وفي الإبل آية

الخطيب المفوه
1433/02/26 - 2012/01/20 07:21AM

وفي الإبل آية

خطبة ألقيت في جامع أبي عبيدة بحي الشفا
ألقاها : د / سعد بن عبدالعزيز الدريهم .


بسم الله الرحمن الرحيم
إنَّ الحمدَ لله ، نحمدُه ونستعينه ونستغفره ، ونعوذُ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا . من يهده الله ؛ فلا مضلَّ له ، ومن يضللْ ؛ فلا هاديَ له ، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهدُ أن محمداً عبده ورسوله .
أما بعدُ : فإنَّ أصدق الحديث كتابُ الله ، وخيرَ الهدي هديُ محمد e، وشرَّ الأمور مُحـدثاتُها ، وكلَّ محـدثةٍ بدعــةٌ ، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ ، وكلَّ ضلالةٍ في النار .
أيها الأحبة في الله ، هذا الكون العظيم بأرضه وسماواته وأسسه وموجوداته ؛ مشحون بأسرار عجيبة تدل على إبداع الصنعة وعظمةِ الصانع سبحانه ، والتفكرُ فيها وإعمالُ النظر في تضاعيفها يزيد الإيمان ، ويرتقي بالإنسان إلى اليقين الذي لا شك معه ؛ لذا نجد الحق سبحانه وتعالى يحث عباده على السير في الأرض مصطحبين معهم النظرةَ المتفكِّرَةَ التي تهدي إلى بحبوحة الإيمان واليقين ) أَوَلم يَنظُرُوا في مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ وَمَا خَلَقَ اللهُ مِن شَيءٍ([الأعراف:185] ، ) أَوَلم يَرَوا إِلى مَا خَلَقَ اللهُ مِن شَيءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلالُهُ عَنِ اليَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا للهِ وَهُم دَاخِرُونَ ( [النحل:48] ، ) أَوَلم يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضَ كَانَتَا رَتقًا فَفَتَقنَاهُمَا وَجَعَلنَا مِنَ المَاءِ كُلَّ شَيءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤمِنُونَ * وَجَعَلنَا في الأَرضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِهِم وَجَعَلنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلاً لَعَلَّهُم يَهتَدُونَ * وَجَعَلنَا السَّمَاءَ سَقفًا مَحفُوظًا وَهُم عَن آيَاتِهَا مُعرِضُونَ * وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمسَ وَالقَمَرَ كُلٌّ في فَلَكٍ يَسبَحُونَ ( [الأنبياء:30-33].
كم هو جميل أيها الجمع الكريم ، أن يهديك المسيرُ والتفكرُ في مخلوقات الله إلى الحق الذي ربما غاب عن كثير من الناس ؛ فأصبحوا يمرون بآيات الله وهم عنها معرضون ) وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ ( ، وهنا يكون الفارق بين العادة والعبادة ؛ فالفعل واحد ، لكن البواعث والرسائل المستوحاة متباينة ؛ فهذا يرتقي ، وهذا دونه في كل شيء ، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء سبحانه ..
ولو تفكرنا أيها الأحباب وتأملنا ، لوجدنا أن من آياتِ ما هو بين أيدينا ، وربما تعاملنا معه بالغداة والعشي ؛ بل إن الحق سبحانه ندبنا إلى التفكر فيها في محكم التنزيل ، بل إن نبأ التفكر فيها يقرع منا المسامع كل جمعة وفي صلاة الجمعة ، وكفى بذلك حثاً على الفكرة والعبرة ؛ فقال : )أَفَلاَ يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ ( ، وهذا المخلوق لمن تأمله وسمع عن بعض عجائبه وتصرفاته ، يؤمن بعظمة خالقه سبحانه وتعالى ، وقبل أن نلم بشيء من خبره وخبر الناس معه ؛ لا بد من وقفة مع الآيات من سورة الغاشية ، وهو قول الحق سبحانه وتعالى : ) أَفَلا يَنظُرُونَ إِلى الإِبِلِ كَيفَ خُلِقَت * وَإِلى السَّمَاءِ كَيفَ رُفِعَت * وَإِلى الجِبَالِ كَيفَ نُصِبَت * وَإِلى الأَرضِ كَيفَ سُطِحَتْ([الغاشية:17-20] ، فهذه الآيات الكريمات يفهمُ فحواها أهل البادية أكثر من أهل الحاضرة ؛ فثمة جمل ومخلوقات أخرى تحتاج إلى ما يقوتها ويغذيها ، وهو ولا ريب في السماء ؛ فبدأ السياق بها ، وهو في الغيث المدرار المنسكب من السماء ، وأول ما يتنزل تصافحه الجبال؛ فثنى بها ، وبعد ذلك ينبسط على الأرض ؛ فتكون منه الزروع والثمرات ؛ فتغذوا الخلق جميعاً ؛ فكم في هذا السياق من ترتيب بديع يأخذ بالألباب ، ولعل الاجتزاء بالإبل دون غيرها ؛ لما قلته سلفاً من عظيم خلق هذا الكائن، كذلك لتلك اللحمة العجيبة بين الإبل والناس خاصة العرب ، فهي تخالطهم وتحمل أثقالهم ، وتنقاد للأصاغر والأكابر منهم ، كما أن منها مآكلَهم ومشاربهم ، كما أن تعلقهم بها لا يوصف ، بل إن الواحد منهم ربما زاد حرصه عليها على حرصه على أهل بيته ، كما أن خِلْقَتَها العظيمة تزرع في النفوس الهيبة لها ، كما أن هذا الحيوان كتلةٌ من المشاعر ، فهو يحمل بين جنباته الحب لمن أحسن إليه ، وكذلك الحقدَ لمن أساء إليه ، لذا قالت العرب : أحقد من جمل ، بل إن العلاقة بين الجمل وصاحبه تبلغ أمداً تتوقف العقول عنده ، يروى أن رجلاً أعرابياً مرض ؛ فحملوه على بعيره لبلد يوجد فيها من يعالجه ، وهم في طريقهم له رأوا أن جمل صاحبهم قد توقف ، ثم توجه إلى القبلة ؛ فأدركوا أن صاحبهم قد توفي ؛ فكان كذلك ؛ فهذا المخلوق العظيم العجيب عندما تذهب لمراحه وأماكن تواجده سرح الطرف فيه ولا تتجاوزه ، لا ريب أن الطرف سيرتد إليك قائلاً : لا إله إلا الله! من عظم ما رأى وما قَذَفَ الله في قلبك من مهابته ..
والإبل أيها الجمع الكريم ، عز لصاحبها ، ومكانته في قومه بحسب ما عنده منها ،يقول النبي r : « الإبل عز لأهلها ، والغنم بركة ، والخير معقود في نواصي الخيل إلى يوم القيامة » الحديث رواه ابن ماجه وصححه الألباني .
ولو لم يكن للإبل فضلاً إلا أن الله جعلها أثمن ما يهدى للبيت لكفى بذلك شرفاً ومكانة لها. يقول الحق سبحانه وتعالى : ) وَالبُدنَ جَعَلنَاهَا لَكُم مِن شَعَائِرِ اللهِ لَكُم فِيهَا خَيرٌ فَاذكُرُوا اسمَ اللهِ عَلَيهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَت جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنهَا وَأَطعِمُوا القَانِعَ وَالمُعتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُم لَعَلَّكُم تَشكُرُونَ ( [الحج:36] .
فيا أيها الأحبة في الله ، اجعلوا من التفكر في مخلوقات الله جالباً للتقوى والخشية ، ولا تجعلوها سبيلاً لهدم الإيمان والفضائل ، وقد ضل بسبب ذلك أناس ؛ فزين لهم الشيطان سوء ما عملوا ؛ فأوبقهم في الدنيا والآخرة، فنعوذ بالله من الحور بعد الكور ومن الضلالة بعد الهدى ، وفي الخطبة الثانية زيادة تفصيل إن شاء الله.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب؛ فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.

الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه ، كما ينبغي لجلال وجهه، وعظيم سلطانه ، أحمده سبحانه وأشكره ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسله ، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد : فيا أيها الأحبة في الله ، ليس غريباً بعدما ذكرت تلك العلاقة الوطيدةُ بين الإبل والناس ، بل إنها لن تزول من قلوب الناس حتى ينشغلوا بأمر أعظم منها ، ولن يكون ذلك إلا يومُ القيامة ؛ لذا قال الحق سبحانه في بيان أهوال يوم القيامة : ) وَإِذَا العِشَارُ عُطِّلَتْ ( ؛ فالهول العظيم أشغل الناس حتى عن نفائس الإبل التي يتفاخرون بها ، وفي هذه الأزمان بلغ شغف الناس بالإبل مبلغاً عظيماً ، بل إنهم لعظم شغفهم بها أقاموا المحافل التي يجتمعون فيها ليفاخر بعضهم بعضاً بها ، وهي ولا ريب سنة قبيحة لم تكن لدى الأسلاف منذ الجاهلية وحتى زمننا الحاضر ، وابتدعناها نحن سفهاً وجهلاً ، كما أنها وبسبب ما تلبس بها من منكرات وإسراف وبغي وتأجيج للفرقة وإشعال لوقودها ؛ تجعلها في مواطن المحرمات ، كما أن تلك المغالاة في أقيام الإبل حتى بلغت العشرات من الملايين ، يجعلنا في ريبة من مصادر هذه الأموال ومواردها ؛ لأن من شقي في جمع الأموال يستحيل عليه أن يجعلها في بهيمة مهما بلغت نفاستها ..
ولو نظرنا في حال من يدفعون تلك الملايين ؛ لوجدنا أن ساحتهم من أعمال الخير خاوية ؛ فلا يعرف لهم أثر حميد في ذلك ، بل إن قرابتهم هم من أشقى الناس بهم ، بل إن أحدهم سجن أخوه في مئة ألف ريال ؛ فلم يتبرع لإخراجه ، وهو يدفع الملايين في هذا السبيل ، وهذا دليل على قلة بركة هذا الصنيع وعظيم الجناية فيه ، وخلاصة هذا الأمر وهذا المهرجان المسمى بمهرجان أم رقيبة أنه طغيان وإفساد في الأرض ، وما ارتفعت الأسعار وزاد الغلاء وانقطعت الأمطار ، وقلَّت البركات إلا بسبب من هذه المنكرات ومثيلاتها ، وهنا يأتي دور الوعاظ والخطباء والعلماء في تحذير الدولة وولاة الأمر من هذا الأمر وهذه المنكرات ، وأنه جالب تعاسة للبلد وأهله إن استمر ، لا بد أن نتواصى في ذلك ، ويوصي بعضنا بعضاً في التحذير منه )وَاتَّقُوا فِتْنَةً لاَ تُصِيْبَنَّ الَّذِيْنَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيْدُ العِقَابِ ( .
المرفقات

وفي الإبل آية.pdf

وفي الإبل آية.pdf

وفي الإبل آية.doc

وفي الإبل آية.doc

المشاهدات 2240 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا