وفي شدة البرد مدكرا

الشيخ فهد بن حمد الحوشان
1446/05/27 - 2024/11/29 00:15AM
الحَمْدُ لِلّهِ عَظُمَ حِلْمُ رَبِّنَا فَسَتَر وَبَسَطَ يَدَهُ بِالعَطَاءِ فَأَكْثَر أَطَاعَهُ الطَّائِعُونَ فَشَكَر وَتَابَ إِلَيهِ المُذْنِبُونَ فَغَفَر أَحْمَدُهُ تَعَالَى وَأَشْكُرُهُ وَقَدْ تَأَذْنَ بِالزِّيَادَةِ لِمَنْ شَكَر وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً أمّا بَعْدُ فاتقُوا اللهَ فِي تَقَلُّبَاتِ الْأَجْوَاءِ عِبْرًا وَاعْلَمُوا أَنَّ فِي شِدَّةِ الْبَرْدِ مُدَّكرًا قَالَ تَعَالَى ((وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا )) وَفِي الصَّحِيحِ ( اشْتَكَتِ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا فَقَالَتْ رَبِّ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا، فَأَذِنَ لَهَا بِنَفَسَيْنِ نَفَسٍ فِي الشِّتَاءِ وَنَفَسٍ فِي الصَّيْفِ فَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الحَرِّ، وَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الزَّمْهَرِيرِ ) الشِّتَاءُ غَنِيمَةٌ بَارِدَةٌ وَفُرْصَةٌ لِلْعَابِدِينَ وَزَادٌ لِلطَّائِعِينَ قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ الشِّتَاءُ غَنِيمَةُ الْعَابِدِينَ وَكَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِّيَ اللهُ عَنْهُ إِذَا جَاءَ الشِّتَاءُ قَالَ : مَرْحَبَا بِالشِّتَاءِ تَنْزِلُ فِيهِ الْبَرَكَةُ وَيَطُولُ فِيهِ اللَّيْلُ لِلْقِيَامِ وَيَقْصُر فِيهِ النَّهَارُ لِلصِّيَامِ وَفِي الشِّتَاءِ يَعْظِمُ أَجْرُ الُمُصْلَيْنَ الْحِرْصَيْنَ عَلَى إِسْبَاغِ الْوَضُوءِ قَالَ النَّبِيُّ ﷺ أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللهُ بِهِ الْخَطَايَا، وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ ﷺ إِسْبَاغُ الْوَضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ وَكَثْرَةُ الخُطا إِلَى الْمَسَاجِدِ وَاِنْتِظَارُ الصَّلَاَةِ بَعْدَ الصَّلَاَةِ فَذَلِكُمِ الرِّبَاطُ فَذَلِكُمِ الرِّبَاطُ ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَإِسْبَاغُ الْوَضُوءِ تَمَامُهُ وَيُكَوْنُ بِتَعْمِيمِ الْمَاءِ عَلَى جَمِيعِ الأَعْضَاءِ وَفِي الشِّتَاءِ يَظْهَرُ يُسْرُ الشَّرِيعَةِ وَسَمَاحَتُهًا كَمَا قَالَ تَعَالَى : (( يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ))
فَيَأْخُذُ الْمُسْلِمُونَ بِرُخْصَةِ رَبِّهِمْ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ بَدَلًا مِنْ غُسْلِ الرِّجْلَيْنِ إِذَا كَانتَا مَسْتُورَتَيْنِ بِخُفٍ أَوْ جَوْرَبٍ وَنَحْوِهِمَا وَذَلِكَ بِشَرْطِ أَنْ يَكْوِنَا قَدْ لُبِسَا عَلَى طَهَارَةٍ وَقَدْ رَخَّصَ النَّبِيُّ ﷺ فِي ذَلِكَ لِلْمُقِيمِ يَوْمًا وَلَيْلَةً وَلِلْمُسَافِرِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهَا وَيُبَاحُ التَّيَمُّمِ إِذَا فُقِدَ وَعُدِمَ المَاءُ أوْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ شِدَّةَ الْبَرْدِ فَضْلًا مِنَ اللهِ وَرَحْمَةٍ وَتَيْسيرًا وَنَعَمَةً.
وإِنَّ مِنْ أَبْوَابِ الْخَيْرِ فِي الشِّتَاءِ طُولُ اللَّيْلِ للعِبَادِةِ وَالتَهجُدِ وَصَلَاَةَ اللَّيْلِ شِعَارُ المتقين وَدِثَارُ أَوْلِيَاءِ اللهِ الْمُفْلِحِينَ الذينَ (( تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِّ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا )) كَتَبَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ إلى عُمَّالِهِ وَوُلَاتِهِ يُوصِيهمُ إِذَا حَضَرَ الشِّتَاءُ إِنَّ الشِّتَاءَ قَدْ حَضَرَ وَهُوَ عَدُوٌّ لَكُمْ فَتَأَهَّبُوا لَهُ أُهْبَتَهُ مِنَ الصُّوفِ وَالْخِفَافِ وَالْجَوَارِبِ وَاِتَّخِذُوا الصُّوفَ شِعَارًا فَإِنَّ الْبَرْدَ عَدُوٌّ سَرِيعٌ دُخُولُهُ بَعيدٌ خُرُوجُهُ
وإنَّ مِنْ مِنَّةِ اللهِ عَليكُم أنْ (( جَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ )) وخَلَقَ لكم من أصوافِ الأنعَامِ وَأوبَارِهَا وأشعَارِهَا مَا فيهِ دِفءٌ وَوِقايَةٌ (( وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ ))
باركَ اللهُ لِي وَلَكُم فِي القُرآنِ الْعَظِيم وَنَفَعنِي وَإِيّاكُمْ بِمَا فِيِه مِنْ الآيَاتِ وَالذّكرِ الْحَكِيم أَقُولُ مَا تَسْمَعُون وَأَسْتَغْفُرُ اللهَ لِي وَلَكُم وَلِسَائرِ الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ ذَنبٍ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم
الْحَمْدُ لِلَّهِ أنعمَ عَلَيْنَا بنعمٍ لَا تُحصَى وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ نبيَّنا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ النَّبِيُّ الْمُصْطَفَى وَالرَّسُولُ الْمُجْتَبَى صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارِكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَمَّا بَعْدُ فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ مِنَ النِّعَمِ الْعَظِيمَةِ الَّتِي أَنْعَمَ اللهُ بِهَا عَلَى عِبَادِهِ نِعْمَةُ السَّكَنِ فِي الْبُيُوتِ قَالَ تَعَالَى (( وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا )) يَقُولُ الِامَامُ العَلَّامَةُ الشَّيخُ ابْنُ سَعْدِيٍّ رَحِمَهُ اللهُ : يُذَكِّرُ تَعَالَى عِبَادَهُ نِعَمَهُ وَيَسْتَدِعي مِنْهُمْ شُكْرَهَا وَالِاعْتِرَافَ بِهَا فَلْنَتَّقِ اللهَ عِبَادَ اللهِ وَلْنَشْكُرِ اللهَ عز وجل عَلَى هَذِهِ النِّعْمَةِ الْعَظِيمَةِ وَلْنَجْعَلْهَا وَسِيلَةً وَسَبَبًا لِمَا يُقَرِّبُنَا مِنَ الْمُنْعِمِ بِهَا (( وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ )) هَذَا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيّكُمْ ﷺ فَقَدْ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ رَبُّكُمْ فَقَالَ سُبِحَانَهُ (( إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا )) وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ ﷺ ( مَنْ صَلَى عَلَيّ صَلَاةً وَاحِدَةً صَلَى اللهُ عَلَيهِ بِهَا عَشْرًا )
اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ ﷺ وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنْ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِين وَعَنِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ وَالتَّابِعِينَ وَتَابِعِيهِمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ وَعَنَّا مَعَهُمْ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلَاْمَ وَانْصُرِ الْمُسْلِمِينَ وَاحْمِ حَوْزَةَ الدِّينَ وَاجْعَلْ بِلَادَنَا آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً رَخَاءً سَخَاءً وَسَاْئِرَ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ اللَّهُمَّ احْفَظْ وليَّ أَمْرَنَا خَادِمَ الْحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ وَوَلِيَّ عَهْدِهِ ووفِّقْهُمَا لِكُلِّ خَيرٍ لِلبِلَادِ والعِبَادِ ولِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى اللَّهُمَّ مَنْ أَرَادَنَا وَ بِلَادَنَا بِسُوءٍ فَاشْغَلْهُ بِنَفْسِهِ وَرُدَّ كَيْدَهُ فِي نَحْرِهِ اللَّهُمَّ أَغِثْنَا اللَّهُمَّ أَغِثْنَا غَيِّثًا مُبَارَكا تُغِيثُ بِهِ البِلَادَ والعِبَادَ وتَجْعَلُهُ بَلَاغًا للِحَاضِرِ والبَادِ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِين رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّار عِبَادَ اللَّهِ (( إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ والبَغْيِّ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ )) عِبَادَ اللهِ اذْكُرُوا اللهَ العَظِيمَ يَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ
وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ واللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ
المرفقات

1732828371_خطبة الجمعة 27 من جمادى الأولى 1446هـ.pdf

1732828392_خطبة الجمعة 27 من جمادى الأولى 1446هـ.docx

المشاهدات 863 | التعليقات 0