا ، وأن تلاوة شيء من القرآن ليس صعبا ، وأن التقرب إلى الله ليس معجزا ...
أحسستنا بالأمة الكبيرة المترامية الأطراف ،فنفطر جميعا ونصوم جميعا ونفرح جميعا،
علمتنا ترك المحرمات بل وعلمتنا الورع وترك المتشابهات فتجد من يسأل عن قطرة العين وبلع الريق وأكل بقايا نتف الطعام وذرة الغبار حرصا على كمال الطاعة
أنت عما قريب راحل، وعائد إلينا بعد عام، سيولد فيه أناس ويموت أقوام، ويسعد فيه قوم، ويشقى فيه آخرون، وكم من مؤمل بلوغك حال دونه الأجل.
ياشهر الله المعظم : لقد كشفت لنا عن معادن الرجال وجليت لنا معالم الإيجابية في أمتنا .. فكم شهدت أيامك أقواما أدركوا سر وجودهم ، واستشعروا عظم حاجتهم لربهم وفقرهم إلى خالقهم وطمعهم في جنته وخوفهم من عذابه وأدركوا أنهم يزرعون اليوم حصاد الغد قمن يعمل سوءا يجز به ، ومن يعمل مثقال ذرة خيرا يره .. علموا أنما الحياة الدنيا متاع وأن الآخرة هي دار القرار فاجتهدوا فيك بما يرضي ربهم وينفعهم يوم التلاق
إنهم ثلة من عباد الله غصت بهم المساجد مابين راكع وساجد وتال وعابد ومتصدق وصائم وشاكر وحامد ، بآيات ربهم يؤمنون وبربهم لايشركون ومن خشيته مشفقون ، يؤتون ماآتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون ، لم يشغلهم الترويح عن التراويح ، وما ألهاهم الأقران عن القرآن ، وما صدتهم الأفلام عن القيام ، رأيناهم شيبا وشبابا رجالا ونساء ، مسرفين وسابقين ،رأيناهم فأدركنا أن أمتنا بخير وأن طوفان الشبهات والشهوات سيتلاشى أمام وعي الأمة وإيمانها بدينها وتمسكها بعقيدتها وسوف تتجلى الحقائق ويظهر التغابن يوم يقوم الناس لرب العالمين
إن تلكم الأيام المعدودات من نفائس أيام المؤمنين، جرت فيها أحاسيس حية ومشاعر صادقة، أثمرتها معالي الهمم ومسابقة النفوس الدائبة فلا عجب أن تستهل العبرات وتشتد الحسرات أسفاً على فوات خير عظيم وسعادة صافية راضية، ما أجمل نهاره المنير بالذكر والتلاوة والمعروف، وما أطيب لياليه العامرة بالقيام وحداء الصالحين وأنين التائبين.
إن الحياة الحقيقية والسعادة الدائمة والعزة الشامخة إنما هي في طاعة الله تعالى وعبادته، عبادة سائقها الإخلاص، وحاكمها التذلل ومنهجها الاتباع [مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ]
سَلامٌ مِنَ الرَّحمنِ كُلَّ أَوَانِ * عَلَى خَيرِ شَهْرٍ قَدْ مَضَى وَزَمَانِ
سَلامٌ عَلَى شَهْرِ الصِّيامِ فَإنَّهُ * أَمَانٌ مِنَ الرَّحمنِ أيُّ أَمَانِ
تَرَحَّلْتَ يَا شَهْرَ الصِّيَامِ بِصَومِنَا * وَقَد كُنتَ أَنوَارَاً بِكُلِّ مَكَانِ
لَئِنْ فَنِيَتْ أَيَّامُكَ الزُّهْرُ بَغْتَةً فَمَا الحُزْنُ مِن قَلْبِي عَلَيكَ بِفَانِ
عَلَيكَ سَلامُ اللهِ كُن شَاهِدَاً لَنَا * بِخَيرٍ رَعَاكَ اللهُ مِن رَمَضَانِ
أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.
الخطبة الثانية
أما بعد:
نحن في العشر الأخير وفيها ليلة خير من ألف شهر، وعمل فيها خبر من عمل ثلاث وثمانين سنة فلله الحمد رب السماوات والأرض رب العالمين.
إنها عشر كان الرسول القدوة ﷺ يحيى فيها ليله ويوقظ أهله ويشد مئزره ويجتهد في عبادة ربه. فاجتهدوا في بقيتها فلعل في البقية تدرك ليلة القدر وتحظى بالقبول ونفوز بالعتق ورضا الرحمن
نحن في العشر الأخير بعدما مضت العشرون فماذا بقي من عنائكم وسهركم أيها العاملون العابدون، لقد مضى العناء وبقي الأجر والثناء.. وماذا بقي من لذاتكم وشهواتكم أيها العابثون.. ذهبت لذاتها والإثم حل.
أين بكاؤكم وندمكم أيها المقصرون.. أين خوفكم من يوم يبدو لكم فيه ما لم تكونوا تحتسبون.
إنه ما من ميت يموت إلا ندم.. إن كان محسناً ندم على أن لا يكون ازداد، وإن كان مسيئاً ندم أن لا يكون قد استعتب هكذا أخبرنا ﷺ.
كان مطرف بن عبدالله يقول: اجتهدوا في العمل. فإن يكن الأمر كما نرجوا من رحمة الله وعفوه كانت لنا درجات في الجنة.. وإن يكن الأمر شديداً كما نخاف ونحذر لم نقل [رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ] نقول: قد عملنا فلم ينفعنا ذلك.
إن خسيس الهمة يندم لفوات لذته ويتحسر لفراق شهوته، أما كبير الهمة فإنما يتحسر على ساعة مرت به في الدنيا لا لأنه عصى الله فيها وإنما لأنه لم يعمرها بذكر الله عز وجل.
لما احتضر عامر بن قيس جعل يبكي. ويقول: ما أبكي جزعاً من الموت ولا حرصاً على الدنيا وإنما أبكي على ظمأ الهواجر وعلى قيام ليالي الشتاء.
اختموا شهركم بخير ختام واستغفروا ربكم من كل خلل وتقصير، قال الحسن أكثروا من الاستغفار فإنكم لا تدرونمتى تنزل الرحمة، وكان نبيكم ﷺ يقول: «إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة».
التجئوا إلى الله عصر هذا اليوم فإن فيها لساعة تجاب فيها الدعوات، فتضرعوا إلى ربكم واسألوه لأنفسكموأمتكم وإن ربي لسميع الدعاء.
وإن لكم في ختام شهركم لشعائر تقربكم من ربكم فزكاة الفطر زكاء لأموالكم وطهرة لكم من اللغو والرفث تجب على الغني والفقير والصغير والكبير ، أحيوها أمام أهليكم وأبنائكم فقد أصبحت اليوم في عصر التواكل والتوكيل عادة لا معنى لها ولا أثروالتكبير ليلة العيد من شعائر الله فعظموا الله وعظموا شعائره والعيد فرح وسرور ممزوج بشكر وحمد لاأشر فيه ولابطر وليس إعلانا للعصيان ومبارزة للرحمن وانتهاكا لحدوده فذلك عمل من نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا ..وصلاة العيد شعيرة عظيمة فاحرصوا عليها فمن عظمتها أن تحضرها حتى الحيّض ويعتزلن المصلى
خذوا في العيد زينتكم بلا إسراف ولا مبالغة ولا تعد على حدود الله فليس من الزينة التجمل بما حرم الله من حلق اللحى وإطالة للثياب وقص للشعور بما يشبه فعل الكافرين، وليس من الزينة لنسائنا أن يرتدين الملابس العارية والقصيرة والضيقة فوالله ماكانت معصية الله يوما ما زينة وتجملا بل تلك مظاهر انهزامية ودليل تبعية وتشبه بأعداء الله «ومن تشبه بقوم فهو منهم
نسأله تعالى أن يختم لنا رمضان بالعفو والغفران والنجاة من النيران والفوز بالجنان، وأن يتقبل منا صيامنا وقيامنا وسائر أعمالنا إنه هو البر الرحيم والجواد الكريم.
اللهم صل وسلم ...
[7]
منصور بن هادي
ما شاء الله تبارك الرحمن
نفع الله بك وسدد خطاك
لو توجتها واحستبت عند الله وشكلتها
وأعنت بعد الله من يريد إلقائها بدون لحن فيها
تعديل التعليق